Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الاغتيالات سلاح إسرائيل لهندسة غزة ما بعد الحرب

ترتيبات أمنية صارمة لترسيخ هيمنة دائمة على القطاع قبل انطلاق المرحلة الثانية من "خطة ترمب"

في خطة ترمب للسلام لا يوجد ما يسمح لإسرائيل بتنفيذ أي عملية عسكرية أو اغتيال بعد اتفاق وقف النار (أ ف ب)

ملخص

على رغم وقف إطلاق النار فإن الاغتيالات تتصاعد في غزة، فكيف تهندس إسرائيل القطاع للمرحلة الثانية من خطة ترمب للسلام والازدهار؟

في يوم واحد نفذت إسرائيل سلسلة اغتيالات في حق قيادات حمساوية، إذ قتلت خمسة من كبار الحركة، وهذه ليست المرة الأولى التي تترصد فيها تل أبيب عناصر رفيعة في الفصائل الفلسطينية، إذ منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ باتت الاغتيالات نهجاً معتمداً لدى الجيش الإسرائيلي.

بحسب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فإن قوات الجيش قتلت عدداً من قادة "حماس" رداً على هجوم نفذته الحركة ضد جنودها الذين يحتلون مناطق في غزة، وقال "خرقت (حماس) اتفاق وقف إطلاق النار عبر إرسال عناصرها لمهاجمة جنود الجيش، ورداً على ذلك قضينا على خمس قيادات كبار فيها".

في خطة ترمب

بالفعل أكدت "حماس" مقتل قائد الإمداد والتسليح علاء الحديدي بغارة إسرائيلية، ولكنها نفت خرق وقف إطلاق النار بالمطلق، وأصرت على التزامها الكامل تنفيذ بنود خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار في غزة، ولكنها اعتبرت الاغتيالات خرقاً يهدد استمرار وقف إطلاق النار وينذر بعودة الحرب.

في خطة ترمب للسلام لا يوجد ما يسمح لإسرائيل بتنفيذ أي عملية عسكرية أو اغتيال شخصية قيادية بعد اتفاق وقف إطلاق النار، كذلك لا تتضمن خريطة الطريق ما يمنع تل أبيب من تنفيذ ذلك، ولكن الرئيس الأميركي شرع لنتنياهو ذلك إذا كان هذا الفعل هدفه الدفاع عن النفس أو تحييد خطر يهدد أمن الدولة العبرية.

من هذا المنطلق تحاول إسرائيل منذ وقف إطلاق النار في غزة فرض سيطرتها الأمنية على القطاع من خلال عمليات الاغتيال التي كثفت اللجوء إليها في الآونة الأخيرة، ولكن تل أبيب تبرر قتل قيادات الفصائل مستغلة وقوع أحداث أمنية ربما تحدث فعلياً في الميدان.

قواعد جديدة

القناة "12" العبرية أوردت خبراً مفاده أن إسرائيل قررت اتخاذ إجراءات جديدة لتشديد ملاحقة نشطاء "حماس"، واتبعت قاعدة اشتباك جديدة تنص على أنه "حتى لو لم تقع هجمات من غزة فإنه بمجرد الوصول لناشط حمساوي على الجيش القضاء عليه فوراً، وفي حال وقوع حادثة أمنية، ولو لم تسفر عن أي خسائر في صفوف القوات، يحق للجيش أيضاً تنفيذ هجمات ضد كوادر الحركة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بناء على هذه التعليمات كثفت إسرائيل من الاغتيالات في حق قيادات الفصائل الفلسطينية وليس ضد "حماس" وحدها، وهذه المرة تجري عمليات القتل بطرق مختلفة وأساليب متنوعة، وفي المحصلة فإن هدفها تحييد أكبر قدر ممكن من هيكلة المسلحين في غزة.

بتتبع عمليات الاغتيالات الأخيرة في غزة، فإن إسرائيل تستغل وقوع أحداث أمنية لشن هجمات، إلا أنها في حالات أخرى نفذت عمليات قتل في حق قيادات الفصائل بواسطة عناصر مسلحة من قواتها الخاصة، أو متعاونين معها، أو عبر أساليب الذكاء الاصطناعي.

يعد الاغتيال قصفاً من الجو أسلوباً واحداً ضمن أنماط عدة تلجأ إليها إسرائيل لتنفيذ الاغتيالات في غزة، إذ نفذت تل أبيب عملية قتل لقيادي في حركة "الجهاد" بواسطة طائرات مسيرة تعمل بالذكاء الاصطناعي تسللت إلى مكان سكنه وأطلقت قنابل عدة، ثم دخلت طائرة انتحارية إلى المكان وانفجرت.

ومن الأساليب الأخرى دخول قوة إسرائيلية خاصة إلى منطقة في غزة لقتل قيادي في "ألوية الناصر صلاح الدين"، وهذه العملية الثانية التي تدخل فيها قوات خاصة لتنفيذ عمليات منذ بداية وقف إطلاق النار، وكانت الأولى لخطف قيادي حمساوي.

مبررات تقليدية

قبل كل عملية اغتيال يزعم الجيش الإسرائيلي أن قواته تعرضت لإطلاق نار وأنه يرد عليها، وأمس قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن "مسلحاً اجتاز الخط الأصفر على طريق مخصص لأغراض إنسانية، وأطلق النار على قوات الجيش، ورداً على هذا الخرق قامت قواتنا بالقضاء على قيادات (حماس)".

يقول الباحث العسكري رامي الحلو "باتت طريقة العمل الإسرائيلية في غزة واضحة، إذ كلما أرادت تل أبيب تنفيذ اغتيالات تخلق الذرائع لتنفيذ ضرباتها، ولا تكف إسرائيل عن تكرار الأسلوب نفسه بغية إدامة عمليات القتل والاغتيالات، وهذا يكشف تعمق حال اللاسلم في غزة، ويدفع إلى صناعة ترتيبات أمنية للمرحلة الثانية من خطة ترمب"، ويضيف "تعمل تل أبيب على ترتيبات أمنية صارمة جداً ترسخ هيمنتها على أسس مستدامة، من خلال إفقاد أعدائها القدرة على ترميم قدرتهم واستعادة التهديد، وشغلهم دائماً بموقف دفاعي لا هجومي، وهذه التصفيات تأتي على رغم الإعلان عن وقف إطلاق النار في قطاع غزة".

ويقرأ الحلو من بيانات الجيش الإسرائيلي بعد عمليات الاغتيالات أنها تبرر حالات القتال بوجود تهديدات فورية، ولا تعتبر هذه العمليات خرقاً للهدنة بل هي جزء لا يتجزأ من التزام تل أبيب الدفاع عن النفس، لكنه يشير إلى أن واقع تلك الاغتيالات يشكل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ هيمنة أمنية وعسكرية إسرائيلية دائمة في غزة، سواء في المرحلة الحالية من الهدنة أو بمراحل ما بعد الحرب.

ويوضح الحلو أن إسرائيل تغتال قيادات "حماس" تحت غطاء الاستجابة الفورية للتهديدات، كذلك توظف عمليات القتل كأداة لرسم قواعد اشتباك جديدة في المرحلة الانتقالية، وتعزيز ما تسميه الردع الاستباقي والوقائي حتى في سياق تهدئة رسمية معلنة.

هندسة غزة

لا تعد سياسة الاغتيالات شيئاً جديداً، إذ تتبعها إسرائيل منذ عام 1948، ولكن بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهديداته العلنية ضد قادة حركة "حماس" وكوادرها، متوعداً بالوصول إليهم واغتيالهم في كل مكان، وشكل لهذه المهمة وحدة استخباراتية تنفيذية خاصة في جهاز الأمن العام "الشاباك" حملت اسم "نيلي".

يقول الباحث السياسي وسام عفيفة "إن ما تنفذه إسرائيل يعد هندسة لغزة تحت النار، وهذه الاغتيالات تسبق المرحلة الثانية، مما يعني أن عمليات القتل ليست حوادث مشتتة بل جزءاً من هندسة جغرافية أمنية تستهدف تهيئة الأرض قبل الدخول في المرحلة الثانية، وفرض وقائع جديدة تضعف الوسطاء وتعيد تشكيل خريطة السيطرة".

من جانبها قالت "حماس" على لسان عضو المكتب السياسي عزت الرشق، إن "إسرائيل تختلق الذرائع للتهرب من الاتفاق والعودة إلى حرب الإبادة، وهي من ينتهك الاتفاق بصورة منهجية، والحركة ترفض محاولات نتنياهو فرض أمر واقع يتعارض مع ما جرى الاتفاق عليه، لقد أبلغنا واشنطن بغضبنا من استمرار الخروق الإسرائيلية، تلك الأفعال تهدد الاتفاق".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات