ملخص
يعلق الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد، قائلاً "أي شخص عاش في إسرائيل منذ عام 1967 يعلم أن مصطلح لواء ناحال هو اسم رمزي للمستوطنات، يبدأ الأمر بنواة ناحال، ثم يتحول إلى مدرسة دينية، ثم إلى بؤرة استيطانية، ثم إلى مستوطنة متكاملة، حتى الأميركيون يدركون ذلك جيداً".
على رغم أنه سبق وتراجع عن إعلان نية إسرائيل الاستيطان في غزة، عاد وزير الدفاع يسرائيل كاتس مرة أخرى وأكد أن تل أبيب تخطط فعلياً لبناء بؤر استيطانية في القطاع. قالها من دون استحياء وأشهر سيفه مواجهاً خطة السلام والازدهار وجميع القوانين والأعراف الدولية.
الثلاثاء الماضي، قال كاتس "إسرائيل لن تنسحب أبداً من كامل غزة، وستقيم بؤراً استيطانية في شمال القطاع، عندما يحين الوقت سنقيم ’نوى ناحال‘ بدلاً من المستوطنات التي أزيلت من غزة عام 2005".
نفي ثم تراجع عن النفي
وأثارت التصريحات الإسرائيلية غضب المجتمع الدولي والولايات المتحدة، وبعد وقت قصير من ذلك الإعلان نفى كاتس نية حكومة تل أبيب الدفع نحو إقامة مستوطنات إسرائيلية في القطاع، وبعد يومين نددت 14 دولة بتوسيع إسرائيل مستوطناتها في الضفة الغربية، فأعاد وزير الدفاع تأكيد تصريحاته المنفية.
ويقول كاتس "أنا لا أتراجع، رؤيتي هي أنه في المنطقة الشمالية من القطاع، وهي المنطقة التي أخليت منها مستوطنات سابقاً، ستقام بؤر استيطانية عسكرية، لكنها ذات معنى، يمكن أن تكون هناك يشيفا (معهد توراتي) وأمور أخرى، تماماً مثلما نفعل في الضفة الغربية، هذا ما قلته، وهذا ما أقوله الآن، وهذا ما أواصل قوله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف "غداً هناك من سيحاول تفسير أقوالي على أنها إعلان فوري عن إقامة استيطان في كل غزة، لكن هذا أمر يمكن القيام به في الوقت المناسب مستقبلاً". وبدا كاتس كأنه يريد التأكيد للدول الـ14 التي نددت بالاستيطان أن إسرائيل لن تكتفي بذلك وتنوي ابتلاع كل الأرض الفلسطينية.
بكل صراحة كشف كاتس ليس عن رؤيته لوحده وإنما بين خطط إسرائيل لإقامة "نوى ناحال"، وهو برنامج يشرف عليه "لواء ناحال" التابع للجيش، ويقيم تجمعات استيطانية شبابية تجمع بين خدمة المجتمع والخدمة العسكرية.
يعلق الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد، قائلاً "أي شخص عاش في إسرائيل منذ عام 1967 يعلم أن مصطلح لواء ناحال هو اسم رمزي للمستوطنات، يبدأ الأمر بنواة ناحال، ثم يتحول إلى مدرسة دينية، ثم إلى بؤرة استيطانية، ثم إلى مستوطنة متكاملة، حتى الأميركيون يدركون ذلك جيداً".
الاستيطان في غزة
عام 1973 شجع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين فكرة الاستيطان في القطاع، ودشن بؤرة استيطانية حملت اسم "ناحال قطيف"، واستمر بناء المستوطنات في القطاع إلى أن وصل عددها إلى 21 مستوطنة يعيش فيها نحو 8 آلاف مستوطن إسرائيلي، وعام 2005 قررت تل أبيب فك الارتباط مع غزة، وحينها اضطرت إلى الانسحاب وتفكيك مستوطناتها جميعها.
ومنذ عام 2005 حتى عام 2023 لم تكُن إسرائيل تحتل أية مساحة من قطاع غزة، بالتالي لا مستوطنات هناك، لكن في الحرب وبسبب انتشار الجيش في القطاع عاد الحديث عن الاستيطان في آخر جزء من الأراضي الفلسطينية.
وبدأ الاستعداد العملي للاستيطان في غزة يوم الـ12 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2023، أي بعد شهرين من بدء حرب القطاع، وحينها نظمت نحو 15 منظمة استيطانية اجتماعاً تحت عنوان "الاستعداد العملي للاستيطان في قطاع غزة".
في الواقع تخطط إسرائيل للعودة للاستيطان في غزة منذ الحرب، ويقول وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير "إذا كنا لا نريد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) آخر، فعلينا العودة لديارنا والسيطرة على الأرض في غزة".
وتخطط جمعيات استيطانية بصورة كبيرة للاستيطان في غزة، حيث نشرت شركة عقارات إسرائيلية إعلاناً لمشاريع بناء استيطاني داخل القطاع شمل رسماً هندسياً ومخططات للبيوت المقرر بناؤها وإلى جوارها صور بيوت الفلسطينيين المدمرة.
وتقول رئيسة منظمة "ناتشالا" الاستيطانية دانييلا فايس "جهزت خرائط للاستيطان في القطاع، ولدي قائمة تضم 880 عائلة مستعدة للانتقال فوراً، من بينهم أسر تعيش خارج إسرائيل، وعائلات كانت سكنت مستوطنات غزة السابقة، وفتيات وشباب لديهم الرغبة نفسها".
وتضيف "بعد تفريغ غزة من السكان أو في الأقل شمال القطاع سنبني ست مستوطنات، على الأرجح في غضون عام سننفذ ذلك، سنملأ المناطق التي يحررها الجيش الإسرائيلي من سكان غزة بالمجتمعات اليهودية، سنستوطن القطاع بأكمله، كل شبر في الشمال".
الخط الأصفر السبب
على أية حال، فإن مما يشجع الإسرائيليين على عودة الاستيطان هو استيلاء الجيش على أكثر من نصف مساحة غزة، وهذا النشاط يوفر مكاسب غير متوقعة لمؤيدي تجديد المستوطنات في القطاع، إذ عملت القوات في الأماكن الاستراتيجية التي فر منها الغزيون على تسوية الأرض وأنشأت مساحات تستخدم للسيطرة على القطاع في تمهيد لإعادة الاستيطان.
وحالياً تسيطر إسرائيل على غزة الشرقية، وتقدر مساحتها بـ58 في المئة من إجمال مساحة القطاع، من ضمنها مناطق مركزية مثل بيت حانون وبيت لاهيا شمالاً، وأجزاء من خان يونس ورفح جنوباً، ويفصلها عن غزة الغربية التي يعيش فيها السكان الخط الأصفر.
وفي ما يبدو وكأنه تمهيد للرأي العام للاستيطان في غزة، كان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير قال "الخط الأصفر الذي تتمركز فيه قوات الجيش حالياً يعد الحدود الجديدة لقطاع غزة".
واليوم، وقبل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة، تخطط تل أبيب للحصول على دعم أميركي لإعادة رسم خط الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة، وتحويل الخط الأصفر إلى خط الحدود الرسمي الجديد لإسرائيل، مما يعني ضم أجزاء واسعة من أراضي القطاع.
وعلى رغم أن نتنياهو استبعد مراراً خلال الحرب إمكان إعادة إنشاء مستوطنات في غزة، فإنه يبدو الآن مستعداً لذلك، ويقول "على العرب أن يفهموا أن من يقتل إسرائيليين يخسر أرضاً"، وبذلك يبرر فكرة ضم أجزاء من غزة إلى تل أبيب وعودة الاستيطان.
معارضة دولية
وجدت خطط تل أبيب لعودة الاستيطان وضم نصف مساحة القطاع معارضة دولية، إذ وجهت الولايات تأنيباً حاداً للحكومة الإسرائيلية بسبب تصريحات وزير الدفاع عن الاستيطان لأنها تمس التقدم المرجو في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام الشامل، وتبعد مزيداً من الدول العربية من الدخول فيه.
وعلق رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر ضياء رشوان، قائلاً "إسرائيل تعرقل المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة".
وفكرة الاستيطان في غزة تتعارض مع القانون الدولي، فيوضح مقرر الأمم المتحدة المعني بالنظام الدولي جورج كاتروغالوس أن التصريحات الإسرائيلية حول إنشاء مستوطنات في قطاع غزة تمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.
وردت "حماس" على لسان المستشار الإعلامي للحركة طاهر النونو أن "الدعوة إلى الاستيطان في غزة تكشف عن نوايا جريمة التهجير والتطهير العرقي ضد الفلسطينيين، وتمثل استخفافاً بالقرارات الدولية، نحن لن نسمح بتطبيق ذلك بالمطلق، إن ذلك يعد خرقاً حقيقياً لاتفاق وقف إطلاق النار، ويتناقض بوضوح مع خطط الرئيس الأميركي المعلنة لإحلال السلام في قطاع غزة".