Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

10 انقلابات خلال 5 أعوام... السلطة "ملاذ" عسكر أفريقيا

تتنوع الأسباب بين الأمنية والسياسية والاقتصادية لكن هناك اتفاقاً على رفض الجيوش للديمقراطية

استيلاء العسكريين على الحكم بات مشهداً مألوفاً في أفريقيا خلال السنوات الماضية (رويترز) 

ملخص

في كثير من الدول وعد الانقلابيون بإجراء انتخابات عامة وتسليم السلطة مجدداً إلى المدنيين، لكن بعضها مثل مالي شهد انقلابات عسكرية أخرى أطالت أمد المرحلة الانتقالية وقوضت بصورة كبيرة الآمال باستعادة الحكم المدني خصوصاً مع تنامي العنف المسلح.

مع نجاح الجيش داخل غينيا بيساو في الاستيلاء على السلطة قبل أيام جراء انقلاب عسكري مثير ثارت تساؤلات حول الأسباب التي تدفع جيوش أفريقيا إلى تنفيذ انقلابات عسكرية خصوصاً أنه الانقلاب الـ10 الذي تشهده القارة السمراء في غضون خمسة أعوام.

وخلال هذه الأعوام، شهدت كل من السودان ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وكذلك مدعشقر وغينيا بيساو وغينيا والغابون انقلابات عسكرية، أطاحت حكاماً مدنيين وسط عجز التكتلات الإقليمية على غرار الاتحاد الأفريقي عن وقف هذه العدوى.

وفي كثير من الدول وعد الانقلابيون بإجراء انتخابات عامة وتسليم السلطة مجدداً إلى المدنيين، لكن بعضها مثل مالي شهد انقلابات عسكرية أخرى أطالت أمد المرحلة الانتقالية وقوضت بصورة كبيرة الآمال باستعادة الحكم المدني، خصوصاً مع تنامي العنف المسلح.

وحاولت بعض التكتلات على غرار المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) خنق العسكريين الذين انقلبوا على الحكم في بعض الدول مثل النيجر ومالي وبوركينا فاسو اقتصادياً من أجل الضغط عليهم لتسليم السلطة إلى المدنيين، لكن مساعيها لم تجدِ نفعاً.

مشكلات الحوكمة

وعلى رغم أن الحكام العسكريين الذين صعدوا إلى السلطة في أفريقيا أطلقوا وعوداً مغرية تتعلق باستعادة الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية، فإن الأوضاع تتدهور بصورة مستمرة في القارة.

ومع ذلك، لاقت الانقلابات العسكرية ترحيباً في كثير من الأحيان مما حفز على الأرجح عسكريين آخرين على التحرك.

وعدَّ الباحث السياسي النيجري عبدول ناصر سيدو أن "من الضروري التأكيد أن الانقلابات جاءت بسبب مشكلات في الحوكمة وإدارة البلدان المعنية، ووسط عجز الحكام السابقين عن إيجاد حلول لانشغالات وحاجات السكان".

 

 

وأوضح سيدو ضمن حديث مع "اندبندنت عربية" أن "أفريقيا عانت لعقود حكاماً فاسدين يحظون بدعم من دول غربية، وهؤلاء الحكام كانوا متورطين في نهب ثروات دولهم التي كانت تتخبط في أزمات اقتصادية حادة، لذلك جاءت الانقلابات كرد فعل على ذلك".

وشدد المتحدث على أن "على المستوى الإقليمي والدولي هناك انتقائية في التعامل مع الانقلابات، فبعضها مدان وبعضها مرحب به، ويتحدد الموقف من خلال ولاء ومواقف العسكريين الذين قاموا بالانقلاب".

ويعتقد سيدو أن "الاتحاد الأفريقي وبقية التكتلات إذا كانت جادة في مساعيها لإنهاء الانقلابات العسكرية عليها العمل على تشجيع ودفع الحكام المدنيين على وقف الفساد والاستجابة لحاجات المواطنين".

بيئة هشة

وتأتي هذه الانقلابات العسكرية خلال وقت تعاني فيها الدول المعنية أزمات أمنية واقتصادية حادة في ظل انتشار غير مسبوق لجماعات مسلحة بعضها يسعى إلى الانفصال، وبعضها الآخر يتبنى أفكاراً متشددة.

وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الدولية نزار مقني إن "القارة الأفريقية شهدت بالفعل منذ خمسة أعوام موجة انقلابية لافتة، وصلت إلى 10 انقلابات كان آخرها في غينيا بيساو، وهي موجة لا يمكن اختزالها في نزوة عسكرية ولا في صدف سياسية متلاحقة، بل خلف هذه الانقلابات تقف بيئة سياسية وأمنية واقتصادية هشة، تنتج وضعاً يسمح للجيوش بأن تتقمص دور المنقذ حين تتعطل آليات الحكم المدني أو تتآكل شرعية السلطة القائمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأردف مقني ضمن تصريح خاص أن "في عدد من الدول تتدهور الثقة في المؤسسات المنتخبة بفعل الفساد وضعف الأداء أو الانتخابات المتنازع عليها، لتتحول الجيوش إلى الخيارات المتاحة أو المتوهمة لاستعادة نوع من الاستقرار، وعندما يضاف إلى هذا الواقع انفلات أمني أو صعود جماعات مسلحة، يصبح لدى القيادات العسكرية ما يشبه التبرير الجاهز للتدخل مدعية حماية الدولة من التفكك".

ولفت المتحدث إلى أن "القصة لا تقف عند هذا الحد، فالاقتصاد المتعثر داخل دول كثيرة يضاعف شعور المواطنين بالضيق ويفتح الطريق أمام تغييرات راديكالية، حتى لو جاءت بمدرعات بدل صناديق الاقتراع، ولأن الجيوش في أفريقيا لا تتحرك دائماً وفق حسابات وطنية خالصة تنتج أحياناً شبكات مصالح داخل المؤسسة العسكرية نفسها أو في محيطها، شبكات ترتبط بالسياسة أو التجارة أو حتى التهريب عبر الحدود".

وأضاف مقني أن "انفجار الوضع الأخير في غينيا بيساو ما كان ليتشكل لولا تفاعل من هذا النوع، إذ تراكمت حسابات سياسية وأمنية وشبهات نفوذ متشابك".

وحذر المتحدث من "أن الانقلابات العسكرية تأتي لتزيد الطين بلة، فحين ينجح انقلاب في بلد ما أو يفلت منفذوه من العقاب الإقليمي والدولي، يشعر آخرون بأن الطريق أصبح أقل خطورة".

وتابع حديثه قائلاً "ترافقت هذه الظاهرة مع تراجع فعالية أدوات الردع التقليدية، الاتحاد الأفريقي و’إيكواس‘ استخدما الإدانة والتعليق والعقوبات، لكن الانقسامات الدولية وظهور لاعبين خارجيين جدد جعلا تأثير العقوبات أقل حدة، مما فتح باباً لاعتماد الجيوش على مصادر دعم بديلة".

اختبار حقيقي

في مواجهة عمليات افتكاك السلطة بالقوة تجد التكتلات الإقليمية نفسها أمام معادلة صعبة، ففيما لجأت في كثير من الأحيان إلى سلاح العقوبات فإن ذلك لم يعط نتائج ملموسة بعد وأدى إلى تراجع شعبيتها، وأضرت كثيراً بالسكان المحليين.

 

 

ويرى مقني أن "التكتلات الإقليمية أمام اختبار حقيقي، فالاتحاد الأفريقي ومن خلفه منظمات مثل ’إيكواس‘ يملكان أدوات مهمة لكن فاعليتها مرهونة بمدى تنسيقها وصرامة تطبيقها، أما التعليق والعقوبات الدبلوماسية قد يوجهان رسالة واضحة لكنهما لا يكفيان وحدهما ما لم يرافقهما حزمة عقوبات موجهة تستهدف قادة الانقلاب وشبكات تمويلهم بدل معاقبة السكان".

وأبرز المتحدث قوله إنه "في موازاة العصا، يحتاج الاتحاد الأفريقي إلى جزرة سياسية واضحة مثل آليات وساطة سريعة وخطط انتقالية محددة بسقف زمني وضمانات لعودة الحكم المدني من دون ترك مساحات غامضة تشرعن الواقع الانقلابي الجديد".

واستطرد مقني أن "المدى المتوسط يتطلب بناء دولة قادرة على الصمود في وجه الانهيارات، وهذا يعني دعم إصلاحات حقيقية للقطاع الأمني وتعزيز استقلال القضاء وضمان نزاهة الانتخابات عبر إشراف إقليمي ودولي مشترك، ولأن الانقلابات تعيش على هشاشة المؤسسات فإن معالجة هذه الهشاشة ليست ترفاً بل ضرورة استراتيجية، وأما الاستخدام العسكري المباشر لفرض عودة المدنيين فهو خيار محفوف بالأخطار نادراً ما يفضي إلى حل دائم، وبخاصة في بيئة إقليمية شديدة الحساسية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير