Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

خلاف "المعبر" يعمق "تأزم" العلاقات بين القاهرة وتل أبيب

إعلان إسرائيل فتح معبر رفح "حصراً لخروج الفلسطينيين" يبقي شبح التهجير الذي ترفضه مصر ومصادر تتحدث عن تحركات هادئة ومستمرة لإفشال أي مخططات لإخراج أهل غزة

لم يهدأ توتر العلاقات بين القاهرة وتل أبيب رغم اتفاق غزة لانهاء الحرب الذي تم التوصل له في أكتوبر الماضي (رويترز)

ملخص

عكس الخلاف حول المعبر مؤشراً جديداً على درجة التوتر العالية التي تحكم العلاقات بين القاهرة وتل أبيب منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر 2023، مما استدعى معه التساؤلات في شأن مدى قدرة القاهرة على الاستمرار في وقف مخططات التهجير في وقت تتمسك فيه الدولة العبرية بإتمامه، ومدى إمكان تأثير ذلك المسعى في المراحل التالية من اتفاق وقف الحرب الذي يسمح بمزيد من الانسحابات الإسرائيلية من القطاع، في مقابل بدء عمليات إعادة الإعمار وتسليم "حماس" والفصائل الفلسطينية سلاحها.

عاد معبر رفح مجدداً لواجهة العلاقات "المتأزمة" بين القاهرة وتل أبيب التي لم تهدأ درجات توترها على رغم اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك على خلفية تباين رؤية البلدين في ما يتعلق بكيفية تشغيل المعبر الوحيد الرابط بين مصر وقطاع غزة.

وعلى رغم نص كل من اتفاق وقف الحرب الذي رعته مصر بجانب كل من الولايات المتحدة وقطر وتركيا استناداً إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقرار مجلس الأمن الذي أيد تلك الخطة على تشغيل المعبر في الاتجاهين، أعادت إسرائيل الحديث عن عزمها تشغيل المعبر في اتجاه واحد لـ"السماح حصراً بخروج سكان غزة" إلى مصر، لتتمسك الأخيرة بآلية العمل المتبادلة "الدخول والخروج" مع النفي القاطع بوجود اتفاق يسمح بعبور السكان في اتجاه واحد الذي تتخوف القاهرة أن يكون بداية لـ"سيناريو التهجير" الذي كثيراً ما تشددت في رفضه طوال عامي الحرب على القطاع.

وأمام ذلك التناقض في الرؤى بين البلدين، بقي الخلاف حول المعبر مؤشراً جديداً على درجة التوتر التي تحكم العلاقات بين القاهرة وتل أبيب منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر 2023، مما استدعى معه التساؤلات في شأن مدى قدرة القاهرة على الاستمرار في وقف مخططات التهجير في وقت تتمسك فيه الدولة العبرية بإتمامه، ومدى إمكان تأثير ذلك المسعى في المراحل التالية من اتفاق وقف الحرب الذي يسمح بمزيد من الانسحابات الإسرائيلية من القطاع، في مقابل بدء عمليات إعادة الإعمار وتسليم "حماس" والفصائل الفلسطينية سلاحها.

لا اتفاق للمرور في اتجاه واحد

واشتعلت أزمة المعبر مجدداً بين القاهرة وتل أبيب، بعد أن أعلنت الأخيرة الأربعاء عبر وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية (كوغات)، أن معبر رفح سيفتح "في الأيام المقبلة" للسماح حصراً بخروج سكان غزة إلى مصر.

وقالت "كوغات" في بيان على منصة "إكس"، "وفقاً لاتفاق وقف إطلاق النار وتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح في الأيام المقبلة بصورة حصرية لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر"، مشيرة إلى أن ذلك سيجري بالتنسيق مع القاهرة وبعثة الاتحاد الأوروبي التي تسهم في الإشراف على المعبر.

وأضافت كوغات أن المعبر سيعمل في إشراف بعثة الاتحاد الأوروبي للمساعدة الحدودية على معبر رفح (EUBAM) "على غرار الآلية التي عملت في يناير (كانون الثاني) 2025"، عندما تم فتحه لفترة وجيزة خلال هدنة استمرت ستة أسابيع في الحرب بين إسرائيل و"حماس". وهو ما ردت عليه القاهرة سريعاً بنفي وجود اتفاق يسمح بعبور السكان في اتجاه واحد، بحسب الهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية.

وبحسب ما نقلت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية عن "مصدر مسؤول" لم تسمه، فقد شدد على أنه "إذا جرى التوافق على فتح المعبر، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب"، نافياً ما تداولته بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية، عن التنسيق لفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لخروج السكان من قطاع غزة.

ولم يهدأ السجال بين البلدين عن هذا الحد، بل عادت الصحافة الإسرائيلية لتنقل عن مسؤولين إسرائيليين لم تسهم ردهم على النفي المصري، قائلين إنه "إذا كانت مصر لا تريد استيعاب سكان غزة فهذه مشكلتها"، مضيفة "سنفتح معبر رفح أمام سكان غزة الراغبين في مغادرة القطاع"، وفق ما نقلت القناة الـ12 العبرية.

تحرك مصري "هادئ" لحسم الملف

وأمام ذلك الجدال المستمر ما تراه القاهرة إصراراً إسرائيلياً على المضي قدماً في تنفيذ مساعي "تهجير سكان قطاع غزة" على حساب دول الجوار، وإن كانت تحت مسميات مختلفة، أوضحت مصادر دبلوماسية تحدثت لـ"اندبندنت عربية" إن "الموقف المصري حول هذا الأمر ثابت ولن يتغير"، مشيرة إلى أن الرسائل المصرية حول هذا الأمر "واضحة وحاسمة سواء عبر القنوات المباشرة الأمنية والسياسية مع تل أبيب، أو للإدارة الأميركية".

وبحسب أحد المصادر التي تحدثت إلينا فإن "تدرك القاهرة جيداً الأهداف الحقيقية للتحركات والإعلانات الإسرائيلية المستمرة في هذا الشأن"، مشيراً إلى أن الأمر بالنسبة إلى مصر حول هذا الملف "محسوم".

ومع تأكيد المصدر الدبلوماسي أن "القاهرة دائماً ما تؤكد على هذا الموقف سواء عبر الاتصالات الثنائية من خلال القنوات السياسية أو الأمنية مع إسرائيل"، إلا أنه عاد وذكر أن مصر "ترى في إثارة هذا الأمر بين الحين، والآخر محاولة لإشغالها والتحايل على تنفيذ خطة وقف الحرب في قطاع غزة من الجانب الإسرائيلي".

 

الأمر نفسه أكد عليه رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، موضحاً في تصريحات إعلامية إن ما نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، نقلاً عن بعض المصادر في شأن التنسيق لفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لتهجير الفلسطينيين من غزة "هو المعتاد من الجانب الإسرائيلي في ما يخص الحدود المصرية وهى أنباء لا أساس لها من الصحة".

وذكر رشوان أنه لا يوجد شيء إطلاقاً اسمه التنسيق بين مصر والجانب الإسرائيلي حول فتح المعبر من الجانب الفلسطيني فقط، أي خروج الفلسطينيين من أراضيهم إلى الأراضي المصرية، مشدداً على أن موقف القاهرة منذ بداية أزمة المعبر هو "تأكيد فتح المعبر من الجانبين"، إذ تتمسك مصر برفض "التهجير سواء كان قسرياً أم طوعياً"، مشيراً إلى أنه يبقى "خط أحمر بالنسبة إلى مصر، لما يمثله من تهديد للأمن القومي وينذر بتصفية القضية الفلسطينية".

خيارات القاهرة لمواجهة "التحايل" الإسرائيلي

ومع عودة تفجر أزمة المعبر بين القاهرة وتل أبيب، وإعادة الأخيرة طرح "إخراج" الفلسطينيين من القطاع، تتباين آراء المراقبين والمتابعين في شأن خيارات مصر للتعاطي مع الإصرار الإسرائيلي في ما تراه "مخططات التهجير".

ويقول السفير عاطف سيد الأهل، سفير مصر السابق لدى إسرائيل، إن "خطة ترمب وقرار مجلس الأمن ذات الصلة يتحدث صراحة عن تشغيل معبر رفح في الاتجاهين (دخول وخروج) وأي تغيير لهذا الأمر من جانب إسرائيل ما هو إلا تحايل وقياس لدرجة رد الفعل من الجانب المصري في شأن ملف التهجير"، موضحاً في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "لم ينته مشروع التهجير من العقلية الإسرائيلية حتى مع وقف حرب غزة، إذ لا يزال ذلك الملف قائماً في العقلية الإسرائيلية ولم تنته منه"، مشيراً إلى أن "تحقيق التهجير بالنسبة إلى إسرائيل سواء للفلسطينيين في قطاع غزة أم الضفة الغربية، هو حلم قديم يظهر بين الحين والآخر لقياس مدى إمكان تطبيقه".

 

وتابع سيد الأهل "لم ينه وقف الحرب ملف التهجير لدى إسرائيل، إذ تتعاطى الدولة العبرية مع أية هدنة كتكتيك عسكري وليس كتحول سياسي يعزز العملية السلمية القائمة، مرتكزة في ذلك على عامل الوقت في استنزاف الخصم أو إنهاكه وخلخلة البيئة الاجتماعية له، مع التخلي المستمر عن التزاماتها تحت دعاوى مختلفة"، مضيفاً "هذا هو الآمر الذي نراه في السلوك الإسرائيلي منذ بدء سريان اتفاق وقف الحرب، خروقات وانتهاكات مستمرة لبنود الاتفاق، سواء في ما يتعلق بوقف إطلاق النار  ومواصلة استهداف الفلسطينيين أو السماح بدخول المساعدات الإنسانية"، مرجعاً في الوقت ذاته استمرار إسرائيل بالتلويح بملف التهجير، إلى "تأزم الأوضاع الداخلية"، قائلاً إن "تحرك الأحداث الداخلية في إسرائيل سياستها الخارجية".

ووفق سيد الأهل فإن محاولات حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المتواصلة "مهاجمة مصر" هو محاولة "لإشغال القاهرة"، قائلاً "هذه السياسة رأيتها كثيراً خلال خدمتي سفيراً للقاهرة في تل أبيب، إذ تحاول أصوات داخلية بين الحين والأخير طرح مواضيع بعينها لإشغال مصر، على رغم إدراكه في النهاية أن ملف التهجير لن يتم ولن يستطيع أن يضغط على القاهرة في هذا الشأن، كما أنه لا يستطيع تحمل خسارة العلاقات معنا".

وشدد سيد الأهل على أن مصر "لديها من الأدوات والضغط ما يمكنها من إفشال أي مخططات متعلقة بالتهجير، وإسرائيل تدرك جيداً هذا الأمر، وأن ما فشلت إسرائيل في تحقيقه أيام الحرب في القطاع لا يمكنها تحقيقه الآن تحت أي مسميات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هو الآخر قال رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات سمير غطاس إن "ملف التهجير لم يغلق أبداً، بالنسبة إلى إسرائيل منذ اليوم الأول لتأسيسها على أنقاض فلسطين"، معتبراً في حديثه معنا إن "فتح معبر رفح من جهة واحدة يعني تهجيراً، وإن اختلف المسمى من قسري إلى طوعي".

وذكر غطاس أن "الدولة العبرية تحاول جاهدة لتحقيق هذا الأمر، وهو ما يكرره باستمرار مسؤوليها الحكوميين سواء على المستوى السياسي أم الأمني"، مضيفاً "بعد فشلها في تنفيذ إجلاء الفلسطينيين قسراً خلال الحرب، تحاول الآن إعادة الملف وإن تحت مسمى الطواعية".

وأوضح غطاس إن القاهرة منذ اليوم الأول للحرب في القطاع أكدت أنها لن تسمح "بإفراغ الفلسطينيين من قطاع غزة تحت أي مسمى، لما له من أخطار مباشرة على أمنها القومي وعلى القضية الفلسطينيين".

من جانبه، ومع تأكيده أن الخطوات الإسرائيلية الأخيرة تشير إلى مزيد من تأزم العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، قال  نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عماد جاد إنه منذ "العدوان الإسرائيلي واسع النطاق على غزة والعلاقات بين البلدين تمر بدرجة عالية من التوتر تصل أحياناً إلى حالة الحرب الباردة وفق المصطلحات الإسرائيلية"، موضحاً في حديثه معنا "على مدار الفترة الأخيرة مرت العلاقات بتوتر كبير كان أشبه بالقطيعة الدبلوماسية على وقع الشكوى والاتهامات المتبادلة، وذلك قبل أن تهدأ قليلاً بعد وقف الحرب في غزة، إلا أن مؤشرات التوتر بقيت مخيمة على الأجواء"، مشيراً إلى أن العلاقات بين البلدين "باتت تدار بأدوات الضغط كافة من دون الانزلاق إلى مستويات لا يمكن الرجوع عنها مع إدراك البلدين أخطار سيناريو كهذا".

وفتح المعبر هو من البنود التي وردت في خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأفضت إلى اتفاق في شأن وقف حرب غزة، كما طالبت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الإنسانية مراراً بفتحه.

وأفادت مصادر أممية في القاهرة بأن الاتفاق ينص على إدخال 600 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية إلى غزة يومياً، وبينما "تدعي الحكومة الأميركية دخول 700 شاحنة يومياً"، إلا أن "بيانات الأمم المتحدة تظهر أن عدد الشاحنات بالكاد يتجاوز الـ100". وأضافت المصادر أن "الغالبية العظمى من الحمولات التي يسمح بدخولها هي مواد غذائية، بينما تمنع السلع الأساسية مثل الخيام والمعدات الطبية أو تواجه تأخيرات كبيرة".

وسيطرت القوات الإسرائيلية في السابع من مايو (أيار) 2024 على الجانب الفلسطيني من المعبر، وقالت إنه كان يستخدم "لأغراض إرهابية"، وسط شبهات بتهريب أسلحة، ومنذ ذلك الحين أعيد فتح المعبر لفترة وجيزة خلال هدنة قصيرة بين إسرائيل و"حماس" دخلت حيز التنفيذ في الـ19 من يناير (كانون الثاني) الماضي، مما سمح في البداية بمرور الأشخاص المصرح لهم بمغادرة غزة، ولاحقاً مرور الشاحنات.

وبعد التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كان من المقرر أن يعاد فتح المعبر في الاتجاهين بعد أيام قليلة من إعلان الاتفاق، قبل أن يجري تأجيل ذلك.

ويعد معبر رفح نقطة دخول حيوية للعاملين في المجال الإنساني ولشاحنات نقل المساعدات والغذاء والوقود، وكان المعبر لوقت طويل المنفذ الرئيس لسكان غزة المصرح لهم بمغادرة القطاع الذي تحاصره إسرائيل منذ عام 2007.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير