Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بايرون" منخفض غزة الجوي… برده يجمد الأطفال وأمطاره تغرق الخيم

الرياح تنسف البيوت الآيلة أساساً للسقوط بسبب القصف الإسرائيلي خلال الحرب

ملخص

لم يعد الطقس الماطر لطيفاً بالنسبة إلى الغزيين بل تحول إلى مقتلة حصدت الأرواح وجمدت الأطفال ونسفت البيوت.

على صوت قطرات المطر استيقظت هاجر من نومها، وبهدوء مدت يدها تغطي ابنتها رهف ببطانية واحدة، ولكن بمجرد ما لمست جسد رضيعتها شعرت ببرودة شديدة، فزعت من مضجعها مذعورة، وعندما حملت صغيرتها وجدتها قد تجمدت من البرد وفارقت الحياة، صرخت بجنون وبكت عويلاً.

كانت الساعة تشير إلى الثامنة مساءً عندما بدأت الأمطار تنهمر من السماء على قطاع غزة، وكأنها صنبور مفتوح، تسقط بغزارة وتقرع قطراتها فوق خيمة أحمد وهاجر، من جانبها سحبت الأم غطاءً وحيداً في مأواها البدائي ولفّت طفلتها الحديثة الولادة فيه وأخذت تهزها حتى تنام.

 

منخفض بايرون

بعيونها البريئة كانت الأم هاجر تتفقد خيمتها، ممزقة من الجوانب الأربعة، يلطخها هواء منخفَض "بايرون" الجوي من جانب، وتهزها الرياح العاتية محاولةً اقتلاعها، أما الأمطار المنهمرة فتتسرب إلى الداخل، وبسرعة أخذت درجات الحرارة تنخفض والصقيع ينتشر.

حالة الطقس كانت سيئة جداً في غزة، إذ يضرب القطاعَ المدمرَ، الذي يعيش غالبية سكانه في خيم، منخفض جوي قطبي مصحوب بكتلة هوائية باردة، أطلقت عليه دائرة الأرصاد الجوية الإسرائيلية اسم العاصفة "بايرون" وترافق برياح قوية وصلت سرعتها إلى نحو 80 كيلومتراً في الساعة.
في هذا المنخفض هطلت كميات كبيرة من الأمطار وصلت إلى 200 مليليتر، مما أدى إلى تشكل الفيضانات والسيول، وتأثرت مدينة الفقراء التي دمرت الحرب أنظمة التصريف فيها بشدة بهذا المنخفض القطبي العاصف.

رهف تجمدت

من داخل خيمتها شعرت الأم هاجر بعوامل الطقس الصعبة، بسرعة بدأ قلبها يخفق قلقاً على رضيعتها رهف الحديثة الولادة، تقول "كانت زهرتي الصغيرة تعاني سوء التغذية ولا تملك أي مناعة، ولأني أدرك وضعها الصحي غطيتها بالبطانية الوحيدة التي أملكها، إلا أن الغطاء لم يكن كافياً لتدفئتها، فلم يستطع جسدها الصغير الناعم تحمل البرد".

نامت هاجر ونامت إلى جوارها رهف، ولكن عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، استيقظت الأم ووجدتها متجمدة وقد فارقت الحياة، صرخت بأعلى صوتها وظلت تندب عيشتها في غزة، تضيف "وجدت جسد ابنتي متيبساً من شدة البرد".

نقلت سيارة الإسعاف الصغيرة رهف إلى المستشفى وهناك بذل الأطباء كل ما بوسعهم، لكن الصغيرة الجائعة لم تستطع الصمود أمام هذه الظروف، وفارقت الحياة فوراً، أخبر الأطباء الأم هاجر أن سبب الوفاة هو البرد الشديد.

تؤكد الأم أن حياتها صعبة تفوق قدرة أي إنسان على تحملها، وتسرد "حاولت تغطيتها، لكن الخيمة كانت ممزقة يدخل منها الهواء البارد من كل اتجاه، كانت مياه الأمطار تتسرب إلى الداخل، ونحن نعيش في منطقة منخفضة وتتدفق المياه دائماً إلى خيمتنا، كان الوضع لا يطاق".

 

الضحايا البشرية

ماتت رهف بسبب منخفض "بايرون" الذي تسبب بمقتلة في غزة، وحصد أرواح 17 ضحية، ثلاثة أطفال و14 قتيلاً آخرين، وخمسة مفقودين، رياحه الشديدة وأمطاره الغزيرة جرفت 27 ألف خيمة للنازحين، وبالمجمل تضرر أكثر من ربع مليون نازح مباشرةً من مياه الأمطار والسيول التي اجتاحت خيمهم المهترئة.

إلى جانب رهف، ماتت الطفلة هديل حمدان ذات التسع سنوات، نتيجة البرد القارس وسوء الأحوال الجوية وكانت تعيش في مدرسة تحولت بفعل الحرب إلى مركز للنزوح، وأيضاً توفي الطفل الرضيع تيم الخواجا الذي يقطن مع عائلته في بقايا منزلهم المتضرر من القصف الإسرائيلي.

انهيار المنازل

ربما الموت بسبب الأحوال الجوية قاس جداً، ولكنه ليس الأثر الوحيد الذي تركه منخفض "بايرون"، إذ تسبب بانهيار عدد من المباني التي تضررت بسبب الحرب وكانت آيلة للسقوط.

أمام منزله يقف ياسين ويتفحص الجزء الجنوبي الذي تعرض للانهيار بسبب الأمطار والرياح، ويقول "سمعت أصواتاً مقلقة للمبنى ثم فوجئنا بانهيار مفاجئ لثلاثة أسقف، كان المشهد مرعباً، ونجونا بأعجوبة من مجزرة محققة سببها المنخفض الجوي، لم يكن المنزل بحالة إنشائية سليمة نتيجة تعرض منطقتنا للقصف خلال الحرب".

وفي لحظة واحدة، انهارت أرضية شقة تقع بالطابق الأول في عمارة سكنية تسكنها ابتسام، ودمر الانهيار المطبخ وغرفة النوم الرئيسة بكل ما فيها، وبات ما تبقى من الشقة مكشوفاً على الشارع، تقول "نجوت بأعجوبة من الانهيار، وعشت لحظات حبست فيها أنفاسي، حالياً أقف عاجزة عن فعل شيء".

الكارثة من الطقس

في لحظة الانهيار خرجت ابتسام من المطبخ، وما إن وصلت إلى الغرفة الأخيرة، حتى سمعت صوت انهيار الأرضية، وانهارت معها خمسة جدران، وتضيف "أبلغتني طواقم الدفاع المدني أن سبب الانهيار هو تسرب مياه الأمطار، وطلبت مني مغادرة الشقة".

تقف ابتسام مصدومة وتتابع "ليس سهلاً انهيار منزلك، خصوصاً في حال عدم توفر البديل، كنت أتوقع سقوط جدار كان آيلاً للسقوط، وليس خمسة جدران، أو أن تسقط الأرضية في مشهد مرعب، وكأن الأرض تبتلعك، لم أتوقع أن تأتي الكارثة من الطقس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أكياس نايلون جوارب

في مخيمات النزوح تحولت مياه الأمطار إلى برك مياه وأوحال طينية وتدفقت المياه داخل الخيم التي لم تستطع مقاومة شدة الأمطار وغزارتها، علياء تقف وسط خيمتها تقول "غرقت بالمياه طوال الليل، وفي الصباح تحول لون جلدي إلى الأزرق".

تصرخ علياء "يا رب أوقف المطر، يا رب أغث أهل غزة"، تصمت قليلاً ثم تواصل "اضطررتُ إلى لف أطراف أطفالي وكبار السن بأكياس بلاستيكية قبل إلباسهم الجوارب، في محاولة لتخفيف وطأة البرد".

 

قيود المساعدات

بحسب وزارة الداخلية في غزة فإن غرفة العمليات تلقت أكثر من 4300 نداء استغاثة من المواطنين أثناء منخفض "بايرون"، وسجلت 12 حادثة انهيار مبانٍ مقصوفة سابقاً بفعل الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة.

يقول مدير المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع إسماعيل الثوابتة، إن "إسرائيل تعرقل إدخال 300 ألف خيمة وبيوت متنقلة وكرفانات، وتمنع تجهيز ملاجئ بديلة للنازحين، هذه السياسات تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، في الوقت الحالي لا تستطيع خيم النازحين مواجهة المنخفضات الجوية".

بحسب المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، فإن مئات آلاف النازحين في القطاع معرضون لاحتمال غمر مياه الأمطار الغزيرة خيمهم وملاجئهم في ظل منع دخول المواد المستخدمة في بناء أماكن الإيواء والأكياس التي يمكن ملؤها بالرمل، من دخول القطاع.

وتقول مديرة المنظمة إيمي بوب، "منذ وصول العاصفة تحاول العائلات حماية أطفالها بكل ما لديها، هناك 795 ألف نازح معرضون للخطر جراء السيول في المناطق المنخفضة المليئة بالأنقاض، حيث تعيش العائلات في ملاجئ غير آمنة، إسرائيل تمنع المواد اللازمة للمساعدة في دعم أماكن الإيواء مثل الأخشاب ورقائق الخشب وأكياس الرمل ومضخات رفع المياه، الإمدادات التي سبق إرسالها إلى غزة ومنها الخيم المقاوِمة للماء والبطانيات الحرارية والأغطية البلاستيكية، لم تكن كافية لمواجهة السيول".

لكن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية غسان عليان يقول "سمحنا بدخول 260 ألف خيمة وغطاء بلاستيكي إلى غزة، إضافة إلى أكثر من 1500 شاحنة محملة بالبطانيات والملابس الشتوية".

إلا أن تحالف "مجموعة المأوى" الدولي لمقدمي المساعدات بقيادة المجلس النرويجي للاجئين يؤكد أن العدد الحقيقي يُقدَّر بحوالى 15 ألف خيمة بينها كثير من الخيم غير معزولة بصورة كافية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات