ملخص
تشهد تونس تلاسناً مستمراً بين السلطات وقوى المعارضة منذ إطاحة الرئيس قيس سعيد البرلمان والحكومة عام 2021، حيث تصاعدت الأزمة بصورة غير مسبوقة، مما جعل كثراً يرون أن هذا الجدال محاولة من المعارضة لإحراج الحكومة.
أثار توقيع اتفاقية للتعاون الدفاعي بين تونس والجزائر جدالاً غير مسبوق في تونس، حيث تصاعدت الدعوات إلى نشر مضمونها، خصوصاً إثر ظهور تسريبات لبعض بنودها، وهي بنود أثارت مخاوف تونسية.
وكان وزير الدفاع الوطني في تونس خالد السهيلي قال إن هذه الاتفاقية ليست جديدة، بل تم توقيعها منذ عام 2001، ومراجعتها لتتوافق مع المستجدات وتوسيع مجالات التعاون، خصوصاً في مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود وتأمين الحدود المشتركة.
وتحدث المسؤول التونسي عن محاولات أطراف توظيف الاتفاقية المذكورة والركوب عليها لبث الإشاعات، لافتاً إلى أنه "كلما اقتربت تونس والجزائر من توثيق تعاونهما كثرت المغالطات".
جدال مشروع
ولم تنهِ تصريحات السهيلي الجدال الدائر في شأن مضمون هذه الاتفاقية، إذ طالبت أوساط سياسية معارضة في تونس بنشرها علناً لمعرفة ما تتضمنه.
وعد القيادي في حزب التيار الديمقراطي في تونس مجدي الكرباعي، أن "الجدال الدائر في تونس حول اتفاقية التعاون الأمني مع الجزائر هو في جوهره مشروع. فنحن نتحدث عن اتفاقية تمس مجالاً شديد الحساسية هو الأمن والدفاع، وفي سياق سياسي يتسم بضعف الرقابة البرلمانية وغياب الشفافية المؤسساتية".
وأضاف الكرباعي لـ"اندبندنت عربية"، "من حيث المبدأ، التعاون الأمني بين دولتين جارتين مثل تونس والجزائر ليس أمراً استثنائياً. فالبلدان يشتركان في حدود طويلة، ويواجهان تحديات موثقة تتعلق بالإرهاب العابر للحدود والتهريب والجريمة المنظمة، وهو ما تؤكده البيانات الرسمية الصادرة عن وزارتي الدفاع في البلدين، لكن الإشكال الحقيقي لا يكمن في فكرة التعاون، بل في طريقة إدارة هذا التعاون سياسياً وقانونياً داخل تونس".
لا نقاش مؤسساتياً
تشهد تونس تلاسناً مستمراً بين السلطات وقوى المعارضة منذ إطاحة الرئيس قيس سعيد البرلمان والحكومة عام 2021، حيث تصاعدت الأزمة بصورة غير مسبوقة، مما جعل كثراً يرون أن هذا الجدال محاولة من المعارضة لإحراج الحكومة.
لكن الكرباعي يعتقد أنه "إلى اليوم، لم ينشر النص الكامل للاتفاقية للرأي العام، ولم يعرض لنقاش مؤسساتي واسع، وهو ما يفتح الباب أمام مخاوف مشروعة تتعلق بحدود السيادة الوطنية، وطبيعة تبادل المعلومات، والضمانات الحقوقية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعارضين السياسيين واللاجئين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبين أنه "في هذا السياق، لا يمكن اختزال الجدل في كونه مزايدات من المعارضة، كما لا يمكن في المقابل اعتباره دليلاً آلياً على تهديد وشيك للسيادة. نحن أمام فراغ معلوماتي، وهذا الفراغ هو ما ينتج التوتر السياسي"، مشيراً إلى أن "تأثير الاتفاقية الدفاعية على الوضع الداخلي في تونس هو تأثير سياسي أكثر منه أمنياً في المرحلة الحالية، إذ لا توجد معطيات منشورة تثبت تغييراً مباشراً في العقيدة الأمنية أو في انتشار القوات". وأكد أن "الأمن الحقيقي لا يبنى فقط بالتنسيق بين الأجهزة، بل أيضاً بثقة المواطنين، وهذه الثقة لا تتحقق إلا عندما تكون الاتفاقات واضحة ومنشورة وقابلة للنقاش والمحاسبة".
استقطاب داخلي
وانتشرت في الأيام الماضية تسريبات مثيرة للجدال على مواقع التواصل الاجتماعي لهذه الاتفاقية، التي قالت دوائر سياسية في تونس إنها "قد تمس السيادة الوطنية للبلاد".
لكن الرئيس قيس سعيد نفى على هامش لقائه رئيسة الوزراء سارة الزعفراني الزنزري، صحة الوثائق المتداولة. وقال إن هذه "الوثائق مفتعلة ولا وجود لها إلا في الخيال المريض"، مشيراً إلى أن من قاموا بفبركتها "ما زالوا يتخبطون في غيهم". كما أعاد التأكيد أن "الدولة لا تدار بالتدويناًت، وأن هؤلاء مكشوفون ومفضوحون".
واعتبر المحلل السياسي الجزائري صابر البليدي أن "السجال المتصاعد في تونس حول مضمون الاتفاقية وليد حال استقطاب داخلي بامتداداًت إقليمية تتعدى حدود القطر التونسي، فضلاً عن شكوك متراكمة بسبب غياب الشفافية داخل المؤسسات الرسمية، ففي حين تعمد الأخيرة إلى التكتم حول بعض الخيارات الاستراتيجية يجري استغلال أطراف داخلية لعلاقات تونس في محيطها الإقليمي لتأليب الرأي العام تحت يافطة الخطاب الشعبوي والشعارات المثيرة للشارع التونسي".
وأردف البليدي أن "الاتفاق العسكري والأمني المبرم بين البلدين أثار شكوكاً وانتقادات عدة من أطراف سياسية تونسية لم تأخذ في الحسبان أن مثل هذه الاتفاقات طبيعية ومنطقية بين بلدين يشتركان في كثير من المقومات والاهتمامات والتحديات".
وأبرز أنه "يجري استغلال ما يعرف بالتسريبات والتأويلات لإثارة الشارع التونسي من دون الاكتراث بخطر ذلك على موقع وحتمية التعاون المكثف بين البلدين لمواجهة التحديات القائمة".
ويؤكد البليدي أن "ذلك لا يعفي السلطة التونسية من مسؤولية التصعيد، لأن الشفافية والصراحة هما الورقتان الكفيلتان بتطويق الإشاعات والتأويلات وكشف نيات الأطراف التي تستهدف النيل من علاقات البلدين، خدمة لأغراض ضيقة داخلية وإقليمية''.
محاولات تشويش
وشهدت العلاقات بين تونس والجزائر مزيداً من التقارب خلال السنوات الأخيرة في خطوات أثارت جدالاً، خصوصاً في ظل الوضع السياسي الراهن الذي تعرفه تونس.
ويأتي هذا التقارب أيضاً في خضم تحديات أمنية إقليمية متزايدة، ووضع هش في ليبيا، وكذلك تصاعد الأزمة الأمنية في مالي المجاورة للجزائر، حيث تفرض جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي حصاراً على العاصمة باماكو، مما يثير مخاوف من تداعيات محتملة على شمال أفريقيا.
وقال البليدي "في الواقع، علاقات البلدين معرضة لمحاولات التشويش والتسميم عبر إشاعة أجواء مشحونة بين الشعبين، لا سيما على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن ما يربطهما أكبر بكثير من تلك المحاولات".
واستنتج "لذلك فإن المؤسسات في البلدين والقيادتين السياسيتين مطالبتان بالأخذ بعين الاعتبار مصالح البلدين والشعبين وتفويت الفرصة على الأطراف التي تعكف على إثارة الشقاق والضغائن بإضفاء الآليات البناءة كاعتماد الشفافية في الخيارات والاتفاقات المبرمة بينهما".