ملخص
على رغم من الخلافات الأيديولوجية، فإن ترمب وممداني ظهرا كما لو أنهما متفقان على كل شيء ومن المرجح أن التقارب جاء نتيجة اهتمامهما المشترك بمواجهة مشكلة ارتفاع كلفة المعيشة التي جعلها الرئيس الجمهوري من أولوياته.
كانت التوقعات بنزال ملاكمة، إلا أن لقاء الرئيس دونالد ترمب بعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني بدا أشبه بموعد غرامي، إذ ظهر الرجلان اللذان تبادلا الهجمات في الماضي كما لو أنهما صديقان قديمان، وعندما سألت الصحافة ترمب عما إذا كان يتفق مع وصف حلفائه لممداني بأنه "جهادي"، دافع الرئيس عن العمدة المنتخب، وقال إنه يراه "شخصاً عقلانياً، يريد الأفضل لمدينته".
وعلى رغم من الخلافات الأيديولوجية وتهديد ترمب باعتقاله، فإن ترمب وممداني اللذين عاشا في حي كوينز، ظهرا كما لو أنهما متفقان على كل شيء، بعد أشهر من مساعي ترمب لإفشال حملة ممداني من دون جدوى، وتهديده حتى وقت قريب بوقف التمويل الفيدرالي لنيويورك في حال فوزه.
أسرار الافتتان الغريب
عندما سُئل ممداني عما إذا كان ما زال يعتقد بأن ترمب "فاشي"، قاطعه الرئيس، قائلاً "لا بأس، يمكنك أن تقول نعم"، ولمس ذراعه بلطف مبتسماً، وأضاف "هذا أسهل من الشرح". لكن ما يصعب تفسيره هو هذا التقارب الغريب بين الاثنين، خصوصاً من جانب ترمب، مما أثار تكهنات كثيرة.
بعضهم أشار إلى شخصية ممداني الكاريزماتية، وقدرته على الإقناع التي تجلت بفوزه الكاسح في الانتخابات بعدما بدأ حملته بنسبة تأييد لا تتجاوز الخمسة في المئة. ومن الواضح أن ترمب اقتنع بطرح ممداني لدرجة أنه أعلن استعداده وارتياحه للعيش في نيويورك تحت إدارة العمدة المقبل.
ويقول خبير استطلاعات الرأي جون ماكلولين إن اجتماع ترمب وممداني كان أشبه بحلقة من برنامج الرئيس السابق "متدرب المشاهير" وهو "لقاء بين الاشتراكي الأشهر في أميركا والرأسمالي الأشهر في أميركا".
ومن المرجح أن التقارب بين الرجلين جاء نتيجة اهتمامهما المشترك بمواجهة مشكلة ارتفاع كلفة المعيشة التي جعلها الرئيس الجمهوري من أولوياته، فضلاً عن التضخم الذي أرهق الأميركيين، فمثل ترمب، يسعى ممداني إلى خفض كلفة المعيشة واقترح سياسات لتجميد قيمة الإيجارات السكنية، وجعل الباصات مجانية، إضافة إلى زيادة ضريبة الشركات من 7.5 في المئة إلى 11.5 في المئة.
وهناك نقاط مشتركة بين ترمب وممداني، فكلاهما خاض غمار السياسة من خارج النخبة السياسية المهيمنة، إذ إن الرئيس الجمهوري واجه مقاومة من الجمهوريين، والعمدة الاشتراكي الديمقراطي واجه ممانعة من الديمقراطيين، بل جمعت لجان العمل السياسي المناهضة له أكثر من 40 مليون دولار لإلحاق الهزيمة به، لكنهما استطاعا إثبات نفسيهما، وقلب الطاولة.
وعلى غرار ترمب الذي استخدم أساليب مباشرة وغير تقليدية آنذاك للوصول إلى الناخبين عبر استغلال حسابه في "منصة إكس"، استطاع ممداني توظيف مواقع التواصل الاجتماعي بذكاء لإيصال رسالته، وتمكّن من الفوز بنسبة 50.4 في المئة من أصوات الناخبين كأصغر عمدة منذ قرن، وأول عمدة مسلم.
ويقول الكاتب في صحيفة "ذا غارديان" ديفيد شيلينغ إن هناك نظريات عدة لتفسير المودة بين الرجلين، من بينها أن ترمب يمقت الخسارة ولا يحب الخاسرين، وممداني وفقاً لمعاييره رجل ناجح، إضافة إلى أن ترمب يحب الإعلام ولفت الأنظار، ولأنه يدرك أن نيويورك هي مركز اقتصاد الانتباه، فقد أولى اجتماعه مع ممداني أهمية ملحوظة. ويطرح الكاتب سبباً ثالثاً وهو أن ممداني لا يشكل تهديداً فعلياً لترمب، فهو أصغر حتى من ابنته إيفانكا بـ10 سنوات ولا تربطهما خصومة حقيقية، مضيفاً أن مسيرة ترمب السياسية تشكّلت بالنكايات ضده مثل السخرية منه خلال عشاء مراسلي البيت الأبيض، وبخصومات مع أشخاص مثل جو بايدن وتشاك شومر وهيلاري كلينتون ممن ينتمون إلى الفئة العمرية نفسها، ويتحركون ضمن الدوائر الاجتماعية ذاتها، وربما التقوا ترمب أكثر من مرة قبل وصوله إلى الرئاسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهر ترمب وممداني تقارباً في قضايا الجريمة والهجرة، إذ قال الأخير إنه ناقش مع الرئيس العمليات الفيدرالية لإنفاذ قوانين الهجرة في نيويورك، ونقل إليه مخاوف السكان حيال طريقة تنفيذها، أما ترمب فقال إنهما ركزا أكثر على الجريمة، وأضاف أنه "لا يريد رؤية الجريمة، ولا أنا أريد ذلك".
من الخاسر من اللقاء؟
يبقى استمرار الوئام بين الرجلين غير مضمون، نظراً إلى الاختلافات الكبيرة بينهما، لكن بلا شك خرج ممداني بمكاسب كبيرة من اللقاء، لعل أبرزها تأجيل أية إجراءات قد يباشرها ترمب ضد نيويورك، خصوصاً أنه هدد قبل أسابيع بحجب 10 مليارات دولارات من التمويل الفيدرالي للمدينة.
وحصل ممداني على فرصة ذهبية للظهور أمام أنصار ترمب كسياسي عقلاني، وأمام الديمقراطيين باعتباره سياسياً يمتلك مهارات الإقناع والتفاوض، بعدما كانوا إلى وقت قريب متشككين في شأنه. وأصبح كثير من الديمقراطيين يرون في ممداني أملاً لإحياء قوة حزبهم المتراجعة أمام المد "الترمبي". ويتكهن بعضهم بأن ممداني المولود في أوغنداً لو كان مؤهلاً للترشح للرئاسة، لما أزجى له ترمب عبارات الثناء في العلن.
ويبرز الحزب الجمهوري باعتباره الخاسر الحقيقي، فالعقلانية التي أضفاها ترمب على ممداني ستقوّض مساعيهم لاستغلال أجندة السياسي الشاب في هجماتهم ضد الحزب الديمقراطي خلال الانتخابات النصفية المقبلة. وقال أحد مقدمي "فوكس نيوز" واصفاً ثناء ترمب للعمدة المنتخب، "أظن أن نائب الرئيس جي دي فانس يشعر بالغيرة".
ووفق موقع "أكسيوس"، كان الجمهوريون يأملون في تصوير ممداني على أنه مناهض للشرطة ومعادٍ للرأسمالية وإسرائيل، بهدف تعزيز فرصهم في الفوز بالانتخابات النصفية، خصوصاً بعد خسارتهم انتخابات نيويورك وولايتي فرجينيا ونيو جيرسي، ولهذا السبب لم يكن كثرٌ من الجمهوريين سعداء باللقاء.
ومن المحتمل أن تقوّض إشادة ترمب بممداني، مساعي النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك للترشح لمنصب حاكمة نيويورك التي ركزت خلال هجماتها على الحاكمة الحالية على تصويرها بأنها اشتراكية مثل ممداني.
أخطار كبيرة
يدرك ممداني صعوبة التنبؤ بأفعال ترمب، والأخطار والمواجهات المحتملة معه عندما يتولى منصبه في يناير (كانون الثاني) عام 2026، ومن بينها إمكان أن يرسل ترمب قوات الحرس الوطني إلى نيويورك بذريعة مكافحة الجريمة. وإدراكاً لهذه المخاوف، أجرى ممداني محادثات مع حكام ديمقراطيين حول كيفية التعامل مع الرئيس بعدما هدد بوقف التمويل الفيدرالي عن نيويورك، إذا نفّذ ممداني سياسات لا تعجبه.
وقال العمدة المنتخب، "لديّ كثير من الخلافات مع الرئيس، وأؤمن بأن علينا أن نكون صارمين، وأن نسعى في كل السبل وكل الاجتماعات التي قد تجعل مدينتنا ميسورة الكلفة لكل سكان نيويورك بلا استثناء"، مضيفاً "أنوي أن أوضح للرئيس ترمب أنني سأعمل معه في أية أجندة تخدم مصلحة سكان نيويورك. أما إذا كانت الأجندة تضرّ بسكان نيويورك، فسأكون أيضاً أول من يعترض".
من جانبه أقر الرئيس ترمب بأن آراء ممداني "غامضة بعض الشيء"، وقال إنه "قد يفاجئ بعض المحافظين".