ملخص
عقب شن إسرائيل الحرب التي أعقب هجمات السابع من أكتوبر 2023 كان معبر رفح هو المنفذ الوحيد لخروج الأفراد من قطاع غزة، بخاصة بعد تعطيل معبر إيريز الذي تسيطر عليه إسرائيل
يقع معبر رفح البري في بؤرة الاهتمام من جديد، مع تزايد التظاهرات أمام السفارات المصرية في العالم للمطالبة بفتح المعبر مع قطاع غزة، ونفي القاهرة إغلاقها المعبر وتحميل المسؤولية لإسرائيل عن الوضع الإنساني الكارثي في القطاع، بخاصة أنها الطرف المحتل للمعبر منذ مايو (أيار) 2024.
1- ما معبر رفح؟
يقع معبر رفح البري جنوب قطاع غزة في أقصى جنوب محافظة رفح، بين الحدود الفلسطينية - المصرية التي جرى الاعتراف بها بموجب معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر عام 1979، ويعد المنفذ الوحيد لقطاع غزة مع العالم الخارجي، بخلاف المعابر الأخرى مع إسرائيل، وهي كرم أبو سالم وإيرز وصوفا وناحال عوز وكارني وكيسوفيم.
ومعبر رفح مخصص لعبور الأفراد لا الشاحنات، ويبعد نحو 40 كيلومتراً عن مطار العريش الدولي في شمال سيناء، الذي خصصته مصر لتسلم المساعدات الإغاثية لغزة، عقب اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
خضع قطاع غزة للحكم المصري بعد حرب 1948 وقيام دولة إسرائيل، حتى هزيمة مصر في حرب 1967 التي أفضت إلى احتلال إسرائيل قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء. وظهرت الحاجة إلى معبر بين غزة والأراضي المصرية بعد انسحاب إسرائيل من سيناء عام 1982 تطبيقاً لمعاهدة السلام، فتم إنشاء معبر رفح الذي يحمل اسم مدينتين بالاسم ذاته على جانبي الحدود المصرية والفلسطينية.
2- لماذا تصاعدت أهمية معبر رفح بعد عام 2005؟
تنازلت إسرائيل عن إدارة معبر رفح بعد انسحابها من قطاع غزة، وفق خطة فك الارتباط وإغلاق مستوطناتها في سبتمبر (أيلول) 2005، وفي ذلك الوقت جرى بحث مقترحات لفتح سبيل لحركة الأفراد. وبحسب دبلوماسي أوروبي عمل في الأراضي الفلسطينية خلال تلك الفترة فإنه أثيرت 4 مقترحات عقب انسحاب إسرائيل هي إحياء مطار غزة وتطوير الميناء وفتح طريق بري بين غزة ومدينة الخليل بالضفة الغربية، وكانت المقترح الوحيد الذي وافقت عليه إسرائيل هو الاعتماد على معبر رفح البري مع مصر لعبور الأفراد، فيما جرى تحويل حركة البضائع إلى معبر كرم أبو سالم، الذي يقع في النقطة الفاصلة بين حدود مصر وغزة وإسرائيل.
وساعد الاتحاد الأوروبي في تنظيم العمل بالمعبر وفق اتفاقية المعابر التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005 بين الاتحاد وكل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، الذي نص على نشر بعثة إشراف أوروبية تراقب عمل مسؤولي الجمارك والحدود الفلسطينيين، كما يحق للحكومة الإسرائيلية الاعتراض على عبور أشخاص مع ذكر الأسباب، ويمنع عبور من لا يحمل وثيقة إقامة في قطاع غزة، إلا باستثناءات محدودة مثل الدبلوماسيين والحالات الإنسانية.
3- كيف تفاوت المعبر بين الفتح والإغلاق؟
بعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة عام 2007، انسحبت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة معبر رفح، بسبب غياب موظفي السلطة الفلسطينية ورفض بروكسل التعامل مع موظفي "حماس"، بالتالي بقي المعبر مغلقاً باستثناء فترات متباعدة. وطالبت "حماس" بفتح معبر رفح من دون شروط، واعتبرت ذلك من شروط التهدئة مع إسرائيل أو الدخول في مصالحة مع السلطة.
أما مصر فاعتبرت أنها في حل من تشغيل المعبر بعد انهيار الاتفاقية التي تنظمه، وما دامت لا تديره السلطة الفلسطينية، لكن بعد هجوم إسرائيل على سفن المساعدات (أسطول الحرية) عام 2010، أمر الرئيس السابق حسني مبارك بفتح المعبر لأجل غير مسمى، ثم تأثرت وتيرة فتح المعبر بالأحداث الأمنية في مصر بعد ثورة 2011، إلا أن المجلس العسكري الذي تولى السلطة خلفاً لمبارك قرر في مايو 2011 فتح معبر رفح بصورة دائمة بالآليات ذاتها المتبعة قبل عام إغلاقه عام 2007، لكنه أغلق مجدداً بعد 3 سنوات عقب الهجوم على جنود بالجيش المصري في شمال سيناء في مكمن "كرم القواديس"، وظل مغلقاً باستثناء مرات قليلة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2017 وقَّعت حركتا "فتح" و"حماس" في القاهرة اتفاق مصالحة، وبموجبه سلمت "حماس" السلطة الفلسطينية معبر رفح. وفي مايو 2018، فتحت مصر المعبر بعد سنوات من إغلاقه بصورة شبه دائمة، لمدة 5 أيام أسبوعياً، ويسمح بالمرور خلاله لقدرة استيعابية محددة، ومنذ ذلك الحين لم يغلق المعبر بحسب تصريحات صحافية للسفير الفلسطيني لدى القاهرة دياب اللوح.
4- ما تأثير أحداث السابع من أكتوبر 2023 في معبر رفح؟
عقب شن إسرائيل الحرب التي أعقب هجمات السابع من أكتوبر 2023 كان معبر رفح هو المنفذ الوحيد لخروج الأفراد من قطاع غزة، بخاصة بعد تعطيل معبر إيريز الذي تسيطر عليه إسرائيل. وفي الأيام الأولى للحرب تعرض المعبر لقصف إسرائيلي مرات عدة طاول المنطقة العازلة بين البوابتين المصرية والفلسطينية للمعبر، مما أدى إلى وقوع أضرار أدت إلى إغلاقه. وقال وزير الخارجية المصري في ذلك الوقت سامح شكري إن 4 عمال مصريين أصيبوا في أثناء عملهم على إصلاح الطريق بين سيناء وقطاع غزة، الذي تضرر نتيجة القصف.
وفي اليوم الثالث من الحرب ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية أن تل أبيب حذرت القاهرة من إرسال أي مساعدات إلى غزة، وأنها ستقصف أي شحنات تدخل من خلال معبر رفح من دون إذنها، لكن على المستوى الرسمي نفت إسرائيل على لسان المتحدث باسم الحكومة أوفير جندلمان قصف المعبر.
ومع إعلان تل أبيب في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) فرض حصار شامل على القطاع، ومنع الماء والكهرباء والغذاء والوقود، طلبت مختلف الدول مساعدة مصر في إجلاء رعاياها من القطاع، واشترطت القاهرة إدخال مساعدات للغزيين قبل خروج الأجانب، وهو ما جرى في الـ21 من أكتوبر 2023.
وفي مايو 2024 احتلت إسرائيل مدينة ومعبر رفح البري ودمرت بوابته من الجانب الفلسطيني، وأعقب اشتراط مصر وجود طرف فلسطيني لتسلم المساعدات في الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
5- ما آلية دخول المساعدات عبر معبر رفح بعد الحرب؟
مع إغلاق المعابر الحدودية الإسرائيلية، أصبح معبر رفح الطريق الوحيد الذي يمكن لسكان غزة من خلاله مغادرة القطاع، كما بات محور الجهود المبذولة لتوصيل المساعدات الإنسانية، حتى احتلاله من جانب إسرائيل في مايو 2024. واتهمت مصر إسرائيل بخلق تعقيدات لوجيستية تبطئ من وتيرة دخول المساعدات التي تدفقت إلى مطار العريش بشمال سيناء.
وفي الفترة بين اندلاع الحرب واحتلال المعبر كانت رحلة شاحنات المساعدات طويلة ومعقدة، إذ اشترطت إسرائيل تفتيش شاحنات المساعدات في معبر "نتسانا" الإسرائيلي المقابل لمعبر "العوجة" المصري، وبعد ذلك تتوجه إلى معبر رفح في رحلة تستغرق 100 كيلومتر، تسير خلالها الشاحنات بسرعة محدودة في قوافل منظمة تحت حماية قوات الأمن المصرية. وفي نوفمبر 2023 قال المتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد إنه لوحظ وجود تشدد كبير من الجانب الإسرائيلي في إجراءات التفتيش، بل ورفض دخول عديد من المساعدات لاعتبارات سياسية وادعاءات أمنية مختلفة، فضلاً عن البطء في إجراءات التفتيش، والتصعيد العسكري المتكرر على الجانب الفلسطيني من المعبر.
ووفق مصادر في شمال سيناء، فإن رحلة شاحنة المساعدات كان من الممكن أن تمتد إلى نحو ثلاثة أيام، منذ تحركها من العريش وحتى وصولها إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح، على رغم أن المسافة لا تزيد على 40 كيلومتراً، بسبب الانتظار الطويل لدورها في التفتيش أو طول أمد التفتيش الإسرائيلي نفسه الذي قد يمتد إلى أكثر من 24 ساعة.
6- من يمنع نفاذ المساعدات من خلال معبر رفح حالياً؟
وفق وزارة الخارجية المصرية فإن مصر لم تغلق جانبها من المعبر منذ بدء الحرب إلا أن إغلاق البوابة الفلسطينية يحول دون دخول المساعدات، فيما لا توجد إمكان للنفاذ إلى داخل غزة إلا من البوابة الفلسطينية. وأوضحت الوزارة في بيان أن مصر لا تتحكم في المعبر، "بل يتكون من بوابة على الجانب المصري وبوابة أخرى على الجانب الفلسطيني من المعبر، ويفصل بينهما طريق، واجتياز البوابة الواقعة على الجانب المصري لا يعد اجتيازاً للحدود بين الجانبين، ولا يوفر نفاذاً لقطاع غزة، ويتطلب النفاذ للقطاع عبور المسافة الفاصلة بين البوابتين والدخول من البوابة الفلسطينية لنفاذ الشاحنات والأفراد، وهو ما يتعذر تحقيقه منذ احتلال الجيش الإسرائيلي الجانب الفلسطيني من المعبر ومنعه نفاذ الأفراد والشاحنات بصورة كاملة، إضافة إلى استهداف الجانب الفلسطيني من المعبر عسكرياً أكثر من مرة".
كما أشارت الوزارة إلى أن معبر رفح مخصص لعبور الأفراد فقط وليس الشاحنات، وعلى رغم ذلك تمكنت مصر من إدخال آلاف الشاحنات من خلاله منذ بدء الحرب للإسراع في تقديم المساعدات.
7- لماذا عاد معبر رفح لواجهة الأحداث؟
شهد عديد من عواصم العالم احتجاجات أمام السفارات المصرية، لمطالبة القاهرة بفتح معبر رفح وإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى أهالي غزة الذين يعانون "التجويع"، وسط دعوات إلى إغلاق وحصار السفارات المصرية، وهو ما بدأ في أمستردام بإغلاق السفارة المصرية بإقفال من جانب شاب مصري يحمل الجنسية الهولندية، وذلك على رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة لعدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود إلى القوات الإسرائيلية المسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاءت تلك التحركات تزامناً مع بيان للقائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان المسلمين صلاح عبدالحق، الشهر الماضي، دعا فيه إلى "النفير العام"، مضيفاً أن "استمرار إغلاق المعابر، وحرمان قوافل الإغاثة والدواء والغذاء من الوصول لأهل غزة، ليس خذلاناً فحسب، بل هو اشتراك في الجريمة".
8- كيف تطورت أزمة المعبر إلى الداخل الإسرائيلي؟
نظم عدد من الفلسطينيين داخل الخط الأخضر (عرب 48) أمام السفارة المصرية في تل أبيب، تظاهرة أثارت غضباً واسعاً في الرأي العام المصري، بعدما رفع المشاركون شعارات تتهم القاهرة بالتواطؤ في عملية "تجويع غزة" عبر استمرار إغلاق معبر رفح أمام المساعدات. وكان من أبرز المشاركين في الوقفة، الشيخ رائد صلاح، والشيخ كمال الخطيب، المعروفان في مناطق الداخل الفلسطيني بنشاطهما واللذان ينتميان إلى الحركة الإسلامية، وشهدت التظاهرة هجوماً حاداً على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
9- كيف ردت مصر على اتهامها بغلق معبر رفح؟
قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن تشغيل معبر رفح مرتبط إلى جانبي المعبر وليس قراراً مصرياً خالصاً، مؤكداً أن دور مصر في القضية الفلسطينية "شريف وأمين". من جانبها، أكدت وزارة الخارجية المصرية أن الادعاءات حول إخفاق مصر في تقديم المساعدات إلى قطاع غزة "تضليل متعمد"، قائلة إن مصر وفرت 70 في المئة من إجمالي المساعدات الإنسانية والإغاثية، التي دخلت غزة منذ بداية الحرب.
وأضافت أن إدخال أكبر قدر من المساعدات يشكل أولوية رئيسة بالنسبة إلى مصر لأسباب أخلاقية وإنسانية في المقام الأول، وأيضاً لضمان وقف مخططاًت التهجير والمحاولات الإسرائيلية لتصفية القضية من خلال دفع الشعب الفلسطيني لترك أرضه.
10- ما البديل لمعبر رفح؟
بعد احتلال إسرائيل معبر رفح في السابع من مايو 2024، توقف دخول أي مساعدات إنسانية للقطاع بعد اشتراط مصر وجود طرف فلسطيني في معبر رفح، لكن مع احتدام الوضع الإنساني أعلنت الولايات المتحدة موافقة الرئيس المصري على استخدام معبر كرم أبو سالم "موقتاً" لإدخال المساعدات، وذلك بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس الأميركي حينها جو بايدن في الـ24 من مايو 2024.
ومنذ 14 شهراً أصبح معبر كرم أبو سالم منفذ دخول المساعدات التي تأتي في شاحنات تصطف في معبر رفح، ثم تتحرك إلى معبر كرم أبو سالم على بعد 4 كيلومترات، حيث تخضع هناك للتفتيش من السلطات الإسرائيلية قبل دخول قطاع غزة.