ملخص
تراجع سعر العملة الخضراء مقابل اليورو بنسبة 10 في المئة يؤدي إلى انخفاض في متوسط أرباح الشركات بنحو 4 في المئة.
يؤثر تراجع سعر الدولار الأميركي سلباً في تنافسية الشركات الفرنسية المصدّرة وعلى إيراداتها المحقّقة في الولايات المتحدة، بينما يُفيد هذا الوضع الجديد القطاعات التي تقتني سلعها بالدولار.
كانت لانخفاض قيمة الدولار مقابل اليورو بنسبة 13 في المئة عواقب متباينة على الشركات الفرنسية، فيبتسم بعضها، بينما يبكي الكثيرون.
وبالنسبة للشركات التي تستورد موادها الخام أو سلعها من الطاقة بالدولار، يُعد ضعف العملة الأميركية، في مجمله، عاملاً إيجابياً.
بالمقابل، تُشكّل قوة العملة الأوروبية الموحدة ضغوطاً على شركات التصدير الفرنسية، التي تعاني مواردها المالية من ضغوط جراء الحرب التجارية.
يُشكّل الارتفاع الحاد في سعر اليورو مقابل الدولار (1 يورو يساوي 1.16 دولار) منذ عودة دونالد ترمب إلى السلطة ضغوطاً على شركات التصدير الفرنسية، التي تعاني من ضائقة مالية بسبب الحرب التجارية، وفي أوائل يوليو (تموز) الماضي، بلغ اليورو أعلى مستوى له مقابل الدولار منذ خريف 2021.
مؤشر بورصة باريس
انخفضت مبيعات أكثر من نصف الشركات الرائدة في مؤشر "كاك 40" متأثرة بمستوى اليورو مقابل الدولار الأميركي، وهو أهم مؤشر في سوق الأسهم في بورصة باريس، ويتكون من 40 من أبرز الشركات المدرجة.
ويُلقي ضعف الدولار مقابل اليورو بثقله على الشركات متعددة الجنسيات المدرجة على مؤشر "كاك 40" ببورصة باريس، وعلّق رئيس استراتيجية الأسهم في بنك "باركليز"، إيمانويل كاو، قائلاً "حتى لو كان التأثير أقل حدة مما كان عليه في الربع الثاني من العام، إلا أنه لا يزال يُعيق الشركات المصدّرة نظراً لاستقرار الدولار".
منذ بداية العام، فقد الدولار أكثر من 11.5 في المئة من قيمته مقابل اليورو.
وتُعدّ الشركات التي تُصنّع منتجاتها في فرنسا أو أوروبا وتبيعها في الولايات المتحدة الأكثر تأثراً بهذا الوضع الجديد، إذ تنخفض إيراداتها وأرباحها عند إعادتها إلى أوروبا وتحويلها إلى اليورو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقدّر عضو لجنة الاستثمار في شركة إدارة الأصول "كارمينياك"، كيفن ثوزيه، ذلك قائلاً "عندما ترتفع قيمة اليورو بنسبة 10 في المئة مقابل العملات الأجنبية، ينخفض نمو المبيعات بنسبة تراوح ما بين 1 و3 في المئة على الأقل".
ويُحذّر المختص في استراتيجية الأسهم الأوروبية، رولان كالويان، من أن "انخفاض قيمة الدولار مقابل اليورو بنسبة 10 في المئة فحسب يؤدي إلى انخفاض متوسط في أرباح الشركات بنحو 4 في المئة".
ومنذ بداية العام، ارتفع سعر اليورو بنحو 13 في المئة مقابل الدولار الأميركي، وهذا يعني أنه من دون أي تغيير في السعر، سيُكلف المنتج الأوروبي المشتري الأميركي زيادة قدرها 13 في المئة، وهذا من دون احتساب الرسوم الجمركية الحالية.
يوضح الأستاذ في معهد الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بباريس، إريك دور، قائلاً "يعني هذا عملياً ارتفاع سعر شراء منتج أوروبي لمشترٍ أميركي بنسبة 13 في المئة".
المنتجات الفرنسية في مأزق
صدّرت فرنسا سلعاً بقيمة 48.6 مليار يورو (56.37 مليار دولار) إلى الولايات المتحدة في عام 2024، ثاني أكبر وجهة لصادرات فرنسا من حيث القيمة بعد ألمانيا، وفقاً لدراسة أجرتها الجمارك الفرنسية، بالتالي فإن نحو 2000 شركة فرنسية، تُمثّل أكثر من نصف إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة، مُعرّضة لهذه السوق بنسبة 10 في المئة أو أكثر من إيراداتها.
ينعكس هذا بالفعل في النتائج المالية للشركات الأوروبية، "لا سيما في القطاعات التي تُركز بشكل كبير على الصادرات، مثل السلع الفاخرة والصناعة والسيارات"، وفقاً لما صرّح به المحلل في شركة SPI AM، ستيفن إينيس.
في فرنسا، تُقدّر شركة "ريمي كوانترو"، وهي شركة رائدة في إنتاج الكونياك، خسائرها الناجمة عن أسعار الصرف غير المواتية بنحو 9 ملايين يورو (10.44 مليون دولار) في الربع الأول من سنتها المالية.
وخفّضت شركة "فاليو" لقطع غيار السيارات هدفها لإيرادات عام 2025، مشيرةً إلى تأثير غير مناسب لسعر الصرف بقيمة 750 مليون يورو (870 مليون دولار).
وأثر انخفاض قيمة الدولار بشدة على حسابات شركة "يوراسيو"، وهي شركة فرنسية للاستثمار وإدارة الأصول مُدرجة في باريس، واضطرت المجموعة إلى تخفيض قيمة مؤسساتها بأكثر من 150 مليون يورو (174 مليون دولار) في النصف الأول من العام. ويقول مدير التحليل والتوقعات الاقتصادية في شركة Xerfi ألكسندر ميرليكورتوا، "تشهد منطقة اليورو بأكملها الضغوط ذاتها. يتباطأ النشاط الاقتصادي في أوروبا، سوقنا الرئيسي، وتزداد المنافسة بين الشركات في القارة في السوق المحلية لبيع منتجات غير مُباعة عبر الأطلسي. يؤثر هذا الضغط بطبيعة الحال في هوامش الربح، وبخاصة في فرنسا، ومشكلات في تنافسية التكلفة.
وأصبحت المنتجات الفرنسية حساسة لتقلبات أسعار العملات، ونتيجة لذلك، عندما يرتفع سعر اليورو مقابل الدولار، تضغط الشركات على أسعارها وتقلص هوامش ربحها لتجنب الخروج تماماً من المنافسة في الأسواق الخارجية. لتحقيق ذلك، لا خيار أمام المصدرين سوى خفض رواتبهم عبر تجميد الأجور والتوظيف وإبطاء استثماراتهم، أو حتى إيقافها.
لا ينبغي افتراض أن المصدرين وحدهم هم المتضررون، فمورّدوهم أيضاً، ثم موردو مورّديهم، وشيئاً فشيئاً، يقع النسيج الإنتاجي بأكمله في الفخ.
بالنسبة للحكومة، يُعدّ انخفاض قيمة الدولار خبراً سيئاً، وفق ألكسندر ميرليكورتوا، ويضيف "على رغم انعكاسه الإيجابي على الطاقة والمعادن والمستلزمات الزراعية والمكونات الإلكترونية المُسعّرة بالدولار، والتي تُباع بسعر أقل باليورو، مما يُسهّل خفض التضخم ويُعزز القوة الشرائية بشكل طفيف، فإنه يُشكّل أيضاً شوكة في خاصرة الاقتصاد الفرنسي، إذ يُثقل كاهل النشاط التجاري وهوامش الربح وإيرادات الشركات المصدّرة.
وينعكس هذا التأثير على النشاط بشكل رئيس من خلال التجارة الدولية، فالولايات المتحدة هي ثاني أكبر عميل وثالث أكبر مصدر لفرنسا.
وبينما لا تُنافس الواردات من أميركا، التي تتركز بشكل رئيس في مجال الطاقة، الإنتاج المحلي إلا قليلاً، فإن الأمر نفسه لا ينطبق على الصادرات الفرنسية.
نظراً لتنوعها، وكونها غالباً ما تُنافس المنتجات المصنوعة في الولايات المتحدة بشكل مباشر، تتحمل أيضاً العبء الأكبر من الرسوم الجمركية، ونتيجةً لذلك، يُستبعد جزء من الإمدادات الفرنسية من السوق الأميركية."