Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشعل "الغاز" التوتر الأمني بين مصر وإسرائيل؟

صحيفة إسرائيلية تقول إن نتنياهو يناور بملف الطاقة لضمان التزام مصر بملحق اتفاق السلام الأمني في سيناء ومصدر لـ "اندبندنت عربية": لم يصلنا بعد أي إخطار أو تحديث حتى الآن ولكل حادث حديث

جاء تعليق صفقة الغاز على أثر ما سمّته إسرائيل انتهاكات مصرية لبنود اتفاق كامب ديفيد (رويترز)

ملخص

يعتقد مراقبون أن تعاطي إسرائيل مع القاهرة بأسلوب الضغط والمناورة، وعلى رغم الضغوط التي قد يفرزها أي قرار متعلق بإمدادات الغاز الطبيعي، لكنه ليس متوقعاً أن يجدي نفعاً أو يحقق أهدافه، بخاصة أن مصر ستتأثر عكسياً وسيزيد مستوى ومنسوب العداء والتحفز والاستقطاب السياسي والأمني، مما يرفع فرص التأزم والمواجهة، وهو ما ليس في مصلحة إسرائيل

دخلت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منحى جديداً من التوتر، قد يطول الملف الاقتصادي والتبادل التجاري الذي ظل في منأى عن المناوشات الكلامية والسياسية بين البلدين على وقع الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة وتبعاتها الإنسانية المدمرة، ورفض القاهرة تهجير سكان القطاع إلى شبه جزيرة سيناء الذي ترى فيه "خطأ أحمر" بالنسبة إلى أمنها القومي.

وبعد أيام من التململ عكسته وسائل إعلام عبرية عدة حول المخاوف جراء زيادة القاهرة وجودها العسكري في سيناء، لا سيما المنطقة (ج) التي تحدد معاهدة السلام الموقعة بين البلدين عام 1979 وجود القوات فيها، مع عدم توضيح مصر بصورة معلنة طبيعة ومهمات تلك القوات، وهو ما فسره مراقبون بأنه استعداد منها للسيناريوهات الأسوأ، بدأت تل أبيب تناور بورقة الغاز الطبيعي بعد أسابيع قليلة من توقيع عقد في أغسطس (آب) الماضي بـ35 مليار دولار لتصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر، في صفقة وصفتها تل أبيب بأنها الأكبر في تاريخها.

مناورة الدولة العبرية بورقة الغاز قالت عنها صحيفة "يسرائيل هيوم" إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة في حكومته إيلي كوهين سيعيدان النظر في صفقة الغاز الموقعة أخيراً مع القاهرة، مشيرة نقلاً عن مصادر إلى أن طلب نتنياهو جاء في ضوء تقارير إسرائيلية تتحدث عن انتهاكات مصرية لبنود الملحق الأمني لـ "اتفاق كامب ديفيد"، مما يضع مصر أمام ضغوط في شأن خياراتها الطاقوية والأمنية معاً في ذلك التوقيت الحساس.

تعليق أم ضغط؟

وبحسب تقرير "يسرائيل هيوم" فقد أوعز نتنياهو لوزير طاقته إيلي كوهين بعدم المضي في اتفاق الغاز الضخم مع مصر من دون موافقته الشخصية، وذلك على خلفية تقارير عن خروقات مصرية لاتفاق السلام عبر التعزيزات العسكرية في سيناء، موضحة أن رئيس الحكومة الإسرائيلية سيبحث مع وزير الطاقة وعضو الـ "كابينت" السياسي والأمني إيلي كوهين ما إذا كان ينبغي المضي في الاتفاق، وكيفية القيام بذلك، قبل أن يتخذ قراراً نهائياً بهذا الشأن.

ونقلت الصحيفة عن مصادر قولها إن التوجه الأولي داخل الحكومة الإسرائيلية "كان التصديق على الصفقة كما جرى التوصل إليها، لكن التسريبات الصحافية وما تبعها من نقاش داخلي دفعا نتنياهو إلى طلب فحصها على أعلى المستويات قبل المضي قدماً".

وذكرت الصحيفة أن إسرائيل "تستخدم للمرة الأولى ورقة ضغط اقتصادية طاقوية ثقيلة لضمان التزام مصر بالاتفاقات"، مشيرة إلى أن "مصر تعاني منذ أعوام نقصاً في مصادر الطاقة يصل أحياناً إلى انقطاع الكهرباء لساعات طويلة"، ونقلت عن مصادر سياسية قولها إن نتنياهو وكوهين "يعتزمان التأكد من أن مصر ستلتزم بتعهداتها بموجب اتفاق السلام"، وذلك بعد أن أشارت تقارير عدة إلى أن مصر انتهكت الملحق العسكري لاتفاق السلام مع إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة، فضلاً عن توقف قوة المراقبين الدولية بقيادة الولايات المتحدة عن متابعة الانتشار العسكري المصري في سيناء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق ما نفلته الصحيفة العبرية فإن صفقة الغاز الأخيرة الموقعة بين مصر وإسرائيل كشفت عن الحاجة الماسة للدولة العربية الأكثر كثافة سكانية في المنطقة "إلى الغاز الإسرائيلي، وأنها مستعدة لدفع سعر أعلى بكثير مما يدفعه المستهلك الإسرائيلي"، مشيرة إلى أن الشركات المشغلة لحقل لفياثان وهي "رتسيو" و"نيو ميد إنرجي" التابعة لمجموعة "ديلك" المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي يتسحاق تشوفا، هي من وقعت العقد مع الجانب المصري، والذي ينص على بيع 130 مليار متر مكعب من الغاز حتى عام 2040 في مقابل 35 مليار دولار، لتمثل شركة الطاقة المصرية "بلو أوشن إنرجي" الطرف المشتري.

وتابعت الصحيفة أن "هذه الصفقة تنضم إلى إمدادات الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر خلال الأعوام الخمسة الماضية"، موضحة أن "القانون يمنح وزير الطاقة كوهين صلاحية المصادقة على الاتفاق، ومن دون توقيعه لن يدخل الاتفاق حيّز التنفيذ"، مضيفة أن إسرائيل كانت تعتزم "المصادقة على الصفقة كما هي، إلا أن نشر تقارير حول تعزيزات عسكرية مصرية في سيناء دفع المستويات السياسية العليا لإعادة النظر حتى أصدر نتنياهو أوامر بطرح القضية أمامه شخصياً."

ويتماشى تقرير "يسرائيل هيوم" مع تحذير تقارير إسرائيلية من تزايد الحضور العسكري المصري في سيناء كماً ونوعاً بما يخالف اتفاق السلام المبرم بين البلدين، وذلك على رغم ما نقلته "هيئة البث الإسرائيلية" الأسبوع الماضي عن متحدث باسم الجيش أن تعزيز القاهرة قواتها شمال سيناء، المحافظة الحدودية مع قطاع غزة وإسرائيل، جاء بالتزامن مع توسيع إسرائيل لعملياتها العسكرية "عربات جدعون 2" في غزة، خشية من تدفق حشود السكان من القطاع إلى الأراضي المصرية تحت وطأة توسيع نطاق القتال.

ووفق هيئة البث ونقلاً عن المتحدث باسم الجيش، فإن إدخال أية قوات أو قدرات عسكرية مصرية إلى سيناء يجري بالتنسيق الكامل مع الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية، وفقاً لما نص عليه الملحق العسكري في اتفاق السلام الموقع بين مصر وإسرائيل عام 1979، قائلاً "وفقاً للملحق العسكري لاتفاق السلام مع مصر فإن أي إدخال لقدرات عسكرية إلى سيناء يجري بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي والقيادة السياسية"، مشيراً إلى أن التعزيزات تتضمن الدفع بنحو 40 ألف جندي مصري، إضافة إلى إدخال مركبات مدرعة إلى شمال سيناء.

وقدرت تقارير إسرائيلية تعداد القوات المصرية الإضافية في المنطقة (ج) من سيناء بأكثر من 40 ألف جندي، أي نحو 88 كتيبة عسكرية، وهو ما يقارب ضعف العدد المسموح به بموجب معاهدة السلام بين البلدين، فضلاً عن أكثر من 1500 دبابة وآلية مدرعة، وتحركها خلال الفترة الأخيرة لتطوير قواعد عسكرية ومدارج طائرات وأنظمة دفاع جوي في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة.

ولم تتعاط القاهرة رسمياً مع زيادة التقارير حول تكثيف حضورها العسكري في سيناء مما فتح أبواب التأويل والاجتهاد لدى كثر، ولا سيما وأن التحركات العسكرية تزامنت خلال الأسابيع الأخيرة مع تصريحات وتلميحات كانت الأكثر وضوحاً حول موقف مصر العسكري من تطورات الأوضاع في غزة واحتمالات اتساع رقعة الصراع، حين حذر محافظ شمال سيناء اللواء أركان حرب خالد مجاور في وقت سابق من أغسطس الماضي من أية محاولات لاستفزاز أو اختبار مصر عسكرياً أو الاقتراب من حدودها، قائلاً إن "الرد سيذهل العالم".

وصرّح مجاور الذي سابقاً منصب رئيس الاستخبارات العسكرية وعمل قائداً للجيش الثاني الميداني في القوات المسلحة المصرية، بأن "مصر جاهزة للحرب إن فرضت عليها"، مشدداً بلهجة حاسمة على أن "أي شخص في العالم يفكر فقط أن يقترب من الحدود المصرية فسيكون الرد المصري مفاجئاً للعالم كله"، وأوضح أن حديثه ليس عاطفياً أو انفعالياً بل يستند إلى خبرة طويلة تمتد لأكثر من أربعة عقود داخل القوات المسلحة.

أية أوراق تملكها القاهرة؟

في وقت تلتزم القاهرة الصمت في شأن طبيعة وحدود تكثيف وجودها العسكري في سيناء، تمثل المناورة الإسرائيلية بورقة الغاز الطبيعي المصدر إلي مصر مصدراً للضغط، بخاصة في ظل النقص الطاقوي الذي تعانيه جراء تراجع حجم إنتاجها من الغاز خلال الأعوام الأخيرة وزيادة حجم استهلاكها، وقال مصدر في وزارة البترول المصرية لـ "اندبندنت عربية" إن القاهرة "لم يصلها حتى اللحظة أي إخطار رسمي محدث من قبل الحكومة الإسرائيلية في شأن ملف تصدير الغاز إليها، وفي حال حدوث ذلك فسيكون لكل حادثة حديث"، موضحاً في حديث مقتضب أن الصفقة التي وقعتها مصر قبل أسابيع مع إسرائيل "تأتي في إطار خطة القاهرة للتحول إلى مركز إقليمي لتصدير الطاقة، عبر استيراد الغاز الخام والنفط وتسييله وإعادة تصديره لدول العالم في صورة غاز مسال أو مشتقات نفط، وتحقيق عوائد اقتصادية"، ومشيراً إلى أن "الحكومة المصرية قادرة على إدارة ملفاتها مع دول العالم بصورة رشيدة ومن دون انفعال، مع الفصل بين الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية".

وحين وقعت القاهرة الصفقة مع تل أبيب في وقت سابق من أغسطس (آب) الماضي، نقلت وسائل إعلام محلية عن المتحدث باسم وزارة البترول والثروة المعدنية معتز عاطف قوله إن "ما جرى تداوله أخيراً في شأن توقيع اتفاق جديدة بين مصر وإسرائيل لتوريد الغاز غير دقيق، وما جرى هو تعديل لاتفاق موقع سابقاً عام 2019، وليست صفقة جديدة كما يُروج بعضهم"، مضيفاً أن "الهدف الأساس من هذا التعديل هو تعظيم الاستفادة من مصادر الطاقة وتنويعها، فمصر تسعى بكل قوة لأن تصبح مركزاً إقليمياً للطاقة في منطقة الشرق الأوسط"، وأشار عاطف إلى أن بلاده "وقعت خلال الأعوام الماضية عدة اتفاقات مع دول مختلفة أبرزها اليونان لتوريد الغاز الطبيعي، بما يحقق التوازن المطلوب بين الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض للأسواق الخارجية".

وتبلغ قيمة الاتفاق نحو 35 مليار دولار، وينص على تزويد مصر بـ 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي حتى عام 2040، في واحدة من أضخم صفقات التصدير في تاريخ إسرائيل، وتمثل شركة "بلو أوشن إنرجي" الطرف المصري في الصفقة، بينما يشارك من الجانب الإسرائيلي شركتا "راتيو" و"نيو ميد إنرجي" الشريكة في حقل ليفاثان الإسرائيلي والمملوكة لمجموعة رجل الأعمال يتسحاق تشوفا.

