Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السلطة والمعارضة تراهنان على استمالة الشارع التونسي

تظاهرات حزبية تطالب بالحقوق والحريات ومسيرة للموالين تعلن عن التمسك بمسار الـ25 من يوليو

تعمل كل من السلطة والمعارضة على حد سواء على استمالة الشارع لصالحها من خلال تعبئته وتحشيده (أ ف ب)

ملخص

لم يغب الشارع كتعبير رمزي عن العقل السياسي في تونس منذ الاستقلال وراوح بين الخمول والحيوية، إلا أن حضوره كان لافتاً إبان 2011، وبات مؤشراً إلى موازين القوى بين السلطة من جهة والمعارضة بمختلف مكوناتها من جهة أخرى.

في تاريخ تونس السياسي المعاصر ظلّ الشارع منذ الاستقلال محل تنازع بين السلطة الحاكمة والمعارضة، وتشكلت السيرورة التاريخية للشارع السياسي في البلاد، عبر ثلاث مراحل أساسية، الأولى وهي المرحلة الاستبدادية في زمن حكم كل من الحبيب بورقيبة (1956-1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011)، حينها كان الشارع ملك السلطة تتحكم فيه وتديره وفق أجنداتها، والثانية مرحلة مخاض الانتقال الديمقراطي بعد ثورة 2011، التي عاش خلالها الشارع أكثر لحظاته ديناميكية سياسية وثقافية، والثالثة هي الفترة الراهنة لحكم الرئيس قيس سعيد، التي راوح فيها الشارع بين الخمول والحيوية، وبات مجال تنازع بين السلطة والمعارضة.

ويعد الشارع فضاءً حيوياً ورمزياً مكثفاً يعبر من خلاله الناس عن وجودهم بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية والأيديولوجية، وهو مجال للتحشيد والتعبئة والضغط بالنسبة إلى المعارضة، كما هو فضاء للعرفان بالنسبة إلى السلطة.

وعجّ الشارع السياسي في تونس في فترة ما بعد سنة 2011 بمختلف اللوحات التعبيرية السياسية والفنية، واحتضن النقاش العام في حلقات متتالية تقيم راهن اللحظة وترسم ملامح المستقبل من مختلف الأصوات المنادية بالحريات والرافضة للتهميش والمطالبة بالحق في بيئة نظيفة، أو الداعمة للسلطة والرافضة للتدخل الأجنبي، وتولت أجهزة الأمن تأطير تلك المسيرات التي التزمت بنهجها السلمي.

وبعد هدنة مطولة نسبياً عادت الروح إلى الشارع في الآونة الأخيرة من خلال تنظيم تحركات ومسيرات عدة من قبل المعارضة أو الموالاة، ومثلت تلك اللحظة منطلقاً للرهان مجدداً على الشارع كمؤشر إلى موازين القوى لكل جهة أمام التونسيين.

وتحول بذلك الشارع من فضاء للنقاش العام إلى قياس شعبية كل طرف سياسي، ومن مساحة للتعبير الحر إلى معجم سياسي قائم بذاته، ومن سيملك مفرداته سيتحكم في المشهد العام.

فهل أصبح الشارع في تونس رهان السلطة والمعارضة على حد سواء؟ وهل يمكن التعويل على الشارع في غياب تأطير الأحزاب والمنظمات؟

نظّمت مختلف أطياف المعارضة في الـ22 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مسيرة مطالبة بالحقوق والحريات، تلتها مسيرات أخرى، مما دفع الموالين لمسار الـ25 من يوليو (تموز) 2021 إلى تنظيم مسيرة بمناسبة ذكرى الثورة في الـ17 من ديسمبر (كانون الأول) الجاري رفعت خلالها شعارات رافضة للتدخل الأجنبي ومتمسّكة بمسار الـ25 من يوليو ومدافعة عن السيادة الوطنية.

ويعكس بذلك الشارع حال انقسام سياسي حاد بين معارضة رافضة لمسار رئيس الجمهورية قيس سعيد وموالاة داعمة لمسار الـ25 من يوليو 2021، ورافضة لما تسميه عشرية الخراب بمكوناتها السياسية والحزبية، وبات الشارع ساحة للصراع والمزايدات السياسية بين الجانبين، صراع تتحدد موازين القوى بداخله من خلال عدد المشاركين والشعارات المرفوعة.

وبينما ضجت شوارع العاصمة بمناسبة ذكرى الثورة بمظاهر الاحتفاء، وبآيات العرفان لمسار الـ25 من يوليو 2021، صدحت الحناجر في مسيرة في محافظة قابس مطالبة بالحق في بيئة سليمة، وهواء نقي، وداعية لتفكيك وحدات المجمع الكيماوي الذي كتم أنفاس أهالي قابس لعقود، وفي سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية تجمع عدد من المعطلين عن العمل من حاملي الشهادات العليا منادين بحقهم في الشغل والكرامة.

 

 

مظاهر عدة للشارع تختزل الواقع التونسي المتسم بهشاشة اقتصادية واجتماعية، وسط استقطاب حاد بين المعارضة والموالاة، فاقمته ضبابية الأفق السياسي في البلاد.

شعارات ترذّل المشهد السياسي   

يؤكد سرحان الناصري الناشط السياسي، ورئيس حزب "الائتلاف من أجل تونس" في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "الشارع التونسي الذي فرغ لفترة من المتظاهرين استعاد حيويته، وهي ظاهرة صحية، لأنه مجال للتعبير عن الرأي وهو حق يكفله الدستور".

ويلفت الناصري إلى أن "الشارع ليس مقياساً للتعبير عن الإرادة الشعبية، حيث لم تكن لا المعارضة ولا السلطة خلال السنوات الأخيرة قادرة على تعبئة الشارع، بينما عادت هذه الحيوية إلى الشارع أخيراً وعاد الشعب التونسي بمختلف شرائحه وتلويناته إلى الاحتجاج في العاصمة، وفي عدة محافظات، كصفاقس وقابس". مشيراً إلى أن "الخروج إلى الشارع سواء بالنسبة إلى السلطة أو المعارضة يضفي نوعاً من المشروعية والتأثير في الرأي العام من خلال عدد المشاركين في تلك المسيرات".

من جهة أخرى يرى الناصري أن "الذين شاركوا في المسيرة المساندة لرئيس الجمهورية بمناسبة عيد الثورة كشفت عن صور مثيرة للاشمئزاز، وترذّل المشهد السياسي، بشعارات لا علاقة لها بالخطاب السياسي المؤطر".

ويعد حزب الائتلاف من أجل تونس من مساندي مسار الـ25 من يوليو 2021، إلا أنه يحمل رؤية نقدية مختلفة تقوم على تنقية المناخ السياسي والمرور إلى تونس أفضل من خلال إصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ورفض الناصري "تهميش الأحزاب على رغم إقراره بأن بعضها خرب الحياة السياسية، فإنه لا يمكن ممارسة السياسة دون أحزاب"، وفق تعبيره.

الشارع آخر حصون المعارضة

تعمل كل من السلطة والمعارضة على حد سواء على استمالة الشارع لصالحها من خلال تعبئته وتحشيده، فالسلطة تعد الشارع تعبيراً رمزياً تمثل إرادة الشعب، بينما ترى المعارضة أن الشارع فضاء للضغط وإبلاغ رسالتها، وهو آخر حصونها المتاحة لتأكيد حضورها في المشهد العام على رغم ما تعانيه من تشتت وانقسامات.

اليوم، من سيملك الشارع رمزياً في تونس من خلال التحكم في أدواته والقدرة على تعبئته سيكون فاعلاً في المشهد، ويرى متابعون أن الشارع الذي استرجع قوته سيحافظ على حيويته، وسيواجه احتمال تقييده وضبطه والتحكم فيه كفضاء عام من قبل السلطة، أو قد يستمر في كونه مجالاً للصراع والمزايدات السياسية بين الموالاة والمعارضة، وبين الخيارين سيظل الشارع حاضراً في العقل السياسي شرط أن يلتزم من يؤمه بسلمية التظاهر والحيلولة من الجانبين دون الانزلاق إلى العنف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبينما تسعى المعارضة من خلال مسيراتها إلى الضغط على السلطة وكسر عزلتها وتجاوز خلافاتها، وتأكيد ثقلها، يعمل مساندو مسار الـ25 من يوليو على امتصاص هذا الضغط وخلق التوازن والحيلولة دون أن تبرز المعارضة كقوة وازنة.

مواطنون أم رعايا؟

يؤم الشارع مختلف التوجهات وهو حق لكل مواطن في التعبير، إلا أن الناشط السياسي وأستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية في الجامعة التونسية الأمين البوعزيزي يرى أن المعارضة تقحم الناس في الشارع باعتبارهم "مواطنين" ومن حقهم إحراج السلطة ومراقبتها، وهو حضور مواطني، بينما وجود الناس في الشارع للدفاع عن السلطة يجعل منهم "رعايا" تناشد السلطة وتقدم لها "تفويضاً مطلقاً"، وفق تعبيره.

ويضيف البوعزيزي أن "الشارع هو حق لكل المواطنين وللمجتمع المدني والأحزاب والنخب للتعبير عن آرائها ولإحداث التوازن مع السلطة التي انتخبها، من خلال نقدها وتقييمها من دون أن يعطيها تفويضاً كاملاً".

ويعتبر الباحث في الأنثروبولوجيا الثقافية أن "المجتمع الجماهيري الذي يفوض أمره إلى السلطة دون أن يحاسبها، هو رصيد شعبي توظفه السلطة كلما احتاجت إليه، وهو جمهور غير مؤطر سياسياً ولا يحمل رؤية نقدية للسلطة".

في مختلف الديمقراطيات تعمل المنظمات والأحزاب على تمثيل المواطنين وتأطيرهم عند نزولهم إلى الشارع، مما يجعل منه فضاء عمومياً منظماً للنقاش والتداول، ويضفي حيوية على مكونات المشهد السياسي، بينما تقزيم تلك الأجسام الوسيطة والتقليل من شأنها قد يدفع بالجماهير إلى الشارع من دون رؤية وأهداف واضحة وهو ما يزيد من احتمالات التشنج.  

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير