Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العاصمة السعودية تدير ظهرها للتطرف وتحتفل بـ "موسم الرياض"

 بعد عقود من القيود تنفض غبار 79.. وتطلق العنان للأفراح والشباب

أطلقت هيئة الترفيه السعودية ليلة البارحة وسط "أمم من الجنسين الشباب والشابات" السعوديين #موسم_الرياض، بعد أسابيع من الترويج للمناسبة الترفيهية التي اجتمع لمشاهدة مسيرتها الافتتاحية نحو 600 ألف من سكان العاصمة وزائريها من معظم أنحاء العالم.

وكانت الرياض تحولت منذ 3 أشهر إلى ورشة لا تتوقف ليلاً أو نهاراً، وكشفت عن ساقيها، لتحقيق أرقام استثنائية في جذب السياح السعوديين والأجانب إلى موسمها الذي كان الأول الذي تشهده البلاد على مر تاريخها الطويل، فكانت إقامته بمثابة تحدٍ لا رجعة عنه بالنسبة إلى رئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ، الذي أخرج كل ما في جعبته ليغدو مروجاً رئيساً للمهرجان بالتغريدة والأغنية والإعلان، ولم لا بـ"النكتة والسخرية" إذا استدعى الأمر ذلك.

لكن التحدي الأكبر بالنسبة إلى صناع الترفيه في العاصمة الصحراوية، هو كسب رهان 8 ملايين من سكان المدينة التي عرفت منذ عقود بهيمنة المحافظين والمتشددين على معظم أنشطتها ومفاصل الحياة الاجتماعية فيها، حتى شهدت أعتى المواجهات بين قوات الأمن وعناصر تنظيم القاعدة ومن ثم داعش منذ 2003، فهل استطاعت الرياض أن تكون أقرب إلى اسمها المشتق من "الروض والواحات الغناء" لتعود سيرتها الأولى؟

هذا على الأقل ما تعهد به رجلها القوي الأمير محمد بن سلمان، الذي قال إننا "سنعود إلى الإسلام المعتدل الذي كنا عليه قبل عام 1979م. وسندمر الإرهاب الآن وفوراً. ولن نضيع 30 سنة أخرى في التعامل معه". في إشارة منه إلى العام الذي استحوذ فيه الخميني على السلطة في إيران وأطلق شرارة الأصولية الدينية والحركات المتطرفة في المنطقة التي حاولت تنظيمات سنية فيها مثل الإخوان المسلمين وحركات راديكالية كجماعة جهيمان والصحوة الإسلامية، القيام بثورة على الطريقة الخمينية. ثم تتابعت بعد ذلك التطورات وطبع التشدد ساحة الإقليم برمته، فكانت السعودية بوصفها قبلة المسلمين واجهة الصراع الأولى وقطب الرحى.

فلسفة الترفيه الجديدة

ولهذا لم يتمالك آل الشيخ نفسه وهو يطلق شرارة الموسم، أمام الحشود التي قال إنها فاقت الطاقة الاستيعابية لمكان التنظيم 10 مرات "من كان يتخيل أننا نرى مثل هذا الشيء في الرياض وبلادنا. سأقول لكم بوضوح: كل هذا ما كان ليتحقق لولا وجود شخص اسمه الأمير محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي) الذي نقل شعبه من مكان إلى مكان آخر، وجعله يعيش الحياة الطبيعية كما تعيشها كل شعوب العالم".

ويتضمن الموسم 12 منطقة رئيسية وفرعية، حاول فيها منظمو المهرجان تطبيق فلسفة "بدلاً من أن تذهب إليه هاهو يأتيك"، فاستقدموا كل ما أمكنهم من وسائل الترفيه ومدنها العالمية من لندن وروما إلى أميركا وفرنسا وحتى أفريقيا، ووزعوها على أنحاء الرياض، فكانت منطقة "البوليفارد" وتعني بالعربية الشارع الفسيح، هي المحطة الرئيسة، حيث تم جمع ما تفرق في غيرها، وحاول المنظمون أن تكون مثلما تشتهي أنفس السكان والزوار، بأزقتها وعروضها ومفاتنها، التي لم تستثن حتى المياه الشحيحة في الصحراء، فأقيمت فيها بحيرة فسيحة الأرجاء، تحفها المطاعم والساحات، وتتوسطها نافورة راقصة، يتناوب أقطاب الطرب الأصيل والحديث على إمتاع زوارها بأجمل الأنغام، من كوكب الشرق أم كلثوم إلى فيروز وصولاً إلى محمد عبده الذي حمل المسرح الأكبر في الساحة اسمه.

أما المسيرة التي كانت هي عنوان الافتتاح الليلة الماضية، فكانت مثلما يصفها حضورها على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي "شيء خرافي وعالمي من الدرجة الأولى". وقد أرفقت المعلقة صوراً للمجسمات التنكرية لشخصيات وأفلام ديزني، والفيلة، والصقور، والدبابات الحربية، والدرجات النارية. (شاهد الفيديو)
وكما اعتاد السعوديون عبروا في تفاعلهم مع المناسبة عن مشاعرهم بطرق لا تخلوا من سخرية وطرفة، وأحياناً مبالغة في الإطراء، فيعلق عبد الإله على صورة إحدى أبراج الرياض التي تحولت شواظاً من لهب بألوان الموسم، قائلا: "كنا نرى مثل هذه المشاهد على ابراج دول الجوار والدول الاخرى ونتحسر وبداخلنا غصة كنا نسافر عشان هالمشهد (من أجل هذا المشهد)..كنا لانسمع سوى صوت صراصير الليل (نوع من الحشرات) في مدننا". وتقول من سمت نفسها لوزه "شوفوا سندريلا كيف مبسوطه"، ثم تضيف بثينة من جهتها على هاشتاق الموسم أيضا "في الرياض صار الي ما قد صار".

مقاومة للفرح

لكن هذا لا يعني أن فرحة الموسم وحشده، مرت من دون منغصات جدلية وإن كانت تائهة وسط أكثرية المولعين بالفعاليات، إذ حاولت بعض الحسابات المجهولة أن تشكك في مشروعية الفرح على طريقة هيئة الترفيه، زاعمة أنها تجاوزت المباح إلى المحرم، داعية إلى مراجعة خططها، ومحاولة ثني الناس عن الذهاب إليها، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث حتى الآن على الأقل.

وكان نشطاء سعوديون على شبكة تويتر، كشفوا عن هوية أحد أعضاء جبهة النصرة، نشر مقطعاً يحرض فيه على الموسم، قبل أن يظهر أنه مدفوع كما يقول السعوديون من دولة أخرى، ونشروا صوراً له يحمل السلاح يقاتل وسط صفوف النصرة، وسط أنباء ترددت بأنه أيضاً صديق أحد المطلوبين السعوديين الخطرين في سوريا يدعى عبدالله المحيسني، إذ كان الأخير واحداً من أشهر المجندين للشباب السعوديين ممن وقعوا في فخ التطرف إن كان عبر الانتساب إلى النصرة أو داعش، تحت ذريعة ما يسمونه آنذاك "الجهاد في سوريا".

أما صناع الترفيه السعوديون والعرب، فإنهم وجدوا في الموسم رسالة نادرة طال انتظارها، وقد جمعتهم الجهة المنظمة قبل التدشين وكرمت من صنفتهم بينهم من الرواد في مجالهم، أمثال الإعلامي السعودي عبدالرحمن الراشد، ومواطنه محمد عبده، وغيرهم من الحضور العرب والأجانب أمثال جاكي شان، وشاروخان.

وقال عبدالإله السناني "شكرًا لكل من ساهم في صناعة الفرحة ورسم الإبتسامة. شكرًا لمن منح هذا الكرنفال المبهج جهده". بينما يقول السعودي عبدالله الماجد تعليقاً على السجال السابق، وبعد الحفل الذي سبق التدشين للفرقة الكورية "بي تي اس" على طريقة المؤرخين : "وفي العام التاسع عشر بعد الألفين توشحت الرياض بالفرح وتفاعلت أجيال لم تلوث عقولها ونفسياتها أدبيات الصحوة مع فرقة  BTS الكورية تفاعلا مذهلا".

ويضيف "يتداخل هنا مغردين من خلايا عزمي ومن مسطحي ودراويش الصحوة بعضهم يصف مظاهر الفرح بالانحلال وآخرون يتساءلون: هل عالجت مظاهر الفرح مشاكل البطالة وتوفير السكن وهل صنعنا من خلالها صواريخ ..إلخ؟ ونقول وهل ترسيخ مفاهيم الأنسنة وشيوع الفرحة والابتهاج تمنع من معالجة مشكلة البطالة"؟

وهكذا أدارت الرياض ظهرها لعصر مضى، وأطلقت العنان لشبابها والأفراح، بينما يبقى للجميع خيار حضور الفعاليات أو الإمساك عنها. إلا أن التحريض بات غير مرحب به حتى وإن جاء بذريعة الوعظ من جانب خطباء الجمعة، الذين شددت الشؤون الإسلامية عليهم الرقابة، ليبثوا "رسالة الرحمة وجمع الكلمة، بعيداً عن التحريض والخوض في الجدل السياسي والحزبي" حسب ما تقول الوزارة.

وكانت السعودية استبقت افتتاح موسم الرياض الذي جاء بعد مواسم عدة في مناطق مختلفة من المملكة، بدعوة العالم إلى زيارتها ومشاهدة وجهها الجديد، وسط تسهيلات لم تقرها من قبل، كان أهمها إزالة القيود على النساء الزائرات في اللباس وأماكن الإيواء، وإسقاط التأشيرة عن مواطني 49 دولة، وجميع حاملي تأشيرة "الشنجن" أو بريطانيا أو أميركا.

المزيد من منوعات