Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تلعب طهران ورقتها الدبلوماسية الأخيرة؟

تخوض الجمهورية الإيرانية اختباراً محسوباً بعناية

وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي متحدثاً خلال لقاء مع أعضاء السلك الدبلوماسي في طهران، في 5 أكتوبر الحالي (وكالة أنباء غرب آسيا/ رويترز)

ملخص

تؤكد تصريحات رسمية وأحاديث محليين أن الجمهورية الإيرانية تحافظ على توازن دقيق بين الضغط الداخلي والخارجي مع إبقاء قنوات تفاوضية مفتوحة خلف الكواليس، فهل ستنجح في تحويل أي ضعف دولي إلى نفوذ؟

الإعلان المفاجئ للجمهورية الإيرانية عن اعتبار اتفاق القاهرة مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" لاغياً في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 2025، يضع الساحة الدبلوماسية أمام اختبار دقيق لقدرة طهران على المناورة تحت الضغط الدولي، وفي اليوم ذاته الذي جرى فيه هذا الإعلان، دانت إيران إعادة فرض العقوبات الأوروبية مؤكدة موقفها الثابت في مواجهة الضغوط الغربية، وهذا الموقف ليس مجرد رد فعل بل جزء من إستراتيجية دبلوماسية إيرانية متقنة تهدف إلى اختبار ردود الفعل الدولية وخلق مساحات تفاوضية جديدة، من دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة، مما يعكس قدرة إيران على المزج بين التصعيد والسيطرة على الملفات الحساسة في شكل متوازن.
واليوم وكما يبدو لا يقتصر التصعيد الإيراني على رفض الاتفاق الذي جرى بوساطة مصرية، والذي ينص على "استئناف التعاون الفني بين الطرفين في المجال النووي واستئناف عمليات التفتيش على المنشآت النووية الإيرانية"، بل يتضح أيضاً في كيفية إدارة طهران لأزمات عدة في الوقت ذاته، وهذا يطرح سؤال: هل ستنجح الجمهورية الإيرانية في تحويل أي تصعيد خارجي إلى مكاسب إستراتيجية من دون دفع ثمن داخلي؟ والإجابة تكمن في قدرتها على الموازنة بين المفاوضات الرسمية والتنسيق غير المباشر مع القوى الكبرى، فكل خطوة محسوبة لتعظيم النفوذ وتقليل الأخطار، إذ إن الجمهورية الإيرانية تخوض اختباراً دبلوماسياً محسوباً بعناية، يهدف إلى إدارة موازين القوى الإقليمية بدقة تشمل خطواتها اتصالات رسمية مع الاتحاد الأوروبي حول الاتفاق النووي، ومفاوضات معلنة مع روسيا والصين لضمان استمرار الموارد، وتنسيق محدود مع شركاء إقليميين، مما يسمح بالضغط من دون مواجهة مباشرة.

ماذا يعني هذا التحرك للموازين الإقليمية؟

إنه يظهر سياسية طهران في استثمار كل تفاعل سياسي واقتصادي لتعزيز موقفها التفاوضي، وهو ما يجعلها خصماً صعباً إلى حد ما، حتى على أكثر الأطراف خبرة في المنطقة، وخصماً لديه في كل مرة ورقة دبلوماسية يحركها على طريقته، ومع التغيرات الأخيرة المتعلقة بـ "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" والعقوبات، فكل خطوة دبلوماسية أو اقتصادية تصبح أداة تفاوضية دقيقة، إذ تحوّل الجمهورية الإيرانية كل مؤشر دولي أو محلي إلى قوة ضغط دبلوماسي، من دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة، وهنا يبدو التساؤل كيف قد ترد القوى الكبرى؟
يبدو أن ردود الفعل الأوروبية المتحفظة وعدم إقدامها على تصعيد مباشر توافر لطهران مساحة لإعادة ترتيب أوراقها وتحقيق نفوذ إستراتيجي أكبر، ونعم القدرة الإيرانية على المراوغة واضحة في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية، حيث أي توتر اقتصادي أو اجتماعي يُقرأ كفرصة لفهم ردود الفعل الدولية وقياس حدود التحركات الدبلوماسية الممكنة، والتصريحات الرسمية وأحاديث المحليين تؤكد أن الجمهورية الإيرانية تحافظ على توازن دقيق بين الضغط الداخلي والخارجي، مع إبقاء قنوات تفاوضية مفتوحة خلف الكواليس، فهل ستنجح في تحويل أي ضعف دولي إلى نفوذ؟ وحتى الآن يبدو أن الإجابة تميل إلى نعم بالنظر إلى مهارتها في إدارة الأزمات المتزامنة.

وعلى جانب آخر نجد مصادر أوروبية تشير إلى قلق داخل أجهزة الاستخبارات من قدرة الجمهورية الإيرانية على إدارة أزمات متزامنة من دون انهيار فعلي، مما يدفع بعض العواصم إلى اختبار ممرات خلفية للتهدئة بدلاً من التصعيد المباشر، وهذه المراوغة تظهر براعة إيران في تحويل أي مؤشر داخلي إلى أداة ضغط دبلوماسي، وتؤكد أن قدرتها على المناورة السياسية ليست مجرد حيلة بل إستراتيجية مسبقة.
الخطوات الاقتصادية والسياسية الإقليمية تعكس أيضاً الذكاء الاستراتيجي نفسه، فالاتفاقات المحدودة مع روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، إضافة إلى تعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة وتأمين طرق التجارة البحرية الحيوية، توضح كيف يمكن لطهران الضغط من دون الدخول في مواجهات مباشرة، مع إبقاء الخيارات مفتوحة للتفاوض والتحرك السياسي، وكيف ستستجيب القوى الإقليمية لهذه المراوغات الذكية، والإجابة تتوقف على استعداد هذه القوى لتقدير حدود التحركات الإيرانية من دون الدخول إلى مواجهة قد تخل بمصالحها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمفاجأة تكمن في قدرة إيران على دمج كل هذه الأدوات، من احتجاجات الداخل والضغوط الاقتصادية والتحركات الإقليمية والدبلوماسية المعلنة، لتبقى دائماً خطواتها محسوبة وتحقق أكبر تأثير ممكن، وأي خطأ من الأطراف الأخرى قد يؤدي إلى تصعيد، لكن الجمهورية الإيرانية تبدو حتى الآن قادرة على الحفاظ على المرونة والضغط في الوقت ذاته.
الاختبار الدبلوماسي الإيراني ليس مجرد مناورة عابرة بل هو استمرار لقدرة إيران على إدارة الضغوط الدولية والإقليمية في وقت واحد، وكل خطوة معلنة وكل تحرك سياسي وكل تصريح رسمي يُقرأ كإشارة واضحة إلى قدرتها على استثمار أي ضعف أو تردد خارجي لمصلحتها، فهل ستتمكن إيران من تحويل أي تردد دولي إلى نفوذ سياسي حقيقي؟

المؤشرات حتى الآن تشير إلى أن مراقبة تحركاتها ستظل مفتاحاً لفهم احتمالات الصراع والتحالفات المقبلة في المنطقة، وباختصار فإن إيران لا تخوض اختباراً عادياً بل اختباراً دبلوماسياً متكاملاً، وكل تحرك وكل تصريح وكل خطوة اقتصادية أو سياسية تُقرأ ضمن هذا الاختبار الذي يكشف عن براعة الجمهورية الإيرانية في المناورة، وتحويل كل أزمة إلى أداة تفاوضية قوية من دون الحاجة إلى مغامرات غير مؤكدة.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء