التصميم المتعدد الأغراض... جمال وكفاءة معا

في عالم يتوق نحو مزيد في كل شيء، ويرى الاكتناز أماناً وذكاء وضماناً للمستقبل، تتراءى فلسفة تضرب عرض الحائط بكل ذلك، وتمنحنا منهج حياة متكامل الأركان يوفر الوضوح في زمن الضبابية، والبساطة في خضم التعقيد، تقول لنا كيف يمكن أن نجمع عشرات الأجهزة في منتج واحد بحجم كف اليد، وكيف يمكن لمساحة صغيرة أن تشعرك بالحرية والاتساع، ولفريق عمل صغير أن ينجز ما يعجز عنه جيش من الموظفين، وأن وقتنا أغلى ما نملك، وتركيزنا أغلى من ذهب العالم، فهيا بنا إذاً نكتشف كيف يمكن للأقل أن يعطينا الأكثر، والأفضل بطبيعة الحال.

أكثر بالأقل

يعبر التصميم المتعدد الأغراض عن فلسفة وتقنية تصميم تهدف إلى خلق منتج أو مساحة أو نظام واحد يمكنه أداء وظائف عدة أو تلبية احتياجات مختلفة، في السياق نفسه أو بسياق مختلف قليلاً، ويأتي كاستجابة ذكية لتحديات الحياة العصرية ومتطلباتها، مثل صغر المساحات والرغبة في حياة بسيطة والاهتمام بالبيئة، وعندما يتم تنفيذه بشكل جيد فإنه لا يحل المشكلات فحسب، بل يعزز بشكل كبير من تجربة المستخدم وجودة حياته، فالتصميم المتعدد الأغراض هو أكثر من مجرد منتج يتحول من وظيفة إلى أخرى، بل هو عقلية عبقرية تركز على الذكاء والكفاءة والمرونة.

تعتمد فكرته الأساسية على فلسفة "الأكثر بالأقل" More with Less مما يعني التركيز على الكفاءة والإنتاجية وتحقيق كمية أكبر وأعلى جودة من جهة الوظائف والمرونة باستخدام الحد الأدنى من الموارد والمساحة والكلفة، ويتجلى ذلك في سياقات عدة، منها تصميم منتج واحد يؤدي وظائف عدة، أو تطبيق صغير يحل مشكلات كثيرة، أو فريق صغير ينجز إنتاجية عالية بأدوات ذكية، أو تصميم هندسي يستهلك طاقة أقل مع أداء أفضل.

تصميم المنتجات

يتجلى التصميم المتعدد الأغراض في مجال تصميم المنتجات على هيئة نهج تصميم يهدف إلى خلق منتج واحد يؤدي وظائف مختلفة، إما بصورة متزامنة أو عبر تحولات بسيطة، مما يقلل من الحاجة إلى امتلاك منتجات منفصلة، متبعاً مبادئ عدة أولها الاستدامة لتقليل الاستهلاك والموارد، والقيمة المضافة عبر فائدة أعلى للمنتج مقابل سعره، والكفاءة الوظيفية من خلال تقديم حلول عدة في منتج واحد، والتوفير المساحي لتقليل الفوضى وتبسيط الحياة، وهناك أمثلة كثيرة منها تصميم الهاتف الذكي الذي يمثل جهازاً واحداً يجمع أجهزة أخرى مثل الكاميرا والحاسوب ومشغل الموسيقى والمحفظة الإلكترونية، أو الشاحن المحمول المتعدد المنافذ، وتصميم الساعات الذكية وأدوات المطبخ المتعددة الوظائف والاستخدامات.

في التصميم الجرافيكي يتم تطبيق منهجية تصميم تهدف إلى إنشاء عناصر تصميمية واحدة تعمل بصورة فعالة مع الحفاظ على الاتساق والجودة، مثل توفير أنظمة توفر مكونات تصميمية واحدة يمكن استخدامها في تطبيقات ومنتجات مختلفة مع الحفاظ على هوية موحدة، كمكتبة المكونات والقوالب الجاهزة (قوالب مواقع ويب تعمل على جميع الأجهزة، وقوالب عروض تقديمية قابلة للتخصيص)، ودليل الأنماط الموحد (ألوان وخطوط وعناصر تصميمية)، والشعارات المتكيفة المتعددة الاستخدامات (شعار واحد له أشكال أو ترتيبات عدة ليتناسب مع مختلف وسائط النشر).

ويتطلب هذا التصميم في البداية كلفة أولية واستثمار وقت كبير في التجهيز لضمان تحقيق متطلبات السهولة والاتساق والمرونة وقابلية التطوير والتوسع، ليقدم للمصممين تجربة متسقة ومتجاوبة مع مختلف المنصات، وتجارب أكثر سلاسة مع توفير الوقت في التصميم المتكرر وتركيز الجهود على حل المشكلات بدلاً من الانشغال بالمراحل الأولية للتصميم.

أما التصميم المتعدد الأغراض في الديكور الداخلي فهو نهج تصميمي يهدف إلى استغلال المساحة بأقصى كفاءة من خلال توفير عناصر وحلول تصميمية تؤدي أكثر من وظيفة وتتكيف مع احتياجات السكان المتغيرة خلال اليوم أو عبر فترات حياتهم المختلفة، مما يسمح بالمرونة وتعظيم الكفاءة وبخاصة في المساحات الصغيرة نسبياً.

ويعد خياراً مثالياً في الشقق الصغيرة في المدن الكبرى والاستوديوهات والمساحات المفتوحة والغرف ذات الأشكال غير المنتظمة، إذ يقدم كفاءة اقتصادية ومرونة في الاستخدام، وتطبيقاته في هذا المجال غير محدودة، من الأثاث المتحول والذكي الذي يخدم أغراضاً مزدوجة كالسرير المخفي في الحائط أو السقف، والطاولات القابلة للتمديد، والأريكة التي تتحول إلى سرير للضيوف وتتضمن مساحة للتخزين، ومساحة اللعب والنوم والدراسة المصممة لغرف الأطفال، وصولاً إلى حلول التخزين الذكي كالخزائن المدمجة في الجدران، والأدراج تحت الأسرة، والأرفف المتعددة الاستخدامات، والمقاعد التخزينية وغيرها.

المبادئ الأساسية

ويلتزم التصميم الناجح مجموعة من المبادئ تحقق له النجاح في السياق المتعدد الأغراض، ونظراً إلى كون التحول بين الوظائف السمة الأساس لهذه التصاميم، لذا فهي تتبع مجموعة من المبادئ أهمها البساطة، فالتصميم المعقد يصعب تحويله أو استخدامه لأكثر من غرض، والمتانة والديمومة، فالمنتج يصمم ليدوم ويتحمل الاستخدام المتكرر بطرق مختلفة، وأيضاً يجب أن يؤدي التصميم كل غرض من أغراضه بكفاءة مقاربة لمنتج مخصص لهذا الغرض فقط.

كذلك يحضر مبدأ التوازن بين الشكل والوظيفة بصورة واضحة في هذا السياق، إذ لا يجب أن يضحي التصميم بالجماليات لصالح الوظيفة والعكس صحيح، والمبدأ الأهم على الإطلاق هو المرونة، فتصميم منتج يمكن تحويله بسهولة من استخدام إلى آخر للتكيف مع الاحتياجات المتغيرة هو غاية أساسية عند التفكير بالتصميم، والمرونة هنا مرادفة للاستدامة والرفاهية، فالتصاميم المتعددة الاستخدامات أكثر استدامة نظراً إلى قدرتها على التغيير والتكيف بسهولة مع الاحتياجات المتغيرة.