ملخص
كشف مسؤولون إسرائيليون تخوفاً في البيت الأبيض من عدم التوصل إلى تفاهمات بين ترمب ونتنياهو، خلال لقائهما في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية إلى الإعلان الشهر المقبل، عن تأسيس "مجلس السلام" وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوة الاستقرار الدولية في القطاع، وفق ما نُقل عن مسؤولين في البيت الأبيض.
قبل مغادرته إسرائيل، المقررة مساء غد السبت، متوجهاً إلى ميامي للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في منتجعه هناك، يبحث رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مع الأجهزة الأمنية والمقربين منه مختلف النقاط المختلف عليها في ملف غزة، في ظل تفاعل الحلبة السياسية بين واشنطن وتل أبيب في محاولة لمنع استمرار الخلاف بين الطرفين في ما يتعلق بملف غزة وتحديداً الدخول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
توصيات عدة قُدمت إلى نتنياهو ومقترحات لخريطة طريق تؤدي إلى إنهاء الحرب أسوة بالتحذير من تداعيات تعنت إسرائيل في مواقفها حول مختلف النقاط المختلف عليها كشروط للدخول إلى المرحلة الثانية من الاتفاق.
وجاء هذا التفاعل والجهود المكثفة في أعقاب رسائل أميركية وصلت إلى إسرائيل بشأن ما يكشف عن خطط إسرائيلية داخل غزة لعرقلة التقدم في تنفيذ الاتفاق.
وكشف مسؤولون إسرائيليون تخوفاً في البيت الأبيض من عدم التوصل إلى تفاهمات بين ترمب ونتنياهو، خلال لقائهما في الوقت الذي تسعى فيه الإدارة الأميركية إلى الإعلان الشهر المقبل، عن تأسيس "مجلس السلام" وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية وقوة الاستقرار الدولية في القطاع، وفق ما نُقل عن مسؤولين في البيت الأبيض.
وبحسب التقارير الإسرائيلية، التي نقلت هذا الحديث، فإن الرئيس الأميركي ينوي عقد اجتماع مجلس السلام خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، في الأسبوع الأخير من الشهر المقبل.
وذكرت "قناة 12" الإخبارية أن المحادثات التي يجريها المبعوثان الأميركيان الى المنطقة، ستيف ويتكوف وجاريد كوشنير، في مصر وقطر وتركيا تأتي ضمن الجهود المبذولة للتوصل إلى تفاهمات بشأن المرحلة الثانية من خطة ترمب في قطاع غزة، التي تشمل بداية نزع سلاح "حماس" وانسحاب آخر للجيش الإسرائيلي.
في سياق متصل، نقل مسؤول إسرائيلي مقرب من نتنياهو شكوك رئيس الحكومة الإسرائيلية في ما يطرحه كوشنير وويتكوف، تحديداً بما يتعلق بنزع سلاح "حماس". وأكد أن نتنياهو سيبذل كل جهد لإقناع ترمب بتبني موقفه الرافض حالياً، خطوات جديدة والدخول إلى المرحلة الثانية قبل نزع سلاح "حماس".
وبحسب ما نُقل في إسرائيل عن ثلاثة مصادر أميركية فإن ما اتخذ من قرار خلال لقاءات كوشنير وويتكوف هو تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية تشرف على نزع سلاح غزة، من خلال إقناع "حماس" وتنظيمات مسلحة أخرى بأن الحكومة الفلسطينية الجديدة هي المسؤولة الوحيدة عن القانون والنظام والمخولة باستخدام السلاح.
في الخطة أيضاً نزع السلاح على مراحل البداية تكون بنزع السلاح الثقيل (صواريخ وقذائف) ومن ثم أسلحة خفيفة كذلك يُسمح لحكومة التكنوقراط طلب مساعدة القوة الدولية.
اتساع الشكوك حول المرحلة الثانية
تشهد إسرائيل من جهتها، حالة من الاستقطاب السياسي الحاد إزاء كل ما يتعلق بالانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق غزة، تتزايد مع اقتراب لقاء الرئيسين.
وينعكس هذا في المجتمع الإسرائيلي بعد أن تبين أن 54 في المئة من الإسرائيليين يدعمون الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار بينما 36 في المئة يعارضون.
وبحسب معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، الذي أشرف على هذا البحث فإن النتائج تعكس اتساع الشكوك في كيفية التعامل مع هذا الملف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستقطاب ظهر بشكل واضح لدى نتائج مؤيدي الائتلاف الحكومي ومعارضي الحكومة، إذ ارتفعت نسبة الداعمين للمضي نحو المرحلة الثانية من الاتفاق بين مصوتي المعارضة إلى 67 في المئة بينما بين مؤيدي الحكومة لا تتجاوز 36 في المئة.
أيضاً بين معسكري اليمين، إذ يرفض 36 في المئة الدخول إلى المرحلة الثانية بينما يدعم ذلك بين معسكر اليسار – الوسط 72 في المئة.
هذه المعطيات تعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية، التي أوضحها وزير الأمن يسرائيل كاتس، من خلال إعلانه الأخير عن خطة إقامة نوى استيطانية شمال قطاع غزة، وهو إعلان أثار نقاشاً عاصفاً وغضباً ليس فقط داخل إسرائيل إنما لدى الإدارة الأميركية مما اضطره إلى التراجع عنه في اليوم نفسه.
إذ نقلت الولايات المتحدة رسالة إلى حكومة نتنياهو أعربت فيها عن استغرابها وغضبها من تصريح كاتس ما استدعاه، وبطلب من نتنياهو، إلى إعلان التراجع عن حديثه، لكنه بعد أقل من 24 ساعة عاد وأكده عبر سياسة المناطق الأمنية العازلة عند مختلف الجبهات من غزة حتى لبنان وسوريا.
رؤية كاتس، بحد ذاتها هي عقبة مركزية أمام بدء تنفيذ المرحلة الثانية من خطة غزة، التي سيُتفق حولها في لقاء نتنياهو- ترمب. ووفق رؤيته ستُقام في المنطقة الشمالية من القطاع، وهي المنطقة التي أُخليت منها مستوطنات سابقاً، نوى استيطانية عسكرية، لكنها "ذات معنى، يمكن إنشاء معهد توراتي لتعليم الدين وأمور أخرى".
الخوف من الطريق المسدود
على رغم الجهود التي يسعى من خلالها نتنياهو والمقربون منه لإظهار أن إيران والخطة الإسرائيلية لتوجيه الضربة إليها تشكل المحور المركزي للقائه الرئيس ترمب، فإن مطلعين على ترتيب اللقاء والاتصالات الأخيرة بين واشنطن وتل أبيب يعتبرون المرحلة الثانية من اتفاق غزة هو الملف الذي يريد ترمب التوصل إلى اتفاق حاسم حوله يبدأ العمل فيه فور عودة نتنياهو إلى تل أبيب.
في إسرائيل وضعوا خطاً أحمر سيحاول نتنياهو إقناع ترمب به: "الانتقال إلى المرحلة الثانية لإعمار غزة – بما في ذلك إقامة قوة استقرار وحكومة تكنوقراط – يمكن أن توافق عليه إسرائيل فقط بعد تجريد حماس من سلاحها".
وبحسب مصادر إسرائيلية مطلعة على التفاصيل، لا يمكن لفكرة قوة الاستقرار أن تنطلق طالما قطاع غزة غير منزوع السلاح و"حماس" تسيطر في المنطقة.
هذا الوضع يعكس فجوة بين موقف إسرائيل وموقف واشنطن. فبينما يدفع الأميركيون وحلفاؤهم الإقليميون نحو إقامة أجهزة حكم وإعمار وبالتوازي معالجة مسألة تجريد "حماس"، يصر متخذو القرار في إسرائيل على أن المفتاح هو نزع السلاح، وهذا ما متوقع أن يقوله نتنياهو في اللقاء.
في إسرائيل يناقشون سيناريوهين في شان القوة الدولية: الأول إذا وافقت "حماس" على تسليم السلاح يمكن في موازاة ذلك تشكيل القوة الدولية وبدء عملها.
أما السيناريو الثاني، في حال رفضت "حماس"، فلا مجال لدخول قوة استقرار، وإسرائيل لن توافق على خطوة في إطارها تدخل قوة أجنبية بدلاً من الجيش الإسرائيلي، وهو موقف يشكل نقطة خلاف كبيرة بين واشنطن وتل أبيب.
نقطة خلاف أخرى ستطرح في اللقاء في سياق المرحلة الثانية، بحسب مصادر مقربة من نتنياهو، هي إمكانية أن تدخل قوة الاستقرار الدولية إلى المناطق التي يسيطر فيها، اليوم، الجيش الإسرائيلي في القطاع.
وبحسب هذه المصادر إسرائيل غير مستعدة لأن توافق على ذلك طالما لم يتم نزع سلاح "حماس"، "لا تؤمن إسرائيل بأن قوة دولية يمكنها تنفيذ العمل حيال حماس أو تمنع سيطرتها من جديد، وبالتالي لن توافق على أن ينسحب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي يسيطر عليها مقابل الوعد بأن تدخل مثل هذه القوة إليها".
حالة الطوارئ وخطر الانزلاق
من جهته، يرى البروفسور أبراهام بن تسفي، الباحث في العلاقات الدولية أن لقاء الرئيسين سيبلور الخطوات لتثبيت وتنفيذ الآليات والأطر الدولية لضمان التقدم في الطريق إلى تصميم محيط محلي جديد ومستقر في غزة، كرافعة لاختراق طريق أيضاً في مسار توسيع ورفع مستوى "اتفاقات أبراهام".
ويرى بن تسفي أنه بالنسبة إلى ترمب "بقي هدف التقدم من حرب ساخنة إلى حرب باردة في جبهة غزة، والتقدم من "سلام بارد" إلى "سلام ساخن" بين إسرائيل والعالم السني المعتدل، أمنية تحمل معها إمكانية كامنة سياسية واقتصادية عظيمة القيمة. هذا أيضاً بلا حاجة إلى مواجهة عسكرية مباشرة أخرى مع محور الشر".
ويوضح أن هذا اللقاء الطارئ يأتي من أجل التقدم في المرحلة الثانية في غزة، ولكن أيضاً منع إشعال الجبهة الشمالية سواء تجاه لبنان بالخروج إلى جولة جديدة كما يهدد الإسرائيليون أو سوريا التي ترفض إسرائيل الانسحاب من المناطق المنتشر فيها الجيش، على رغم ما نشر من احتمال تطورات مفاجئة تصل أيضاً إلى لقاء بين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع.
ووفق اطلاعه على التطورات في العلاقة بين تل أبيب وواشنطن يرى بن تسفي أن ترمب يريد أن يسرع الطريق للدخول إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف حرب غزة، ليس فقط لحاجة وضرورة إنجاح الاتفاق إنما أيضاً لانشغاله في جبهات أخرى.
في المقابل، جدول أعمال نتنياهو في المسار الذي يفترض أن يؤدي إلى المرحلة الثانية يختلف جوهرياً. في الماضي كل مقترح اتفاق كان ينطوي على انسحاب إسرائيلي جر تهديدات بالانسحاب من جانب شركائه من اليمين.
ولهذا السبب فإن الضغط لانسحاب فوري إضافي من شأنه هذه المرة أيضاً أن يولد تحفظات واشتراطات من جانب نتنياهو. إضافة إلى ذلك فإنه يتعرض لضغط داخلي وجماهيري في جملة واسعة من المسائل – قانون التجنيد، رفضه تحمل المسؤولية عن كارثة السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، معارضته إقامة لجنة تحقيق رسمية، تصدر ملف قضية "قطر غيت" الأجندة وتجاهله لأعمال "فتيان التلال" والمستوطنين في الضفة.
إزاء هذه الوضعية سيبذل نتنياهو كل ما يستطيع لعدم اتخاذ قرار بشأن غزة والتركيز على ملفات أخرى، في مركزها إيران وخطر صواريخها.