ملخص
جاءت زيارة مدير المخابرات المصرية حسن رشاد إلى بيروت بعد أسبوع من لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، لذا توقع محللون أن يكون تعاقب الزيارتين مرتبطاً بمحاولة مصرية لإنضاج حل متدرج يعالج الإشكاليات على الجبهة اللبنانية الجنوبية، للوصول إلى تهدئة مستدامة
في خطوة مفاجئة، دخلت مصر على خط الأزمة اللبنانية من خلال زيارة مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد إلى بيروت ولقائه رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان، ضمن تحركات دبلوماسية مكثفة ومتزامنة للدفع نحو نزع فتيل أي تجدد محتمل للحرب بين لبنان وإسرائيل، التي أوقفت رسمياً باتفاق الهدنة الموقع في نوفمبر (تشرين الثاني)، لكنها بقت هدنة هشة إثر رفض "حزب الله" التخلي عن سلاحه في مقابل تمسك إسرائيل باحتلال النقاط الخمس في جنوب لبنان.
وبينما لم يخرج عن القاهرة بيان رسمي في شأن الزيارة، اكتفى قصر بعبدا ببيان جاء فيه أن المسؤول المصري رفيع المستوى أبدى استعداد بلاده للمساعدة في تثبيت الاستقرار في الجنوب وإنهاء الوضع الأمني المضطرب فيه.
وساطة مصرية جديدة
وعلى رغم توقع عديد من التقارير الإعلامية أن يحمل رشاد مبادرة مصرية متماسكة للسلام بين لبنان وإسرائيل، على غرار الدور الذي قامت به القاهرة في اتفاق شرم الشيخ بين حركة حماس وإسرائيل لوقف الحرب في قطاع غزة، فإن الأنباء الواردة من بيروت أشارت إلى أن زيارة الثلاثاء الماضي جاءت استكشافية لاستطلاع مواقف الأطراف اللبنانية من تحرك مصري محتمل.
ومن المنتظر أن تشهد زيارة رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام للقاهرة، اليوم السبت، بحث جهود الحد من التصعيد في المنطقة، وما يمكن أن تقوم به مصر في هذا الصدد.
وعلى رغم وجود مصر في خلفية مشهد الجهود الإقليمية والدولية لدعم لبنان على تجاوز أزماته المتعددة داخلياً وخارجياً، من خلال اللجنة الخماسية التي شكلت عام 2022 من مصر وقطر والسعودية والولايات المتحدة وفرنسا، والزيارات المتكررة لوزير الخارجية المصري إلى بيروت، فإن التحرك المصري ظل ضمن الإطار الجماعي، لذلك توجهت الأنظار إلى زيارة مدير المخابرات المصرية، التي تعد الأولى من نوعها على هذا المستوى منذ أعوام.
ومنذ انتهاء الهجمات التي استمرت أكثر من عام بين "حزب الله" وإسرائيل في نوفمبر (تشرين الأول) 2024، يعيش لبنان وضعاً معقداً في ظل التجاذب الداخلي في شأن سلاح "حزب الله"، وهو جدل مغلف بضغوط خارجية خصوصاً من الولايات المتحدة التي أرسلت مبعوثها توم براك أكثر من مرة إلى بيروت لزيادة الضغط على الحزب المتمسك بسلاحه، فيما لا تنقطع الخروق الإسرائيلية للهدنة.
توازن مصري
لذلك، كان التساؤل الأبرز حول حدود الدور الذي يمكن أن تقوم به مصر لنزع فتيل التهديد باستئناف الحرب، مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وحديث تقارير إعلامية أميركية حول إعادة "حزب الله" ترتيب قواته والتزود بالسلاح.
يقول المحلل السياسي اللبناني،علي يحيى، إن مصر لها دور تاريخي في التسويات السياسية في لبنان، كالتسوية التي أسهمت فيها مع الولايات المتحدة لانتخاب الرئيس فؤاد شهاب عام 1958، ومبادرتها مع السعودية التي نتج منها اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، كما وقفت مصر على الحياد بين الأطراف السياسية اللبنانية منذ ما بعد اتفاق الطائف.
وأضاف يحيى لـ"اندبندنت عربية"، أن التحرك المصري الأخير بزيارة مدير المخابرات إلى بيروت تستند إلى توازن مصري في علاقاتها الخارجية، من خلال تقاربها مع "محور المقاومة" وعلى رأسه إيران أخيراً، إضافة إلى مناخ التهدئة في غزة عقب اتفاق شرم الشيخ الذي جرى بالتنسيق مع الجانب الأميركي. وأضاف أن مصر تعمل على ملء الفراغ الذي خلفه غياب الدور السوري في لبنان بعد سقوط نظام الأسد.
وجاءت زيارة رشاد إلى بيروت بعد أسبوع من لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، لذلك توقع المحلل السياسي اللبناني أن يكون تعاقب الزيارتين مرتبطاً بمحاولة مصرية لإنضاج حل متدرج يعالج الإشكاليات على الجبهة اللبنانية الجنوبية، للوصول إلى تهدئة مستدامة.
تجنب الأسوأ
السفير المصري لدى بيروت علاء موسى، عندما سئل قبل ساعات من الزيارة عما إذا كان مدير المخابرات يحمل تهديداً أم مبادرة، قال إن تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية "يجعلنا نحتاط مما هو قادم"، مؤكداً وجود تعاون وتنسيق أمني وسياسي بين القاهرة وبيروت.
ويتفق الكاتب المصري المتخصص في الشأن اللبناني ماهر مقلد، مع إمكانية أن تقوم مصر بدور مؤثر في الملف اللبناني، باعتبارها دائماً ترفع شعار "الوقوف على مسافة واحدة" من كل الطوائف. مضيفاً أن المكون السني والطائفة المارونية يرحبان بتدخل القاهرة ودورها، لافتاً إلى العلاقات المتوازنة مع الطائفة الشيعية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أضاف مقلد لـ"اندبندنت عربية" أن لبنان يتطلع إلى تحركات عربية تتصدرها مصر التي ترتبط بعلاقات استراتيجية ووثيقة مع أميركا وإسرائيل، وتريد بيروت وساطة مصرية على غرار اتفاق وقف النار في غزة. مشيراً إلى أن القاهرة "غير معنية" مباشرة بمسألة نزع سلاح "حزب الله"، لكنها تسعى إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان.
ويركز الخطاب الرسمي المصري تجاه لبنان على أولوية الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، ودعم الحكومة ومؤسسات الدولة اللبنانية، بما يعزز وحدة لبنان وسيادته ويصون أمنه واستقراره، إضافة إلى الحث على التطبيق الكامل للقرار 1701، وهو ما يعني ضمناً حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.
كما طرحت القاهرة المساهمة في مرحلة إعادة إعمار ما دمرته الضربات الإسرائيلية على لبنان. وينتظر أن تشهد اللجنة العليا المصرية اللبنانية في القاهرة بحث تنفيذ مزيد من المشاريع لدعم التنمية والتغلب على المصاعب الاقتصادية بلبنان.
التنسيق مع واشنطن
وعلى رغم تزامن زيارة مدير المخابرات المصرية ونائب المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس إلى بيروت، استبعد الكاتب المصري المتخصص بالشأن اللبناني ماهر مقلد أن يعني ذلك وجود مبادرة مشتركة - مصرية - أميركية.
لكن هذا التصور ظهر في النقاشات الإعلامية التي صاحبت الزيارتين، ففي مؤتمر صحافي في بيروت عقب ساعات من الزيارتين، سئل أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عن وجود تنسيق مصري - أميركي لمساعدة لبنان، فأجاب أن هذا التصور "صحيح إلى حد كبير". وقال أبو الغيط، إن الولايات المتحدة مصممة على تحقيق السلام ومنع إسرائيل من التصرف بصورة أحادية.
فيما يقدر مندوب مصر السابق في الأمم المتحدة، السفير معتز أحمدين خليل، الدور الذي قد تلعبه مصر في لبنان بأنه "محدود جداً" في ظل الدور الأميركي "الجاثم" والتهديدات الإسرائيلية.
وعن إمكانية تكرار نجاح مصر في ملف لبنان على غرار اتفاق غزة، قال خليل لـ"اندبندنت عربية"، إن تلك الرؤية غير صحيحة ولا تأخذ الواقع الإقليمي في الاعتبار، موضحاً أن مصر لها حدود مع قطاع غزة وصلة مباشرة بجميع الفصائل الفلسطينية وكذلك إسرائيل، لذا فإن دورها في الملف الفلسطيني يعد طبيعياً، مشيراً إلى أن القاهرة نجحت في وقف النار "الهش" بالتنسيق مع قطر وأميركا وتركيا.
نقل الرسائل
وتوقع الدبلوماسي المصري السابق أن يكون السبب الرئيس لزيارة رئيس المخابرات المصرية إلى بيروت ينحصر في نقل رسائل من الولايات المتحدة وإسرائيل، مستبعداً أن تؤثر القاهرة في مسألة نزع سلاح "حزب الله" لأنها تفتقد للعلاقات المباشرة معه. مرجعاً اختيار مصر لنقل الرسائل إلى لبنان إلى علاقتها الجيدة مع الطرفين إسرائيل ولبنان، مضيفاً أن أميركا لا تريد شريكاً في ملف لبنان، على عكس الدور المصري في غزة الذي يتمتع بالاستقلالية.
وفي شأن وجود تنسيق مصري - أميركي، أشار إلى أن واشنطن تطلب أخيراً من القاهرة التدخل في ملفات معينة مثل الاتفاق بين إيران ووكالة الطاقة الذرية، وقد يكون تكرر ذلك في الملف اللبناني.
ويتواتر المبعوثون الأجانب والعرب على بيروت، وكان آخرهم وزير خارجية ألمانيا يوهان فاديفول، أمس الجمعة، في لقاء خرج بعده الرئيس اللبناني جوزاف عون، ليؤكد استعداد بلاده للدخول في مفاوضات تهدف إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، "بإرادة متبادلة، وبزمان ومكان يحدد لاحقاً".
ويوازن لبنان الرسمي بين إجراءات بسط السيادة وتحقيق مبدأ حصرية السلاح وحث المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لوقف خرق الهدنة والانسحاب من النقاط الخمس في الجنوب. وفي وقت طالب فيه عون الوزير الألماني بالعمل على كبح جماح تل أبيب، كان يعلن أن عديد الجيش اللبناني في الجنوب سيصل إلى 10 آلاف جندي بنهاية العام، فيما أكد رئيس الحكومة أكثر من مرة التزام بيروت بخطة نزع سلاح "حزب الله".