ملخص
تحدث وهو يغالب دموعه عن عمته التي توقفت عن ركوب مترو الأنفاق بعد أحداث الـ11 من سبتمبر لأنها لم تعد تشعر بالأمان وهي ترتدي الحجاب. وجه حديثه إلى المسلمين الأميركيين الذين يعملون بالتدريس أو في شرطة نيويورك ووصفهم بأنهم يضحون يومياً من أجل مدينتهم، فقط ليروا قادتهم يبصقون في وجوههم.
هل استخدم ممداني عقيدته في الحملة الانتخابية؟ نعم. لكن منافسيه و"أعداءه" ومعارضيه استخدموا العقيدة أيضاً أداة لمحاربته. في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ضحك حاكم نيويورك السابق والمرشح "المستقل" الخاسر أمام ممداني أندرو كومو حين قال مقدم البرامج الإذاعي سيد روزنبرغ بأنه لو وقع حادثة إرهابي آخر مثل 11 سبتمبر، فإن ممداني سيشجعه ويحتفل به.
في كل مرة يفوز مسلم بمنصب سياسي رفيع في الغرب، أو تحظى مسلمة محجبة بمقعد في برلمان دولة غربية، أو يصعد مسلم سلم المجد الاقتصادي أو العلمي والتجاري خارج حدود الدول الإسلامية، أو يبزغ نجم مسلمة في عالم البزنس أو الفن أو الإعلام في العالم "غير المسلم" يركض العالم الإسلامي فرحاً طرباً بهذا الانتصار أو ذاك الإنجاز.
"أول مسلمة محجبة في البرلمان الأسترالي" و"أول مسلمة ترأس وزارة الداخلية البريطانية" و"أول محجبة في البرلمان السويدي" و"أول مسلم يتولى منصب عمدة لندن" و"أول وزيرة عدل فرنسية مسلمة" و"أول مسلم يتولى رئاسة تحرير مجلة هارفرد القانونية"، و"أول عمدة مسلم لنيويورك".
كل ما سبق في كفة، و"أول مسلم يفوز بمنصب عمدة نيويورك" في كفة أخرى.
أول مسلم
صعود أول مسلم هنا، أو تفوق أول مسلمة هناك ظل على مدار أعوام ساحة انتصار لكثر في دول عربية وإسلامية، ومسألة تراوح ما بين عدم الاكتراث لأن الخبرة والأداء هما الحاكمان من جهة، أو التخوف من صعود إسلامي في مواجهة الحضارة أو الثقافة أو المجتمعات الغربية من جهة أخرى. وعلى مدار عقود، ظل هذا الدق على أوتار ديانة الصاعد في الغرب تحتفظ بترتيب عالمي منخفض على سلم أولويات السياسات وترتيب اهتمامات الناخبين في المجتمعات الغربية، إذ الدفع بمرشح أو الإطاحة به كانا محكومين إلى حد كبير بالأداء.
هذه المرة، صعود "المسلم" زهران ممداني لمنصب عمدة نيويورك مذاقه مختلف تماماً. المذاق تطغى عليه خانة الديانة، وتتحكم فيه التوجهات السائدة في دوائر الحكم، ويطغى عليها ما لا يمكن رؤيته بالعين المجردة بين الرأي العام، وجماعات الضغط، والقوى السياسية والعمرية والاجتماعية الصاعد نجمها في غفلة من الأحداث السياسية والاقتصادية الدامية المهيمنة على الكوكب.
تحدي الحروب
في تحد صارخ لحروب تعصف بمناطق عدة من غزة إلى السودان ومنه إلى أوكرانيا، وعلى رغم أنف تهديدات مفاجئة صوبها الرئيس دونالد ترمب صوب نيجيريا لـ"إنقاذ" مسيحييها، وبينما سائر الولايات المتحدة تتجرع مرارة الإغلاق الحكومي الأطول في تاريخ أميركا كاسراً حاجز الـ36 يوماً، توجهت أنظار العالم أجمع صوب الانتصار التاريخي دون مبالغة لأول وأصغر عمدة مسلم لمدينة نيويورك، ذات التركيبة السكانية بالغة التعقيد.
نصف سكان المدينة تقريباً مسيحيون ينتمون لطوائف متعددة، لكنها أيضاً المدينة التي يعيش فيها نحو 23 في المئة من مسلمي أميركا. وهي أيضاً المدينة المعروفة بسكانها من اليهود، والذين يمثلون نحو 12 في المئة من يهود أميركا، العدد الأكبر لتجمع اليهود في العالم خارج إسرائيل.
حين تفرز هذه التركيبة العقائدية المركبة، في ظل الأوضاع المربكة سياسياً ودينياً في العالم، وبينما البيت الأبيض يهيمن عليه خطاب ذو نزعة دينية مسيحية، وخلال وقت يشهد فيه الصراع العربي - الإسرائيلي تحولاً جذرياً تطغى عليه نكهة دينية، عمدة "مسلم" اتخذ من انتمائه الديني عنصراً فعالاً في حملته الانتخابية، وعاملاً محدداً لخطابه التسويقي، فهذا يعني أن صعود "مسلم" هذه المرة لمنصب هو ثاني أخطر وأصعب منصب سياسي في أميركا يعني كثيراً، وسيؤدي إلى كثير أيضاً.
تركيبة "الموبقات"
عمدة نيويورك المسلم الأول والأصغر سناً (24 سنة) لم يطرح نفسه في الانتخابات كمسلم متلزم، أو مسلم شيعي، أو مسلم سني، أو مسلم حداثي، طرح نفسه كمسلم اشتراكي ديمقراطي من أصول آسيوية ونشأة أفريقية، وعائلة من المهاجرين.
ممداني بهذه التركيبة يحمل كل "الموبقات" التي لا يناصبها الرئيس ترمب المودة أو التقارب أو التلاطف، باستثناءات سياسية تتعلق بمصالح أو توازنات. والجميع يذكر القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس ترمب خلال فترته الرئاسية الأولى، وتحديداً عام 2017، والذي نص على منع إصدار تأشيرات لمواطني سبع دول إسلامية، واصفاً القرار بـ"منع دخول إرهابيي الإسلام المتطرف"، وهو ما عده حقوقيون غربيون في ذلك الوقت تمييزاً ضد المسلمين.
ونص القرار المعنون بـ"حماية الأمة من دخول إرهابيين أجانب إلى الولايات المتحدة الأميركية"، على تعليق برنامج دخول اللاجئين بالكامل أربعة أشهر في الأقل، حتى يتخذ إجراءات تدقيق جديدة أكثر صرامة، إضافة إلى منع اللاجئين السوريين تحديداً من دخول أميركا إلى أجل غير مسمى، أو إلى أن يقرر هو أنهم لم يعودوا يشكلون أي خطر، مستثنياً بذلك "الأقليات الدينية"، أي المسيحيين السوريين.
حملة الرئيس ضد ممداني
وعلى رغم أن الرئيس ترمب لم يمعن في اتخاذ قرارات قد توصف أو تُصنف باعتبارها معادية للإسلام أو متشككة في المسلمين بصورة مباشرة خلال فترته الرئاسية الحالية، باستثناء اهتمامه الأخير والمفاجئ بمسيحيي نيجيريا، متحدثاً غير مرة عن احتمال تدخل عسكري أميركي للرد على "عمليات قتل تستهدف المسيحيين" هناك، إلا أن حملة الرئيس الأميركي ضد ممداني منذ سطوع نجمه تقول كثيراً.
بدءاً بتهديد ترمب خلال يوليو (تموز) الماضي باعتقال ممداني إذا لم يسمح لمسؤولي الهجرة الفيدراليين باعتقال المهاجرين غير الشرعيين في المدينة، ووصفه له بـ"الشيوعي" و"الفظيع" و"سيئ السمعة" و"مجنون تماماً"، مروراً بالتهديد بحجب التمويل الفيدرالي عن المدينة حال فوزه بالمنصب، وانتهاء بتأكيد الرئيس على أن ممداني "سيواجه مشكلات مع واشنطن لم يشهدها أي عمدة في تاريخ مدينتنا العظيمة سابقاً"، وتهيمن على الحلبة معارك ذات نكهة عقائدية، جنباً إلى جنب مع التوجهات الأيديولوجية المتصارعة، والسياسية المتناقضة، والحزبية المتنافسة.
غزوة المعتقد
بمعنى آخر، التحول الكبير الذي ستشهده مدينة نيويورك بهذا الفوز، لا يخلو من مكون عقائدي سيكشف عن نفسه خلال الأيام القليلة المقبلة.
ممداني، من جهته، لم يفعل كآخرين ممن سبقوه في منظومة "أول مسلم" و"أول محجبة"، ومعظمهم لم يدق على أوتار المعتقد عامدين متعمدين الحفاظ على مبدأ May the best man or woman win فليفز أفضل رجل أو امرأة، بناءً على الخبرة والاحترافية والذكاء والقدرة على القيام بمهام المنصب. ممداني دق على كل ما سبق، لكن خلال الوقت نفسه، شن "غزوة المعتقد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
قول واحد، استخدم أو لجأ أو آمن ممداني بخطاب الدين في حملته الانتخابية على مدار الأشهر الماضية، مقدماً إياه باعتباره قوة سياسية للتعبير عن هويته. ليس هذا فحسب، بل تعهد أمام جموع الناخبين من المسيحيين واليهود والمسلمين والهندوس والسيخ والبهائيين والملحدين واللادينيين والربوبيين وغيرهم، إنه متمسك بهويته الإسلامية في حملته، وفي مواجهة الحملات التي وصفها كثر بـ"العنصرية" أو المعادية للإسلام والمسلمين، والتي زادت بصورة لافتة ومعدلات كبيرة منذ أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول)، ولم تخفت كثيراً على رغم مرور نحو ربع قرن عليها.
فوز ممداني، في ظل التركيبة الدينية والعرقية الفريدة لنيويورك، وعلى رغم أنها المدينة التي تجرعت الجانب الأكبر من ويلات أحداث الـ11 من ستبمبر 2001، يضيف بعداً أسطورياً في هذا الفوز، سواء نجم عن الأسطورة أعمال عظيمة أو نتائج كارثية.
استخدم ممداني عقيدته في الحملة الانتخابية؟ نعم. لكن منافسيه و"أعداءه" ومعارضيه استخدموا العقيدة أيضاً أداة لمحاربته. في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ضحك حاكم نيويورك السابق والمرشح "المستقل" الخاسر أمام ممداني أندرو كومو حين قال مقدم البرامج الإذاعي سيد روزنبرغ بأنه لو وقع حادثة إرهابي آخر مثل 11 سبتمبر، فإن ممداني سيشجعه ويحتفل به.
استخدم ممداني التعليق ورد فعل منافسه، وخرج على مؤيديه في اليوم التالي، وقال إن موافقة كومو على ما قاله المذيع "المحافظ"، والذي كان وصف ممداني من قبل بـ"الإرهابي" أمر فظيع. وتطرق إلى ما قاله أيضاً إريك آدامز (المنتهية مدته كعمدة نيويورك) عنه "لا يمكننا أن ندع مدينتنا تصبح أوروبا"، مشبهاً ممداني بالمتطرفين العنيفين. وسرد ممداني أمام ناخبيه ما قاله عنه منافسوه ومعارضوه من أنه ومؤيديه سيحرقون الكنائس ويدمرون المجتمعات. وكان كورتيس سليوا (المرشح الجمهوري الخاسر) زعم أيضاً أن ممداني يؤيد الجهاد العالمي.
وأسهب يومها ممداني في الحديث عما يتعرض له من أقاويل واتهامات تصفه بـ"الإرهابي" أو "الجهادي" أو تسخر من مكونات طعامه (الحلال)، والتلويح بأنه سيفرض الطعام الحلال في نيويورك، ناهيك برسوم كاريكاتيرية تصوره وكأنه طائرة تتجه صوب مركز التجارة العالمي لتنفجر كما حدث خلال سبتمبر 2001.
عمته والدموع
قلب ممداني طاولة حرب المعتقد، وجعلها عنصر قوة في غزوته الدينية. قال إنه يريد أن يستغل المناسبة ليتحدث، وهو يغالب الدموع، عن عمته التي توقفت عن ركوب مترو الأنفاق بعد أحداث 11 سبتمبر، لأنها لم تعد تشعر بالأمان وهي ترتدي الحجاب. ووجه حديثه إلى المسلمين الأميركيين الذي يعملون بالتدريس أو في شرطة نيويورك، والذين وصفهم بأنهم يضحون يومياً من أجل مدينتهم، فقط ليروا قادتهم يبصقون في وجوههم. وتحدث عن كل طفل (مسلم أو غير أبيض) يكبر في المدينة، ويصنف على أنه الآخر، وعن الذين يُختارون عشوائياً (للتوقيف أو التفتيش)، بطريقة لا تبدو عشوائية أبداً، و"عن الذين يحملون وصمة عار لا تمحى أبداً". وتحدث عن الرسائل التي يتلقاها وتدور حول "المسلم الصالح هو المسلم الميت".
هجوم من الجميع
ممداني "المسلم" تعرض لموجات عارمة من النقد والهجوم والاتهامات من كل التيارات، من جمهوريين وكذلك ديمقراطيين، من مسيحيين ويهود وتابعين لديانات وعقائد أخرى، من أصحاب أعمال وأثرياء، وبالطبع من جماعات ومجموعات تنتمي أو تدعم إسرائيل وذلك بسبب سيرته الذاتية التي تحوي مناصرة القضية الفلسطينية، إضافة إلى إعلانه معارضته للصهيونية.
في بداية حملته الانتخابية، شكل الدين جزءاً من خطابه أحياناً. ويبدو أن تصاعد "الإسلاموفوبيا" أو تعرضه للاتهامات أو السخرية بناءً على المعتقد في المقام الأول، ثم العرق في المقام الثاني، دفعه ليداويها بالتي كانت هي الداء.
جزء من الداء موقفه من القضية الفلسطينية. فهو المدافع عن الحق الفلسطيني منذ صغره. في الجامعة، شارك في تأسيس فرع "طلاب من أجل العدالة الفلسطينية"، وعرف على مدار أعوام دراسته وبعد تخرجه بانتقاده الصريح لإسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين، وليس للوجود الإسرائيلي في المطلق. وخلال عام 2023، قدم مشروع قانون لوقف الإعفاء الضريبي المعطى للجمعيات الخيرية المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في نيويورك، لكن المشروع أجهض.
إسرائيل وفلسطين
وطيلة الحملة الانتخابية، وقبلها، أعرب غير مرة عن دعمه لحملات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وتلك التي تدعم إسرائيل، بل طالب بفرض عقوبات عليها، وصعد من نبرة معارضته، وطالب باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وإن نأى بنفسه عن تهمة معاداة السامية، مشيراً إلى أنه لو فاز في الانتخابات، فسيعمل على زيادة التمويل المخصص لمواجهة جرائم الكراهية.
ممداني لم يذكر الدين في مواقفه تجاه القضية الفلسطينية وإسرائيل وحرب القطاع، لكن الدين فرض نفسه. تحول القضية برمتها خلال الأعوام الأخيرة، وبصورة متصاعدة وصل أوجه في حرب غزة، إلى قضية دينية وصراع بين المسلمين من جهة، واليهود وطوائف داعمة لهم من جهة أخرى، ألقى بظلاله على هذا الدعم المعلن من المرشح "المسلم"، وكذلك على لهجة معارضيه.
ممداني وخجل الإيمان
ضمن مقالة للكاتبة لورن جاكسون في صحيفة "نيويورك تايمز"، كتبت تحت عنوان "لماذا لا يخجل ممداني من الإيمان؟" (نوفمبر/تشرين الثاني 2025) كتبت أن سباق الترشح والفوز بمنصب عمدة نيويورك جسد العلاقة المتوترة بين الحزب الديمقراطي والإيمان، فبينما يلجأ عدد من السياسيين الجمهوريين بانتظام إلى الله في حملاتهم الانتخابية، ويربطون مواقفهم السياسية بالنصوص الدينية من الإنجيل، ظل معظم المرشحين الديمقراطيين لعقود أقل صراحة في الحديث عن الدين. وواجه كثر صعوبة في جذب المتدينين مباشرة، وهو ربما مما أدى إلى ابتعاد بعض الناخبين المتدينين من الطبقة العاملة عن الحزب.
وترى جاكسون أن ممداني استخدم لغة الإيمان لحشد الناخبين. فقد دعا سكان نيويورك إلى وضع ثقتهم فيه وفي مؤسسات المدينة، وهو ما وصفته بـ"صفحة من كتاب قواعد اللعبة الجمهورية، لكن بعد إزالة الرموز والمصطلحات ذات الطابع المسيحي"، مشيرة إلى قوله في خطاب فوزه بالانتخابات التمهيدية "لقد منحنا مدينتنا الإذن بالإيمان مجدداً".
نيويورك ذات المكون اليهودي الكبير في سكانها، وإن كان مكوناً متعدد الانتماءات السياسية والأيديولوجية، صوتت لممداني، بمن في ذلك نسبة معتبرة من اليهود، وهو ما مثل صدمة أو مفاجأة دينية كبرى.
"الأغبياء" يصوتون
ممداني خفف كثيراً من قوة وحدة تأييده المطلق لفلسطين، وإن لم يغير موقفه الداعم للفلسطينيين، لكنه تحدث بصورة أكبر عن حق إسرائيل أيضاً، مع استمراره في معارضة حرب القطاع وقرارات وسياسات حكومة نتنياهو، ربما لطمأنة الناخبين اليهود. وعلى رغم أن منافسه كومو حصل على 63 في المئة من أصوات اليهود، فإن حصوله على نسبة 33 في المئة من الأصوات اليهودية يعد مفاجأة "دينية" كبيرة، لدرجة أن ترمب وصف اليهود الذين صوتوا له بـ"الأغبياء".
يندر أن تتفاعل إسرائيل، ويغرد ساسة إسرائيليون على صفحاتهم بالسوشيال ميديا للتعليق على نتائج انتخابات بلدية في دول أخرى. وهذه المرة، الوضع مختلف. الفائز مسلم، معارض لسياسات إسرائيل، والمدينة نيويورك.
غضب إسرائيلي و"يوم أسود"
ردود فعل إسرائيلية يمينية طغت عليها نبرات غضب عنيفة ملأت الأثير، ووصل بعضها إلى درجة المطالبة بتهجير أبناء الجالية اليهودية في نيويورك إلى إسرائيل.
وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير اليميني المتطرف، أصدر بياناً وصف فيه فوز ممداني بـ"العار الذي سيخلد في الذاكرة". ووصف ممداني بـ"المؤيد لـ’حماس‘ والمعادي للسامية، وعدو إسرائيل".
وذكرت شبكة "سي أن أن" أن السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة وأميركا جلعاد إردان عبر عن أسفه عبر تغريدة على "إكس" أن "كارهاً لإسرائيل، ينظر إلينا كدولة إبادة جماعية تمارس الفصل العنصري، يقود الآن أهم مدينة في العالم، موطناً لأكبر عدد من السكان اليهود خارج إسرائيل"، واصفاً اليوم بـ"الأسود" لمن يدركون "الأهمية البالغة للتحالف مع الولايات المتحدة".
وسواء جاء فوز ممداني كإشارة غاضبة جراء الهيمنة اليمينية، أو رفضاً لسياسات الرئيس ترمب، أو صحوة للحزب الديمقراطي، يفتح هذا الفوز أبواباً عدة يغلب على كثير منها نبرات (وربما نعرات) ذات طابع ديني.
الغضب والخوف والقلق في إسرائيل، يقابلها فرحة ونشوة وشعور بالانتصار بين كثر من المسلمين، وعلى رغم ذلك فإن فوز ممداني ليس فوزاً دينياً بالمعنى المعروف، لكنه فوز لاستخدام الدين، أو إدماجه، أو عدم الخجل، أو الحساسية تجاهه ضمن الترويج والتسويق وجذب الناخبين.
الأوتار الدينية
لم يترك ممداني في حملته التي أدت إلى فوزه وتراً دينياً يتعلق بالإسلام، إلا ودق عليه، باستثناء الانتماء الطائفي. يرى بعض أن هذا الدق الذي أفضى إلى فوز يرسخ لقاعدة جديدة لدى الحزب الديمقراطي، ألا وهي اللجوء للدين في السياسة. آخرون يعدون أن هذا الدق الديني غير المعتاد جاء استجابة للأجواء السياسية في أميركا وتصاعد استخدام الدين في الخطاب الرسمي منذ وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض. وفي السياق نفسه، فإن تحول الصراع العربي - الإسرائيلي من قضية احتلال إلى صراع بين المسلمين واليهود ألقت بظلالها أيضاً على الأجواء الانتخابية.
يظل عمدة نيويورك الجديد مسلماً، وخلال الوقت نفسه يسارياً في أقصى درجات اليسار. ويظل محكوماً بقواعد السياسة وقيود الاقتصاد ورقابة الناخبين المنتمين لكل الأديان، ومن دون.