Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

النقل بواسطة الدرون سيجعل مدن المستقبل ثلاثية الأبعاد

شركة أميركية بدأت إنتاج سيارات طائرة وستسلم لعملاء مختارين في 2026 بـ 300 ألف دولار

سيارة Alef Model A المقدر سعرها بـ 300 الف دولار (مواقع التواصل)

ملخص

في المدينة الثلاثية الأبعاد سيسير المواطن في الشارع بينما تعلوه كاميرات عالية الدقة ومستشعرات حرارية وميكروفونات موجهة، وربما أنظمة تتبع للإشارات اللاسلكية، التي يمكنها تسجيل سرعة خطواتك، تردد توقفك، من قابلت، كم بقيت واقفاً، متى رفعت هاتفك، أي باب دخلت. ومع الوقت تبدأ الأنظمة في تحويل هذه الإشارات إلى ملفات "سلوك" شخصية، يمكنها أن تعرف حياة الشخص الخاصة والعامة أكثر منه هو نفسه.

لم تعد السيارة الطائرة خيالاً خاصاً بأفلام هوليوود الخيالية أو كتّاب روايات الخيال العلمي، فقد أعلنت شركة Alef Aeronautics الأميركية أخيراً البدء بالإنتاج اليدوي المحدود لمركبتها Alef Model A  لتسليمها لعملاء مختارين في مطلع 2026.

وهذا الإعلان الذي انتشر حول العالم يؤكد البدء في تحقيق فكرة النقل والانتقال للبضائع والناس من الأرض إلى سماء المدن. والسعر الأولي الذي أعلنته الشركة للطلب المسبق 300 ألف دولار.

تقدم الشركة الأميركية سيارتها كأول سيارة طائرة حقيقية، أو كأول مركبة تجمع بين السير والطيران ضمن منتج واحد، لأن سوق التنقل الجوي المتقدم مزدحم بنماذج أخرى، وبعضها أقرب إلى "تاكسي جوي" لا إلى السيارة، بالمعنى الكلاسيكي.

من عربة الحصان إلى مدن السيارة الطائرة

يظهر تاريخ تصميم المدن أو تطويرها وتوسيعها وتحديثها أن معظم المراكز الرئيسية فيها تقوم حول نقاط التقاء طرق المواصلات وشبكاتها، كطرق عربات الخيل في القرون الماضية ومن ثم ساحات محطات القطار الرئيسية حيث تشتبك سكك الحديد نحو سائر أنحاء المدينة، ثم الطرق التي توسعت وتحسنت وامتدت بلا نهاية مع ظهور السيارات ومحطات المترو في معظم مدن العالم الكبيرة.

هذه الشبكات تؤمن نقل السكان والبضائع في جسد المدينة عبر شرايينها، وهذا ما يؤدي إلى الاستنتاج بأن شبكات النقل لا تغيّر الحركة فقط، بل تغيّر شكل الأحياء المدينية وبالتالي شكل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين الأحياء والسكان والتجار والأسواق.

قبل قرن كانت المدن تُبنى على مقاس الإيقاع البطيء حول شارع رئيسي متعدد الاستخدامات. عندما دخلت السيارة بسرعة إلى الشوارع لتطرد منها عربات الأحصنة، اضطررنا إلى إعادة حفر المدن إفساحاً بالمجال لوسيلة النقل الجديدة، ولما سينتج منها من توسّع الطرق وتقلّص الأرصفة وتمدّد المدن أفقيا مع تعدد مراكزها.

وأدى ظهور الجسور والأنفاق إلى اتساع المسافة الفاصلة بين البيوت السكنية وأماكن العمل، فظهرت الضواحي خارج المساحة المدينية المركزية أو على أطرافها، وأخذت هذه الضواحي وظيفة المدن الصناعية في بعض العواصم أو وظيفة المساحات شبه الريفية المضادة لثقافة المدينة، كما هي الحال في ضواحي لندن وبرلين وباريس وغيرها من العواصم والمدن العالمية الكبرى والمزدهرة.

وانفرزت الضواحي في عواصم العالم الثالث النامية من تراكم أحزمة البؤس العشوائية التي تستقبل النازحين من الأرياف بحثاً عن فرص عمل، فتتحول بدورها إلى مراتع للجريمة والعصابات والفقر والبطالة.

مدن ثلاثية الأبعاد

في تطلعات التطوير المستقبلية لوسائل النقل والمواصلات الطائرة، ستتحول المدن إلى طبقات عدة من الطرق المركبة فوق بعضها لوسائل نقل طائرة مختلفة الأنواع والأحجام والوظائف، وقد بدأت الطائرات الصغيرة والدرونات تظهر بخجل في أسقف بعض المدن لتفتح شبكة طرق هوائية غير مرئية ما زالت خجولة بحجمها حتى اليوم. ولكن ما يُقدم من تجارب وطموحات وخطط تشبه الخيال العلمي يعد بظهور المدينة ثلاثية الأبعاد، بعد المدينة المسطحة فوق الأرض.

في المدن ثلاثية الأبعاد سيستمر وجود طرق السيارات والحافلات والدراجات وأرصفة المترو، ولكن سيظهر فوقها شبكة طرق طبقة السماء المنخفضة لنقل الناس والمتوسطة لنقل البضائع، وقد بدأت تظهر في أماكن كثيرة، فالدرونات أصبحت حلقة لوجستية حقيقية في بعض المهمات الواسعة، حيث الطرق متضررة أو في المناطق الوعرة والبعيدة. ففي غانا مثلاً، صار الإمداد الطبي عبر الدرونات مرجعاً عالمياً لفكرة "ممرات جوية غير مرئية" تربط مراكز التوزيع ببعضها.

في العالم العربي أعلنت وزارة الصحة السعودية عن استخدام الدرونات للمرة الأولى في موسم الحج لتسريع نقل الإمدادات الطبية إلى المواقع الأشد ازدحاماً، مع خفض متوسط زمن التوصيل من ساعة إلى خمس دقائق، ضمن نطاق محدد من المواقع في منى وعرفات. هذا بالضبط مثال مبسط لجعل السماء شبكة طرق مفيدة أيضاً.

وفي إمارة دبي وضعت خطة لإطلاق خدمة "التاكسي الجوي" في 2026 ضمن شبكة "فرتيبورت" أو المهابط العمودية، وهذه العملية ستغيّر المدينة لأنها تضيف على رفاهية المدينة خدمات نقل البضائع والسكان جواً في وقت أسرع وزحمة أقل، ما يخفف أيضاً من زحمة شبكة المواصلات الأرضية.

تغييرات في العلاقات المدينية

ولكن مثل هذه الخطط ستغيّر أيضاً في تصميم المدن، ففي المدينة ثنائية الأبعاد تقع محطات المترو وطرق مواصلات الحافلات والسيارات في مسطح أفقي، أما في المدينة ثلاثية الأبعاد فإن النقطة المركزية لشبكة المواصلات تصبح عمودية، تبدأ من الشارع ثم صعوداً بمصعد إلى منصة تاكسي جوي فوق السطح.

 

 

وسينشأ بقرب المحطة نقطة تسليم واستلام للدرون ومحطة شحن بطاريات، وغرفة تحكم ومراقبة، ويتحول التنقل من نقطتين على خريطة مسطحة إلى انتقال بين طبقات فوق بعضها. وهذا ليس تفصيلاً هندسياً، لأنه يخلق جغرافيا جديدة.

فأسطح المباني، التي كانت فراغاً ثانوياً توضع فوقها الخزانات والهوائيات، ستتحول إلى جزء من البنية التحتية للمهابط، أو مخازن موقتة أو محطات شحن، وستظهر اشتراطات جديدة في تراخيص البناء مرتبطة بقدرة السطح على التحمل، ونقاط الوصول، وإجراءات الحريق وغير ذلك من متطلبات ستؤدي تلقائياً وتدريجياً إلى تغيير في تصميم المدينة نفسها وبشكل جذري.

ولكن الأثر الأعمق لمثل هذا التحوّل لن يكون في شكل الأسطح ولا في عدد المهابط، بل في توفير الوقت. فمن يستطيع أن يدفع ثمن رحلة جوية من المطار إلى مركز المدينة في عشر دقائق لن يخوض تجربة قضاء ساعات في ازدحام خانق، وتوفير الوقت يؤدي إلى توفير فرص عمل جديدة، ويسحب التوتر من ساعات قطاع التعليم المضبوطة وفقاً لحركة الازدحام المروري، وسيؤدي توفير الوقت إلى منح الأفراد والمجتمعات المدينة مزيداً من الوقت الخاص الذي يقضونه خارج أطر العمل والدوام الوظيفي ما يعزز العلاقات الاجتماعية المدينية واقتصادها الداخلي.

الخصوصية

ستصبح السماء الممتلئة بالدرونات والتي تحمل كاميرات ومستشعرات سبباً للحد من الخصوصية الفردية والعامة بسبب سهولة رصد حركة الأفراد والتجمعات وربما البيوت نفسها. وقد تصبح المراقبة جزءاً من الخدمة العامة أي أن البنية نفسها قد تُستخدم لأغراض أخرى، إذا لم تُضبط قانونياً وأخلاقياً من البداية.

في سيناريو خيالي يرصد وضع الخصوصية في المدينة في مدينة ثلاثية الأبعاد، فإن السيناريو يبدأ من سماء تمتلئ فجأة بالدرونات التي صارت جزءاً من الضجيج الخلفي للحياة المدينية وضجيجاً يضاف إلى صوت المكيفات، وهدير السيارات والقطارات. وتصبح السماء التي لطالما كانت للذين يعيشون تحتها منطقة فارغة في الوعي الاجتماعي تصبح أشبه بظلٍّ دائم، لا تستطيع أن تضع له حدّاً واضحاً، ولا تعرف من يحرّكه.

تحوم الدرون فوق شارع مزدحم لترصد حركة المرور أو لتدير السلامة العامة للطرق الجديدة أو تظهر درونات للشرطة لتراقب مسارات الطائرات الأخرى، ومن ثم درونات لشرطة البلدية، ودرونات لفرق الطوارئ، ودرونات لشركات التأمين لتقييم الأضرار، ودرونات للإعلانات وتصوير الفعاليات، ودرونات لحراسة وحماية المباني الذكيّة التي تراقب محيطها.

فيسير المواطن الفرد في الشارع وتعلوه كاميرات عالية الدقة ومستشعرات حرارية وميكروفونات موجهة، وربما أنظمة تتبع للإشارات اللاسلكية، التي يمكنها تسجيل سرعة خطواتك، تردد توقفك، من قابلت، كم بقيت واقفاً، متى رفعت هاتفك، أي باب دخلت؟

ومع الوقت تبدأ الأنظمة في تحويل هذه الإشارات إلى ملفات "سلوك" شخصية، يمكنها أن تعرف حياة الشخص الخاصة والعامة أكثر منه هو نفسه. والشعور بأن "هناك من يرى" في الأعلى يخلق رقابة داخلية ذاتية، وتجعل الناس أكثر تحفظاً وأقل عفوية، وأكثر ميلاً للاختباء في الداخل، فتموت الحياة الاجتماعية داخل الأحياء وساحاتها وحدائقها.

يكفي أن يتم دمج كاميرات الدرون مع كاميرات الشوارع، مع بيانات الهاتف، مع أنظمة الدفع، مع سجلات الحجز للتاكسي الجوي. هنا تصبح المدينة "جهازاً" لا "مكاناً". جهاز يعرف من أنت قبل أن تصل، ويستنتج أين ستذهب قبل أن تقرر، ويضعك في خانة قبل أن تتكلم. ويكفي أن تتحول هذه الحال إلى ممارسة يومية حتى يتغير معنى "الفضاء العام".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات