Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جولة مع الباباوات... من المحفة إلى الـ"فيراري"

دائماً كان السؤال "هل يمشي الحبر الأعظم على قدميه كسائر البشر أم أن هناك تقليداً رومانياً حافظ عليه الفاتيكان طوال قرون؟"

فرنسيس يُحيي الحشود من سيارة البابا ضمن رحلته إلى جزيرة كورسيكا الفرنسية، 15 ديسمبر 2024 (أ ف ب)

ملخص

لأن البابوية قوة إقناع معنوية، كما يقول المفكر الأميركي الكاثوليكي الشهير جورج ويجل، يبقى ما يتصل بالبابا أمراً مهماً، حتى ولو كان سيارة تحمله وتمضي به في داخل أروقة ودهاليز روما.

لا تزال البابوية بأسرارها تدهش العالم، وعلى رغم كل ما كتب عن الفاتيكان حتى الساعة، فلا يزال الملايين حول العالم يعتبرون أن هذا البلد الصغير الذي لا تتجاوز مساحته نصف كيلومتر، حاوياً أسراراً عدة، وقابضاً على جمر السرية لكثير من معطيات الكون، من عند العلاقة مع النجوم والفلك، وصولاً إلى مكتبته السرية، حيث توجد كتب نادرة ومخطوطات تتجاوز آلاف السنين، عطفاً على وثائق معاصرة لكثير من القضايا الشائكة، كما الحال مع دقائق الحرب العالمية الثانية بنوع خاص.

وسط هذا الكم الهائل من المعطيات، تبدو هناك قصة مثيرة أخرى، تحمل حكايات الزمان مع الباباوات أو الأحبار الرومانيين العظام، إنها قصة التنقلات، حيث المركبات التي استخدمها الباباوات عبر التاريخ المعاصر، بدءاً من الخشبية التي تجرها الخيول، وصولاً إلى "مرسيدس" و"فيات" وغيرها من الماركات العالمية.

ولأن البابوية قوة إقناع معنوية، كما يقول المفكر الأميركي الكاثوليكي الشهير جورج ويجل، يبقى ما يتصل بالبابا أمراً مهماً، حتى ولو كان سيارة تحمله وتمضي به في داخل أروقة ودهاليز روما.

لكن ما الذي يدعو إلى هذا الحديث في الوقت الحاضر، وهل هناك أمر بعينه جرت به المقادير، وأعاد التركيز على قصة سيارات البابوية عبر الـ100 عام الماضية أو أنواع وسائل التنقل عبر 200 عام بصورة أو بأخرى؟

عيادة لأطفال غزة

حملت لنا الأيام القليلة الماضية أخباراً عن سيارة البابا فرنسيس التي استخدمها خلال زيارته لمدينة بيت لحم عام 2014، وكيف أنها تحولت إلى عيادة صحية متنقلة بهدف توفير نوع من الرعاية الطبية للأطفال الفلسطينيين في غزة.

عرف البابا فرنسيس بإنسانيته، وبعيشه حياة الفقر الاختياري، مما شهد عليه ثوبه الأبيض البالي، وحذاؤه المعالج من الثقوب، قبل وفاته في أبريل (نيسان) من العام الحالي، أوكل إلى منظمة "كاريتاس" التي تقوم على دعم ومساعدة الفقراء حول العالم، مشروع تحويل سيارته لكي تكون في خدمة الأطفال المتألمين في غزة.

طوال عامين من الحرب لم يكف فرنسيس عن رفع صوته مندداً بما يحدث في قطاع غزة من إبادة للغزيين، ورافضاً للوحشية الإسرائيلية، الأمر الذي تسبب في إزعاج كبير لإسرائيل.

 

في مؤتمر صحافي لمناسبة تحويل سيارة البابا إلى عيادة متنقلة، قال الأمين العام لمؤسسة "كاريتاس" أليستر دانون "نحن سعداء بأن لدينا هنا إسهاماً جدياً في مجال الرعاية الصحية للأطفال في غزة".

والسيارة من نوع "ميتسوبيشي" معدلة تبرع بها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال زيارة فرنسيس لبيت لحم، وقد جرى إغلاق المنصة المفتوحة في الجزء الخلفي من السيارة، التي كان البابا يقف عليها ذات يوم أثناء رحلته عبر المدينة.

في هذا السياق، اعتبر الكاردينال أندرس أريوريليوس، من ستوكهولم، الذي اتصل بالبابا فرنسيس قبل وفاته في شأن فكرة "كاريتاس" بتحويل السيارة البابوية السابقة إلى عيادة أطفال متنقلة، أن "هذه السيارة بمثابة شهادة على أن العالم لم ينسَ أطفال غزة".

وأشار الأمين العام لمنظمة "كاريتاس" السويدية بيتر برون، إلى أن العيادة المتنقلة قادرة على علاج نحو 200 طفل يومياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يتضح بعد متى ستنتقل سيارة فرنسيس – جوازاً – من بيت لحم إلى غزة، حيث وقف إطلاق النار يبقى مهدداً من جانب إسرائيل في أي وقت، فيما أكد الأمين العام لـ"كاريتاس" أليستر دانون، أن العمل يجري سريعاً، رافضاً الإدلاء بمزيد من التعليقات، كذلك رفض مكتب تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهو الهيئة الحكومية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق دخول المساعدات إلى القطاع، التعليق عندما سئل عن الطلب.

على أنه مهما يكن من شأن سيارة بيت لحم، فإن الأمر برمته لفت الانتباه إلى واحدة من قصص البابوية المثيرة، التي كانت شاهدة على كثير من الأحداث الجسام، ومنها سيارة حوت جسد البابا يوحنا بولس الثاني، حين تعرض لرصاصات الغدر، قبل أن ينجو منها، من أين لنا البداية؟

رحلات باباوية

هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يجيء أول بابا للكنيسة الرومانية الكاثوليكية من فلسطين؟ كان ذلك هو بطرس الصياد الجليلي، حامل المفاتيح، الذي وصل إلى روما عبر البحر، وهناك أقام في قلب العاصمة الإمبراطورية الرومانية مؤسسته على الصخر.

عبر 2000 عام عاش الباباوات قصصاً مثيرة وخطرة تجمع ما بين القداسة والسياسة، فقد كان البابا سيداً على الأرض وفي السماء معاً، لم يكن السفر خارج روما أمراً مألوفاً بل نادراً، وخلال أول 500 عام من البابوية، ربما لم يخرج البابا من صومعته في روما، كذلك فإن عدداً من الأحبار العظام قد أجبروا أحياناً على البقاء خارج المدينة المقدسة، في أماكن إيطالية أخرى مثل غيتريو وأورفيترية وبيروجيا.

 أما في القرن الـ13 الميلادي فقد انتقلت البابوية لأسباب سياسية إلى فرنسا، وذلك خلال بابوية أفنيون (1309 - 1378).

تحمل لنا سجلات حاضرة الفاتيكان معلومات بسيطة عن القرون الستة الأولى في تاريخ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية وعن تنقلات الأحبار العظام هناك، على سبيل المثال زار البابا فيجليوس (537 - 557) عام 547، والبابا أغاثو (678 - 681) عام 680، والبابا قسطنطين عام 710، مدينة القسطنطينية، وبالطبع كانت الرحلات تجري عبر البحار.

 

لاحقاً اختطف البابا مارتن الأول (649 - 655) إلى القسطنطينية وقدم للمحاكمة، بينما أصبح البابا ستيفن الثاني (752 - 757) أول بابا يعبر جبال الألب عام 752 لتتويج ملك فرنسا بيبيين القصير، وهو الأمر نفسه الذي كرره البابا بيوس السابع في تتويج نابليون، ووقتها لم تكن هناك سوى العربات الخشبية التي تجرها الخيول وسيلة للحركة على الأرض، والسفن كطريق للانتقال في البحر.

ستعرف البابوية لاحقاً كثيراً من الرحلات للباباوات داخل أوروبا في القرون الوسطى بأدوات السفر التقليدية، وصولاً إلى البابا بولس السادس (1963 - 1978)، أول بابا يغادر أوروبا، إذ لم يسبق لأي بابا أن غادر القارة العجوز قبل المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962 - 1965)، وكان أول بابا يسافر بالطائرة، وأول من غادر إيطاليا منذ عام 1809، وأول بابا روماني كاثوليكي يزور الولايات المتحدة الأميركية وبقية أميركا الشمالية والجنوبية وإفريقيا وأستراليا وآسيا كبابا.

لم يمتلك أي من باباوات روما، طوال فترة حبريته طائرة خاصة، وهو الأمر المعروف بالنسبة إلى الأثرياء من رجال الأعمال في أوروبا والعالم، غير أن ذلك لم يمنع أن يكون هناك سيرة ومسيرة طويلة من سيارات البابوية، استخدمها الباباوات عبر التاريخ القريب للتنقل والحركة داخل أرجاء حاضرة الفاتيكان، وأحياناً لزيارة المدن الإيطالية القريبة، وكثير منها يعتبر من كنوز متحف الفاتيكان.

غير أن هناك قصة أكثر إثارة عن تحركات البابا قبل ظهور واختراع السيارات، وكان دوماً السؤال "هل يمشي البابا على قدميه كسائر البشر، أم أن هناك تقليداً رومانياً حافظ عليه الباباوات طوال قرون، ولم تتوقف مساراته إلا في ستينيات القرن الماضي؟".

فوق المحفة

كثيراً ما حفظت ذاكرة البشرية صورة تبدو مثيرة لباباوات روما، إذ البابا لا تلامس أقدامه الأرض بشكل مباشر، وإنما جالس على كرسي فخم مذهب، مرتفع عن سطح الأرض عبر عدد من الرجال، لهم ملابس حمراء مزركشة بنوع خاص، شواربهم تدل على جديتهم، وحضورهم طاغ، ومهمتهم تبدو مقدسة. حمل البابا والتنقل به في داخل الليتورجيات، أي خلال الصلوات الطقسية، هل نحن إزاء قصة بعينها لحركة الباباوات في أزمنة بعينها؟

على مدى قرون طويلة كان الباباوات يحملون عبر ما يسمى باللغة اللاتينية، لغة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الرسمية، Sedia Gestatoria أو المحفة البابوية، التي تستخدم خلال الطقوس الدينية الليتورجية، وليس في حركته العادية كإنسان.

تعرض كراسي "سيديا جيستاتوريا" في الوقت الحاضر بمتحف الفيلا البابوية في كاستل غاندولوف، مقر البابا الصيفي، وقبل ذلك كانت معروضة في متحف قصر اللاتيران، حيث عرضت آثار البلاط البابوي القديم حتى عهد البابا فرنسيس.

وكانت آخر مرة شوهدت فيها "سيديا" عندما استخدمها البابا يوحنا بولس الثاني عام 1978.

 

انطلقت فكرة المحفة منذ القرون الوسطى لتعطي فرصة للجماهير العريضة أن ترى البابا من خلال وضع مرتفع، وليس القصد التعالي أو الترفع عن المؤمنين، لا سيما أنه في وثائق المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، كان البابا يوقع باسم "خادم خدام الله".

كان الكرسي ذو الذراعين منجداً بأقمشة فاخرة مثل الحرير والمخمل بألوان الأحمر والذهبي، وبينما كان البابا يرفع عليه كان يقف إلى جانبه اثنان من المرافقين على جانبي العرش بمراوح كبيرة تعرف باسم flabella من ريش النعام الأبيض.

لم تضف هذه المراسم شعوراً بالجلالة البابوية فحسب، بل ساعدت أيضاً على الحفاظ على البابا هادئاً، وأبعدت الحشرات أثناء مواكب الصيف. كانت بعض هذه العروش مغطاة، تشبه عربة النقل، مثل عرش البابا ليون الـ13 (من 1878 إلى 1903)، على أن الجزء المتمم والمكمل لهذا الطقس يتعلق بحملة هذا الكرسي، الذين يعرفون باسم "السيدياري" Sediari، والذين يتطلب تكليفهم أموراً معينة على أساس العمر والطول والوزن والأخلاق المتميزة.

كان عدد هؤلاء يراوح ما بين 8 و12 شخصاً، إذ كانت هناك نسختان مختلفتان من الكرسي: الكبرى للمناسبات الرسمية، وأخرى أصغر تسمى Sidola، ويحملها ثمانية أشخاص للمناسبات من الدرجة الثانية.

وهناك بعض التفاصيل الشيقة المتعلقة بمتطلبات السيديارس، ذلك أن عملهم لا يقتصر على النهار بل يمتد إلى الليل، إذ كانوا مقسمين إلى ورديات، بل كان يطلب من كل وردية أن ينام اثنان منها في غرفة الانتظار البابوية تحسباً لحاجة البابا إلى أي طلب.

ومن مهام السيدياري نقل الرسائل، وعند الطلب حمل البرقيات الخاصة من الأشياء من غرفة الانتظار السرية إلى داخل القصر الرسولي.

كان السيدياري تقليدياً من أقرب الرجال إلى الباباوات، في حياتهم كما في موتهم، كانوا يحملون الباباوات المتوفين على نعوش جنائزية لمواكب جنازاتهم ووقت دفنهم.

اليوم لم يعد للمحفة ولا حملتها من مكان، فقد باتت الدوائر التلفزيونية تكفي لنقل صور وصوت البابا في مساحات واسعة وشاسعة، وباتت مهمة السيدياري قاصرة على استقبال الضيوف في الصالونات الملحقة بمكتب البابا بعد المقابلات الرسمية.

عن السيارات المبكرة

انتهى استخدام "سيديا جيستاتوريا" بسبب شكاوى من عدم ثباته أثناء المشي، فقد كانت حركة التأرجح تتسبب في شعور البابا بالغثيان والدوار، مما منعه من خدمة الجماعة بكامل طاقته، ثم تغير التقليد مع إدخال العربات التي تجرها الخيول.

في عام 1800 تولي البابا بيوس السابع قيادة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية. لم يصل إلى هناك على ظهر جواد كما التقليد، بل كان أول بابا يصل إلى روما داخل مركبة خشبية ذات أربع عجلات تجرها الخيول، ولا تزال موجودة في متاحف سيارات البابوات في كاستل غوندلفو.

لم يتم استخدام عربات الخيول طويلاً، بخاصة بعد أكتوبر (تشرين الأول) 1870، عندما ألغيت سلطة البابا السياسية وانتهى دوره كرئيس لقطاعات واسعة من الأراضي.

لم يغادر خمسة باباوات، هم بيوس التاسع، وليو الثالث عشر، وبيوس العاشر، وبندكتس الخامس عشر، ولاحقاً بيوس الحادي عشر، الفاتيكان، ولم يستخدم الباباوات المركبات ذوات العجلات الأربع رسمياً في مختلف أنشطته إلا بحدود عام 1929.

 

دخلت السيارة الأولى إلى الفاتيكان عام 1909، لكن البابا في ذلك الوقت بيوس العاشر، رفض استخدامها. كانت سيارة إيطالية من طراز "20/30" أهداها له رئيس أساقفة نيويورك، لكن بيوس، الذي اعتبر قديساً لاحقاً، رأى أنها صاخبة جداً بالنسبة إلى حدائق الفاتيكان، وعليه ظل يستخدم عربة الحصان البابوية ليستنشق بعض الهواء.

كانت أولى المركبات البابوية الرسمية الآلية هدايا تم التبرع بها للبابا بيوس الحادي عشر عام 1929 للاحتفال بالمصالحة بين حكومة إيطاليا والكرسي الرسولي.

كان من بين هذه المركبات سيارة "جراهان" بيج سوداء من طراز 837، تميزت بأنها السيارة التي قامت بأول رحلة بابوية خارج الفاتيكان منذ عام 1870، وتحديداً لنقل البابا بيوس الحادي عشر إلى كنيسة القديس يوحنا اللاتيران في روما للاحتفال بالذكرى الـ50 لرسامته كاهناً.

وكانت إحدى هذه المركبات البابوية المبكرة (على رغم أن مصطلح Popemobiles لم يكن قد صيغ بعد) سيارة ليموزين صنعتها شركة "مرسيدس بنز" وصممها فرديناند بورش، وقد قدمت السيارة إلى البابا بيوس الحادي عشر عام 1930، وكانت من طراز "نوربورغ 460" مع تعديلات طفيفة لزيادة مساحة الأرجل في المقصورة الرئيسة، وتضمنت حمامة مطرزة في الداخل، ومقعد عرش، وسلسلة من الأزرار التي يمكن للبابا استخدامها للتواصل مع السائق.

من بين السيارات البابوية المبكرة الأخرى التي كانت مزودة بمحركات، سيارة "فيات 525"، و"إيزوتا فراشيني" من النوع "8"، وسيارة "سيتروين ليكتوريا C6" ذات اللون العنابي والذهبي والملقبة بـ"ليكتوريا سيكس".

أسطول الستينيات

في عام 1960، خلال عهد البابا يوحنا الثالث والعشرين، شهد الأسطول البابوي إضافة سيارات مكشوفة مما أتاح للبابوات الوقوف أثناء ركوبها، الأمر الذي زاد من وضوح الرؤية أمام الحشود.

 كانت السيارة الأولى في هذا الطراز من نوع "مرسيدس بينز 300 دي"، مزودة بجهاز اتصال لا سلكي وأجهزة تحكم في مكيف الهواء، ومقعد عرش قابل للتعديل حسب الارتفاع، ودرابزين معدل لمساعدة البابا على الثبات أثناء وقوفه.

وكان من بين السيارات البابوية المكشوفة الأخرى في الستينيات والسبعينيات، سيارة "لنكولن كونتيننتال" و"سيتروين أس أم".

على مدى ما يقرب من 40 عاماً، دأب الباباوات على استخدام سيارات "سيدان" في كل لقاءات الشعب، غير أنه منذ سبعينيات القرن الـ20، وبحسب صحيفة الـ"واشنطن بوست"، بدأ الكرسي الرسولي يستخدم سيارة رياضية متعددة الاستخدامات (SUV).

كانت أول سيارة من إنتاج شركة "فيات" الإيطالية، وهي "فيات كامباغنولا"، واستلهم كامبانيولا تصميمه من متانة سيارة الجيب الأميركية رباعية الدفع (وبليز جيب)، التي انتشرت على نطاق واسع خلال الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك في إيطاليا.

لاحقاً ستكون واحدة من تلك السيارات مشهداً لحدث لا تزال أبعاده يشوبها الغموض، وأسرارها غير واضحة المعالم، وباتت ذات قيمة تاريخية غير مسبوقة لفرادة الحادثة وخطورتها في ذات الوقت.

"نوفا" ومحاولة اغتيال

تمت صياغة مصطلح Popemobile عام 1979، أثناء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبابوية إلى إيرلندا، حيث نقل في جميع أنحاء البلاد في شاحنة صفراء ذات جوانب زجاجية تتسع لـ15 مقعداً تشبه مركبة موكب.

 في الـ13 من مايو (أيار) 1981، وكان يوم أربعاء، بدا البابا البولندي الأصل متوجهاً إلى ساحة القديس بطرس، حيث الاجتماع الأسبوعي مع المؤمنين، مستقلاً سيارة سيكون لها موعد مع القدر.

كانت السيارة من نوع "فيات 1107 نوفا كامبانولا" بيضاء بالكامل ومكشوفة، حين دوت رصاصات التركي محمد علي أغا. نجا البابا من الموت بأعجوبة، لكن الحادثة دفعت إلى تغييرات كبيرة في تصميم المركبات البابوية، من وقتها فصاعداً تميزت الغالبية العظمى من سيارات الباباوات بنوافذ مصنوعة من زجاج مضاد للرصاص أو بلاستيك مع زجاج مقاوم للرصاص، وشملت إجراءات الأمن الأخرى صفائح مدرعة ودرجة في المصد الخلفي يمكن لأفراد أمن البابا الوقوف والركوب عليها.

 

كانت الثمانينيات فترة صراع بين حلفي "وارسو" و"الأطلسي"، وقد لعبت البابوية دوراً فاعلاً ومؤثراً في هزيمة الشيوعية، لهذا بدأت سيارات الباباوات تحظى بنوع خاص من الحماية والوقاية، وقد كانت بعض سيارات البابا طويل العمر (27 سنة في كرسي البابوية) ذات مواصفات أمنية خاصة.

 كانت بعض سيارات الباباوات صغيرة الحجم، مثل سيارة "باندا" موديل 1982، التي استخدمها البابا يوحنا بولس الثاني في زيارته لأسبانيا، والتي مكنته من المرور عبر مداخل ملاعب كرة القدم.

 ومن أكبر السيارات الحافلة ذات الجوانب الزجاجية التي استخدمت عام 1990 خلال زيارة البابا يوحنا بولس الثاني إلى مدينة مكسيكو.

في أعوام بابويته الأخيرة، تلقى البابا يوحنا بولس الثاني سيارة "لاتشيا ثيسيوس جيبيلو" كهدية من المحامي جياني أنييلي. صممت السيارة لتلبية احتياجات البابا المنهك صحياً خلال التنقلات، فعلى سبيل المثال كان المقعد المخصص للبابا يتحرك إلى الخارج مما يسهل له دخول السيارة، والسيارة نفسها قابلة للطي بالكامل، أما الباب فيفتح بزاوية قائمة، والعمود الداخلي غير مرتفع، ولهذا السبب لا تتحرك بسرعة كبيرة، لذا فإنها مريحة ولكن غير موثوقة في حالات الطوارئ.

بندكتوس وسيارة الحماية

لم تطل بابوية بندكتوس السادس عشر لأكثر من ثمانية أعوام (2005 - 2013)، خلال قداس التنصيب لقب بندكتوس بـ"قائد المسيحية"، وخلال قداس عيد الميلاد (2005)، قدم رئيس شركة "فيراري" لوكا كورديرو مونتيز يمولو عجلة قيادة مايكل شوماخر في سباق "الفورمولا 1" لعام 2003، وعندما تسلم عجلة القيادة، المعروضة في الجناح، شبه البابا الفخري الحالي تقنيتها المعقدة بـ"تعقيد قيادة الكنيسة".

كانت سيارة البابا المخصصة الأكثر استخداماً من قبل البابا بندكتوس السادس عشر أثناء سفره إلى الخارج سيارة "مرسيدي بنز" M - Class رياضية معدلة، مزودة بغرفة مغلقة بالزجاج، ومصدر أكسجين خاص مدمج في الجزء الخلفي من السيارة. يدخل البابا من باب خلفي ويصعد درجات عدة، ثم يجلس على كرسي مصنوع من الجلد الأبيض المزخرف بالذهب، الذي يرفع إلى الغرفة الزجاجية بواسطة رافعة هيدروليكية مما يسهل رؤية البابا، إضافة إلى السائق تتسع السيارة لراكب واحد (عادة يكون رجل أمن) في السيارة، كذلك يتسع الجزء الخلفي المغلق بالزجاج لمساعدين بابويين يمكنهما الجلوس في المساحة المقابلة لكرسي البابا المرتفع.

 

تحوي السيارة نوافذ زجاجية مضادة للرصاص وفتحات سقف، مصنوعة من صفائح مدرعة مقواة، وهي ميزات أمان مصممة لمقاومة المتفجرات أسفلها أو حولها.

في السادس من يونيو (حزيران) 2007، حاول رجل ألماني القفز إلى سيارة البابا بندكتوس السادس عشر المكشوفة أثناء بدء البابا لقاءه العام. لم يصب البابا بأذى، ولم يبد أنه لاحظ أن الرجل قفز فوق الحاجز الواقي في الساحة، وتشبث بسيارة البابا "فيات" البيضاء أثناء مرورها.

 تعقب ثمانية ضباط أمن في الأقل السيارة وهي تتحرك ببطء في الساحة، ثم أمسكوا بالرجل وطرحوه أرضاً قبل أن تستجوبه شرطة الفاتيكان.

ما الذي تبقى من حديث سيارات البابوية؟

الزاهد في السيارة

تبدو قصة فرنسيس مثيرة، ذلك أنه منذ أن كان كاهناً صغيراً، مروراً بأسقف ثم رئيس أساقفة بيونس آيرس في الأرجنتين فكاردينال ثم بابا، عاش نوعاً من الفقر الاختياري، ذلك أنه لم يكن ليميل أبداً إلى استخدام سيارة خاصة، بل كان يعمد إلى ركوب المواصلات العامة، والشبكة العنكبوتية حافلة بكثير من الصور.

أبدى فرنسيس تفضيله أسلوب حياة أبسط وسيارات أبسط. في ليلة انتخابه ركب مع الكرادلة الآخرين في حافلة صغيرة عائدين إلى فندقهم بدلاً من استخدام سيارة ليموزين بابوية، أما بالنسبة إلى الرحلات داخل مدينة الفاتيكان فقد استخدم سيارة "فورد فوكس" صغيرة من مجموعة سيارات الفاتيكان، كما قاد بنفسه حول المدينة في سيارة "رينو 4" موديل 1984 أهداه إياها الأب الإيطالي رينزو زوكا.

لاحقاً قامت شركة صناعة السيارات الإيطالية "فيات"، المورد التقليدي للسيارات البابوية، بتزويد البابا فرنسيس بسيارة "فيات L500" التي استخدمها في زيارته للولايات المتحدة في الفترة من 22 إلى 27 سبتمبر (أيلول) 2015، كما قامت "فيات" بتزويد البابا بسيارة جيب "رانجلر" التي استخدمها في الإكوادور في يوليو (تموز) 2015.

خلال بابوية فرنسيس تلقى كثيراً من السيارات هدايا، مثل سيارة "فيراري إنزو" التي تبرع بها وقام بعمل مزاد علني عليها لتخصيص أموالها لضحايا تسونامي ضرب جنوب شرقي آسيا.

بالمثل في نوفمبر (تشرين الثاني)، تلقى فرنسيس سيارة "لامبورغيني هوراكان" بيضاء، وباعها في مزاد علني بقرابة مليون دولار، واستخدم جزءاً من هذا المال للمساعدة في إعادة إعمار سهل نينوى بالعراق.

ولعل رغبة فرنسيس في أن تتحول سيارة زيارته لبيت لحم إلى عيادة لأطفال غزة، كانت رغبة أخيرة من الأب الأقدس في نهاية حياته.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات