Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أميركا وروسيا تختبران بعضهما بتفعيل زر السباق النووي

صرح وزير الطاقة الأميركي كريس رايت بأن الاختبارات التي يتحدث عنها ترمب هي انفجارات "غير حرجة" لاختبار "جميع" الأجزاء الأخرى لهذا السلاح

ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن بوتين أكد خلال اجتماع لمجلس الأمن أن موسكو لن تستأنف التجارب النووية إلا إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك (أ ف ب)

ملخص

في الولايات المتحدة، قد يستغرق استئناف الاختبارات عامين إلى 3 أعوام. وهذا لا يقتصر على تجهيز موقع الاختبار في نيفادا فحسب، بل يشمل أيضاً تأمين التمويل والحصول على الموافقات بين الوكالات، كما يوضح الخبير. علاوة على ذلك، ستكون حملات التوعية العامة ضرورية، إذ قد ينشأ استياء عام في نيفادا والولايات المجاورة بسبب الأخطار البيئية المحتملة.

أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري توجيهات لوزارات عدة بتحليل ما إذا كانت الولايات المتحدة تنتهك معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. وفي حال تأكدت هذه المعلومات، صرح بوتين بأن موسكو ستقوم "برد مناسب".

ففي اجتماع لمجلس الأمن، الأربعاء الماضي، أمر بوتين "بتقديم مقترحات منسقة في شأن إمكانية بدء العمل للتحضير لتجارب الأسلحة النووية". جاء ذلك عقب تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول قراره إجراء تجارب نووية جديدة في الولايات المتحدة.

وقال بوتين في اجتماع مجلس الأمن الروسي، "كثيراً ما التزمت روسيا التزاماً صارماً بتعهداتها بموجب معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وليست لدينا أي نية للتراجع عن هذه الالتزامات". وأضاف "في الوقت نفسه ذكرت في خطابي أمام الجمعية الاتحادية عام 2023 أنه في حال أجرت الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى طرف في المعاهدة مثل هذه التجارب، فستلزم روسيا أيضاً على اتخاذ إجراءات انتقامية مناسبة".

بعد ذلك بقليل، أكد المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن بوتين لم يأمر بالتحضير لتجربة نووية، بل دار النقاش حول "دراسة مدى استصواب بدء التحضيرات لمثل هذه التجارب". وقال بيسكوف، إن الرئيس لم يحدد إطاراً زمنياً محدداً، وإنما لصياغة استنتاجاته، كان يحتاج فقط إلى وقت كاف "لفهم نيات الولايات المتحدة تماماً".

قبل إصدار بوتين أمره، قدم عدد من أعضاء مجلس الأمن تقارير عن التصريحات الأخيرة لترمب ومساعديه، إضافة إلى الإجراءات الأميركية التي "تشير بوضوح" إلى حشد أسلحة هجومية استراتيجية.

واقترح وزير الدفاع الروسي أندريه بيلوسوف البدء فوراً في الاستعدادات لإجراء تجارب نووية شاملة. وأضاف رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف أنه إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة الآن، فسيضيع الوقت والفرصة للرد على الإجراءات الأميركية.

لكن مدير جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (الاستخبارات)، ألكسندر بورتنيكوف، الذي كان آخر من قدم رأيه الموجز، وصف الوضع بأنه "معقد وصعب للغاية"، واتفق مع بوتين على ضرورة "أخذه على محمل الجد". وأضاف بورتنيكوف "ثمة أسئلة كثيرة تطرح قبل اتخاذ قرار حاسم"، وطالب الرئيس مهلة "لدراسة كل شيء بدقة وإعداد المقترحات المناسبة".

ردود عاصفة في وسائل الإعلام الغربية

رأت قناة "أن بي سي نيوز" أن "هذه الخطوة تأتي بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، أنه وجه وزارة الحرب بالبدء فوراً في إجراء التجارب النووية على قدم المساواة مع الدول الأخرى".

وتابعت، "لم تجر الولايات المتحدة أي تجربة نووية منذ عام 1992، والصين وفرنسا منذ عام 1996، والاتحاد السوفياتي منذ عام 1990. وقد أثار أمر ترمب انتقادات حادة من العلماء النوويين وخبراء منع الانتشار، الذين أشاروا إلى أن "مثل هذه الاختبارات لن تجلب فوائد ملموسة لواشنطن، بل ستعزز فقط مواقف موسكو وبكين".

أما وكالة "رويترز" فأبرزت إعلان بوتين بأن روسيا التزمت دائماً بصرامة بالتزاماتها بموجب معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، ولكن إذا أجرت الولايات المتحدة أو أي قوة نووية أخرى تجارب، فإن موسكو ستفعل الشيء نفسه.

وقالت، "أبلغ وزير الدفاع أندريه بيلوسوف الرئيس أنه بالنظر إلى التصريحات والإجراءات الأخيرة لواشنطن، فمن المستحسن الاستعداد على الفور لإجراء تجارب نووية كاملة النطاق".

من جهتها، ذكرت وكالة "بلومبيرغ" أنه "بعد أن اقترح وزير الدفاع أندريه بيلوسوف ورئيس الأركان العامة فاليري غيراسيموف الاستعداد لاستئناف الاختبارات رداً على تصريحات الرئيس الأميركي، أصدر بوتين تعليماته للمسؤولين بالتأكد من نيات واشنطن وتقديم مقترحات في شأن "بدء محتمل للتجارب النووية".

وأعلن ترمب، الأسبوع الماضي، أنه سيصدر تعليماته لـ"البنتاغون" ببدء اختبار الأسلحة النووية الأميركية "على قدم المساواة" مع الدول الأخرى. جاء هذا الإعلان بعد وقت قصير من إعلان موسكو اختبار مركبة مسيرة تعمل بالطاقة النووية تحت الماء وصاروخ "كروز" مزود برؤوس نووية. وأوضح وزير الطاقة الأميركي كريس رايت أنه يتوقع ألا تتضمن الاختبارات استخدام رؤوس حربية، وأن تقتصر على فحص الأنظمة.

قناة "سي أن أن" أشارت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال إن بلاده ستدرس إمكانية إجراء تجارب نووية جديدة، بعدما أعلن ترمب خطط واشنطن لاستئناف برنامجها النووي.

أصدر الرئيس الروسي تعليماته للوكالات الحكومية "بتقديم مقترحات منسقة لبدء العمل المحتمل للتحضير لتجارب الأسلحة النووية". وأكد السكرتير الصحافي للكرملين، دميتري بيسكوف، أنه لم تتخذ قرارات نهائية بعد.

وركزت صحيفة "واشنطن بوست" على أنه "في حديثه خلال اجتماع لمجلس الأمن، أكد بوتين أن موسكو لن تستأنف التجارب النووية إلا إذا فعلت الولايات المتحدة ذلك. ومع ذلك وجه وزارتي الدفاع والخارجية، إضافة إلى جهات حكومية أخرى، بتحليل نيات واشنطن وإعداد مقترحات لاستئناف التجارب".

صحيفة "لو باريزيان" قالت، "وصف فلاديمير بوتين تصريح دونالد ترمب، الذي وعد فيه بأن الولايات المتحدة ستجري تجارب لأن آخرين يفعلون ذلك، بأنه ‘سؤال جدي‘. إلا أن ترمب لم يحدد ما إذا كانت التجارب ستشمل أسلحة نووية، وهو ما لم تجره الولايات المتحدة منذ عام 1992".

أجرت موسكو آخر تجاربها النووية عام 1990، قبيل انهيار الاتحاد السوفياتي. ومع ذلك تجري روسيا كغيرها من الدول، بانتظام، اختبارات على أنظمة إطلاق غير نووية، لا سيما غواصة "بوسيدون" المسيرة وصاروخ "بوريفيستنيك".

هل تستعد الولايات المتحدة فعلاً لإجراء تجارب نووية؟

وقال سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، "نحن لا نفهم الإجراءات والخطوات المستقبلية التي ستتخذها الولايات المتحدة في ما يتعلق بإجراء أو عدم إجراء تجارب على الأسلحة النووية".

في الواقع، أثارت تصريحات دونالد ترمب تساؤلات أكثر مما قدمت أجوبة واضحة. ففي الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كتب للمرة الأولى أنه أمر وزارة الدفاع ببدء تجارب الأسلحة النووية، على نفس نطاق الدول الأخرى التي يزعم أنها تجريها. ووصف ترمب الولايات المتحدة بأنها الدولة التي تمتلك أكبر عدد من الرؤوس النووية.

لكن ماثيو بان خبير الأسلحة النووية في جامعة هارفرد، يقول "كل ما ورد في تصريحات ترمب خطأ". "فليس صحيحاً أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر عدد من الأسلحة النووية. وليس صحيحاً أن دولاً أخرى تجري تجارب نووية. يبدو أن ترمب يعتقد أن وزارة الدفاع هي التي تجري تجارب نووية (في الولايات المتحدة). هذا غير صحيح. إنها وزارة الطاقة". واشتبه بعض الخبراء في أن ترمب كان يشير إلى تجارب الصواريخ النووية، لكن الرئيس الأميركي سرعان ما بدد شكوكهم.

ففي مقابلة مع قناة "سي بي أس" في السبت الأول من نوفمبر الجاري، أكد ترمب أنه أصدر الأمر بالاستعداد لتجارب أسلحة نووية. وعندما أشار المذيع إلى أن دولاً أخرى، ربما باستثناء كوريا الشمالية، لا تجري تجارب مماثلة، أصر ترمب على أن القوى النووية تجري تجاربها، مفجرة شحنات نووية عميقة جداً تحت الأرض بحيث لا يمكن اكتشافها. ووفقاً للرئيس الأميركي الذي لا يملك أدنى فكرة علمية عن التجارب النووية، تجري روسيا والصين وباكستان تجارب. ومن المثير للاهتمام، أنه عام 2019 أفادت الاستخبارات الأميركية بأن روسيا تجري على الأرجح تجارب نووية منخفضة القوة، بينما عام 2022 كتبت وزارة الخارجية عن تجارب روسية "فوق الحرجة" لم تلبِ معايير "القوة الصفرية" الأميركية.

في الرابع من نوفمبر الجاري، صرح وزير الطاقة الأميركي كريس رايت بأن الاختبارات التي يتحدث عنها ترمب ليست نووية، بل هي انفجارات "غير حرجة" لاختبار "جميع" الأجزاء الأخرى من السلاح النووي. ووعد رايت سكان نيفادا بأنهم لن يروا سحابة فطر في السماء. يذكر أن الولايات المتحدة أجرت آخر تجاربها النووية عام 1992 في نيفادا تحديداً.

وفي الخامس من نوفمبر الجاري، وبعد اجتماع مجلس الأمن الروسي الذي تابعه ترمب باهتمام، صرح الرئيس الأميركي بأن الولايات المتحدة وروسيا والصين قد تتعاون على خطة لتقليص الأسلحة النووية، لكن وبعد ساعات قليلة ظهر على صفحته على موقع "تروث سوشيال"، كرر فيه ترمب، متحدثاً من المنصة، النص الذي نشره قبل أسبوع، آمراً وزارة الدفاع بالبدء فوراً في الاستعدادات للاختبارات النووية.

هل هناك حظر على تجارب الأسلحة النووية؟

في عام 1963، وقع الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على معاهدة حظر التجارب النووية في الجو والفضاء وتحت الماء، التي انضمت إليها لاحقاً أكثر من 100 دولة. بعد ذلك، أجريت تفجيرات نووية تحت الأرض فقط.

في عام 1997، وقعت معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في الجمعية العامة للأمم المتحدة. ولدخولها حيز النفاذ، كان لا بد من توقيعها والتصديق عليها من قبل جميع الدول الـ44 الحائزة ترسانات نووية آنذاك. وقد امتنعت الولايات المتحدة والصين والهند، من بين دول أخرى، عن القيام بذلك، وسحبت روسيا تصديقها عام 2023. وحالياً، هناك تسع دول لم توقع أو تصدق على المعاهدة بعد.

على رغم أن المعاهدة لم تدخل حيز النفاذ رسمياً، فإن معظم الدول، بما فيها الولايات المتحدة وروسيا والصين، التزمت وتلتزم بوقف موقت للتجارب النووية. منذ توقيع المعاهدة عام 1997، لم تجر سوى نحو 12 تجربة نووية حول العالم، حيث أجرت الهند وباكستان وكوريا الشمالية هذه التفجيرات.

وعلى رغم أن الولايات المتحدة وروسيا لم تصادقا على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، فإنهما لم تجريا أي تجارب نووية منذ تسعينيات القرن الـ20.

وقد أجرى الاتحاد السوفياتي تجربته النووية الأخيرة عام 1990 والمملكة المتحدة عام 1991 والولايات المتحدة بعد عام وفرنسا والصين عام 1996.

مدى سرعة استعداد روسيا والولايات المتحدة للاختبارات؟

قبل عام، ذكر نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، أن موقع التجارب النووية في أرخبيل "نوفايا زيمليا" جاهز تماماً لاستئناف التجارب النووية، وأنه من الممكن أن تبدأ "في القريب العاجل". وفي اجتماع لمجلس الأمن، صرح وزير الدفاع بيلوسوف بإمكانية إجراء التجارب في نوفايا زيمليا "خلال فترة زمنية قصيرة". إلا أن رئيس الأركان العامة، غيراسيموف، صرح بأن هذه الفترة، تبعاً لنوع التجربة، قد تراوح ما بين أشهر وأعوام عدة.

من المرجح أن العمل في موقع تجارب "نوفايا زيمليا" مستمر منذ أعوام عدة. قبل عامين، خلص باحثون غربيون باستخدام صور الأقمار الاصطناعية، إلى أن أكبر مشروع بناء منذ تسعينيات القرن الماضي كان جارياً هناك اعتباراً من عام 2021. وأشار الخبراء آنذاك إلى أن طبيعة العمل تشير إلى وجود خطط لاستئناف التجارب النووية، على رغم عدم وجود أدلة موثقة على وجود مثل هذه الخطط.

مكسيم ستارتشاك المتخصص في السياسة النووية الروسية والباحث بمركز السياسة الدولية والدفاعية بجامعة كوينز في كندا، أكد أن المحللين الذين يستخدمون البيانات المفتوحة رصدوا أنشطة بناء وتحديث في "نوفايا زيمليا" منذ عام 2022، التي لا يمكن ربطها مباشرة بالتحضيرات للتجارب.

بصورة عامة، منذ منتصف العقد الثاني من القرن الـ21، شهدت البنية التحتية لجزيرة "نوفايا زيمليا" تحديثاً نشطاً، حيث هدمت مئات المنشآت القديمة وشيدت مبان جديدة مكانها، كما يشير ستارتشاك. ويشير المحلل إلى أن أي انفجار نووي في موقع التجارب لا يتطلب بنية تحتية للتجارب فحسب، بل يتطلب أيضاً أنظمة أمنية وسهولة الوصول إلى وسائل النقل ومساكن للعسكريين والعلماء، مؤكداً أن جاهزية موقع التجارب تبدو كافية لإجراء تجارب هناك خلال فترة تراوح ما بين أسابيع وأشهر عدة، بحسب الأهداف.

على سبيل المثال، يوضح ستارتشاك أن تنظيم انفجار تحت الأرض أسهل من تفجيره فوق الأرض. ويضيف "إذا كانت البنية التحتية جاهزة وكان الهدف ببساطة تفجير الشحنة، فيمكن إتمام الاستعدادات في غضون أسابيع قليلة. وحتى لو تمكنت روسيا من إجراء تجربة نووية في غضون ستة أشهر، فسيكون ذلك سريعاً".

وفي حال الولايات المتحدة، إذا قررت بالفعل إجراء مثل هذه الاختبارات، فإن الاستعدادات لها قد تستغرق أعواماً عدة، وهو ما يتفق عليه حتى الخبراء الغربيون وليس الروس فقط.

ففي الولايات المتحدة الأميركية يتعين على وكالة السلامة النووية التابعة لوزارة الطاقة إعداد موقع للاختبار خلال ثلاثة أعوام.

وبما أن روسيا ربما تكون قد أنجزت بالفعل أعمالاً تحضيرية في "نوفايا زيمليا"، فستكون قادرة على الاستعداد للتجارب النووية بصورة أسرع من الولايات المتحدة، كما يقول الخبراء في السياسة النووية الروسية "ربما يستغرق الأمر أشهراً" قليلة لا أكثر.

في الولايات المتحدة، قد يستغرق استئناف الاختبارات عامين إلى ثلاثة أعوام. وهذا لا يقتصر على تجهيز موقع الاختبار في نيفادا فحسب، بل يشمل أيضاً تأمين التمويل والحصول على الموافقات بين الوكالات، كما يوضح الخبير. علاوة على ذلك، ستكون حملات التوعية العامة ضرورية، إذ قد ينشأ استياء عام في نيفادا والولايات المجاورة بسبب الأخطار البيئية المحتملة.

استئناف الاختبارات أمر واقعي أم مجرد لعبة سياسية؟

يقول مكسيم ستارتشاك، "إذا لم يتغير شيء في العلاقات العسكرية والسياسية الأميركية مع الصين وروسيا، فإن احتمال إجراء تجارب نووية أميركية يبدو كبيراً جداً". ومع ذلك لم تتخذ الولايات المتحدة بعد أي خطوات عملية نحو إجراء التجارب، وتصريحات ترمب ومسؤولين آخرين هي تصريحات سياسية موجهة لروسيا والصين. ويضيف المتخصص "لن تستسلم الصين وروسيا للولايات المتحدة، والسؤال هو: هل ستنتظر الولايات المتحدة وترى ما سيحدث، أم إنها ستجري بالفعل أعمالاً تحضيرية للتجارب هنا والآن؟".

إذا استأنفت الولايات المتحدة تجاربها النووية، فمن المرجح أن تحذو حذوها قوى نووية أخرى. يقول ستارتشاك "ستكون روسيا الأسرع في الرد على أميركا بتجاربها الخاصة، لمجرد قدرتها على ذلك، وليس لضرورة ذلك. سيعود استئناف التجارب بفائدة كبيرة على الصين: فهي توسع ترسانتها النووية وتحتاج إلى إثبات قدراتها. ثم هناك الهند وباكستان. ليس حتى لضرورة ذلك، بل لحاجتهما السياسية إلى إثبات مواكبتهما للتطورات وأن قوتهما النووية تضاهي قوة منافسيهما".

أما بالنسبة إلى روسيا، فإن تصريحات بوتين تشكل دليلاً على أن موسكو لن تبدأ تجارب الأسلحة النووية إلا رداً على إجراءات مماثلة من جانب الولايات المتحدة، ووفقاً لبافيل بودفيغ، رئيس مشروع "الأسلحة النووية الروسية"، "الفكرة وراء هذا التحضير للاختبار هي أنه إذا قامت الولايات المتحدة بتفجير شيء ما، فيجب على روسيا تفجير شيء ما على الفور، ربما في غضون أيام. أما إذا لم يختبر الأميركيون أي شيء، فلن تقوم روسيا بذلك أيضاً".

عموماً، يتفق مطورو الأسلحة النووية في روسيا والولايات المتحدة على أن التجارب النووية ليست ضرورية للحفاظ على صلاحية الرؤوس الحربية، كما يقول ماكسيم ستارتشاك. ومع ذلك "لدى كل دولة عسكريون وعلماء في هذا المجال مهتمون بالتجارب النووية. بالنسبة إليهم، يعني ذلك جهداً إضافياً وتمويلاً إضافياً، وبالنسبة إلى البعض، هيبة".

التصعيد بهدف التهدئة

على خط مواز، أشار مسؤولون عسكريون غربيون إلى تصعيد الخطاب النووي لأعوام. وعلق الكولونيل ماركوس رايزنر، المؤرخ العسكري النمسوي والمحاضر في الأكاديمية العسكرية في "فينر نويشتات"، على الخطاب النووي قائلاً "التصعيد منطقي وعقلاني. هذه الإجراءات حتى لو بدت لنا جنونية-مدروسة جيداً. كل خطوة تنفذ حالياً هي تحت السيطرة، وهي تظهر التزام كلا الطرفين بالقواعد".

وبحسب قوله، يعد هذا التصعيد اللفظي جزءاً من استراتيجية الردع النووي. وأكد رايزنر "يتزايد التصعيد تدريجاً، بصورة متبادلة، حتى يتراجع أحد الطرفين. ويستخدم التصعيد لتهدئة الموقف. وقد حدث هذا مراراً خلال الحرب الباردة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أشك في أن روسيا أو الولايات المتحدة في حاجة فعلية للاختبارات حالياً. وإذا كانت الاختبارات تُجرى لأغراض سياسية، فإن أي شيء تقريباً قابل للاختبار، كما يقول غريسل، الذي يشكك في إمكانية إجراء اختبارات فعلية.

لا يعني تبادل التصريحات بالضرورة أن الجانبين يتقدمان في سلم التصعيد النووي، وفقاً لبافيل بودفيغ، مدير مشروع أبحاث "التسلح النووي الروسي". وقال، "لست متأكداً من أننا صعدنا إلى أي مكان في هذا السلم. لكننا بالتأكيد لن نتراجع. هذه خطوة تظهر أن كلا الجانبين لا يزالان يعتقدان أن مزيداً من الأسلحة النووية وأنظمة الأسلحة الأخرى سيحققان آمناً أكبر".

تأثير الدومينو بين القوى النووية

نوقش الخطاب النووي في الأعوام الأخيرة بنشاط في سياق العلاقات الأميركية - الروسية، لكن إجراء تجربة نووية سيكون له تأثير متسلسل عالمياً، وسيؤثر في سياسات القوى النووية الأخرى، كما يعتقد ستارتشاك. ويجادل بأن الدول النووية كافة لديها جماعات ضغط من العلماء والعسكريين الذين سيدعمون مثل هذه التجارب.

ويرى ستارتشاك أن "هذا يجلب هيبة وتحديات جديدة وتمويلاً جديداً. لذلك، إذا أجرت الولايات المتحدة تجربة نووية، فلا أرى سبباً يمنع الآخرين من التحلي بروح أخلاقية أكبر وعدم إجراء تجاربهم".

يحذر المتخصص العسكري النمسوي غوستاف غريسل من أن تجارب الأسلحة النووية قد تؤثر أيضاً على سياسات ما يسمى الدول النووية "العتبية"، والتي قد تستغل التخلي عن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية كذريعة لتطوير مزيد من الأسلحة النووية. ويؤكد المحلل أن هذا لا ينطبق فقط على "الدول المارقة"، بل أيضاً على دول مثل كوريا الجنوبية، التي سرعت برنامجها لتطوير الصواريخ منذ عام 2014. ويجادل غريسل قائلاً "يبدو أن الصين تمنع روسيا من استخدام الأسلحة النووية فعلياً، ويعود ذلك جزئياً إلى خوفها من أن تتجه كوريا الجنوبية نحو التسلح النووي إذا أقدم بوتين على أي خطوة" من هذا القبيل.

إذا سقط وقف التجارب النووية، فسيؤثر ذلك على منظومة ضبط الأسلحة النووية بأكملها. يعتقد ستارتشاك، "من دون وقف التجارب النووية ومن دون معاهدة ستارت الجديدة التي سينتهي العمل بها عام 2026، سيعود العالم إلى العقود السابقة، عندما كانت القوى النووية تختبر رؤوسها الحربية وتزيد أعدادها".

تجارب صاروخية متبادلة

رداً على إجراء روسيا تجربة ناجحة على صاروخ جديد وغواصة غير مأهولة يعملان بالوقود النووي أواخر أكتوبر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة الأربعاء الماضي أنها أجرت تجربة إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات من طراز "مينيوتمان 3"، وهو قادر على حمل رأس حربي نووي، لكنه أطلق من دون حمولة.

وقالت قاعدة "فاندنبرغ" الجوية التابعة لقوة الفضاء الأميركية في كاليفورنيا، إن الصاروخ طار لمسافة نحو 4200 ميل (6700 كيلومتر) إلى موقع اختبار على جزيرة مرجانية في جزر مارشال.

وتجري الولايات المتحدة، شأنها شأن روسيا، عمليات إطلاق كهذه بانتظام. على سبيل المثال، عام 2025 الجاري، أطلق الأميركيون صواريخ باليستية عابرة للقارات في الـ29 من فبراير (شباط) والـ21 من مارس (آذار) .

وسبق إعلان ترمب عن "استئناف التجارب النووية" اختبارات أجرتها روسيا على حاملتين جديدتين للأسلحة النووية: صاروخ كروز "بوريفيستنيك" ومركبة "بوسيدون" غير المأهولة تحت الماء.

هل هناك أي فائدة من الاختبارات النووية؟

وفقاً للخبير العسكري النمسوي غريسل، ليس للتجارب النووية أي غرض عسكري أو تقني حقيقي تقريباً. ويوضح قائلاً، "الولايات المتحدة وروسيا قادرتان تقنياً على القيام بذلك. ولكن لماذا؟ الاختبارات ضرورية عند إدخال جيل جديد من الرؤوس الحربية، وعند اختبار تقنيات جديدة أو نماذج محاكاة برمجية من شأنها أن تقلل الحاجة إلى اختبارات مادية مستقبلية".

وبحسب الخبير، لم يتغير شيء أساس في تصميم وبناء الرؤوس الحربية النووية في العقود الأخيرة، ويمكن للنمذجة الحاسوبية أن تحل إلى حد كبير محل الاختبارات، بخاصة عندما يتعلق الأمر بتغييرات طفيفة في التصميم.

"وعلاوة على ذلك، ليس من الضروري استخدام رأس نووي حقيقي لاختبار وظائف النظام: حتى بالنسبة إلى المهام المعقدة، مثل اقتحام الملاجئ، يمكن استخدام شحنات اختبارية مصممة خصيصاً لتحاكي سلوك الشحنة النووية"، كما يوضح غريسل.

مشكلة سوء التقدير

لا تكمن مشكلة المواجهة النووية في أن أحد الطرفين يتخذ إجراء رداً على أفعال الطرف الآخر، بل في أن كل طرف يبدأ باتخاذ إجراءات استباقية، بناء على افتراضاته الخاصة حول ما قد يفعله الطرف الآخر سراً.

وقد أوضح رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، الجنرال فاليري غيراسيموف، هذا المنطق في آخر اجتماع لمجلس الأمن الروسي، قائلاً "قد يواصل الجانب الأميركي التهرب من التفسيرات الرسمية، لكن هذا لا يغير شيئاً، لأنه إذا لم نتخذ التدابير المناسبة الآن، فسنضيع الوقت والفرص للرد في الوقت المناسب على تصرفات الولايات المتحدة، لأن الوقت اللازم للتحضير للتجارب النووية، اعتماداً على نوعها، يراوح من أشهر إلى أعوام عدة".

نشأ هذا الوضع الذي ينذر بسباق نووي جديد، عقب انتهاء العمل بنظام المعاهدات (معاهدة الصواريخ الباليستية والأجواء المفتوحة والقوات التقليدية في أوروبا) الذي دعم الوثيقة الرئيسة، معاهدة "ستارت" الجديدة. ينتهي العمل بهذه المعاهدة في فبراير المقبل، لكن روسيا علقت مشاركتها فيها عام 2023.

أسهمت هذه المعاهدات ونظام التحقق القائم في ترسيخ الثقة في العلاقات بين البلدين. وشكلت هذه الثقة أساس الاستقرار الاستراتيجي، الذي يتزعزع الآن بصورة متزايدة.

إن بدء التجارب النووية هو خطوة على طريق التصعيد الذي يؤدي إلى حرب نووية.

وهذه خطوة كبيرة للغاية لأنها قد تدفع دولاً أخرى إلى إجراء تجارب نووية، وهو ما سيؤدي بدوره إلى تسريع تطوير الأسلحة النووية.

في الوقت الحالي، تتبادل الأطراف الاتهامات، وتقول إنها لن تبدأ بتفجير شحنات نووية في مواقع تجاربها إلا إذا قامت دول أخرى بذلك.

لكنهم بالفعل يشتبهون ببعضهم بعضاً في إعداد هذه الاختبارات سراً.

الأخطار

معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية لا تزال تلزم الدول الموقعة عليها بعدم إجراء تجارب شاملة. وهذا مكرس في المادة 18 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية، التي تنص على أنه في حال توقيع أي دولة على الوثيقة، فإنها ملزمة "بالامتناع عن أي أعمال من شأنها أن تقوض هدف المعاهدة وغرضها" حتى دخولها حيز النفاذ.

مع ذلك لا يترتب على خرق معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية أي عقوبات أو عواقب قانونية، لكن الخبراء يرون أن استئناف التجارب النووية المحتمل يشكل تهديداً لنظام منع الانتشار النووي العالمي. ويقول إيليا كرامنيك، الباحث في الأكاديمية الروسية للعلوم "لا تزال معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية قائمة، وهي تلزم دول ‘النادي النووي‘ بالتفاوض على خفض الأسلحة التجريبية. إذا استأنفت القوى النووية التجارب النووية، وعندها فإن الدول الأخرى التي انضمت إلى المعاهدة كدول غير نووية لن تعد نفسها ملزمة بمعاهدة منع الانتشار. ويتمثل التهديد الرئيس في احتمال ازدياد عدد القوى النووية".

ويعتقد أنه لا توجد أسباب تقنية أو عسكرية أو سياسية تدفع رئيسي روسيا والولايات المتحدة إلى إصدار أمر باستئناف تجارب الأسلحة النووية. وخلص المتخصص إلى أنه "إذا استأنفت الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين التجارب النووية، سواء كانت تجارب نووية شاملة متعددة الكيلوطن أو تفجيرات نووية أصغر، فسيؤدي ذلك، للأسف، إلى سلسلة من التجارب النووية من قبل دول أخرى، مما يفاقم الخطر النووي ويقوض الأمن الدولي".

المتخصص في الشأن العسكري النمسوي غوستاف غريسل، عد أن استمرار الرئيسين الروسي والأميركي بتبادل التهديدات باستئناف التجارب النووية، وتبادل التصريحات في هذا الخصوص، يدل على تورط بوتين وترمب في أمر يصعب عليهما، بسبب غرورهما، الخروج منه على الأرجح. وأشار المحلل إلى أن "على رئيس أميركا، الذي يشعر بأنه غارق في الحديث عن "الأسلحة الخارقة"، أن يرد، لكنه لا يخوض في التفاصيل التقنية، ويخلط بين حاملة الطائرات وتجارب الصواريخ المؤهلة لحمل رؤوس نووية، ومصدر الطاقة النووية والانفجار النووي، فيعلن عن تجارب نووية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير