ملخص
في مقابل سياسة الانتظار التي تمارسها واشنطن، فإن التحالف الذي تحاول طهران تكريسه مع موسكو وبكين، يهدف إلى تكريس مفهوم عدم قانونية خطوة الـ"ترويكا" الأوروبية بالتنسيق مع واشنطن في مجلس الأمن.
على رغم مؤشرات عدة تعزز الاعتقاد بوجود مساعٍ دولية للدفع باتجاه إعادة إحياء مسار التفاوض بين واشنطن وطهران بالاعتماد على الحراك الدبلوماسي العربي والإقليمي والدولي نحو طهران، وانطلاقاً من رغبة هذه الأطراف في إبعاد المنطقة من دائرة حرب معقدة وتداعيات صعبة، فإن أياً من الطرفين المعنيين بهذا الحراك، الأميركي والإيراني، لا يبدي أية رغبة علنية في استنئاف المفاوضات والحوارات، ويتمترس خلف متاريس شروطه المسبقة، على أمل في توظيف ما يملكه من أوراق ضغط في دفع الطرف الآخر إلى التراجع والقبول والمواقفة على شروطه ومطالبه ورؤيته للحل الذي يضمن له تحقيق أعلى مستوى من النقاط.
إيران التي استقبلت وزراء خارجية سلطنة عمان ودولة باكستان، وعلى تواصل شبه دائم عبر وزارة الخارجية مع نظيرتها الخارجية المصرية وتنسيق تام مع السعودية، لا تخفي رغبتها في العودة لطاولة التفاوض إذا ما قدم لها الجانب الأميركي اقتراحاً عادلاً وقابلاً للتطبيق بما يحفظ حقوقها النووية والدفاعية، بحسب تعبير وزير الخارجية عباس عراقجي، خصوصاً أن شبح الحرب وإمكان تعرضها لهجوم جديد جعلاها تعيش في حال من عدم الاستقرار والترقب ترفع مستوى التحديات الداخلية.
المرشد الأعلى للنظام، وعلى رغم السقف العالي الذي رسمه خلال مواقفه الأخيرة عندما ألمح بوضوح إلى فشل الضربة الأميركية في القضاء على أنشطة تخصيب اليورانيوم، تاركاً الرئيس الأميركي دونالد ترمب "يعيش في أوهامه" بنجاح الهجوم العسكري، رفض أيضاً التفاوض الذي يريد ترمب فرضه على إيران بشروطه، وأن يصل إلى النتيجة التي حددها مسبقاً. لكنه في المقابل لم يذهب إلى موقف تصعيدي مقفل أو حاسم من إمكان التفاوض، مما يعني أنه والسلطة الإيرانية بانتظار الحصول على إشارة من واشنطن بالتخلي عن شروطها المسبقة، بما يمهد الطريق أمام إعادة إحياء مسار التفاوض على معطيات جديدة ومختلفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعتقد طهران بوجود اختلاف في المواقف داخل الإدارة الأميركية في الموضوع الإيراني، بين توجه المبعوث الخاص للرئيس ستيف ويتكوف الذي يعبر عن سياسة ترمب التسووية، وما عبر عنه باستعداد أميركا لتسوية إقليمية واسعة وكبيرة، وبين توجه ماركو روبيو الذي يعبر عن موقف وزارة الخارجية التي تتبنى سياسة الضغط إلى الحد الأقصى لإجبار إيران على قبول شروط واشنطن.
وإضافة إلى ذلك، فإن الرهان الإيراني على حصول تعديل في موقف واشنطن ينطلق أيضاً من التطورات الدولية والإقليمية التي تشهدها أكثر من ساحة، فضلاً عما تعتقده طهران بأنها قادرة على تجاوز وعبور العقوبات الاقتصادية التي أعيد فرضها عليها من خلال بناء تحالفات أكثر عمقاً مع الدول المؤثرة التي تعاني سلاح وسياسة العقوبات التي تمارسها واشنطن، خصوصاً روسيا والصين.
وفي مقابل سياسة الانتظار التي تمارسها واشنطن والتي تراهن فيها على تفاقم الأزمات الاقتصادية في الداخل الإيراني بعد إعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي، وأيضاً نتيجة الحصار والعزلة الإقليمية التي تمر بها إيران على مستوى النفوذ الإقليمي بعد التوقيع على خطة سلام غزة في شرم الشيخ، والضغوط التي تمارس على حليفها الرئيس في لبنان، فإن التحالف الذي تحاول طهران تكريسه مع موسكو وبكين، يهدف إلى تكريس مفهوم عدم قانونية خطوة الـ"ترويكا" الأوروبية بالتنسيق مع واشنطن في مجلس الأمن، وأن ما بعد الـ18 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري يعد نهاية لفاعلية القرار 2231 الراعي للاتفاق النووي، مما يعني انتهاء فاعلية كل قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت منذ عام 2006 ضد إيران، بما فيها القرار الأخطر رقم 1929 الذي يضع إيران تحت البند 41 من الفصل السابع.
ومستوى الثقة الإيرانية بالقدرة على تعطيل أية خطوة دولية في مجلس الأمن، يعتمد على الدور الذي ستقوم به موسكو وبكين في التصدي لأية محاولة لاستصدار قرارات ضد طهران عبر استخدام حق الـ"فيتو"، بخاصة أن هذه المرحلة وما تواجهه موسكو من ضغوط نتيجة حربها في أوكرانيا من واشنطن وأوروبا، وبكين من سياسات ترمب وحربه الاقتصادية ضدها، لن تدفعهما إلى ممارسة الدور نفسه الذي مارستاه سابقاً عندما صوتتا لكل قرارات مجلس الأمن ضد إيران.
هذه الثقة بما يمكن تسميته "تحالفاً ثلاثياً" بين طهران وموسكو وبكين، شكل أحد الأبعاد الأساسية، والخلفية التي اعتمد عليها المرشد في التمسك برفض الشروط الأميركية لاعتقاد طهران بأن واشنطن لن تكون قادرة على إجبارها على التخلي عن أنشطة تخصيب اليورانيوم على أراضيها وإعادة ترميم ما دمر منها، أو الحد من قدرات برنامجها الصاروخي من دون تعاون من موسكو وبكين، بخاصة أن ما تسعى إليه طهران وتريده واشنطن يتجاوزان مسألة التوصل إلى اتفاق نووي جديد نحو اتفاق إقليمي شامل يسمح للإدارة الأميركية بأن تستكمل ما بدأته في غزة، ويحفظ لطهران ما بقي لها من دور ونفوذ إقليميين يساعدانها في تعزيز موقعها ضمن المعادلات الدولية الجديدة إلى جانب حليفيها الروسي والصيني.
إيران، سواء النظام أو الحكومة ومعهما الإدارة الدبلوماسية، تدرك أن الخيارات أمامها لن تكون يسيرة أو كما ترغب، فهي وإن كانت قد أسقطت من حساباتها أي دور للـ"ترويكا" الأوروبية بالقيام بدور الوسيط، انطلاقاً من الدور السلبي الذي اضطلعت به في تنفيذ الإرادة الأميركية باستكمال محاصرتها. بالتالي فهي بحاجة إلى إعادة تعريف علاقتها بالوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدرجة الأولى، وما فيها من آليات الرقابة والتفتيش على منشآتها النووية المتضررة أو الجديدة والبديلة، حتى إن كانت ترى بالتنسيق مع موسكو وبكين أن ملفها قد خرج من نطاق مهمة مجلس حكام الوكالة الدولية بعد انتهاء مدة القرار الأممي 2231، بالتالي بات على مدير الوكالة رفائيل غروسي العودة لممارسة دوره التقليدي وليس الرقابي.
هذه التحديات، وما يرتبط بإعادة تعريف هذه العلاقات، تستلزم أيضاً مستوى مختلفاً من التعاطي مع الملفات الإقليمية، فلا تعود للقيام بدور معرقل للمسارات التي بدأت من شرم الشيخ وتشكل أحد أهم طموحات الرئيس الأميركي ورغبته في تحقيق سلام إقليمي قادر على الاستمرار، يمهد الطريق أمام تفكيك الموقف الأميركي السلبي والمتشدد الذي قد يجد ترجمته من خلال لجوء الإدارة الأميركية إلى تدوير زوايا مواقفها، بما يسمح بالانتقال إلى التفاوض المباشر والتأسيس لمرحلة جديدة قد تساعد في دمجها، أي إيران، في محيطها والمجتمع الدولي معاً.