Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عقد الزواج" بكبسة زر... التقنية تغيّر وجه النكاح في الخليج

من الطقوس العائلية إلى المنصات الرقمية، مجتمعات مجلس التعاون تعيش تحولاً هادئاً في أقدس مؤسساته الاجتماعية

بات كل شيء إلكترونيا عبر تطبيق "تم" بدءاً من العقد حتى الزفاف (غيتي)

ملخص

ربما يفسر البعض الخدمة أنها جاءت من رحم عصر "كورونا" الذي باعد بين الناس وجعل الحياة "افتراضية"، إلا أنها بالنسبة إلى آخرين خطوة مشجعة على الزواج وموفرة لكثير من الجهد والمال.

لم يعد عقد القران في الخليج مرتبطاً بحضور المأذون أو توقيع الأوراق الرسمية في المحكمة، فاليوم يمكن إنجاز كل ذلك عبر الهاتف المحمول. من الإمارات إلى السعودية وقطر والبحرين، تشهد المنطقة تحوّلاً هادئاً في مفهوم الزواج نفسه، بعدما دخلت التكنولوجيا إلى أكثر مؤسسات المجتمع خصوصية.

مع جائحة كورونا التي عطّلت التواصل المباشر وأجبرت الناس على تبنّي الحلول الافتراضية، ظهرت فكرة الزواج الإلكتروني كخدمة استثنائية موقتة، لكنها سرعان ما تحوّلت إلى أحد مظاهر التحول الرقمي في المجتمعات الخليجية.

وباتت الحكومات تنظر إلى هذه الخدمة بوصفها خطوة لتسهيل حياة الناس وتقليص البيروقراطية، فيما يراها البعض "تغييراً ثقافياً" في كيفية إدارة المناسبات الاجتماعية والدينية.

الإمارات… برسوم 800 درهم

في الإمارات، أطلقت حكومة أبو ظبي خدمة الزواج الإلكتروني ضمن منصة الخدمات الموحدة "تم"، لتتيح للمواطنين والمقيمين وحتى غير المقيمين عقد قرانهم افتراضياً مقابل رسوم لا تتجاوز 800 درهم (نحو 218 دولاراً أميركياً).

ويمكن إتمام الزواج بالكامل عبر المنصة خلال 24 ساعة فقط، بدءاً من حجز مأذون شرعي معتمد، مروراً بحضور الشهود افتراضياً، ووصولاً إلى توثيق العقد وإرساله إلكترونياً إلى الزوجين.

وتعد هذه الخدمة جزءاً من استراتيجية التحول الرقمي التي تتبناها أبو ظبي منذ أعوام، إذ تهدف إلى تقليص الحاجة للحضور الشخصي وتوحيد الخدمات الحكومية في واجهة إلكترونية واحدة.

كما أُضيفت خدمة أخرى بقيمة 300 درهم (نحو 80 دولاراً) لتوثيق العقد تلقائياً عبر وزارة الخارجية وإصدار نسخ رقمية مختومة إلكترونياً، من دون الحاجة إلى أختام ورقية.

وعلى رغم أن الخدمة أثارت إعجاب المستخدمين بسهولة إجراءاتها وسرعتها، فإنها فتحت أيضاً نقاشاً أوسع حول ما إذا كان الزواج، وهو من أكثر العقود حساسية دينية واجتماعية، يمكن أن يتحوّل بالكامل إلى تجربة رقمية برسوم مالية.

السعودية… بين التقنية والضوابط الشرعية

في السعودية، تشهد الخدمات العدلية تسارعاً في التحول الرقمي من خلال منصة "ناجز"، التي تتيح توثيق عقود الزواج إلكترونياً.

تبدأ العملية بتقديم الطلب عبر المنصة، ثم التواصل مع مأذون أنكحة معتمد لإتمام المراسم بحضور الزوج والولي والشهود، وبعد المصادقة تصدر وثيقة الزواج الرقمية.

وعلى رغم أن الخدمة مختصرة زمنياً وتلغي الأوراق، فإن حضور المأذون ما زال شرطاً أساسياً حفاظاً على الجانب الشرعي والإجرائي.

ويذكر أمين الفيفي وهو مأذون شرعي أن التغييرات بدأت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2021 ضمن جهود وزارة العدل السعودية للتحول الرقمي بهدف تحسين سرعة وجودة الخدمة وربطها مباشرة بالأحوال المدنية، لافتاً إلى أن الإجراءات التقليدية كانت تتم يدوياً بحضور الأطراف والمأذون الشرعي مع تقديم الوثائق الورقية والمراجعات الشخصية.

وأكد الفيفي أن إجراءات العقد الإلكتروني تتميز بسرعتها، كذلك يقلل التحقق الرقمي من أخطاء إدخال البيانات، لكن "هناك بعض التحديات متمثلة في نقص الخبرة التقنية لدى بعض المستخدمين، وقلق بعض الأسر حول أمان وخصوصية البيانات".

وعن ضمان صحة عقد الزواج الإلكتروني، يقول الفيفي إن المصادقة الثنائية لهوية الأطراف باستخدام نظام (OTP) والربط مع السجلات الحكومية للتأكد من البيانات وإشراف المأذون الشرعي إلكترونياً عند الحاجة كلها تحقق صحة عقد الزواج.

ويرى البعض أن النموذج السعودي يمثل مقاربة متوازنة تجمع بين التحديث والالتزام بالضوابط الدينية، إذ يهدف إلى تسهيل الإجراءات من دون المساس بالشروط الشرعية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قطر والبحرين والكويت… تجارب متفاوتة

في قطر، أطلقت وزارة العدل خدمات إلكترونية لتوثيق الزواج، لكن الحضور الشخصي للزوجين يبقى إلزامياً لتوقيع العقد والتأكد من هوية الأطراف.

أما في البحرين، فتتيح المنصة الحكومية إجراءات التسجيل والتحقق إلكترونياً، غير أن بعض الخطوات لا تزال ورقية أو تتطلب مراجعة محلية وفق الحالة.

وفي الكويت، ما زالت المحاكم الشرعية تتولى توثيق العقود بالطريقة التقليدية، ويُنظر إلى التحول الرقمي هناك على أنه بطيء مقارنة بجيرانها.

هذه التباينات تعكس اختلاف إيقاع التحول الرقمي في الخليج، فبينما تسعى الإمارات إلى رقمنة شاملة مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، تعتمد دول أخرى نهجاً تدريجياً يوازن بين التطور التقني والاعتبارات الدينية والاجتماعية.

زواج عبر الشاشة… ومخاوف من فقدان الطقوس

الزواج في المجتمعات الخليجية ليس مجرد عقد يربط بين شخصين، بل منظومة رمزية وثقافية متجذرة في الوجدان الجمعي، تعبّر عن القيم العائلية والتكافل الاجتماعي والانتماء القبلي. في الأعراس الخليجية، لا يُحتفى بالزوجين فقط، بل بالعائلتين معاً، في طقس تتجلى فيه الهوية والعادات والمكانة الاجتماعية.

من "الملكة" إلى "الزفة" و"المهر" و"الجاهة"، تشكل التفاصيل الصغيرة نسيجاً من الطقوس التي تمنح الزواج بعداً احتفالياً وروحياً عميقاً.

وعلى رغم أن هذا التحول الرقمي يسهم في تخفيف الأعباء المالية والوقتية، إلا أنه يثير تساؤلات عميقة حول ما إذا كان الزواج يفقد جزءاً من رمزيته الاجتماعية. فالزفاف لم يكن مجرد إجراء قانوني، بل حدثاً يكرّس الروابط بين العائلات، ويعلن الانتماء، ويبرز مكانة العائلة وموقعها الاجتماعي.

ومع ذلك، يشير كثيرون إلى أن الزواج الإلكتروني لا يلغي مظاهر الاحتفال التقليدية، بل يختصر فقط مرحلة التوثيق الرسمية. فبعد إتمام العقد إلكترونياً، لا يزال الأزواج يقيمون حفلاتهم ويحتفلون كما في السابق، ما يجعل "الزواج الإلكتروني" مجرد وسيلة لتسهيل الإجراءات لا لإلغاء الطقوس.

فالفكرة في جوهرها لا تتعلق بإلغاء المراسم، بل بتقليل البيروقراطية وتوفير الوقت، خصوصاً لمن يعيشون في مدن مختلفة أو خارج البلاد.

ويقول الاختصاصي الاجتماعي محمد بن جنيد أن مظاهر الفرح والاحتفاء بالزواج ما زالت حاضرة ومتجذرة في المجتمع السعودي، إذ تستمد حضورها من الأعراف الاجتماعية وتعاليم الدين الحنيف، مؤكداً أن التطور التقني الذي سهل إجراءات عقد القران لم يضعف هذه المظاهر، بل أسهم في تعزيزها وتسريعها.

ويضيف أن التقنية أتاحت للعروسين وأهلهما التركيز على جوهر المناسبة ومراسم الفرح من دعوات واجتماعات وإتمام عقد القران، مشيراً إلى أن الميل إلى تبسيط الاحتفالات لا يعني تراجع الفرح، بل هو انعكاس للرغبة في الابتعاد من المبالغة والتكلف وتقليص دائرة المدعوين لأسباب مادية أو تنظيمية متفق عليها.

أما المستشار الأسري أحمد النجار فيرى أن اختصار إجراءات الزواج عبر المنصات الإلكترونية لا يحمل أثراً سلبياً بحد ذاته، بل يتوقف على طريقة تعامل الأسر مع المناسبة. ويؤكد أن الاكتفاء بالعقد الإلكتروني وحده لا يعبر عن اكتمال الزواج، موضحاً أن ليلة الزفاف ليست مقياساً لنجاح العلاقة الزوجية.

ويضيف النجار أن كثيراً من الزيجات الباذخة انتهت سريعاً، بينما استمرت زيجات بسيطة لعقود طويلة، مشدداً على أهمية التوازن: "لا نقطع مظاهر الفرح تماماً، ولا نبالغ فيها أيضاً، بل نقيمها بما يتناسب مع المقدرة من دون إرهاق موازنة الزوجين، وبما يحقق المعنى الحقيقي للزواج".

هذا التحول يعكس تغيراً في القيم الاجتماعية، إذ أصبحت الخصوصية والعملية والسرعة ضرورة. حيث ينظر إلى التقنية كوسيلة لتبسيط الحياة لا لطمس الهوية. ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحاً: هل يمكن لزواج ينجز بكبسة زر أن يحمل الدفء الاجتماعي والروحي نفسه الذي كان يرافق الزغاريد، ولمة الأهل، ورائحة العود في القاعة؟

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات