Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

استبعاد حدوث انقلاب عسكري في السودان بالطريقة الكلاسيكية

حوار مع عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان

عضو مجلس السيادة السوداني محمد الفكي سليمان (حسن حامد)

أكد عضو مجلس السيادة السوداني ونائب رئيس لجنة إزالة التمكين محمد الفكي سليمان، أن موضوع التطبيع مع إسرائيل أُحيل إلى لجنة برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لتقرر بشأنه بصورة نهائية، على أن تستصحب مصلحة السودان فقط لا غير، موضحاً أنه لن يكون هناك نقاش مع الجانب الإسرائيلي في الوقت الحاضر حتى تفرغ اللجنة من مهمتها.

وأشار في حواره مع "اندبندنت عربية"، إلى أن السودان سيظل دولة محايدة ولا يتدخل في الصراعات والمشاكل القائمة مع بعض الدول الشقيقة والصديقة، لكنّ ذلك لا يمنع بأن يكون لديه مصالح مع بعضها أكثر من أخرى، منّوها أن السعودية والإمارات دعمتا الحكومة الانتقالية من خلال توفير الوقود والقمح بلا شروط، ودفتعا جزءًا من التزاماتهما حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2019، نافياً أن يكون هناك خطاب رسمي من قوى الحرية والتغيير بالعداء تجاه هذا المحور.

وإذ استبعد حدوث انقلاب عسكري في السودان بالطريقة الكلاسيكية، انطلاقاً من طبيعة الوضع السياسي الراهن وتركيبته التي لا تسمح بذلك، قال "ربما نذهب إلى خيارات أسوأ إذا لم نتعامل بحكمة". وتوقّع أن تتعالى الأصوات خلال الأيام المقبلة عندما تناقش لجنة إزالة التمكين شركات المال والميليشيات وغيرها من الملفات الحساسة، لافتاً إلى أن ما يُثار من انتقاد بأنه تمكين مضاد هو نوع من الخطاب الإعلامي للثورة المضادة.

اعتلالات هيكلية

تأزم الوضع الاقتصادي في السودان كان مدخلنا لهذا الحوار، بغية معرفة أسباب هذه الأزمة المستفحلة والمعالجات القائمة للتخفيف عن كاهل المواطن.

يقول الفكي إنّ "أسباب الأزمة الاقتصادية معروفة للجميع، نحن ورثنا دولة منهكة واقتصاداً منهاراً، وهي الأسباب ذاتها التي فجرت الثورة الشعبية للمطالبة بالحرية والعدالة ووقف الفساد والظلم، ولذلك كان من ضمن مطالب الفترة الانتقالية تحسين الأوضاع الاقتصادية. صحيح لم يحدث تحول ومعالجة لهذه الأوضاع، بل بالعكس، زادت التحديات وكثرة الأسئلة حول كيفية الخروج من هذه الأزمة الخانقة، ما جعل مجلسَيْ السيادة والوزراء ومركزية قوى الحرية والتغيير يتدخلون لمناقشة الوضع وكما هو معلوم شُكّلت آلية عليا لاتخاذ إجراءات عاجلة وسريعة، تؤدي إلى توفير السلع الاستراتيجية وتضع حداً لهذه الأزمة".

وأضاف عضو مجلس السيادة السوداني "استفحال هذه الأزمة يرجع إلى أننا ندعم السلع الاستراتيجية بما يعادل 400 مليون دولار شهرياً، في ظل عدم وجود دخل من الصادر، كما فقدنا معظم مواردنا، ممّا يشكّل اعتلالات هيكلية في الاقتصاد يتطلب جراحات عدّة. وفي الوقت ذاته، هناك حديث عن رفع الدعم، وهذا يحتاج إلى نقاش أوسع. بالتالي، لن يحصل بسرعة، لأنه إذا أردت فعل ذلك ستواجه صعوبات جمة، نظراً إلى ضعف مستويات الأفراد، بخاصة بالنسبة إلى الخبز".

وأكد أن الخروج من عنق الزجاجة يحتاج إلى معالجات كثيرة، وحالياً هناك عمل جارٍ لاستنفار موارد الدولة في مجالات الذهب ومشاريع القطن والصمغ العربي والحبوب الزيتية، لكنّ النتائج لن تظهر بالسرعة المطلوبة.

تهريب السلع

لكن أليس الأمر يتعلق بفشل السياسات الاقتصادية المتبعة؟ يوضح الفكي أنّ "السياسات الاقتصادية التي وُضعت في الوقت الحاضر هي سياسات جيدة ومتكاملة، لكنها تواجه تحديات عدّة، من أهمها مسألة تهريب السلع مثل الذهب وسلع مدعومة كالدقيق والوقود، لذلك أدخلنا ضمن آلية معالجة الوضع ممثلين عن الأجهزة الأمنية والجمركية لمكافحة هذه الآفة والقضاء عليها حتى ينهض الاقتصاد السوداني ويتعافى من كبوته".

تدمير المشروعات

وهنا يلح سؤال حول ما يتمتع به السودان من موارد ومدى كفايتها حاجة البلاد؟ فيردّ المسوؤل السوداني "معلوم أنّ بلدنا، بلد غني جداً وفيه إمكانيات كبيرة، لكن في القدر ذاته هذه الموارد مهدورة، فمثلاً على الرغم من المساحات الشاسعة، إلاّ أننا نزرع مساحات قليلة جداً، لأن اقتصادنا لفترات طويلة كان ريعيّاً، بخاصة عندما اعتمدت الدولة على البترول قبل انفصال الجنوب، وهذا أدى إلى تدمير مشاريعنا الزراعية وانخفاض إنتاجيتها وكفاءتها كمشروع الجزيرة والرهد والنيل الأبيض وحلفا والسوكي. والآن هذه المشاريع تحتاج إلى إعادة تأهيل بالكامل وهو تحدٍّ يواجه الحكومة الانتقالية في الوقت الذي تعاني الدولة من شحّ النقد الأجنبي. لهذا، طلبنا من شركائنا وحلفائنا من الدول الشقيقة والصديقة بأن يوجهوا دعمهم نحو الإنتاجية وليس إلى الدعم السلعي، ممّا يسهم ذلك في علاج الأزمة الاقتصادية بشكل جذري".

صوت الشارع

وحول حالة السخط والتذمر التي عمّت الشارع السوداني، يشير الفكي إلى أن الشارع دائماً على حق ويجب أن نستمع إلى انتقاداته وملاحظاته، لأنه إذا فقدت صوت الشارع تكون فقدت البوصلة التي توجهك. صحيح هناك بطء في المحاكمات والقرارات، لكن يجب أن يعرف أن هذه الحكومة مكوّنة من تكنوقراط وتضمّ تحالفاً سياسياً واسعاً. بالتالي، فإن مثل هذه الحكومات لا تكون لديها القدرة على الحسم بالسرعة المطلوبة لأنّها تمثّل أطياف عدّة، ما يضعف من فعاليتها وديناميكيتها، ولكن ربما تكون لديها محاسن في جوانب أخرى.

خيار وسط

ورداً على سؤالنا حول مدى إعاقة هذه التحديات الماثلة لعملية الانتقال السياسي، بخاصة أن هناك دعوات إلى إجراء انتخابات مبكرة؟ يقول "أجزم أنّ الوقت الآن ليس كافياً لإصدار أحكام كهذه، لكن متى ما فشلت الحكومة كل الخيارات متاحة، وإنّنا على يقين بأنّ أصحاب الدعوة إلى انتخابات مبكرة لهم دوافعهم. في المقابل، هناك من ينادي بتمديد الفترة الانتقالية كالحركات المسلحة التي ترى أن الـ 39 شهراً غير كافية لتصفية النظام السابق وحسم عددٍ كبيرٍ من القضايا. إذاً، من خلال وجهات النظر المختلفة، تكتشف أنّ فترة الثلاثة سنوات ونصف السنة، ربما هي الخيار الوسط والأنسب".

ويردّ نائب رئيس لجنة إزالة التمكين على الانتقادات الموجهة إلى الوثيقة الدستورية كونها مليئة بالعيوب القانونية، قائلاً "الوثيقة تتضمّن بعض النقاط الفضفاضة التي كان من المفترض أن تكون أكثر وضوحاً، لكن مع ذلك، أعطت مرونة في الحركة على الرغم ممّا استهلكته من وقت للوصول إلى اتفاق في بعض القضايا التي لم تتضمّنها الوثيقة، وهو طبعاً أمر يعود إلى طبيعة وأجواء التفاوض التي تمت في السابق بين المكوّن العسكري وقوى الحرية والتغيير، وما يُحمد له أنّنا استطعنا أن نتجاوز أي عقبة بالتوافق ووضع المصلحة العامة كهدف نبيل".

انقلابات عسكرية

لكن في ظل هذه الأجواء الضاغطة والمتشائمة، ألا تتخوفون من سيناريوهات محبطة كالانقلابات العسكرية مثلاً؟ يقول "الانقلاب العسكري غير وارد إطلاقاً لأسباب كثيرة، من أهمها أنّ طبيعة الوضع السياسي وتركيبته الحالية لا تسمح بذلك، فربما نذهب إلى خيارات أسوأ إذا لم نتعامل بحكمة، لكنّ انقلاباً بالطريقة الكلاسيكية لن يحدث".

تجاذب وتباين

وينظر عضو مجلس السيادة السوداني إلى الشراكة القائمة في الحكم بين المكوّنَيْن المدني والعسكري على أنها الخيار المتاح آنذاك، إذ لم يكن هناك خيار آخر. وعلى الرغم من ذلك، فالتباين في وجهات النظر موجود، والتجاذبات أيضاً موجودة، ومحاولة تمرير نقاط وخطوط محددة موجودة، لكن الأمر الأساسي أن هذه الشراكة وُجدت لأنّ هناك نقطة محدّدة وهدفاً أسمى يجب أن نصل إليه وهو الانتخابات العامة التي تعقب الفترة الانتقالية وتسليم السلطة لحكومة مدنية تعبّر عن إرادة الشعب. لذلك، لم يكن لدينا خيار غير أن نتواضع ونعتمد على الحلول الوسطية، عبارةً عن حالة تسوية للعمل معاً، لأنّ الوثيقة الدستورية نفسها هي عبارة عن حالة تسوية، فأي من الطرفين لم يستطيع أن يحقّق كل ما يريده".

السعودية والإمارات

وعن رأيه بعدم تجاوب المجتمع الدولي حيال دعم الحكومة الانتقالية، وهل فرض شروط محددة مقابل الدعم، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السعودية والإمارات اللتين وضعتا برنامجاً للدعم؟ يوضح الفكي "السعودية والإمارات دعمتا الحكومة الانتقالية بلا شروط ودفعتا جزءًا من التزاماتهما حتى 31 ديسمبر (كانون الأول) 2019 وكان دعمهما في مجال الوقود والقمح، وكان يُفترض أن نجري معهما نقاشات ربما لم تكتمل أو تأخرنا وتباطأنا كجانب سوداني، ما ألقى بظلاله على الأوضاع الحالية، وكان يجب علينا أن نتحرك مبكراً لتجديد هذا الالتزام، وهذا ما سنفعله خلال الفترة المقبلة".

ولكن ألا تعتقد أنّ ما حدث من تباطؤ وتقاعس سببه اعتراض بعض القوى داخل الحرية والتغيير على هذا الدعم؟ يجيب "الأمر الأول هو أنّ قوى الحرية والتغيير ليس لديها خطاب رسمي بالعداء تجاه هذا المحور، وإنّ خطابها واضح يرحّب بالحلفاء وبأن يكون السودان مفتوحاً للاستثمارات، ولدينا مصالح مشتركة وحلف سياسي للحرب على مجموعات محددة، كما لدينا مصالح أمنية غير سياسية مع السعودية للمحافظة على أمن البحر الأحمر، وهناك أمور كثيرة تجعلنا نعمل مع بعضنا البعض. بالتالي، يجب أن نحافظ على هذه المصالح المشتركة ومن له رأي شخصي، يجب أن لا تحاكم الحرية والتغيير على ذلك".

مصالح مشتركة

ويعلّق الفكي على نهج الحكومة الانتقالية في السياسة الخارجية،  "قلنا منذ البداية إنّ السودان سيظل دولة محايدة ولا يتدخل في الصراعات والمشاكل القائمة بين أبناء العمومة، وهذا لا يمنعنا من أن تكون لدينا مصالح مع بعضهم أكثر من غيرهم، وهي مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية وحرب مشتركة في جهات محددة، إذ نواجه عدواً مشتركاً في مناطق مختلفة، وهذا يجعلنا نرجّح دائماً كفة صالح الوطن، ونراعي مصالحنا بطريقة لا تؤثر في علاقاتنا مع الغير".

لجنة للتطبيع

وبادرناه هنا بسؤال إذا كان اتجاه السودان نحو التطبيع بالإشارة إلى لقاء نتنياهو وبرهان في وقت سابق، نتيجةً لضغوط أميركية؟ فيجيب "الموضوع مع إسرائيل أحلناه إلى لجنة برئاسة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك لتقرّر بشأنه، لذلك من المبكر أن أطلعكَ على رأي الحكومة بهذا الشأن، فقد قلنا لهذه اللجنة يجب أن تستصحبي مصلحة السودان فقط لا غير"، مشيراً إلى أنه "في ما يتعلّق بلقاء برهان ونتنياهو في عنتبي اليوغندية، فقد جرى الحديث حوله مطوّلاً وقُيّم بشكل كبير في اجتماع عاصف، لكنّ اللجنة التي شُكّلت في هذا الخصوص ستقرّر بصورة نهائية إلى أين يتجه السودان. لذلك، لن يكون لنا نقاش مع الجانب الإسرائيلي قبل أن تفرغ اللجنة من مهمتها".

تسليم البشير للجنائية

وعن التطورات المتعلقة بتسليم البشير إلى المحكمة الجنائية التي ما زالت تراوح مكانها؟ يقول الفكي "نحن أقرّينا في اجتماع ثلاثي ضمّ مجلسَيْ السيادة والوزراء وقوى الحرية والتغيير، أنه ليس لدينا أي مانع في أي أمر يؤدي إلى تحقيق السلام في البلاد، لأنّ تسليم البشير قرار سياسي على مستوى الدولة، وقانوني في الوقت ذاته لمعرفة ماذا يقول القانون السوداني في هذا الأمر، ومجتمعي يتماشى مع قرار وإرادة أهالي الضحايا في الحرب التي سبّبها البشير وزمرته، وهذا ما يحدد وجهتنا بصورة أساسية. إذا أراد المتضرّرون أصحاب الدم تسليمه، فالحكومة ليس لديها مانع في تسليمه، وليست لديها تحفظات على ذلك، فهي مع قرار أهل الضحايا وهم يقرّرون هذا الأمر، لأنّ ما حدث في دارفور كارثة إنسانية كبيرة تسببت في اضطراب أكبر أقاليم السودان. بالتالي، إذا كان تسليمه سيحقق الاستقرار، فهذا أمر بسيط للغاية".

الرجوع إلى المفاوضات القائمة

 لتحقيق السلام مع الحركات المسلحة والوقت الذي استغرقته من دون حسم هذا الملف؟  يقول الفكي "طبعاً ملف السلام كبير، وكانت الآمال في البداية أن يتم حسم هذا الملف سريعاً، وهو أمر نابع من التفاؤل، لكن بعد الدخول في النقاشات والتفاصيل، وجدنا أن الموضوع سيأخذ زمناً أكبر وأتوقع أننا في حاجة إلى مزيد من الوقت حتى نصل إلى سلام عادل ومستدام".

إزالة التمكين

وعن الانتقادات التي وُجّهت إلى لجنة إزالة التمكين بأنها اتّبعت مسار نظام البشير ذاته حين اعتلى السلطة عام 1989؟ يؤكد الفكي "طبعاً هذا كلام غير صحيح، نحن لم نتوقع أن تتم إزالة التمكين بسهولة في دولة شُيّدت بالحديد والنار لمدة 30 عاماً، إذ تعرّض السودانيون إلى مظالم جمّة واستُبعدوا من وظائفهم وأصبحت الدولة حكراً على مجموعة محدّدة هم الإخوان الذين رسموا طريق التمكين، وهو مشروع بدأوه في عهد الرئيس الأسبق جعفر النميري عقب المصالحة الوطنية عام 1977، فكوّنوا إمبراطورية اقتصادية وإعلامية وسكنوا عضويتهم في أجهزة الأمن والجيش وهي المجموعة التي نفذت انقلاب 1989، الذي قام بابتلاع الدولة وتنفيذ أكبر حملة للصالح العام، لذلك تصفية هذا التنظيم ليست بالأمر اليسير والسهل، كما أنها ليست نزهة. وأتوقع أن تتعالى الأصوات خلال الأيام المقبلة بعدما نطرح على النقاش شركات المال والميليشيات وغيرها من الملفات الحساسة. لذلك، ما يُثار من انتقاد بأنه تمكين مضاد هو نوع من الخطاب الإعلامي للثورة المضادة".

ويشدّد المسؤول السوداني على أنّ "إزالة التمكين فرصة للتعافي والمعالجة، وفي الوقت ذاته، نعتقد أنّنا ما زلنا متأخرين وهذا ناتج من تمسكنا بالأدلة والتأكد من أن تكون أي معلومة صحيحة، لأنّنا ندرس أي معلومة ونرسلها إلى الجهات المتخصصة، إذ لا نريد الظلم لأي شخص".

المزيد من حوارات