Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب كر وفر بالمسيرات بين أوكرانيا وروسيا من مخابئ تحت الأرض

تواكب "اندبندنت" قوات المشاة في أوكرانيا قرب زابوريجيا جنوب البلاد، فيما يتموضعون داخل مخبأ من الطين لقضاء ليلة يشنون خلالها هجمات قاتلة بطائرات مسيرة ضد عدوهم الروسي الذي لا يبعد عنهم سوى بضعة كيلومترات

رمضان يصنع مفجراته الخاصة ويبتكر أنواعاً جديدة من القنابل الحارقة في مرأب جنوب زابوريجيا (اندبندنت)

ملخص

تخوض وحدات أوكرانية حرباً شرسة بطائرات مسيرة تطلق من مخابئ تحت الأرض قرب زابوريجيا، حيث يصنع الجنود أسلحتهم يدوياً ويشنون هجمات دقيقة ضد القوات الروسية، في مواجهة متواصلة تعكس كيف غيرت التكنولوجيا الميدانية موازين الحرب وحولت ساحة القتال إلى صراع بين الآلات والعقول.

يقفز رمضان من جهة إلى أخرى داخل ورشة عمله في المرأب بحماسة وفرح، ويستعرض قنبلة هاون زرقاء صغيرة من "هولندا أو بولندا"، وقذيفة ضخمة ذيلها رفيع ورأسها منتفخ مصدرها أميركا، وقنابل يدوية أوكرانية شديدة الانفجار مصنوعة خصيصاً، وحتى لغماً مضاداً للدبابات- وكل هذه الذخيرة مخصصة من أجل إلقائها فوق رؤوس الروس.

يخوض جندي المشاة السابق الحرب منذ ثلاثة أعوام ويقول إنه يفتقد الإثارة التي يولدها القتال المباشر ولكنه يقول، بصفته مسؤولاً عن تصنيع الأسلحة في فريق مكون من أربعة رجال يشغلون طائرات قتالية من دون طيار في وحدة الطائرات المسيرة "تايفون" التابعة للحرس الوطني، "هذه أفضل الطرق لقتل الروس".

في حرب تتسم جبهات القتال فيها بالارتجال المستمر، أصبحت قيمة الورشات المماثلة لمرأب رمضان - حيث يصنع مفجراته الخاصة ويبتكر أنواعاً جديدة من القنابل الحارقة - تضاهي مراكز الأبحاث الصناعية والعسكرية التي تقدر قيمتها بمليارات الجنيهات في دول حلف شمال الأطلسي.

بدأت حرب المسيرات على يد الجنود الأوكرانيين الذين يمولون أنفسهم بأنفسهم، إذ عدلوا الألعاب المدنية وحولوها إلى أسلحة فتاكة. وتمتلك كييف الآن القدرة على إنتاج ملايين المسيرات، ولكن على جبهات القتال لا يزال هذا النموذج يمثل مشروعاً رائداً فتاكاً ومذهلاً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن قائد "فريق غراي" الذي ينتمي إليه رمضان هو ضابط مشاة سابق يكبره سناً، لن نذكر اسمه، يخوض الحرب منذ 10 أعوام فيما يعيش بعض أفراد عائلته تحت الاحتلال الروسي في دونباس. وهو ينتظر في مخبأ غير بعيد ولكنه يقع ضمن نطاق عمل العدو في كاميانسكي، جنوب زابوريجيا.

حاول الجيش الروسي اختراق الخطوط الأوكرانية هنا طوال الأسابيع الثلاثة الماضية. واستخدم المدرعات في هجماته لكن تقدمه تعثر بسبب الطائرات المسيرة وقوات المشاة الأوكرانية - وهو يتقدم تارة ويتراجع طوراً مقابل كلفة باهظة ودموية.

حمل رمضان في شاحنته بطاريات المسيرات بحجم حقائب اليد وصناديق مليئة بالقنابل وانطلق للانضمام إلى طاقمه. قطع الأميال القليلة الأخيرة على طرق مليئة بالحفر والمسارات الترابية بسرعة مذهلة تحت جنح الظلام الذي لا يضيئه سوى أضواء الشاحنة الجانبية. يفضل رمضان أن يقضي في حادثة سير على أن يموت في غارة من مسيرة روسية، فيما تعتبر هذه المنطقة ميدان القنص للمسيرات الروسية التي تستخدم تقنية الرؤية المباشرة (من منظور الشخص الأول FPV).

يعمل الفريق تحت ضوء المصابيح الحمراء ويقوم بتفريغ حمولة المركبة المخفية تحت شبكة مموهة، ثم يتجه الجميع إلى منطقة غابات. تطلق المدفعية الأوكرانية قذائف متفرقة إلى الجنوب - فيتجاهل أفراد الطاقم أصوات الانفجارات ويتمتمون بانزعاج. فالمدفعية تجذب الطائرات المسيرة الروسية ناحيتها.

يقول أحدهم قاطعاً الصمت الذي يلي دوي الانفجارات "جيران صاخبون".

في شبه صمت، ينزعون المشمع عن طائرة تايفون ويتفحصونها استعداداً لعمليات الليل. أوكلت إليهم خمس مهام مع أهداف حددها نظام الاستخبارات الأوكراني. كما عليهم التعامل مع التقارير المباشرة حول تحركات القوات الروسية.

يخبئ رمضان بعض القنابل تحت شجيرة استعداداً لتجهيز الطائرة الرباعية المراوح، وهي صندوق مربع بمساحة تقارب ستة أقدام مربعة (أي بعرض نحو 75 سنتيمتراً)، مصنوعة من قضبان ألياف الكربون المتشابكة بطريقة تشبه تركيب مجموعات "ميكانو" Meccano المعدنية، وتتدلى منها مجموعة من الهوائيات أشبه بكتلة شعر كثيف.

يتحكم بها من بعد من داخل مخبأ مربع لا يتجاوز طوله وعرضه ثلاثة أمتار حفر يدوياً في الأرض وسقف بالتراب وجذوع الأشجار. نصف المساحة يشغله حاسوب يعرض بثاً حياً من كاميرا "تايفون" يستخدمه الطيار آفي لتوجيهها.

يظهر جهاز كمبيوتر آخر شاشات عدة تنقل بثاً من طائرات مسيرة تحلق فوق ساحة المعركة. ومن المثير للقلق أن بعض هذه الطائرات هي طائرات روسية مقاتلة مسيرة بالرؤية المباشرة تبحث عن أهداف تضربها - مثل مخبأ طاقم غراي.

يحمل رمضان ومساعده طائرة تايفون إلى حقل، ويستعينان بمشابك لتثبيت قنبلتين إلى أسفلها بسرعة ثم يجهزانها على ضوء مصابيح الرأس الحمراء التي يرتديانها. فور عودتهما إلى المخبأ، يقلع آفي بالمسيرة.

بعد بضع دقائق، تتعطل أجهزة الملاحة في طائرة تايفون وتتوقف البوصلة عن العمل. لقد تشوشت الإشارة بسبب معدات أوكرانيا نفسها، وأخذت الطائرة تترنح وتتمايل بينما كان آفي يكافح للسيطرة عليها بضبط أجهزة التحكم بلمسات خفية بين إبهامه وسبابته.

وتمتم قائلاً "يجب أن أعيدها إلينا".

سرعان ما أصبح صوت مسيرة تايفون واضحاً فوق المخبأ. وهي تحمل قنبلة اختراق وأربعة كيلوغرامات من المتفجرات الشديدة القوة المصممة لقتل الروس في حفرة تشبه هذه الحفرة.

يسود الصمت بينما يعيد آفي الطائرة إلى الحقل - يرتعش العشب في الفيديو الأحادي اللون الذي يظهر هبوطها - فالقنابل ليست آمنة قبل أن يزحف رمضان إلى الخارج ليفك الصواعق ويعيد تثبيت دبابيس الأمان فيها.

يزفر جميع من في المخبأ زفرة ارتياح، وعندما يعلو بعد بضع دقائق صوت طقطقة يدل بصورة مؤكدة على انفجار قذيفة مدفعية قادمة في مكان قريب، لا يلاحظه أحد.

وسرعان ما تعود المسيرة إلى الإقلاع مرة أخرى، وهي الآن مزودة بثلاث قنابل وأوامر بضرب ما يشتبه في أنه مخبأ روسي آخر في كاميانسكي.

يحلق آفي بالطائرة فوق القرية. ويزيد بث الفيديو بالأبيض والأسود من قوة مشهد الرعب في الأسفل. فكما هي الحال في القسم الأكبر من خط الجبهة البالغ طوله 1300 كيلومتر في أوكرانيا، تدور الحرب وسط الأنقاض. تحاول مجموعات صغيرة من قوات المشاة الاختباء في أكوام من ركام الحجارة والأخشاب المكسورة في الأسفل.

الهدف مكان يشبه ثقباً أسوداً. تشير الاستطلاعات السابقة إلى أن رجلين يختبئان في مخبأ تحت مجموعة متشابكة من دعامات السقف هنا. يلقي آفي ثلاث قنابل. كل قنبلة تتفتح على شكل زهرة على الشاشة عند انفجارها.

يعبر رمضان عن سعادته، لأن متفجراته نجحت. في المقابل، لا يبدو آفي، وهو مهندس بالأساس، مزعوجاً من فكرة أنه ربما يكون قد قتل بعض البشر.

"لقد قدموا إلى هنا بهدف قتلنا والاستيلاء على أراضينا. وسوف أقتل أكبر عدد ممكن منهم"، يقول فيما يقوم بتمارين رياضية سريعة بين الطلعات الجوية التي تستمر مدة ساعة أو أكثر.

يسير الروس طائرات اعتراضية من دون طيار في المنطقة، كما شنوا سلسلة من الغارات الجوية في المناطق المجاورة. يمكننا رؤية دخانها على بعد بضعة أميال من خلال الشاشة الأرضية الموجودة في الأشجار خارجاً. ونشعر بترددات الانفجارات من الأرض.

يقول قائد فريق غراي "تنص العقيدة العسكرية على أن يكون لدينا جندي كل 10 أمتار على خط المواجهة، لكننا لا نستطيع فعل ذلك، لذا لدينا مسيرات". تم صد الهجمات الجماعية لروسيا ووقفها بفضل اعتماد أوكرانيا السريع على المسيرات في هذه الحرب التي قلبت مفاهيم التفكير العسكري الراسخة من عقود لمصلحة كييف.

لقد قضي على الافتراض السائد منذ الحقبة السوفياتية بأن روسيا قادرة على إرسال عدد أكبر من الرجال للقتال والموت مقارنة بالطرف الآخر، ومن ثم الانتصار بفضل تفوقها عددياً، تماماً كما دمرت أرتال الدبابات التابعة لها.

لا يرغب أي جندي من الطرفين الآن في خوض الحرب من داخل ناقلة جنود مدرعة. فالطائرات المسيرة التابعة للعدو تحولها إلى أفران مشتعلة مقابل بضع مئات من الدولارات لكل ضربة.

يطلب من فريق غراي التصدي لمشاة روس تم رصدهم حديثاً في القرية. شوهد رجلان يتحركان في الميدان، فوق الأرض. في الماضي، استخدم المتسللون المهرة البطانيات الحرارية وتقنيات التخفي من أجل التسلل ومباغتة طواقم مشغلي المسيرات الأوكرانيين وذبحهم ليلاً.

سرعان ما يتصاعد صوت أزيز مسيرة تايفون التي تحلق عالياً، ويبتعد عن المسامع بسرعة نحو 60 كم في الساعة. تتجه كل الأنظار في المخبأ إلى بث الفيديو. تظهر بقع سوداء تشير إلى وجود نباتات وسط أنقاض المدينة.

فجأة يقول المراقب الأوكراني "تايفون، توقفي!" من خلال نظام المراسلة. يمكنه رؤية بث آفي ولديه معرفة أفضل بمكان اختباء الرجال.

قد يكونون من قوات الاستطلاع الخاصة – من جنود النخبة الروسية "سبيتسناز". وقد يكونون من الجنود المهاجمين الذين يتجمعون لشن هجوم. أو ربما مجندين فقدوا أعصابهم ويريدون الهرب من الحفر التي أرغموا على العيش فيها.

لا يهم. يلقي آفي قنبلة، ثم اثنتان أخريان، فتنفجر كالزهور لفترة وجيزة باللونين الأسود والأبيض. يعدل المراقب هدفه ويسقط قنبلتين أخريين. من المستحيل معرفة الهدف الذي أصيب، إن أصيب أي هدف.

يشعر آفي بالإحباط. يعيد تشغيل تسجيلات الضربات بالحركة البطيئة لمدة ساعة تقريباً وهو يبحث، في كل مقاطع البث، عن أي دليل على أنه قد أودى بحياة بعض الأشخاص. صوته هادئ، وهو متعب. لا يحسب الرجل عدد ضحاياه، على رغم أن سلفه في المخبأ كان قد سجل عدد ضحاياه من خلال كشط ورق العزل الفضي الذي يكسو الجدران.

لم يكن من الضروري أن يقلق. فقد قتل آفي بالفعل. تظهر لقطات استطلاعية أوكرانية لاحقاً، في فيديو ملون، ثلاث جثث ممزقة ومشوهة ملقاة في ظل أشجار القرية.

مع اقتراب الفجر، ينتهي عمل الليل ويسارع رمضان للعودة إلى ورشته من أجل شحن البطاريات وصنع مزيد من القنابل.

بينما ينطلق بسرعة جنونية على طريق خالٍ، تتناهى من الراديو أغنية "المشغل السلس" Smooth Operator لفرقة "سايد" Sade. وترتسم الابتسامة على وجهه.

© The Independent

المزيد من تقارير