ملخص
أصدر مدير إدارة الأمن النووي في الولايات المتحدة أوامر مباشرة بتشديد الرقابة على تسريب المعلومات للحفاظ على أسرار أخطر الأسلحة الأميركية في أعقاب إعلان ترمب استئناف الاختبارات النووية.
أن تكون مشرفاً على أهم ترسانة نووية في العالم مهمة مضنية، وأن تتولاها خلال عهد دونالد ترمب فهي أشد تعقيداً، فبعد أيام من تولي براندون ويليامز مهمة الإشراف على إدارة الأمن النووي، وجد نفسه في قلب عاصفة سياسية بعدما أمر الرئيس ترمب باستئناف الاختبارات النووية، عقب توقف دام 33 عاماً.
رسالة غير مألوفة
وتسبب قرار ترمب في توتر جديد مع روسيا، وأدى إلى تسليط الضوء على الترسانة النووية الأميركية، مما دفع رئيس الإدارة الوطنية للأمن النووي براندون ويليامز إلى إصدار أوامر مباشرة بتشديد الرقابة على تسريب المعلومات للحفاظ على أسرار أخطر الأسلحة الأميركية، ضمن مذكرة أرسلها بالبريد الإلكتروني السبت الماضي.
رسالة المسؤول النووي كانت غير مألوفة من ناحية اتساع نطاقها وحدة لهجتها، إذ عنونها بعبارة "عاجل: التزام القسم"، وأرسلها إلى رؤساء مختبرات الأسلحة النووية والمنشآت الفيزيائية التابعة لها، وجاء فيها "هذا ليس مقترحاً، بل إنه أمر، وأمننا القومي لا يسمح بأي بديل"، في تأكيد على عدم التسامح مع التسريبات واعتبارها خيانة للقسم.
واللافت أن نشر صحيفة "نيويورك تايمز" للرسالة الإلكترونية يكشف عن مدى التعقيدات التي تواجه مدير إدارة الأمن النووي لمنع التسريبات لأسباب من بينها كثرة المتعاقدين من القطاع الخاص، وأشارت الصحيفة إلى أنها اطلعت على الرسالة عبر مسؤول سابق على دراية بمجمع الأسلحة النووية، في حين لم ترد المتحدثة باسم الإدارة على طلب للتعليق.
إدارة الترسانة الأميركية
يوحي مسمى "إدارة الأمن النووي" بمؤسسة بيروقراطية صغيرة تندرج هرمياً تحت وزارة الطاقة، لكنها في الواقع تشرف على منشآت يعمل ضمنها نحو 65 ألف موظف في أنحاء الولايات، وتبلغ موازنتها السنوية قرابة 25 مليار دولار، وتعتمد على عدد كبير من الشركات المتعاقدة، مما يحد من القدرة على منع التسريبات الصحافية وتقليل النفقات.
وفي نمط معتاد، اختار ترمب مليونيراً لقيادة المجمع النووي الأميركي، على رغم أنه لا يمتلك خبرة تقنية أو إدارية في هذا المجال، فالمسؤول في البحرية وعضو الكونغرس سابقاً وصف نفسه ضمن تقرير مطول نشره موقع "سيراكيوز.كوم" عام 2022، بأنه مليونير يفتتح صباحه يومياً بقراءة جزء من "الكتاب المقدس".
ويواجه ويليامز تحديات صعبة في تحديث الإدارة الوطنية للأمن النووي، ومنظومتها المتقادمة التي تصعب السيطرة عليها، ومن أبرزها الخروقات الأمنية داخل مختبرات الأسلحة النووية. وباتت معالجة هذا التحدي أكثر تعقيداً بعد إعلان ترمب الشهر الماضي استئناف الاختبارات النووية، مما تسبب في خلافات داخل الإدارة حول أولوياتها، واعتراضات من بعض مسؤوليها على القرار، وفق "سي أن أن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وممن تلقوا رسالة ويليامز، مدير مصنع ضخم في مدينة كانساس سيتي لإنتاج المكونات الميكانيكية للرؤوس النووية. وتعرضت المنشأة التي يفوق حجمها مبنى البنتاغون للاختراق في ثلاث حوادث منفصلة، ولم توجه اتهامات جنائية، غير أن إدارة المصنع وافقت على تسوية تضمنت غرامات مدنية لم يكشف عن قيمتها، فضلاً عن تحسينات في التدريب وتحديثات في بيئة العمل.
وكان من بين متلقي الرسالة توم ماسون، مدير مختبر لوس ألاموس، المكان الذي صممت فيه أولى القنابل الذرية ضمن مشروع مانهاتن، تحت إدارة الفيزيائي روبرت أوبنهايمر، وحيث تصمم الأسلحة حالياً وقد سجلت العام الماضي مخالفة بحق المختبر إثر خرق أمني، على خلفية حوادث متكررة خلال عامي 2023 و2024، شملت إدخال مواد غير مصرح بها إلى مناطق حساسة، من بينها هواتف محمولة وسماعات أذن مزودة بميكروفونات وآلات لتحضير القهوة مجهزة بتقنية الـ"بلوتوث" للتشغيل عن بعد.
وتناولت رسالة ويليامز ضمنياً طيفاً واسعاً من الانتهاكات المتباينة في درجة خطورتها، إذ قال إن ممارسات بعض الموظفين "قوضت ثقة القيادة الوطنية بقدرتنا على حماية المعلومات السرية والمعلومات الحساسة غير المصنفة سرياً"، وأشار إلى أن أي مساس بتلك المعلومات "يمثل تهديداً مباشراً لمصالحنا الاستراتيجية ولأفرادنا وللشعب الأميركي الذي أقسمنا على حمايته"، وأضاف أنه يتوقع من كل متلقٍّ للمذكرة أن يوزع هذه الرسالة داخل مؤسسته، مستشعراً الجدية التي تستحقها.
الخوف من الخروقات أزلي
وانكشاف الأسرار هاجس أزلي يلازم المنظومة النووية الأميركية التي كانت هدفاً دائماً لشبكات التجسس الأجنبية منذ تأسيسها. فتاريخياً، اكتشف السوفيات مشروع مانهاتن الأميركي لبناء القنبلة الذرية حتى قبل أن يعرف عنه مكتب التحقيقات الفيدرالي، وبعد أقل من أربعة أعوام على الهجوم الأميركي الذري على اليابان في 1945، فوجئ الأميركيون باختبار الاتحاد السوفياتي لقنبلته عام 1949 في وقت أبكر مما كان متوقعاً.
والتوجهات الأيديولوجية كانت دافعاً رئيساً للأميركيين والبريطانيين الذين تطوعوا للتجسس لمصلحة الاتحاد السوفياتي، ويقول مؤلف كتاب "جواسيس الحرب الباردة المبكرة" المؤرخ جون إيرل هاينس إن تجنيد هؤلاء المتطوعين كان سهلاً لوفرتهم، موضحاً أن بعضهم كان متأثراً بالمعتقدات الشيوعية بينما تحرك بعضهم الآخر لتحقيق التكافؤ النووي، إيماناً بأن تجنب الحرب النووية يلزم ضمان عدم احتكارها من دولة واحدة.
ويعرف المشروع الأميركي لفك الشيفرة الروسية التي استخدمتها موسكو في تبادل البرقيات الجاسوسية باسم "مشروع فينونا" وبدأ عام 1946 ورفعت السرية عنه عام 1995، وكان محورياً في الكشف عن عدد من الجواسيس ومحاكمتهم، وصولاً إلى إعدام وسجن أكثر من 10 أشخاص سربوا أسراراً نووية للاتحاد السوفياتي.
ولا يزال هاجس التجسس حاضراً، بل تعاظم بعد انتشار التقنيات الحديثة المعرضة للاختراق أو للاستخدام الخاطئ مثلما حصل عام 2021، عندما تسربت معلومات سرية عن الأسلحة النووية من خلال مواقع تعليمية، بعدما لجأ جنود أميركيون في قواعد أميركية بأوروبا إلى تطبيقات تساعد في تذكّر المصطلحات والمفاهيم. وأدى الخرق الخطر للبروتوكولات الأمنية إلى انكشاف بعض الرموز والمصطلحات ووضع خزائن الأسلحة النووية.
وعلى رغم أن الحكومات الأوروبية ترفض عادة تأكيد أو نفي المواقع الدقيقة لتخزين الأسلحة النووية الأميركية داخل أراضيها، فإن وثائق مسربة وصوراً وتصريحات لمسؤولين متقاعدين كثيراً ما تؤكد وجود هذه الأسلحة، غير أن تلك التسريبات كشفت عن العدد الدقيق للأسلحة ومواقعها داخل القواعد العسكرية في أوروبا، بل حددت ما إذا كانت خزائن الأسلحة "ساخنة"، أي جاهزة للإطلاق، أو "باردة".