Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة شاملة مع فنزويلا

القوة الأميركية لن تسقط مادورو لكن الدبلوماسية قد تفعل

علم فنزويلا في تظاهرة بمدينة كاراكاس، نوفمبر (تشرين الثاني) 2025 (رويترز)

ملخص

تصعيد ترمب العسكري ضد فنزويلا يهدف فعلياً إلى إسقاط مادورو، لكنه محكوم بالفشل من دون غزو شامل، ما يجعل المسار الدبلوماسي القائم على تقاسم السلطة الخيار الوحيد القادر على تجنب الفوضى وتمهيد انتقال ديمقراطي حقيقي. تظهر التجربة أن بدائل القوة، من العقوبات إلى المعارضة المفككة، عجزت عن إحداث التغيير، بينما قد ينجح اتفاقٌ لتقاسم السلطة بضمان إصلاحات تدريجية وتوازن مؤسسي بين الطرفين.

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد وجه أنظاره نحو فنزويلا. فطوال الصيف الماضي، شرعت إدارته في حشد قوة بحرية كبيرة في منطقة الكاريبي، معظمها قبالة السواحل الفنزويلية، وبدأت باستهداف السفن فور خروجها من المياه الإقليمية للبلاد. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، منح ترمب وكالة الاستخبارات المركزية تفويضاً بتنفيذ عمليات داخل فنزويلا. وكرر هجماته الخطابية على الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، متهماً إياه بإفراغ السجون وإرسال نزلائها إلى الولايات المتحدة، ومعلناً أن أيامه في الحكم باتت معدودة. وهذا الأسبوع، دفعت واشنطن بمجموعة قتالية تضم حاملة طائرات إلى الكاريبي، وتلقى ترمب إحاطة حول خيارات عسكرية محتملة، من بينها شن ضربات برية. وعلى رغم إصرار البيت الأبيض علناً على أن هذه العمليات تقتصر على مكافحة المخدرات - لا تمهيداً لتغيير النظام - فإن حجم الحشد العسكري، وهو الأكبر منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، فضلاً عن لهجة التصعيد الأميركية، يكشفان بوضوح عن أن الهدف الفعلي لواشنطن هو إسقاط حكومة مادورو.

لكن حتى لو أقدم ترمب على مهاجمة فنزويلا، فمن المستبعد أن ينتهي الأمر على نحو جيد. فكل ما دون غزو شامل - وهو خيار لا يحظى بتأييد داخلي، ولا تكفيه التعبئة الحالية - لن يكون سوى استعراض قوة غير قادر على إسقاط النظام، إذ لم تنجح الضربات الجوية وحدها، كما كتب ألكسندر داونز وليندسي أورورك في "فورين أفيرز"، في إطاحة أي زعيم من قبل. وحتى لو حققت الولايات المتحدة اختراقاً ما، فسيبادر الجيش الفنزويلي غالباً إلى استبدال مادورو بشخصية من دائرته المقربة. وإن سيطرت المعارضة على السلطة فجأة، خلافاً لكل التوقعات، فلا ضمان بأن يؤدي ذلك إلى انتقال ديمقراطي مستدام.

قد يقرر ترمب الهجوم في كل الأحوال. لكن من المرجح أن البيت الأبيض يدرك أن استعراض القوة لن يطيح بمادورو، كما أن ترمب – على رغم خطابه الناري - ظل تاريخياً معارضاً للتدخلات العسكرية الواسعة التي تتطلب وجوداً طويلاً على الأرض وجهوداً لإعادة بناء الأنظمة.

وعلى مدى رئاسته الأولى والحالية، اتبع ترمب تكتيكاً ثابتاً تجاه القضايا الشائكة في الداخل والخارج، مستلهماً ما عرضه في كتابه عام 1987 "فن عقد الصفقات" The Art of the Deal الذي يقوم على مبدأ التصعيد من أجل التفاوض. فعام 2018، وبعد وقت قصير من اختبار كوريا الشمالية صواريخ قادرة على بلوغ الولايات المتحدة، هدد ترمب بيونغ يانغ بـ"نار وغضب لم يشهدهما العالم من قبل"، ثم عقد ثلاث قمم مع كيم جونغ أون لمناقشة نزع السلاح النووي. وهدد بالانسحاب من "الناتو" ما لم يرفع الأعضاء الآخرون إنفاقهم الدفاعي، فاستجاب معظمهم، وبقيت واشنطن في الحلف. وفي أبريل (نيسان) الماضي، رفع ترمب الرسوم الجمركية على معظم دول العالم، ثم جمد بعضها لفتح باب التفاوض على خفض القيود التجارية.

وإن كانت خطة ترمب اليوم تهدف إلى إحداث تغيير للنظام في فنزويلا بالقوة، فربما يكون متجهاً نحو فشل محرج وباهظ الكلفة. أما إذا كان ينظر إلى هذا الحشد العسكري على أنه تمهيد لمبادرة دبلوماسية، فربما تكون أمامه فرصة لتحقيق أهم انتصار في السياسة الخارجية خلال ولايته. لكن نجاح هذا المسار يتطلب إدراكاً أميركياً بأن التحولات الديمقراطية لا تحدث دفعة واحدة، فهي عادة ثمرة مفاوضات مطولة يوافق فيها النظام الاستبدادي على البدء بتقاسم السلطة مع معارضيه. وتأتي الانتخابات الحرة والنزيهة في نهاية هذا المسار لا في بدايته لأن الإصلاحات المؤسسية وفترة التعايش مع بقايا النظام القائم تمثل شروطاً لازمة لانتقال سلمي للسلطة.

لذلك، على الولايات المتحدة أن توظف ما لديها من نفوذ لحمل طرفي الصراع الداخلي في فنزويلا على الجلوس إلى طاولة التفاوض، ثم إلزام كل طرف التخلي عن هدفه الأقصى - القضاء على الآخر - والقبول بدلاً من ذلك بتقاسم السلطة. وقد لا تبدو صفقة من هذا النوع مرضية لبعضهم مثل ضربة عسكرية مباشرة، فهي، خلافاً لعملية تنفذها وكالة الاستخبارات المركزية لإزاحة مادورو، لا تعد بنتائج فورية، غير أن هذا النهج يرجح أن يكون أكثر فاعلية في خدمة المصالح الأميركية وفي تحسين أوضاع الفنزويليين وفي تهيئة الأساس لعملية انتقال ديمقراطي حقيقية.

التغيير الذي يمكن الإيمان به

تعد فنزويلا مقبرة للأفكار حين يتعلق الأمر بمحاولات تغيير النظام. فخلال إدارة ترمب الأولى، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية قاسية على قطاعي النفط والتعدين، اعتقاداً بأن حرمان الحكومة من مواردها الأساسية سيؤدي إلى انهيارها. لكن هذا الانهيار لم يحدث، إذ بقي مادورو في السلطة، على رغم أن هذه العقوبات أسهمت في التسبب بأكبر انكماش اقتصادي وأوسع موجة نزوح جماعي في زمن السلم خلال التاريخ الحديث. وانتهجت إدارة بايدن مقاربة مختلفة، فعرضت تخفيفاً جزئياً للعقوبات مقابل التزام الحكومة إجراء انتخابات حرة. إلا أن هذا النهج تعثر أيضاً. فخلال انتخابات عام 2024، شارك أكثر من نصف الفنزويليين في التصويت، وبحسب عملية الجمع المنهجية التي نفذتها المعارضة لمحاضر الاقتراع الرسمية، فاز الدبلوماسي السابق إدموندو غونزاليس بفارق كبير، غير أن السلطات الانتخابية أعلنت فوز مادورو على رغم ذلك، وقمعت حكومته الاحتجاجات التي تلت ذلك بالقوة.

ومع ذلك، لا تزال هناك مقاربة مختلفة لم تجرب كما ينبغي وهي التوسط للتوصل إلى اتفاق تعايش بين مادورو ومعارضيه. فبدلاً من الإصرار على خروجه الفوري من السلطة - وهو مطلب أثبتت التجارب أنه غير واقعي - يهدف هذا النوع من الاتفاقات إلى دفع حكومته نحو مسار ديمقراطي تدريجي، لكن حقيقي وقابل للاستمرار.

وهذه الفكرة تتقاطع مع بعض عناصر "إطار التحول الديمقراطي لفنزويلا" الذي طرحته إدارة ترمب الأولى عام 2020 والذي نص على إنشاء مجلس للدولة يضم ممثلين عن الحكومة والمعارضة للإشراف على الانتقال السياسي وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، غير أن ذلك الإطار تعامل مع مجلس تقاسم السلطة بوصفه مرحلة انتقالية قصيرة تؤدي إلى انتخابات وطنية خلال عام واحد على الأكثر. في حين أن اتفاقات التعايش، كي تنجح، تحتاج عادة إلى فترات أطول - وهو ما يجب أن ينطبق على أي اتفاق محتمل اليوم.

رئيس مناهض للـ"تشافيزية" قد يصبح نسخة أخرى من مادورو

 

ويمكن لاتفاق تعايش، إذا صيغ على نحو صحيح، أن يوفر فرصاً واعدة لعملية انتقال ديمقراطي في فنزويلا - في الأقل مقارنة بالبدائل المتاحة. فنتائج عقود من أبحاث العلوم السياسية تشير إلى أن هذا النمط من التحولات، المعروف بـ"التحولات الوفاقية"، يشكل أحد أكثر المسارات استقراراً لإنهاء الحكم الاستبدادي. وفي أميركا اللاتينية وحدها، ثمة دول عدة - البرازيل والمكسيك والأوروغواي- أطلقت فيها إصلاحات بادرت إليها أنظمة استبدادية أدت إلى إنشاء ساحة سياسية متكافئة ظلت قائمة عبر حكومات متعاقبة. أما التدخل الخارجي، في المقابل، فنادراً ما يقود إلى تحول ديمقراطي مستدام ما لم يكُن مصحوباً باحتلال عسكري طويل.

وفنزويلا بصورة خاصة تحتاج إلى انتقال سياسي قائم على التوافق. فالبلاد، بعد أعوام من الحكم الاستبدادي، تعاني انقساماً عميقاً. ومع أن غالبية الفنزويليين تعارض مادورو، فإن نحو ثلث السكان ما زالوا يتعاطفون معه. وهناك نسبة أكبر - تتجاوز نصف السكان - تحتفظ بصورة إيجابية عن هوغو تشافيز، الرئيس الشعبوي السابق الذي كان عراب مادورو وسماه خلفاً له قبل وفاته عام 2013. ولذلك، فإن أي رئيس مقبل لفنزويلا، إذا أراد تنفيذ إصلاحات جوهرية، سيحتاج في الحد الأدنى إلى تأييد جزء من القاعدة الـ"تشافيزية".

لكن من دون اتفاق لتقاسم السلطة، من غير المرجح أن تتمكن المعارضة الفنزويلية اليوم من إنشاء مظلة سياسية واسعة وجامعة، بل قد تستخدم الرئاسة، إذا وصلت إليها، أداة للانتقام. فهي، في نهاية المطاف، لم تُدِن عمليات الترحيل القسري وحالات القتل التي تعرض لها فنزويليون في مياه الكاريبي، كما أيدت عقوبات تسببت بأضرار بالغة لاقتصاد البلاد. وبذلك، استخدمت قضايا حقوق الإنسان لخدمة أهداف سياسية - وهي سمة معروفة في الحركات السلطوية. ومع قاعدة "الفائز يستحوذ على كل شيء" التي تحكم السياسة الفنزويلية، ليس صعباً تخيل رئيس مناهض للـ"تشافيزية" يتحول إلى صورة طبق الأصل من مادورو، مستخدماً مؤسسات الدولة لاضطهاد خصومه بلا هوادة.

وإن قام الزعماء (الجدد) المناهضون للـ"تشافيزية" بإعطاء الأولوية للانتقام، فإن فنزويلا لن تواجه فقط خطر استمرار الاستبداد والضائقة الاقتصادية، بل ستواجه أيضاً خطر حرب أهلية. فالجيش يضم عدداً كبيراً من الـ"تشافيزيين"، وإن أقدم الرئيس المقبل على تطهيرهم منهجياً، قد يدفعهم ذلك إلى بدء تمرد مسلح - بدعم من جماعات التمرد الكولومبية وشبكات الجريمة المنظمة ذات النفوذ القوي في فنزويلا. والنتيجة ربما تكون صراعاً داخلياً ممتداً يذكر بالحرب التي عصفت بكولومبيا لأكثر من 50 عاماً.

عرض لا يمكن رفضه 

ولكي تنجح الصفقة الكبرى في فنزويلا، لا بد من أن تضمن تمثيل المعسكرين المتناحرين في مختلف المؤسسات السياسية والقانونية في البلاد. فالديمقراطية المستقرة لا تقوم على الانتخابات وحدها، بل تحتاج أيضاً إلى ترتيبات تحد من سلطات السلطة التنفيذية وتضمن أن تكون المنافسة السياسية آمنة وفاعلة. والتحول عن الحكم الاستبدادي مهمة صعبة على نحو خاص لأن الأنظمة الاستبدادية تفتقر إلى مثل هذه المؤسسات والقواعد؛ فهي تميل إلى تركيز السلطة، مما يغري الحركات المعارضة - حين تصل إلى الحكم - بإساءة استخدامها بالطريقة نفسها. فدستور فنزويلا، على سبيل المثال، يمنح الرئيس صلاحية الدعوة إلى انتخابات جمعية تأسيسية يمكنها حل السلطات الأخرى في الدولة وفي أي وقت. وهذه الصلاحية سيستخدمها المعارضون، على الأرجح، فور وصولهم إلى السلطة، لإقصاء الـ"تشافيزيين" من مؤسسات الدولة كافة.

لكن ترمب قد يكون قادراً على منع دخول فنزويلا في حلقة مفرغة - مع التمهيد في الوقت نفسه لإخراج مادورو من السلطة - عبر إلزام المعسكرين المتصارعين التوصل إلى اتفاق مشترك. فالمعارضة في فنزويلا تعتمد إلى حد كبير على واشنطن، ولذلك فهي ليست في موقع يسمح لها برفض مطالبها. وفي المقابل، ومن خلال وضع نظام مادورو أمام تهديد وجودي غير مسبوق، اكتسب ترمب نفوذاً جديداً على كاراكاس. وهذا يضعه في موقع يتيح له تقديم عرض لا يستطيع أي من الطرفين رفضه: إطار للتعايش السياسي بضمانات مؤسسية، تدعمه الولايات المتحدة وجهات دولية كبرى أخرى (على أن تتعهد هذه الجهات أيضاً بالمساعدة في دعم عملية التعافي الاقتصادي).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعملياً، يعني ذلك أن ممثلي النظام سيطلب منهم القبول بإقرار حصص للمعارضة في المؤسسات الحكومية الأساسية. فينبغي، على سبيل المثال، أن تحظى شخصيات معارضة بتمثيل مضمون في المحكمة العليا والمجلس الانتخابي والهيئات الرقابية الرئيسة في البلاد. ويمكن لترتيب ذي صدقية أن يخصص للمعارضة ثمانية مقاعد من أصل 20 في المحكمة العليا، على أن يعيّن أربعة قضاة آخرون من شخصيات مقبولة لدى الطرفين؛ وينبغي اعتماد نسب مماثلة في التعيينات داخل المجلس الانتخابي. وينبغي كذلك أن يمتلك القضاة المسمّون من المعارضة غالبية الأصوات في بعض دوائر المحكمة العليا الحساسة، مثل دائرة النقض الجنائي التي تنظر في ملاحقات انتهاكات حقوق الإنسان ويمكنها إبطال الإدانات ذات الدوافع السياسية. وبالمثل، يجب أن يتوافق المفاوضون على تعيين مدّعٍ عام جديد ورقيب مالي وأمين مظالم. وينبغي أن يتولى أحد هذه المناصب مرشح من المعارضة، وأن يسند منصب آخر إلى شخصية مقبولة لدى الطرفين. فوجود رقيب مالي محايد أو مقرب من المعارضة - وهو المسؤول عن الإشراف على استخدام الأموال العامة والتحقيق في الفساد الإداري - يمكن أن يتيح، على سبيل المثال، إعادة النظر في الحظر المفروض على المشاركة السياسية الذي قام بدور محوري في تقويض تنافسية الانتخابات الفنزويلية.

في فنزويلا لا توجد طرق مختصرة لمستقبل أفضل

 

بعض هذه الإصلاحات سيتطلب من فنزويلا القيام بتعديل دستورها. فنص الدستور راهناً يمثل إطاراً لحكم استبدادي انتخابي، لا لنظام ديمقراطي. وعلى الصيغة المنقحة (من الدستور) أن تعمل على تقليص نفوذ السلطة التنفيذية وعلى ترسيخ الحماية التي تضمن عدم تعرض الخاسرين في الانتخابات مستقبلاً للاضطهاد. كذلك على الصيغة المنقحة من الدستور أن تلغي قدرة الجمعيات التأسيسية على حل الفروع غير التنفيذية في الحكومة، وأن تخلق هيئة تشريعية من مجلسين تتطلب غالبية عظمى ملزمة لإصدار القوانين الرئيسة، وأن تضع أحكاماً صريحة تمنع الطرف الفائز في الانتخابات المقبلة من التلاعب بالقضاء وهيئات الرقابة خلال المرحلة الانتقالية. أما الأمر الأهم في هذا الإطار، فيتمثل في وجوب انبثاق الدستور الجديد من نقاش وطني شامل، والموافقة عليه من قبل الناخبين الفنزويليين عبر استفتاء وطني. وذاك الاستفتاء من شأنه أيضاً أن يشكل فرصة للسلطة الانتخابية الجديدة كي ترسخ صدقيتها أمام الفنزويليين، وأمام العالم.

ومن الطبيعي أن يكون إصلاح المؤسسات في فنزويلا عملية طويلة الأمد. لكن ثمة خطوات يمكن للبلاد أن تخطوها في الحال، من بينها إنهاء الاضطهاد السياسي وغيره من مظاهر انتهاك حقوق الإنسان. وعلى الحكومة أن تباشر بالإفراج عن جميع السجناء السياسيين وأن تقر قانوناً جديداً يحد من الاعتقال التعسفي. ويمكن للحكومة، بمساعدة المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إنشاء هيئة رقابية محايدة لمراقبة ظروف المعتقلين الباقين أو الجدد على نحو مباشر، ولإصدار أوامر بإجراء تحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان. وسيكون من صلاحيات هذه الهيئة أيضاً ضمان توقف الهيئة الوطنية للاتصالات عن استخدام صلاحياتها التنظيمية لفرض الرقابة على حرية التعبير.

وهذه الإصلاحات في المؤسسات والقوانين من شأنها الإسهام بصورة كبيرة في تسهيل وإتاحة التحول الديمقراطي في فنزويلا. إلا أنها ليست كافية لضمان مستقبل البلاد، إذ يتعين على الحكومة والمعارضة في هذا الإطار، وكجزء من أي اتفاق محتمل، العمل معاً لإنعاش الاقتصاد الفنزويلي المتداعي. وبوسعهما البدء بصياغة برنامج إعادة بناء اقتصادي مدعوم دولياً يهدف إلى إعادة دمج البلاد في أسواق النفط والمال الدولية. وللقيام بذلك، يمكن للحكومة والمعارضة التعاون في تعيين خبراء غير حزبيين لقيادة البنك المركزي ومؤسسة النفط. وستقوم الولايات المتحدة من جهتها برفع جميع العقوبات الاقتصادية المفروضة على فنزويلا، والتعاون مع صندوق النقد الدولي والمانحين من القطاع الخاص، لتنسيق منح فنزويلا المساعدات المالية والفنية التي تحتاج إليها للشروع في الإصلاحات الرامية إلى استعادة قدرتها التنافسية الاقتصادية وإعادة إعمار بناها التحتية الاجتماعية والمادية.

وفي نهاية المطاف، ستجرى انتخابات على مختلف مستويات الحكم. لكن الجدول الزمني لذلك يجب أن يكون تدريجياً. فلن تتمكن فنزويلا من تنظيم انتخابات حرة ونزيهة قبل أن يترسخ إطارها المؤسسي الجديد ويبدأ اقتصادها بالتعافي الواضح - وهو مسار سيستغرق على الأرجح بين ثلاث وخمسة أعوام. وحتى بعد ذلك، ينبغي أن تجرى الانتخابات وفق جدول محدد مسبقاً: محلية أولاً، ثم إقليمية، ثم برلمانية، وأخيراً رئاسية. وسيكون لزاماً على الأجهزة القضائية والانتخابية والرقابية الموقتة التي تجسد ترتيبات تقاسم السلطة، أن تبقى قائمة، وبالتوزيع نفسه للعضوية، طوال الولاية الرئاسية الأولى التي تلي المرحلة الانتقالية.

تعلم العيش المشترك

قد يبدو الانتقال التوافقي بطيئاً ومعقداً أكثر مما ينبغي للمسؤولين الأميركيين الذين يريدون التخلص من مادورو سريعاً. لكن في فنزويلا، لا توجد طرق مختصرة نحو مستقبل أفضل، وهذه الوتيرة المتأنية هي بالضبط ما يجعل هذا المقترح أكثر واقعية من أي بديل يعد بحلول فورية. فمن خلال الحد من قدرة الحكومة على التلاعب بالانتخابات وتقييد قدرة المعارضة على إساءة استخدام السلطة التنفيذية، يوفر هذا النهج الحوافز اللازمة للطرفين لجعل انتقال السلطة السلمي ممكناً. والأهم أنه يتيح تحسينات فورية في حياة الفنزويليين - من الإفراج عن مئات السجناء السياسيين إلى إطلاق تعافٍ اقتصادي سريع يحد من الهجرة إلى الخارج. ويساعد كذلك في تحقيق أولويات واشنطن، عبر تمكين الولايات المتحدة وفنزويلا من التعاون في مكافحة الجريمة العابرة للحدود وتقليل الضغوط المرتبطة بالهجرة.

ومن المتوقع أن يواجه هذا الاتفاق معارضة شرسة من المتطرفين في طرفي المشهد السياسي الفنزويلي. لكن ذلك مألوف: فالانتقال الديمقراطي يقوم، قبل كل شيء، على إيجاد أرضية مشتركة بين المعتدلين في مجتمعات منقسمة. وقد نجحت دول أخرى في رأب مثل هذه الانقسامات، ويمكن لفنزويلا أن تفعل الأمر نفسه. ويمكن للولايات المتحدة وشركائها المساعدة من خلال دعم مفاوضات تفضي إلى توافق سياسي واسع حول الطريق الواجب اتباعه.

وربما تكمن الفائدة المحتملة من الحشد العسكري الأميركي القائم قبالة سواحل فنزويلا في حال الغموض التي أوجدها. فوفقاً لأسلوب "فن عقد الصفقات"، رفع ترمب، بمفرده، سقف الأخطار في الصراع السياسي. وأصبحت هذه الأخطار عالية اليوم بالنسبة إلى حكومة مادورو التي تواجه احتمالاً حقيقياً لتعرضها لهجوم عسكري كبير، وكذلك للمعارضة التي انكشف اعتمادها شبه المطلق على الدعم الأميركي. وقد يمهد تهديد ترمب بـ"النار والغضب" لاندلاع العنف، لكنه قد يفتح أيضاً نافذة لانتقال تفاوضي، انتقال يكسر حال الجمود المدمرة ويتيح للفنزويليين استعادة مستقبلهم.

 

مترجم عن "فورين أفيرز" 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025

فرانسيسكو رودريغز زميل وباحث أول في "مركز الأبحاث الاقتصادية والسياسية" وأستاذ في كلية جوزف كوربل للعلاقات العامة والقضايا الدولية بجامعة دينفر. له كتاب "انهيار فنزويلا: سياسات الأرض المحروقة والتدهور الاقتصادي، 2012 – 2020".

 

اقرأ المزيد

المزيد من آراء