وعن خيارات القاهرة للتعاطي مع الأمر يقول مدير "المركز العربي للبحوث والدراسات" هاني سليمان إن "مناورة إسرائيل بملف الغاز مع مصر ما هي إلا أحد أدوات الضغط التي يسعي إليها نتنياهو لثني القاهرة عن مواقفها في ما يتعلق بالحرب في غزة والقضية الفلسطينية بصورة عامة"، موضحاً أن "التمسك المصري برفض مخططات تل أبيب لتهجير سكان غزة وإعادة احتلال القطاع يمثلان حائط صد منيع أمام طموحات ورغبات نتنياهو ووزراء حكومته المتطرفين".

وتابع سليمان أن "موقف نتنياهو الذي استند إلى تقارير إسرائيلية تتحدث عما سماه انتهاكات مصرية لبنود الملحق الأمني لـ "اتفاق كامب ديفيد" يشكل مغالطة قانونية وأمنية، إذ إن هذا الادعاء يغفل جملة الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، وينكر الخرق الإسرائيلي المسبق أكثر من مرة للاتفاق وانتهاكاته في معبر رفح وأجزاء مختلفة من الشريط مع قطاع غزة ومصر، علاوة على أن مصر تتخذ إجراءات احترازية وردود فعل لما يمثله الجانب الإسرائيلي من انتهاكات، ولا يمثل الوجود المصري في أرضه أي خرق لاتفاق السلام، وأن أي إجراء مصري لا يتناسب مع حجم الخرق الإسرائيلي سياسياً وقانونياً، لما يؤكد رفض مصر لتلك الازدواجية القائمة طوال الوقت".

وأعرب سليمان عن اعتقاده بأن التعاطي مع القاهرة بأسلوب الضغط والمناورة، وعلى رغم الضغوط التي قد يفرزها أي قرار متعلق بإمدادات الغاز الطبيعي، لكنه ليس متوقعاً أن يجدي نفعاً أو يحقق أهدافه، بخاصة أن مصر ستتأثر عكسياً وسيزيد مستوى ومنسوب العداء والتحفز والاستقطاب السياسي والأمني، مما يرفع فرص التأزم والمواجهة، وهو ما ليس في مصلحة إسرائيل، على حد وصفه، مضيفاً أن خطوة نتنياهو تلك ستكون تطوراً نوعياً من شأنه أن يدفع المنطقة والعلاقات إلى مستوى غير مسبوق، وقد يفضي إلى ترتيبات أكثر توتراً من كلا الجانبين".

وإجمالاً زادت مصر حضورها العسكري في سيناء خشية احتمال دفع سكان قطاع غزة نحو سيناء، خصوصاً مع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع ودعوات مسؤولين إسرائيليين إلى إعادة توطين الفلسطينيين خارج غزة، وكانت القاهرة حذرت مراراً من أن أية محاولة لفرض واقع تهجير جماعي أو تحويل القطاع إلى أرض غير صالحة للسكان، لإجبار السكان على الفرار منه، خط أحمر يمس الأمن القومي للبلاد، وهو ما لن تسمح به القاهرة، وفق تصريحات سابقة لوزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي.

وتخضع التحركات العسكرية المصرية في سيناء لرقابة مشددة بموجب "اتفاق كامب ديفيد" الذي قسم شبه الجزيرة إلى ثلاث مناطق (أ) و(ب) و(ج) بترتيبات أمنية مختلفة تحد من حجم القوات المصرية المسموح بوجودها، غير أن إسرائيل وافقت خلال الأعوام الماضية على إدخال قوات إضافية بطلب من القاهرة، خصوصاً خلال العمليات ضد الجماعات المسلحة في شمال سيناء عقب الإطاحة بنظام "الإخوان المسلمين" عام 2013.

وقبل عام 2013 كان الملحق الأمني الخاص بالمعاهدة شهد تعديلاً بخصوص حجم القوات العاملة في سيناء عام 2005، حين قررت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون الانسحاب الأحادي من قطاع غزة، لتكون المرة الأولى التي يعدل فيها ملحق اتفاق السلام الأمني بين البلدين.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير