ملخص
رغم أن التصنيع العسكري في مصر يرجع تاريخه إلى عشرات العقود، فإن عوائق سياسية واقتصادية أدت إلى تعطيله في فترات سابقة، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت اهتماماً بالعودة إلى ذلك المجال، مع تصاعد التوترات السياسية في الدول المحيطة بمصر، مما دفعها إلى تحديث ترسانتها خلال الأعوام الـ10 الأخيرة.
"دفعة استراتيجية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الإنتاج الدفاعي"، هكذا وصفت مجلة "Army recognition" المتخصصة في مجال الدفاع معرض مصر للصناعات الدفاعية "إيديكس 2025" الذي أقامته القاهرة الأسبوع الماضي، لعرض أحدث الأسلحة المحلية الصنع، إلى جانب شركات من 25 دولة أخرى.
وتضمن المعرض 57 منتجاً عسكرياً مصرياً، من بينها 18 منتجاً جديداً بالكامل. ولفتت عديد من الأسلحة المصرية الجديدة الأنظار خلال المعرض، من بينها طائرات مسيرة وراجمة صواريخ ومدفع مضاد للطائرات، إلى جانب الإعلان عن التصنيع المحلي لأجزاء من الطائرة المقاتلة الفرنسية "رافال" التي تشكل أحد الأعمدة الرئيسة للقوات الجوية المصرية.
وكشفت مصر للمرة الأولى عن إنتاجها راجمة صواريخ متعددة يصل مداها إلى 300 كيلومتر، بحيث تستطيع "ردع 300" إطلاق أعيرة مختلفة من الذخيرة تراوح ما بين 122 و300 ملليمتر، إضافة إلى تطوير الراجمة "رعد 200" التي أعلن عنها في النسخة السابقة من معرض "إيديكس" عام 2023.
إلى جانب الأسلحة المحلية بالكامل، عززت مصر شراكاتها مع دول أخرى لديها صناعات دفاعية ناجحة، إذ شهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خلال افتتاح معرض "إيديكس 2025" إطلاق مشروع التصنيع المشترك لمنظومة المدفعية الذاتية الحركة الهاوتزر (K9A1EGY) بالتعاون مع كوريا الجنوبية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفق وزير الدولة المصري للإنتاج الحربي محمد صلاح الدين، فإن تطوير المنتجات العسكرية المصرية "يبعث رسالة ردع لكل من يحاول تهديد أمن البلاد ورسالة طمأنة للشعب المصري أننا نمتلك القدرة على صون أمننا القومي".
وعلى رغم أن التصنيع العسكري في مصر يرجع تاريخه إلى عشرات العقود، فإن عوائق سياسية واقتصادية أدت إلى تعطيله في فترات سابقة، إلا أن الأعوام الأخيرة شهدت اهتماماً بالعودة إلى ذلك المجال، بخاصة مع تنامي قدرات التصنيع العسكرية لدى عديد من الدول في الإقليم، مثل تركيا وإسرائيل وإيران، إضافة إلى تصاعد التوترات السياسية في الدول المحيطة بمصر، مما دفعها إلى تحديث ترسانتها خلال الأعوام الـ10 الأخيرة.
سباق إقليمي
تحتل إسرائيل المركز الثامن عالمياً ضمن قائمة أكبر مصدري الأسلحة في العالم، وفق تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، عن الفترة من 2020 إلى 2024، كما توجد تركيا في المركز الـ11، وإيران في المرتبة الـ18، والإمارات في المركز الـ21 (مصر تستورد 16 في المئة من الصادرات العسكرية الإماراتية)، والأردن في المركز 23. ولا توجد مصر ضمن قائمة الدول الـ25 الأكثر تصديراً للسلاح.
بينما تبرز مصر في قائمة الدول الأكثر استيراداً للأسلحة خلال الأعوام الأربعة الماضية، إذ تحتل المركز الثامن عالمياً. وتتصدر ألمانيا قائمة موردي السلاح لمصر بـ32 في المئة، ثم إيطاليا 27 في المئة، وفرنسا 19 في المئة، وهو ما يعكس حرص مصر على تنويع مصادر سلاحها، بعكس دول أخرى تستورد معظم أسلحتها من دولة واحدة، مثل الولايات المتحدة أو الصين.
مدير إدارة الشؤون المعنوية السابق بالجيش المصري، اللواء سمير فرج، أكد أن الأسلحة المصرية التي عرضت في "إيديكس 2025" جاهزة للدخول مباشرة في مسارح العمليات. وقال لـ"اندبندنت عربية"، إن مصر أصبحت الآن تصنع سلاحها، لتجنب ضغوط الدولة المصدرة للسلاح وقت الحرب، وهو ما يحفظ الأمن القومي المصري.
وأوضح فرج أن مصر نجحت في صناعة مسيرات "جبار" بمكون محلي 100 في المئة، فضلاً عن تصنيع راجمات الصواريخ "رعد 200" ومدفع الـ"هاوتزر K9"، وكذلك تصنيع الفرقاطة "ميكو 200"، واستيراد ثلاث من ألمانيا. مضيفاً أن مصر اتخذت خطوات كبيرة في مجال التصنيع العسكري خلال الـ10 أعوام الأخيرة، وأن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قاد طفرة كبيرة في المصانع الحربية.
محاولات لم تكتمل
وبدأت محاولات تصنيع سلاح مصري في الخمسينيات من القرن الماضي، بإنتاج أول طلقة ذخيرة مصرية في أكتوبر (تشرين الأول) 1954، ثم ظهرت مشروعات متطورة باستقدام خبراء ألمان مثل تصنيع الطائرة "حلوان 300"، وتطوير صاروخين طويلي المدى هما "الظافر" و"القاهر". لكن الهزيمة أمام إسرائيل في حرب 1967 أدت إلى توقف مشاريع التصنيع العسكري، إلى أن تجددت المساعي في إطار عربي بإنشاء الهيئة العربية للتصنيع عام 1975، بتعاون بين مصر والسعودية والإمارات وقطر، إلا أن التعاون العربي لم يدم طويلاً بعد مقاطعة مصر إثر توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979، فتخارجت الدول الثلاث، وأصبحت الهيئة تابعة للحكومة المصرية فقط.
وتركزت منتجات مصانع وزارة الإنتاج الحربي أو الهيئة العربية للتصنيع على الذخائر والعربات المدرعة ودبابة "أبرامز M1A1" الأميركية وطائرات التدريب. وفي عام 2008، بلغت صادرات مصر الدفاعية 717 مليون دولار وفق تصريحات وزير الدولة للإنتاج الحربي آنذاك، سيد مشعل.
وازداد اهتمام مصر بتوسيع ترسانتها العسكرية منذ تولي الرئيس السيسي، إذ كانت ثالث أكبر مشتري للأسلحة في العالم في الفترة بين الأعوام 2015 و2019، بشراء 5.8 في المئة من الأسلحة التي بيعت في الأسواق العالمية، وذلك بزيادة 212 في المئة عما اشترته القاهرة في الفترة بين الأعوام 2010 و2014.
وزاد الاهتمام الحكومي أيضاً بتوسيع قاعدة التصنيع المحلي للأسلحة بتوقيع شراكات مع دول مختلفة، مثل تصنيع الفرقاطة البحرية "ميكو A-200" بالتعاون مع شركة ألمانية، والفرقاطة "جو ويند" بالتعاون مع فرنسا، ووقعت وزارة الإنتاج الحربي أيضاً قبل أيام اتفاقية تعاون مع شركة صينية. وفي عام 2020، أعلن وزير الدولة للإنتاج الحربي اللواء محمد العصار عن وضع خطة للاكتفاء الذاتي من الذخائر خلال ثلاثة أعوام، وبعد تطبيقها "لن تستورد مصر طلقة ذخيرة واحدة".
المسيرات المصرية
وكان لافتاً في معرض "إيديكس" الإعلان عن تصنيع شركة مصرية لطائرات من دون طيار هجومية، وهي الطائرة "جبار 250"، وتوجد نسختان من نفس الطائرة مداهما 150 و200.
مستشار شركة "أميستون" المصرية للصناعات الدفاعية، العميد متقاعد محمد سيد، قال إن الشركة لديها تعاقدات مع أكثر من 20 دولة أفريقية وعدة دول عربية. مضيفاً أن من أبرز منتجات الشركة المسيرة "جبار 150" قادرة على الطيران 10 ساعات ووزنها 150 كيلوغراماً وسرعتها 200 كيلومتر/ الساعة، وتحمل مواد متفجرة من 40 إلى 50 كغم، وهناك نسخة "جبار 200" التي يصل مداها إلى 2000 كيلومتر.
ونفى سيد، في تصريحات صحافية، أن تكون "جبار" نموذجاً مماثلاً لمسيرة "شاهد" الإيرانية. موضحاً أن مصر لم تبدأ "من الصفر"، لكنها بدأت من حيث انتهى الآخرون ووضعت بصمتها، مؤكداً أن منتجات الشركة "صنعت بأفكار وأيد مصرية" وأن أسعارها منخفضة عن الدول الأخرى. مشيراً إلى تصنيع مسيرة أخرى هي "فولتكس" الانتحارية، وهي قادرة على الطيران ساعتين وسرعتها 200 كيلومتر/ الساعة، تحمل من 5 إلى 10 كغم مواد متفجرة، وبمكون محلي 90 في المئة.
وأشار مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، اللواء طيار دكتور هشام الحلبي، إلى أن تجربة مصر في صناعة المسيرات ظهرت في النسخة السابقة من معرض "إيديكس" عام 2023 ضمن خططها لتطوير صناعة السلاح.
وعرضت مصر قبل عامين المسيرة "30 يونيو" المخصصة لأعمال الاستطلاع ونسختها المطورة "6 أكتوبر".
وأوضح الحلبي لـ"اندبندنت عربية" أن مصر لديها طائرات من دون طيار صغيرة يجري توجيهها عبر الجنود، وكذلك طائرات من دون طيار "ذات الاستخدام الواحد"، التي تستخدم لتدمير الأهداف عبر الاصطدام المباشر بها.
وأكد مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية أن مصر أظهرت دخولها بقوة في مجال تصنيع الطائرات من دون طيار بما عرضته في "إيديكس 2025"، جنباً إلى جنب مع الشركات العالمية، موضحاً أن اتجاه مصر نحو صناعة المسيرات يأتي من رصدها فاعليتها في مسارح العمليات، بخاصة في أوكرانيا والشرق الأوسط، مؤكداً أن مصر لديها خبرات كبيرة، سواء في الحروب التقليدية أو غيرها، وأن التصنيع جاء من بيئة عملياتية ونتيجة دراسات وتجارب خاضتها مصر.
وأشار الحلبي إلى أن مصر اعتمدت في خطة التصنيع العسكري على تحديث المصانع والدخول في شراكات عالمية، لتوطين صناعة الأسلحة مثل تصنيع الدبابة الأميركية "أبرامز A1M1"، لافتاً إلى أن سياسة القاهرة واضحة سواء بتطوير المصانع الحربية الحالية أو عبر الشراكة مع مصانع تسليح عالمية، مشيراً إلى أنها سياسة ناجحة ترتب عليها التطوير في صناعة الطائرات من دون طيار.
واتفقت مصر وتركيا في أغسطس (آب) الماضي على التصنيع المشترك للطائرات المسيرة ذات الإقلاع والهبوط العمودي، كما بدأ إنتاج المركبات الأرضية المسيرة بناء على شراكة بين شركة "هافيلسان" التركية ومصنع "قادر" التابع للهيئة العربية للتصنيع.