Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين في مواجهة نفسها

كيف أعاد شي جينبينغ تشكيل بلاده

الرئيس الصيني شي جينبينغ (جو غوف)

ملخص

أعاد شي جينبينغ توجيه الصين من مسار الانفتاح إلى حكم مركزي صارم يهدف إلى تعزيز صمودها السياسي والاقتصادي، مركّزاً على التصنيع المتقدم وتقليل الاعتماد على الغرب. في المقابل، تبدو الولايات المتحدة عاجزة عن إدارة تناقضاتها الداخلية وتفقد تدريجاً قدرتها على مجاراة انضباط الصين واستقرارها، بينما يترسخ في بكين الاعتقاد بأن النظام الأميركي المشتت بات يعيش قلق الهيمنة والانحدار، في حين تسير الصين بخطى واثقة لترسيخ مكانتها كقوة عظمى أكثر تماسكاً وقدرة على التكيف.

بعد 13 عاماً من وصول شي جينبينغ إلى قمة هرم القيادة في الصين، لا يزال المراقبون في واشنطن في حيرة شديدة في شأن تقييم حكمه. فبالنسبة إلى بعض منهم، يُعتبر شي تجسيداً ثانياً لماو تسي تونغ، بعدما جمع في يده سلطة شبه مطلقة وأخضع الدولة لإرادته، بينما يرى آخرون أن سلطة شي هشة لدرجة أنه معرض باستمرار لخطر إطاحته في انقلاب تنظمه النخب الساخطة. فالصين في عهد شي إما تمثل منافساً هائلاً يمتلك النية والموارد والبراعة التكنولوجية لتجاوز الولايات المتحدة، أو أنها حالة اقتصادية ميؤوس منها على وشك الانهيار. وتتباين الآراء بناءً على الجهة التي تسألها، فنموذج النمو الصيني يُعد إما ديناميكياً أو يحتضر، وإما شديد الابتكار أو عالقاً بلا أمل في الماضي.

وازدادت محاولات تحليل مشروع شي تعقيداً بعد التعافي البطيء للصين من جائحة كورونا. فعندما أنهى شي فجأة إجراءات الصين الصارمة التي فُرضت أثناء الجائحة وأعاد فتح البلاد في أواخر عام 2022، لم يكن النقاش في "وول ستريت" حول ما إذا كان الاقتصاد الصيني سيعود بقوة، بل حول ما إذا كان الرسم البياني للتعافي الاقتصادي سيأخذ شكل حرف "في" V [أي هبوط حاد يتبعه انتعاش سريع]، أم حرف "دبليو" W [أي تعافٍ موقت تعقبه انتكاسة ثم صعود من جديد]. وعندما بدأ الاقتصاد يتعثر، خلص بعض المسؤولين في واشنطن إلى النقيض تماماً: أن الصين بلغت ذروتها، وأن هيكلها للحكم قد فشل، وأنها ستبدأ في التراجع مقارنة بالولايات المتحدة.

وقد أسهم هذا الارتباك في التحليل بصياغة سياسة الولايات المتحدة تجاه الصين. ففي بداية الولاية الثانية لترمب، ادعى المسؤولون أن الصين هي أعظم تهديد تواجهه الولايات المتحدة، ومع ذلك بدا أنهم يعتقدون أن الضغوط الاقتصادية على بكين شديدة لدرجة أنها ستستسلم فوراً في حرب تجارية، وهي رؤية تُذكر بإعلان ماو الشهير بأن الولايات المتحدة "نمر من ورق"، يبدو مخيفاً ولكنه في الواقع ضعيف وهش. غير أن محاولة الضغط على الصين من خلال فرض الرسوم الجمركية فشلت، إذ ردت بكين على التصعيد التجاري لواشنطن في أبريل (نيسان) 2025 بفرض رسوم انتقامية وقطع توريد المغناطيسات الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة. وقد أدت قدرة الاقتصاد الصيني على تحمل الصدمات التجارية إلى منح بكين ثقة جديدة بالنفس.

وبما أن ثقل النظام المغلق غير الليبرالي قد أفضى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي، فقد عزت واشنطن جانباً كبيراً من قدرة الصين على الصمود إلى نظامها السياسي القادر على اكتشاف المشكلات، واقتراح الحلول، وتصحيح المسار. والمفارقة المؤلمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة هي أنه في ظل عهد شي، أثبت النظام السياسي الصيني الغامض، الذي يمتلك فيه المسؤولون كل الحوافز للتستر على الأخطاء بدلاً من الاعتراف بها، قدرة على الاعتراف الصريح بعديد من نقاط ضعفه واتخاذ خطوات لمعالجتها، وربما يكون أكثر كفاءة في ذلك من النظام الأميركي الذي يُفترض أنه مرن وقادر على التكيف. وفي الواقع، إن صعود الصين في عهد شي لا يمثل تحدياً للقوة الأميركية فحسب، بل يتحدى أيضاً أحد المبادئ التأسيسية للمجتمع الأميركي المنفتح، وهو أن الانفتاح على النقاش والبحث هو أساس النظام القادر على تصحيح نفسه.

بالنسبة إلى شي، فإن أوجه الضعف الأكثر وضوحاً في الصين هي الآثار الجانبية المترتبة على أربعة عقود من الإصلاح الاقتصادي. فقد جلب النمو السريع الثروة والقوة، ولكنه جلب أيضاً التردد والفساد والاعتماد على الدول الأخرى. وبغض النظر عن كيفية تقييم قيادته فإن شي قد حدد عديداً من مكامن الضعف في الصين وعبأ الموارد لمحاولة جعل البلاد أكثر قدرة على الصمود. ويُشير نجاح بكين في صد الحرب التجارية التي شنتها واشنطن إلى أن إستراتيجية شي تؤتي ثمارها.

قلب مسار الإصلاحات

عندما تولى شي جينبينغ زمام قيادة الحزب الشيوعي الصيني عام 2012، شعر عديد من المراقبين داخل الصين وخارجها بالإحباط إزاء تعثر الإصلاحات في عهد سلفه هو جينتاو. وقد رحب هؤلاء بشي باعتباره مخلصاً محتملاً يمكنه إنقاذ مشروع الحزب الشيوعي الصيني المترنح المتمثل في "الإصلاح والانفتاح" الذي أطلقه دينغ شياو بينغ في أواخر سبعينيات القرن الـ20. هؤلاء المراقبون، ومعظمهم ذوو ميول أكثر ليبرالية، كانوا يأملون أن يسن شي سياسات موجهة نحو السوق، وأن يقلص تدخل الدولة في الاقتصاد أكثر، وربما يسمح بمزيد من التنافس السياسي. وقد بدا أن شي يملك مقومات الإصلاحي: فقد شغل مناصب قيادية في ثلاث من أكثر المقاطعات الساحلية الصينية ازدهاراً، التي كانت من بين أبرز المستفيدين من التحول نحو اقتصاد السوق. واعتقد كثيرون أن شي، نجل مسؤول ثوري بارز يحظى باحترام كبير، ومؤيداً للإصلاح الاقتصادي، سيتمتع بالنفوذ والإرادة لإحداث التغيير، بخلاف سلفه الذي لم يمتلك أياً منهما.

ولكن في الواقع، كانت لحظة صعود شي هي بداية نهاية حقبة الإصلاحات. فما رآه شي عند عودته إلى بكين عام 2007 كوريث مُرتقَب لهو جينتاو لم يكن رخاءً لا نهاية له ولا هيكلاً قيادياً مستقراً، بل خللاً وظيفياً متجذراً بعمق. فقد صعد جينتاو إلى السلطة من خلال الانصياع لشيوخ الحزب والترويج للقيادة الجماعية، مما حال دون قدرته وقدرة غيره على اتخاذ قرارات حاسمة. وحتى لو كان جينتاو يرغب في فرض نفسه، فإن سلفه جيانغ زيمين كان قد حاصره من خلال إحاطته بالمقربين الموالين له [لجيانغ]. ومع غياب السيطرة الكاملة على عديد من مفاصل السلطة الأساسية في الحزب، فإن محاولات جينتاو لإعادة توجيه السياسات، بما في ذلك جهوده المبذولة لمعالجة أوجه عدم المساواة الصارخة التي رآها تنشأ من تحديث الصين، فشلت إلى حد كبير في تحقيق أي تقدم. في غضون ذلك، أصبح الفساد متفشياً، ليطاول حتى الشرطة والجيش، اللذين كان من المفترض أن يشكلا السور الحصين لقبضة الحزب على السلطة.

يركز شي قوته السياسية الكبيرة على تعزيز قدرة الصين على الصمود

من وجهة نظر شي، فإن نموذج القيادة الجماعية الهش الذي أورثه دينغ كان مصدر عديد من علل الحزب. فمع تشتت السلطة بين القادة الكبار وحلفائهم في البيروقراطية، تراخى الانضباط الحزبي. ويبدو أن شي رأى أيضاً أن ازدهار الصين قد جعل كوادر الحزب ضعيفة. فالانفتاح على العالم الخارجي دفع الاقتصاد الصيني قدماً، لكنه في الوقت ذاته خلق مواطن ضعف تمثلت في القيم الليبرالية التي هددت المعتقدات الشيوعية الجوهرية. وأصبحت الصين تعتمد بصورة متزايدة على اقتصادات أخرى، وبخاصة الاقتصاد الأميركي، الذي أظهرت قيوده التجارية المتزايدة على عديد من السلع الصينية منذ عام 2018 لشي الأخطار الحقيقية للاعتماد الاقتصادي المتبادل.

ورداً على ذلك، لم يكتفِ شي بمعالجة أعراض المشكلات التي نشأت خلال حقبة الإصلاح والانفتاح، بل حاول أيضاً معالجة ما يعتبره الداء الأساس من خلال قلب مسار التحرر برمته. ويمكن وصف فترة حكم شي بما أطلق عليه الباحث كارل مينزنر الإصلاح المضاد، أي تجريد الحزب من كل شيء ما عدا جوهره اللينيني القائم على السيطرة السياسية والاجتماعية، وإعادة هيكلته بحيث لا يكون موجهاً نحو الثورة أو الإصلاح، بل نحو مسيرة منضبطة باتجاه القوة التكنولوجية والصناعية والعسكرية لتعزيز مكانة الصين الجيوسياسية.

بالنسبة إلى معظم المراقبين الخارجيين، يُعد هذا الإصلاح المضاد خطراً لأنه يضع جانباً النهج المجرب والفعال الذي نقل الصين من الفقر إلى القوة، ويُدخل أخطاراً سياسية جديدة ناجمة عن حكم الرجل الواحد. لكن خطوات شي تنبع من إدراكه لأكثر نقاط الضعف إلحاحاً التي يراها قادة الحزب مهددة للصين، وعلى رأسها الفساد الداخلي والدور المقلق الذي يلعبه المنافس الأكبر للصين، الولايات المتحدة، في دعم ازدهارها. وبدلاً من الدفع نحو مزيد من الانفتاح الاقتصادي، ركز شي قوته السياسية الهائلة وموارد الدولة على تعزيز قدرة الصين على الصمود في وجه التهديدات التي نشأت جزئياً من الإصلاحات السابقة. فهذه المشكلات المتجذرة بعمق، وليس التدخل المفرط للدولة أو السياسة السلطوية، هي ما يراه شي العقبة الحقيقية أمام تقدم الصين في مسعاها للحاق بالولايات المتحدة.

انفجار الفقاعة

 كثير من مظاهر اختلال الصين اليوم هي أمراض ناجمة عن ازدهارها نفسه. بعد وفاة ماو، لم يكن لدى قادة الحزب الشيوعي الصيني خريطة طريق واضحة تبين لهم كيف يمكن قيادة الصين نحو الانفتاح من دون التخلي عن التزامهم الشيوعية. كانوا قد قدموا تضحيات مريرة خلال الثورة الصينية، وظلوا متوجسين من الرأسمالية ومساوئها. وفي الوقت نفسه، لم يرغبوا في إعادة الصين إلى فوضى حقبة ماو. كثير من هؤلاء الزعماء الذين قادوا الصين في الثمانينيات من القرن الـ20، بمن فيهم شي تشونغ شون، والد شي جينبينغ، كانوا هم أنفسهم ضحايا حملات التطهير خلال صراعات السلطة التي اندلعت في عهد ماو.

بعد أكثر من عقد من التذبذب بين الانفتاح والانكماش، انتصر الإصلاح الاقتصادي في النهاية. ففي أعقاب القمع العسكري لمتظاهري ساحة تيانانمن عام 1989، عمل دينغ، الذي حالفه الحظ في أن يعيش أطول من غيره من شيوخ الحزب العازمين على تقييد التحرر، على وضع الصين على مسار نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً. وما يعرف بـ"جولة الجنوب" التي قام بها دينغ، وألقى خلالها سلسلة من الخطابات تؤيد دوراً أكبر للأسواق، أعادت إحياء مبادرات الإصلاح الاقتصادي التي كانت قد همشت بعد أحداث تيانانمن. ولضمان إرثه، اختار دينغ بنفسه خليفته المباشر جيانغ زيمين الذي تولى قيادة الحزب عام 1989، كما اختار خليفة خليفته هو جينتاو. وفي بيئة سياسية جديدة لم يعد فيها أي من القادة الجدد قادراً على الادعاء بأنه من الآباء المؤسسين للثورة، منحت مباركة دينغ شرعية لكل من جيانغ وجينتاو، وساعدت في ضمان بقاء كل منهما في وجه تقلبات سياسات الخلافة. وقد تنحى كل من جيانغ وجينتاو سلمياً، مما أرسى سابقة هشة لانتقال السلطة.

هذا الاستقرار في القيادة، إلى جانب تسارع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، حققا نتائج مذهلة. فطوال تسعينيات القرن الـ20 وأوائل العقد الأول من الألفية، حققت الصين بانتظام نمواً سنوياً ثنائي الرقم في الناتج المحلي الإجمالي، بمتوسط يتجاوز 10 في المئة سنوياً من عام 1992 (عندما أطلق دينغ جولته الجنوبية) حتى عام 2012، وهو العام الذي وصل فيه شي إلى السلطة. وكانت مظاهر التحديث السريع للصين جلية في كل مكان: فناطحات السحاب الجديدة غزت أفق مدن مثل شنغهاي، وشقت الطرق أعماق الريف لربط القرى المعزولة سابقاً ببقية أنحاء البلاد. وأطلق دينغ سياسة خارجية ناجحة تجنبت المواجهة الجيوسياسية لمنح الصين الوقت لتطوير اقتصادها، وأصدر توجيهات بأن على الصين "إخفاء قدراتها حتى تلوح الفرص"، وهو نهج يُعرف باسم "إخفاء القدرات والانتظار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستطراداً، جلبت الإصلاحات نمواً اقتصادياً وفسحة جيوسياسية للتنفس، لكنها أيضاً ولدت الفساد والظلم وعدم المساواة. ولم يُظهر أي قطاع مدى تشابك الخلل السياسي والاقتصادي في الصين بوضوح مثل قطاع العقارات، الذي بلغت أسعاره ذروات غير مسبوقة ثم تهاوت منذ عام 2021. في أواخر التسعينيات، بدأ القادة الصينيون بالسماح للمقيمين في المدن بالحصول على عقود إيجار طويلة الأمد للعقارات التي يمكنهم بيعها في السوق الخاصة، كجزء من الإصلاحات التحريرية التي تهدف إلى تحفيز النمو الاقتصادي. وقد أدى هذا التغيير في السياسة إلى إطلاق العنان لموجة هائلة من الطلب المكبوت على العقارات وأشعل طفرة عقارية على مستوى البلاد، وهي واحدة من كبرى الطفرات في التاريخ. وبما أن الحكومات المحلية تمتلك قانونياً كل الأراضي الحضرية، فقد باعت أراضيها للمطورين لملء خزائنها. وعندما ألغى هو جينتاو عام 2005 الضريبة الزراعية التي يبلغ عمرها 2000 عام، وهي سياسة خففت العبء على المزارعين الريفيين الفقراء في الصين ولكنها أزالت مصدراً رئيساً لإيرادات الحكومة المحلية، اعتمد المسؤولون بشكل أكبر على مبيعات الأراضي لتحقيق التوازن في موازناتهم، وفي كثير من الحالات أقدموا على طرد المزارعين قسراً لجني الأرباح.

في الأعوام اللاحقة، تشكلت فقاعة إسكان ضخمة، ومع ارتباط جزء كبير من ثروة البلاد بها، تردد القادة الآخرون في وقف نموها. غير أنه عام 2020، بعد محاولات بطيئة وحذرة خلال معظم فترتي ولايته الأولى والثانية لتخفيف تضخم السوق تدريجاً، فجر شي فقاعة العقارات من خلال فرض قيود على اقتراض مطوري العقارات مما وجه ضربة إلى جوهر نموذج أعمالهم. وقد انخفضت مبيعات العقارات من 18 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في منتصف عام 2021 إلى سبعة في المئة عام 2025، وتراجعت وتيرة بناء المساكن الجديدة بنسبة 70 في المئة. كان هذا الانهيار سبباً رئيساً لتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين، إذ قضى على جزء كبير من ثروات عديد من الأسر الصينية، وأضعف ثقة المستهلكين في وقت يحتاج فيه الاقتصاد إلى زيادة الاستهلاك بشدة. ومع ذلك، ظل شي متردداً في التدخل لدعم السوق خشية التكاليف التي قد يفرضها قطاع الإسكان المتضخم.

في الحقيقة، يوضح مسار قطاع العقارات في الصين الديناميكيات التي تكمن في صميم جهود الإصلاح في البلاد. فحتى عندما ينجح القادة الصينيون في تمرير إصلاحات ضرورية للغاية، مثل إضفاء طابع تجاري على قطاع العقارات أو إلغاء الضريبة الزراعية القمعية التي تعود إلى قرون مضت، فإنهم يخلقون مشكلات جديدة تكاد تعادل ما يعالجونه منها. كذلك فإن الفساد المستشري في النظام يزيد من صعوبة هذه التحديات، إذ يقاوم المسؤولون المحليون الإصلاحات أو يجدون فرصاً جديدة لتحقيق مكاسب شخصية. ومنذ وصوله إلى السلطة، أعطى شي الأولوية لتنظيف الفوضى التي ورثها عن أسلافه الأكثر ليبرالية، بغض النظر عن التكلفة أو ردود الفعل المحتملة. وقد ولدت هذه التحركات غير المسبوقة كثيراً من التذمر والاستياء، لكنها لم تُحدِث أي تداعيات سياسية فعلية على شي، مما يدل على متانة قبضته على السلطة.

في رحلة البحث عن الصمود

لاحظ المحللون السياسيون منذ عهد أرسطو أن الأنظمة الأوليغارشية تميل إلى التذبذب بين القوى الطاردة من المركز، التي تفضي إلى تقاسم السلطة وتوزيعها على نطاق واسع، والقوى الجاذبة نحو المركز، التي تفضي إلى تركيز السلطة في يد واحدة. وبالفعل، رأى شي جينبينغ وعديد من قادة الحزب أن تشتت السلطة داخل النظام السياسي الصيني قد أضعف قيادة هو جينتاو وهدد قدرة الحزب على الحكم بفاعلية. وكان تركيز السلطة في يد شي هو الحل الأمثل. وقد استخدم شي سلطته المركزية للتحول بعيداً من السياسات التي من شأنها زيادة تحرير الاقتصاد الصيني، متجهاً بدلاً من ذلك نحو جهود لتعزيز قدرة البلاد على الصمود اقتصادياً وسياسياً.

لقد أدى الجيش والأجهزة الأمنية دوراً حاسماً في عملية تركيز السلطة في يد شي جينبينغ وفي حملة "الإصلاح المضاد" التي يقودها. فقد استخدم شي حملته الشرسة لمكافحة الفساد، التي أطلقها عام 2012، من أجل إخضاع الجيش والأجهزة الأمنية. وقد أطاح شي مسؤولين نافذين وشبكاتهم، ولإزالة أي شكوك حول سيطرته المطلقة، عمد في كثير من الأحيان إلى تطهير خلفائهم الذين اختارهم بنفسه ليحلوا محلهم. وقد أسهمت هذه الحملة في الحد من بعض مظاهر الفساد المستشري في مؤسسات الحزب، والأهم من ذلك، أنها أبقت القادة في حال من عدم اليقين والطاعة، مما عزز سيطرة شي عليهم.

على رغم تطهيره قادة الجيش وأجهزة الأمن الداخلي، واصل شي، على غرار أسلافه، تمويل هذه المؤسسات بسخاء. فالصين تدعم الشرطة وقوات الأمن بمستوى يضاهي تقريباً مستوى دعمها للجيش. وقد شجع شي هذه الأجهزة على تسخير التقنيات الحديثة لتطوير قدراتها في مجال المراقبة والقمع بشكل منهجي. في أعوام حكمه الأولى، عمم شي "الوثيقة رقم 9"، وهي مذكرة داخلية تحذر من أخطار القيم الغربية. وقد ألغت هذه الوثيقة المسربة التسامح المتزايد للحزب مع الأفكار الخارجية ودشنت مرحلة جديدة من القمع ضد المجتمع المدني. كان شي واضحاً في أن هدفه هو حماية الصين مما يعتبره تخريباً أجنبياً، ومن ثم معالجة إحدى المشكلات التي خلفتها عقود الإصلاح السابقة.

لقد تمكن نظام السيطرة المركزي الذي يتبعه شي حتى الآن من تغيير المسار عند الحاجة

لقد أدى الإصلاح والانفتاح أيضاً إلى تعميق اعتماد الصين على الاقتصادات الأجنبية، وقد جعل شي جينبينغ من أولوياته حماية الصين من التقلبات الاقتصادية العالمية. في عام 2020، اقترح شي فكرة إستراتيجية "الدورة المزدوجة" [أو التداول المزدوج]، حيث ستُعيد الصين هيكلة جزء أكبر من اقتصادها حول الأسواق المحلية، "الدورة الداخلية" للسلع والخدمات والتكنولوجيا، وفي الوقت نفسه تعزيز "الدورة الخارجية" المتمثلة في التجارة والاستثمار الدوليين. من خلال الاستفادة من السوق المحلية الصينية الضخمة، تسعى إستراتيجية شي إلى تقليل الاعتماد على العالم الخارجي مع تعزيز الاعتماد الدولي على الاقتصاد الصيني. تشير الحرب التجارية القصيرة التي اندلعت في أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2025، في بداية ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية، إلى أن الصين نجحت في تحصين نفسها ضد الرسوم الجمركية الأميركية. وقد تمكن شي من الامتناع عن تقديم حزم تحفيزية باهظة التكلفة، واكتفى بتقديم الحد الأدنى من الدعم اللازم لتجنب أسوأ الآثار في الاقتصاد والصناعات الموجهة نحو التصدير [الصناعات التصديرية] التي كانت الأكثر تضرراً من هذه الرسوم. علاوة على ذلك، توصلت بكين إلى طريقة لاستغلال اعتماد واشنطن على الصين في المواد المهمة، مثل مغناطيسات العناصر الأرضية النادرة التي يحتاج إليها عديد من المصنعين الأميركيين لمنتجاتهم، وحولت هذا الاعتماد إلى وسيلة ضغط فعالة.

واستكمالاً، سعى شي أيضاً إلى تعزيز القدرة على الصمود من خلال تركيز السياسة الاقتصادية بصورة كاملة على بناء قدرات الصين في مجال التصنيع العالي التقنية. وقد عزز شي قطاعي التكنولوجيا والصناعة في الصين من خلال ضخ موارد هائلة فيهما، متجاهلاً في الوقت نفسه الاقتصاد الكلي. لم تكن هذه العملية فعالة من ناحية الكفاءة، لكنها أثبتت نجاحها من ناحية النتائج. ووفقاً لتحليل أجرته وكالة "بلومبرغ" لـ13 تقنية رئيسة، تتصدر الصين أو تتمتع بقدرة تنافسية عالمية في 12 منها، بل يمكن القول إن الصين حققت نجاحاً باهراً في مجالات مثل الطاقة الخضراء، إذ أدى انتشار الشركات الصينية التي تستفيد من هذه التقنيات الناشئة إلى حروب أسعار شرسة أسهمت في الضغط الانكماشي على الاقتصاد.

وقد تخلى شي أيضاً عن سياسة دينغ الخارجية المتحفظة القائمة على "إخفاء القدرات والانتظار" لصالح نهج يمكن وصفه بـ"إظهار القوة والتحرك". وينبع هذا التغيير أيضاً من الإخفاقات الملحوظة للنماذج الاقتصادية الغربية في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008. ومع قدرة الصين على تجاوز الأزمة بفاعلية أكبر من القوى الغربية، اعتقد عديد من قادة الحزب الشيوعي الصيني أن الصين يجب أن تضطلع بدور عالمي أكثر بروزاً. وبينما تجنب هو جينتاو الدعوات إلى إحداث تحول كبير في السياسة الخارجية، واكتفى بتقديم تنازلات جزئية، مثل إضافة أن الصين يجب أن "تحقق إنجازات فعالة" إلى صيغة دينغ "إخفاء القدرات والانتظار"، استغل شي الثقة المتزايدة للصين بنفسها عندما تولى السلطة.

وقد أثبت نزعة وطنية قوية وصادقة خلال ولايته الأولى من خلال التأكيد بحزم مطالبات الصين الإقليمية على طول حدودها، وأبرزها استعادة أكثر من 3 آلاف فدان من الأراضي في بحر الصين الجنوبي. وقد وفر له ذلك غطاءً سياسياً عندما أجرى عمليات تطهير في القيادة العليا للجيش، وحماه من الانتقادات الداخلية عندما استدعت متطلبات الدبلوماسية اتباع نهج أكثر تساهلاً ومرونة. ولكن من المرجح أيضاً أن شي كان يؤمن حقاً بأن الوقت قد حان لكي تتقبل الصين مكانتها كقوة عظمى. ويشير ذلك إلى تغير طبيعي بين الأجيال وإعادة تقييم لجذور المشكلات التي تعانيها الصين حقاً: شي هو أول زعيم صيني بدأت مسيرته السياسية في حقبة الإصلاح. وقد تزامنت مسيرته المهنية مع النمو الاقتصادي غير المحدود، والتحديات المصاحبة له، في أعوام ما بعد ماو.

الثقة بالمقربين

في سياق سعيه إلى معالجة المشكلات التي ورثها، خلق شي لنفسه وللحزب مشكلات جديدة. أبرزها أنه ألغى أحد أهم إنجازات حقبة ما بعد ماو، وهو إرساء عملية مؤسسية لنقل السلطة سلمياً إلى خلف جديد. فقد ألغى شي القيود المفروضة على عدد الولايات الرئاسية، وحول منصب نائب الرئيس من كونه مجرد فترة تدريب عملي للمنصب الأعلى، إلى منصب شرفي [فخري] يُمنح للمسؤولين المتقاعدين. ورفض السماح لأي مدني آخر بالانضمام إلى الهيئة العسكرية العليا للحزب. ومن دون أي فرصة لتكوين قاعدة دعم داخل الجيش من خلال خدمته في هذه الهيئة، سيواجه خليفة شي المستقبلي صعوبة في الحفاظ على سلطته، ومن المرجح أن تكون فترة حكمه قصيرة.

إن الأنظمة الاستبدادية معرضة بصورة خاصة لأزمات الخلافة. فلم ينجح الاتحاد السوفياتي مطلقاً في حل معضلة الخلافة: إذ إن القادة السوفياتيين السابقين كانوا إما يموتون في مناصبهم أو يطاحون، أو، كما في حال ميخائيل غورباتشوف، يقودون النظام إلى زواله. والتحدي الجوهري بالنسبة إلى شي هو كيفية تمكين خليفته القادم بما يكفي لضمان بقائه في منصبه بعد رحيل شي، ولكن من دون منحه قوة كبيرة قد تشكل تهديداً لشي وهو لا يزال في الحكم. وحتى إذا عين شي خليفة محتملاً في مؤتمر الحزب المقبل عام 2027، فسيظل تحقيق هذا التوازن مهمة صعبة. ولا توجد ضمانات على أن اختياره سيصمد باعتباره الوريث المنتظر. فقبْل هو جينتاو، تعرض عديد من الورثة المفترضين للتطهير أو الاعتقال أو الإبعاد أو انتهى بهم المطاف أمواتاً قبل أن يتمكنوا من الوصول إلى قمة الحزب الشيوعي الصيني.

سيكون تحدي الخلافة صعباً، لكن من غير المرجح أن يتسبب في انهيار الحزب الشيوعي الصيني، الذي نجا من أزمات أعمق بكثير مثل الثورة الثقافية وأحداث ميدان تيانانمن عام 1989. والسؤال الحقيقي هو ما إذا كانت الإصلاحات المضادة التي يقودها شي قد قوضت قدرة الحزب على التعلم من أخطائه. فللحزب الشيوعي الصيني تاريخ حافل بالأخطاء الكارثية والمكلفة، مثل برنامحه للتصنيع المعروف بـ"القفزة الكبرى إلى الأمام"، الذي أسفر عن مجاعة واسعة النطاق بين عامي 1959 و1962. لكن في حقبة ما بعد ماو، أثبت الحزب أنه مؤسسة تتمتع بقدرة عالية على التعلم. ومع أنه لا يزال يرتكب أخطاء جسيمة، مثل فشله في إعداد البنية التحتية للرعاية الصحية من أجل التعامل مع موجة الإصابات عقب التراجع الواسع النطاق عن قيود كورونا، إلا أنه نادراً ما يكرر الخطأ نفسه مرتين. فقد فوجئ قادة الحزب عندما شن ترمب حربه التجارية في ولايته الأولى، واضطروا إلى التحرك بسرعة للرد، لكن حين أعلن ترمب ما سماه برسوم "يوم التحرير" في بداية ولايته الثانية، عام 2025، كانت بكين مستعدة بسلسلة من الإجراءات المضادة التي يُمكنها تفعيلها رداً على ذلك.

وعلى رغم أن تركيز السلطة في يد شخص واحد [شخصنة السلطة] قد يحد من قدرة الصين على تصحيح أخطائها، فإن نظام السيطرة المركزي الذي أنشأه شي ما زال قادراً حتى الآن على تعديل المسار عند الحاجة. ويبدو أن جزءاً من إرث شي بوصفه نجلاً لقيادي ثوري، يكمن في إدراكه الغريزي بأن جميع من حوله لديهم حافز ليخبروه بما يرغب في سماعه. وهذا قد يفسر تعيينه مسؤولين يعرفهم ويثق بهم في جميع المناصب العليا ضمن هرم الحزب، فهؤلاء المقربون يمكنهم إخباره بالحقيقة بطرق حذرة لا تتحدى سلطته. ومن المفارقة أن المناخ السياسي المليء بالأخطار الذي صنعه شي قد يقدم له سبيلاً محتملاً للحصول على ملاحظات وآراء دقيقة. وكما فعل قادة استبداديون ناجحون آخرون، يمكن لشي أن يستغل حال انعدام الثقة التي زرعها بين مرؤوسيه لتحريك مساعديه ضد بعضهم بعضاً، واستخلاص معلومات دقيقة من مصادر قد تكون غير موثوقة في الأصل.

إن ما يعزز ثقة شي في إصلاحه المضاد هو عجز الولايات المتحدة عن أداء حتى أبسط وظائف الحكم، مثل إقرار الموازنة الفيدرالية في الوقت المحدد. فإدارة ترمب، على غرار شي، ترى أن السلطة التنفيذية أصبحت مشتتة أكثر من اللازم، وقد شرعت في القيام بجهود حثيثة لتركيز السلطة التنفيذية في يد الرئيس وإضفاء طابع شخصي عليها. فالسلطة التنفيذية الأميركية، الآخذة في التفلت من الضوابط والتوازنات، باتت تشبه تلك الموجودة في جمهوريات مضطربة ومستقطبة حَكَمها شعبويون في أميركا اللاتينية خلال معظم القرن الـ20. لكن بينما ينحرف مشروع ترمب عن الطريقة التي صُمم النظام الأميركي ليعمل بها، فإن تركيز شي للسلطة في يد الزعيم يتماشى مع الحمض النووي التشغيلي للحزب الشيوعي الصيني، الذي يميل إلى تمكين القائد الأعلى بدلاً من أن يقيده. والنتيجة أن ترمب يخلق تقلباً في السياسات واضطراباً سياسياً يقوض القدرة الأميركية، في حين أن مركزية شي قد عززت من قدرة الصين على الصمود.

هذه التطورات لا تغيب عن بال شي ورفاقه، الذين يرون، متأثرين بلينين، أن الولايات المتحدة دولة منحلة وفي حال تراجع. على مدى ربع القرن الماضي، كان كبير المنظرين الأيديولوجيين للحزب وانغ هونينغ، وهو منظر سياسي ألهمته زيارته للولايات المتحدة في أواخر الثمانينيات لتأليف كتاب بعنوان "أميركا ضد أميركا" America Against America يتناول التناقضات التي لاحظها. وقد رصد وانغ ما سماه "تيارات الأزمة الخفية" في الولايات المتحدة، وسلط الضوء على الآثار المدمرة للفردية الأميركية والعزلة التي تولدها. ويشترك شي معه في عدد من هذه المخاوف، وقد وصف الدول الغربية بأنها تعاني "أمراضاً مزمنة مثل المادية والفقر الروحي". وتشكل هذه الهواجس جوهر ما يعتبره شي علل الإصلاح التي سعى إلى معالجتها.

بينما كان شي منضبطاً ومنهجياً، كانت الولايات المتحدة مشتتة وغير متماسكة

كذلك فإن المسؤولين والمحللين الصينيين باتوا يمتلكون كماً متزايداً من الأدلة التي تغذي تقييمهم لاختلال الأداء الأميركي وتراجعه. فمنذ نهاية الحرب الباردة، أساءت الولايات المتحدة التعامل مع كل أزمة وطنية واجهتها تقريباً. وقد أدى كل من هذه الإخفاقات إلى تقويض الثقة العامة في الولايات المتحدة، سواء في الداخل أو الخارج. رداً على هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، شنت الولايات المتحدة، بناءً على ذرائع زائفة، حرباً مدمرة ومكلفة في العراق استنزفت رغبة البلاد أو قدرتها على التعامل مع تحديات مستقبلية أكثر خطورة مثل الصين. وفي استجابتها للأزمة المالية عام 2008، أنقذت واشنطن القطاع المالي لكنها لم تنقذ ضحاياه، مما فاقم عدم المساواة وولد خيبة أمل عامة. وفي مواجهة جائحة كورونا، وعلى رغم امتلاكها بعضاً من أرفع مؤسسات الصحة العامة في العالم، أساءت الحكومة الأميركية إدارة الأزمة، مما غذى مزيداً من الشكوك ونسف الثقة العامة. وعلى رغم أخطائها المتكررة، فلا تزال الولايات المتحدة قوة عظمى عالمية. لكنها تعتمد على ترف الامتيازات الموروثة: فمثل الطفل المدلل، تستطيع الولايات المتحدة أن ترتكب أخطاء فادحة من دون أن تتحمل العواقب المدمرة التي قد تواجهها دول أخرى إذا تصرفت بالطريقة نفسها.

وبينما يناقش الإستراتيجيون في واشنطن ما إذا كانت الصين قد بلغت ذروة قوتها، يخوض نظراؤهم في بكين نقاشاً مماثلاً حول الولايات المتحدة، ويتوصلون إلى استنتاجات متشابهة بصورة لافتة للنظر. لقد شخصت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الولايات المتحدة بأنها تعاني "قلق الهيمنة"، مشيرة إلى أن واشنطن غير قادرة على تقبل احتمال مواجهة عالم متعدد الأقطاب. وبينما يجادل مفكرون أميركيون، مثل هال براندز، في تحليلاتهم للصين بأن القوة التي بلغت ذروتها من المرجح أن تميل إلى التصرف بعدوانية، يخلص المراقبون الصينيون، بشكل مستقل، إلى أن واشنطن هي التي تشعر بالقلق إزاء الحفاظ على مكانتها، وأنها مستعدة بصورة متزايدة لاستخدام أي وسيلة ضرورية للحفاظ على تفوقها.

في الأعوام الأولى من الحرب الباردة، كان الإستراتيجي جورج كينان يخشى أن تفقد الولايات المتحدة ثقتها في نظامها الخاص إذا وقعت الديمقراطيات الأوروبية تحت قبضة الاتحاد السوفياتي. أما اليوم، فالتحدي هو العكس تماماً: فقد يكون فقدان الثقة الأميركية بنظامها الخاص سبباً، لا نتيجة، لخسارة الولايات المتحدة في منافستها مع الصين. وعلى النقيض من ذلك، لم تُسفر الإصلاحات المضادة التي قام بها شي، بما في ذلك حملات التطهير المستمرة والتداعيات الناجمة عن انهيار قطاع العقارات، عن أزمة ثقة في الصين. بل خلافاً لذلك، يبدو أن شي اكتسب مزيداً من الثقة لأنه يستطيع الإشارة إلى نتائج ملموسة تحققت على شكل إنجازات تكنولوجية. كما أن شي قادر على التحلي بالصبر لأن مشروعه طويل الأمد، ولأنه لا يواجه التقلبات الجامحة لنظام سياسي غير مستقر يتأرجح بين طرفين متناقضين.

وفي الواقع، تستخدم مجموعة متزايدة من المسؤولين في واشنطن خطاباً يشبه خطاب الحرب الباردة عند الحديث عن الصين، ومع ذلك لا يُظهرون رغبة تُذكَر في الاضطلاع بالمهام الصعبة والمكلفة، مثل تجديد القاعدة الصناعية الدفاعية وتعزيز سلاسل التوريد الحيوية، وهي المتطلبات التي من شأنها أن تساعد الولايات المتحدة على التفوق على الصين. إذا استمرت هذه الديناميكية، فستجد الولايات المتحدة نفسها تنتهج ما يمكن تسميته إستراتيجية "روزفلت المعكوسة": التحدث بصخب عن القوة الأميركية بينما تلوح بعصا أصغر فأصغر. فبينما كان شي جينبينغ منضبطاً ومنهجياً في جهوده لتعزيز مكانة الصين الإستراتيجية، كانت الولايات المتحدة مشتتة وغير متماسكة. وفي نهاية المطاف، فإن سوء قراءة شي وعدم فهم سياسته ورؤيته هو جزء من فشل أوسع في معالجة المشكلات التي تعانيها الولايات المتحدة نفسها.

 

جوناثان تسن يشغل كرسي مايكل أتش. أرمكوست لدراسات السياسة الخارجية، وهو زميل في مركز جون أل. ثورنتون المعني بالشؤون الصينية في مؤسسة بروكينغز. وقد شغل منصب مدير شؤون الصين في مجلس الأمن القومي بين عامي 2021 و2023، وعمل سابقاً ضمن الخدمة التحليلية العليا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

مترجم عن "فورين أفيرز"، نوفمبر (تشرين الثاني)/ ديسمبر (كانون الأول) 2025

اقرأ المزيد

المزيد من آراء