ملخص
لم يكد العالم يفيق من هول هذه المفاجأة حول قدرة هذا الصاروخ على التحليق في الجو لمدة 15 ساعة تقريباً، وقطع مسافة 14 ألف كيلومتر في أقل تقدير، فضلاً عن قدرته على المناورات الرأسية والأفقية اللازمة والإفلات من أنظمة الصواريخ والدفاع الجوي، حتى عاد ترمب ليعلق بالقول "إنهم يتلاعبون بنا".
لم يكن العالم قد أفاق من دهشته إزاء تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترمب حول اقتراحه في شأن اللقاء مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة المجرية بودابست، حتى أعقب ذلك القرار بإعلانه فرض عقوباته الجديدة ضد كبريات شركات النفط الروسية، وهو ما رد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بما قاله حول انتهاء الاختبارات الحاسمة لصاروخ "بوريفيستنيك" المجنح النووي غير المحدود المدى.
ولم يكد العالم يفيق من هول هذه المفاجأة التي أذاع تفاصيلها رئيس أركان القوات الروسية الجنرال فاليري غيراسيموف، بما قاله حول قدرة هذا الصاروخ على التحليق في الجو لمدة 15 ساعة تقريباً، وقطع مسافة 14 ألف كيلومتر في أقل تقدير، فضلاً عن قدرته على المناورات الرأسية والأفقية اللازمة والإفلات من أنظمة الصواريخ والدفاع الجوي، حتى عاد ترمب ليعلق بالقول "إنهم يتلاعبون بنا ونحن لا نتلاعب بهم"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة لا تعتقد بضرورة تطوير صواريخ فائقة المدى في سباق التسلح مع روسيا، إذ توجد قبالة سواحلها أفضل غواصة نووية أميركية في العالم".
هل انتهى العسل؟
في ما بدا وكأنه تحول عن مشاعر الأمس القريب التي طالما أعرب عنها كلا الزعيمين ترمب وبوتين منذ لقائهما في هلسنكي في أغسطس (آب) 2018، فاجأ الرئيس الأميركي العالم بقراره حول إلغاء أو تأجيل قراره حول "قمة بودابست" التي سبق وطرحها على نظيره الروسي خلال مكالمتهما التلفونية الأخيرة، وكانت الأطول في سلسلة مكالماتهما منذ توليه مهام منصبه لفترة ولاية ثانية. وهو ما كان نقطة البداية للتحول في علاقات الزعيمين وما أصابها من صدع لم يفلح في رأبه ما قاله كل منهما حول ما يكنه من مشاعر تجاه الآخر.
ها هو ترمب يعود إلى ما عهده العالم عنه من تقلبات في المشاعر وتناقض في المواقف بانتقاده إعلان الرئيس بوتين عن اختبارات صاروخه المجنح " بوريفيستنيك"، ووصفه له بأنه "غير مناسب". فضلاً عما أدلى به من تصريحات على متن طائرته الرئاسية خلال رحلته الآسيوية الأخيرة حول "أنهم يعلمون أن لدينا غواصة نووية هي الأفضل في العالم قبالة سواحلهم مباشرة. لذا، لسنا بحاجة إلى صاروخ يقطع مسافة ثمانية آلاف ميل. إنهم يتلاعبون بنا، ونحن لا نتلاعب بهم".
وأضاف ترمب أنه "لا يعتقد أن من اللائق أن يدلي بوتين بمثل هذه التصريحات، وعليه أن ينهي الحرب، فالحرب التي كان من المفترض أن تستمر أسبوعاً دخلت الآن عامها الرابع. هذا ما يجب أن يفعله، لا أن يختبر الصواريخ".
وكان ترمب سبق وانتقد قدرات روسيا المسلحة ووصفها بأنها "نمر من ورق"، كذلك انتقد عجزها عن إنهاء حربها مع أوكرانيا خلال أسبوع، وإن عاد في اليوم التالي ليقول إن القوات الروسية "ليست نمراً من ورق". ونشير أيضاً إلى ما قاله في معرض رده على سؤال حول ما إذا كان ينبغي للاتحاد الأوروبي استخدام الأصول الروسية المجمدة كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، من أن ذلك مسؤولية الاتحاد الأوروبي، وأن الولايات المتحدة لا تتدخل في هذا القرار، في الوقت الذي حاول التهرب من الإجابة على أسئلة أحد الصحافيين المرافقين له على متن طائرته الرئاسية، حول ما إذا كان يزمع فرض عقوبات جديدة ضد روسيا.
صاروخ "بوريفيستنيك"
دأب الرئيس بوتين منذ أعلن عن خطه الاستراتيجي رداً على قرار نظيره الأميركي السابق جورج بوش الابن في ديسمبر (كانون الأول) 2001، حول الخروج من معاهدة الحد من الأنظمة الصاروخية المضادة للصواريخ الباليستية لعام 1972، على العمل من أجل تطوير القدرات العسكرية لبلاده بما تستطيع معه مواجهة القدرات العسكرية الغربية. ونذكر ما قاله بوتين في حديثه مع جورج بوش الابن حول أن مثل هذا القرار قد يكون دافعاً نحو سباق تسلح جديد، وهو ما رد عليه الرئيس الأميركي السابق بما معناه "فليكن الأمر كذلك إن كنتم تستطيعون".
ولعلنا جميعاً نتذكر ما عاد إليه بوتين ليعلن عن قراره الشهير في خطابه التاريخي الذي ألقاه في مؤتمر الأمن الأوروبي بميونيخ في فبراير (شباط) 2007، حول رفضه للعالم الأحادي القطب، ولانفراد دولة بعينها بالقرار الدولي بعيداً من الشرعية الدولية، وإصراره على ضرورة بناء عالم متعدد الأقطاب.
منذ ذلك التاريخ بدأ التفكير في مثل ذلك الصاروخ ليصبح جزءاً من الاستراتيجية الرامية إلى تعزيز القدرة الدفاعية لروسيا، ومنع أي عدوان محتمل ضدها وحلفائها. وننقل عن وكالة أنباء "تاس" الرسمية الروسية ما قاله رئيس أركان القوات الروسية المسلحة الجنرال فاليري غيراسيموف حول "نجاح اختبار أول صاروخ بمحرك نووي في العالم قطع مسافة 14 ألف كيلومتر، وحلّق بشكل أفقي ومتعرج المسار لمدة 15 ساعة، مع اجتيازه كافة الأنظمة الرادارية خلال تحليقه في مسارات متعرجة وأفقية مختلفة، قبل أن يصل إلى هدفه المفترض بدقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار غيراسيموف إلى أن الخصائص التكتيكية والفنية للصاروخ تتيح استخدامه بدقة مضمونة لضرب الأهداف المحصنة مهما كانت مسافة وجودها بالعالم. وفي هذا الصدد قال بوتين أيضاً إنه لا مثيل لهذا الصاروخ في العالم بأسره، وإن التفكير فيه بدأ منذ عام 2018. وكان بوتين سبق وأعلن عن انتهاء الاختبارات الختامية للصاروخ المجنح الروسي "بوريفيستنيك" (نذير العاصفة)، وهو مجهز بمفاعل نووي. وقال إنه يمثل تطوراً فريداً لا مثيل له في العالم. بينما كان الخبراء الأجانب يشككون في ما سبق بإمكانية صنع مثل هذا السلاح، معتبرين مثل هذا المشروع شبه مستحيل. لكن الصناعة ووزارة الدفاع الروسيتين أثبتتا العكس.
وننقل عن صحيفة "أزفيستيا" ما نشرته حول أن "بوريفيستنيك" صاروخ مجنح عابر للقارات مزود بمحرك نووي وبمدى تحليق غير محدود عملياً. كذلك أشارت الصحيفة إلى أن هذا الصاروخ قطع أثناء الاختبارات ما يزيد على 14 ألف كيلومتر في 15 ساعة، بسرعة تقل عن سرعة الصوت، وهو يشبه صاروخ "توماهوك" الأميركي، ولكنه قادر على البقاء في الجو إلى ما لا نهاية عملياً، إلى جانب قدرته على تجنب أية أنظمة دفاع جوي أو مضادة للصواريخ. ومن المقرر أن يدخل الخدمة في الجيش الروسي بعد عام 2027، بخاصة إذا لم توافق الولايات المتحدة على اقتراح روسيا بتمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية الهجومية. وفي الغرب يُطلق عليه اسم "صاروخ يوم القيامة".
وقالت الصحيفة الروسية شبه الرسمية إنه "يتوافر حالياً في الجيش الروسي نسخة نووية فقط من (نذير العاصفة)، الأمر الذي يمثل نزعة جديدة في تطوير القوات النووية الاستراتيجية الروسية. أما عن المواصفات الرئيسة لهذا الصاروخ فإنه يتميز بوجود المحرك النووي الخاص به، مما يمنحه مدى عمل غير محدود عملياً ويعقّد إلى حد بعيد اكتشافه بواسطة رادارات العدو. كما يبلغ طوله نحو 12 متراً مع المسرع، ونحو 9 أمتار بعد انفصاله. وجسم الصاروخ له شكل بيضاوي، ويوفر المسرع ذو الوقود الصلب عملية الإطلاق، بينما يوفر مفاعل نووي هوائي منخفض الطاقة الدفع الرئيسي، ويقوم بتسخين تدفق الهواء إلى درجات حرارة عالية.
ويحلق الصاروخ على ارتفاع يتراوح بين 10 و50 متراً في نطاق دون سرعة الصوت. ويتم إطلاقه من منصات أرضية، والغرض منه ضرب الأهداف الاستراتيجية والصناعية الكبرى". ومن المواصفات الأخرى لهذا الصاروخ المحرك النووي التوربيني النفاث، فقد يستمر تحليقه لأشهر، كذلك فإن سرعة تحليقه تبلغ 850 – 1300 كيلومتر/ ساعة، على ارتفاع 25 – 100 متر، فضلاً عن قدرته على حمل رأس حربي نووي.
"توماهوك" و"بوريفيستنيك"
عاد الحديث مجدداً حول ما تمتلكه روسيا من أسلحة حديثة، رداً على ما يتردد في الأوساط الغربية في شأن قدرات صواريخ "توماهوك" الأميركية التي تطالب بها القيادة الأوكرانية للوصول إلى أعماق الأراضي الروسية. وفي هذا الصدد ننقل عن وكالة "تاس" ما قاله سيرغي ستيباشين رئيس الحكومة الروسية السابق حول أن "من غير المرجح أن يجرؤ العدو على استخدام صواريخ (توماهوك) فلدينا (بوريفيستنيك)، كما أنه من غير المرجح أيضاً أن يجرؤ الخصوم على استخدام صواريخ (توماهوك) لشن ضربات في عمق روسيا".
ورداً على سؤال لوكالة "تاس" عما إذا كانت روسيا ستطبق "استراتيجية الرد" في حال تزويد كييف بصواريخ "توماهوك"، قال ستيباشين "أنا مقتنع بأن صواريخ (توماهوك) لن تطير إلى عمق روسيا. استمعوا إلى ما قاله الرئيس بوتين حول أن لدينا أيضاً (بوريفيستني)".
وكان بوتين أعلن في مارس (آذار) 2018، خلال خطاب أمام الجمعية الاتحادية، "أنه تم تطوير وحدة طاقة نووية صغيرة الحجم في روسيا يمكن استخدامها في صاروخ مجنح، مما يمنحه مدى غير محدود عملياً". وأضاف أن الصاروخ "سيكون منخفض التحليق، خفياً، بمسار طيران غير متوقع، وسيحمل رأساً حربياً نووياً".
وفي هذا الصدد يقولون في روسيا إنه وبموجب نتائج التصويت على موقع وزارة الدفاع الروسية، حصل الصاروخ على اسم "بوريفيستنيك" (طائر النوء أو نذير العاصفة). مما يعد سابقة في تاريخ روسيا بأن يتم اختيار اسم للسلاح عبر تصويت شعبي، في حين كان العسكريون هم من يحددون مثل هذه الأمور في السابق.
وهنأ الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف أصدقاء روسيا على إجراء اختبارات ناجحة للصاروخ الجديد "بوريفيستنيك". وكتب في منشور عبر منصة "إكس"، "نهنئ جميع أصدقاء روسيا على الاختبار الناجح للصاروخ المجنح ذي المدى غير المحدود (بوريفيستنيك) بمحرك نووي ورأس حربية".
وكعادته منذ ترك موقع الرئاسة وتخلى عن توجهاته الليبرالية السابقة، قال ميدفيديف إن الرئيس الأميركي ترمب انحاز بقراراته حول إلغاء "قمة بودابست" وفرض عقوباته ضد موسكو، بما يسمح لروسيا بضرب جميع أوكار النازيين في كييف بمختلف الأسلحة، من دون الالتفات إلى أية مفاوضات لا جدوى منها.
من جانبه، اعترف البنتاغون بأن صاروخ "بوريفيستنيك" قادر على تمكين الضربات من أي اتجاه تقريباً "بفضل مداه واستقلاليته الاستثنائيين" مما يجعله عنصراً مهماً في الردع الاستراتيجي".