Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوريا الجديدة... شمس الديمقراطية لم تشرق بعد

لا يزال الشعب يعاني الانقسام والإقصاء السياسي ومصير مجهول للحياة المدنية

جاء سقوك الأسد كأنه يبث أمل جديد في نفوس السوريين المرهقة حينها (اندبندنت عربية)

ملخص

بعد عام على سقوط نظام الأسد وانطلاق مرحلة انتقالية، تجد سوريا نفسها أمام مشهد سياسي شديد التعقيد وبنية اجتماعية متصدعة، تفاقمت هشاشتها بفعل موجات العنف المركز والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وسط تقدم المسار السياسي ببطء شديد.

تحت السيف الدمشقي الضخم في ساحة الأموين وسط العاصمة السورية تقاطرت مجموعات شابة معظمهم ناشطون وناشطات من المجتمع المدني، وشخصيات فكرية واجتماعية دمشقية، ورويداً شكلت المجموعات الصغيرة جمهوراً يحمل أعلاماً ولافتات، في حدث جاء بعد أسابيع قليلة من سقوط نظام بشار الأسد، كانت الشمس تشق طريقها بين الغيوم المتلبدة في يوم "كانوني" يعيش فيه أهل البلد نشوة الانتصار إبان طي صفحة عهد من ديكتاتورية استمرت لخمسة عقود، وكأنها تبث أمل جديد في نفوس السوريين المرهقة حينها.

ولم يدم الأمر طويلاً حتى انفجرت هذه المجموعات تهتف مطالبة السلطة بـ"العلمانية" و"المدنية"، وقتها أطلق هذا تجمع على نفسه "تجمع الشباب المدني"، ونادوا بمؤتمر وطني لتشكيل لجنة من الكفاءات ودستور ديمقراطي مؤسساتي يضمن حقوق المواطن ويعزز المواطنة، والوصول إلى دولة قانون تحمي حقوق المواطنين كأفراد بناء على المواطنة من دون تفرقة مبنية على الجنس أو العرق والدين والطائفة.

في ذلك الحين وصف هذا التجمع، الذي رفع شعارات الديمقراطية والحياة المدنية، أنه يريد أن يخطف الأنظار، ويقول للجناح "العسكري" الذي سيطر على قصر "قاسيون" بعد معارك ضارية وأسقط نظام الأسد بالقوة باذلاً التضحيات والدم "أنكم لستم وحدكم من يحكم نحن أيضاً أبناء الثورة والبلد"، إذ يتشكل أفراد هذا التجمع من مثقفين وكتاب وناشطين، تحدث وقتها الكاتب والباحث في توثيق التراث الموسيقي أحمد الجادر عن "تعطش الجميع لأية مبادرة مدنية، ندعو إلى التسامح وقلب الصفحة".

من الحوار إلى الدستور

في الـ29 من يناير (كانون الثاني) من العام الحالي حضر في قصر الشعب الرئاسي قادة الفصائل المسلحة، وغلب على الحضور الشخصيات العسكرية، وسمي مؤتمر "النصر" وسط غياب للشخصيات الثورية السياسية، وكان صادماً عدم حضور قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وغرفة العمليات الجنوبية من السويداء، وهنا استشعر السوريون أخطار التفرقة والانقسام، لكن خرج المؤتمر بتنصيب أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية، وإلغاء العمل بالدستور، وحل الجيش والأمن والبرلمان، والأحزاب السياسية ومنها حزب "البعث".

 

 

لم يمض شهر حتى عقد مؤتمر "الحوار الوطني" ونال كثيراً من الانتقادات لافتقاره التنظيم والشفافية من دون اعتماد معايير واضحة لاختيار المشاركين، وعدم تمثيل القوى السياسية والمدنية، مما يعكس تقييد المشاركة المجتمعية، والمعارضون للسلطة الحالية (الانتقالية) ويرون أنه أخفق المؤتمر في بلورة رؤية وطنية جامعة للمرحلة الانتقالية، وفوت فرصة لمناقشة الملفات المصيرية بالانتقال السياسي بصورة فعلية وشفافة بحرام القوى السياسية والحقوقية من إيصال وجهات نظرها ومخاوفها.

في المقابل ألقى الرئيس الشرع كلمة بافتتاح المؤتمر في الـ25 من فبراير (شباط) 2025 أكد فيه ضرورة بناء سوريا على أساس دولة القانون واحترام السلم الأهلي، داعياً السوريين إلى الوحدة، وحذر من المتربصين بالثورة في الداخل والخارج، وعن شكل الحكم قال "ينبغي ألا نستورد أنظمة لا تتلاءم وحال البلد، ولا نحول المجتمعات إلى حقول تجارب لتنفيذ أحلام سياسية".

انتقلت سوريا إلى كتابة دستور جديد بعد توقف العمل بالدستور القديم، وفي الثاني من مارس (آذار) من العام الحالي أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع تشكيل لجنة لصياغة إعلان دستوري مكونة من سبعة قانونيين، استندت على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وسلمت "مسودة الدستور" في الـ12 من مارس 2025، ووقع الرئيس على الإعلام الدستور في اليوم التالي.

 

 

وهنا يرى خبراء وناشطون حقوقيون بأن الدستور أنجز على عجل، وبمعزل عن مشاركة فعلية للسوريين، وأنجز الدستور لجنة لم تراع التنوع القومي والديني، فضلاً عن غياب تمثيل سياسي ومجتمعي، وأعطى الدستور للرئيس صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة، وانتقد حقوقيون كذلك خلو مواده من نصوص صريحة حول الديمقراطية أو السيادة الشعبية.

البرلمان وحرية الاختيار

صدر المرسوم 143 عن الرئيس الشرع وفيه تفاصيل عن النظام الانتخابي الموقت لمجلس الشعب، وفيه يمنح الرئيس سلطة تعيين ثلث الأعضاء، وتعيين اللجنة العليا للانتخابات لتختار بقية الأعضاء.

ويروي الرئيس التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" بسام الأحمد في حديثه لـ"اندبندنت عربية" عن استشعار المجتمع السوري الصدمة، فما يحدث بالداخل السوري، كما يصف ليس بالبنية السياسية التي كان يتوقعها السوريون، فأعضاء البرلمان (مجلس الشعب) ثلثهم يعينون من الرئيس، كما عين بدوره لجنة حتى تعمل على تعيينات للثلث الآخر، وبات المجلس من لون سياسي واحد لا يقوم بواجباته لحماية الناس، في وقت لا تزال الانتهاكات مستمرة في الساحل والسويداء والمحاكم شكلية والتحقيقات مجتزئة، وفق رأيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضيف الأحمد "جميعنا يعلم أنه قد يكون في المرحلة الانتقالية صورة ليست كاملة وتحديات، ولكن نعتقد أننا لسنا على الطريق الصحيح باتجاه دولة مدنية لكل السوريين والسوريات، سوريا تمشي نحو أن تكون لفئة محددة، وتستثني الأكراد والعلويين والسنة المعتدلين والدروز، ويغلب عليها الحكم الأيديولوجي المتشدد، كما لا تمشي نحو العدالة والمواطنة أو الكرامة للجميع، حتى أن الحكومة تتجنب أن تنطق كلمة ديمقراطية".

المسار السياسي

وبكل الأحوال بعد عام على سقوط نظام الأسد وانطلاق مرحلة انتقالية تجد سوريا نفسها أمام مشهد سياسي شديد التعقيد وبنية اجتماعية متصدعة تفاقمت هشاشتها بفعل موجات العنف المركز والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وسط تقدم المسار السياسي ببطء شديد.

وقبل أيام وقعت مجموعة من المنظمات الحقوقية وعددها تسع منظمات على ورقة عمل وأوصت بضرورة إعادة فتح المسار السياسي والمدني عبر الحوار الوطني وإشراك الهيئات المحلية والوطنية بمقاعد ملزمة للنساء والشباب، وكذلك تصميم برامج وطنية للمصالحة المجتمعية تدمج الحوار الأهلي والمبادرات الثقافية والدينية في ترميم النسيج الاجتماعي.

 

 

ووقع على الوثيقة "المركز السوري للعدالة والمساءلة" و"المركز السوري لبحوث السياسات" و"العدالة من أجل الحياة"، وكذلك "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" و"بيل - الأمواج المدنية" و"مركز وصول لحقوق الإنسان"، إضافة إلى حملة "من أجل سوريا" و"حقوقيات" ومنظمة "ملفات قيصر من أجل العدالة"، وطالبوا بضرورة تفعيل أجهزة الرقابة، واستبعاد ممولي اقتصاد الحرب من التعاقدات العامة.

كما طالب الموقعون على الوثيقة بضمان الفصل بين السلطات، والحد من تركيز الصلاحيات بيد الرئيس الانتقالي، وتعزيز التمثيل الشامل للمكونات كافة، فضلاً عن ضرورة تعزيز استقلال القضاء، وضمان عدم تدخل السلطة التنفيذية في عمل المحاكم، وتمثيل النساء بنسبة لا تقل عن 40 في المئة في جميع مؤسسات المرحلة الانتقالية.

ومع كل هذا لم تعد الرؤية واضحة لدى الشارع السوري عن موقع الديمقراطية وحدود حرية التعبير والرأي، وهي المطالب التي اندلعت الثورة السورية من أجل تحقيقها، ولم تأت السلطات الجديدة والحكومة الانتقالية على ذكرها، ومن الملاحظ أنها تتحاشى حتى الخوض في الحديث عنها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير