ملخص
أشار أصحاب المبادرة إلى عدد من المراجع القانونية الدولية ومن بينها "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" الذي نص في مادته الـ 15 على حق الأفراد في التمتع بجنسية ما، وعلى منع الحرمان التعسفي منها، بما يعني أن التجريد من الجنسية جائز قانوناً إذا لم يكن تعسفياً، إضافة إلى الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
تحتل الخيانة مساحات واسعة من النقاشات وتثير كثيراً من القلق والغضب في الجزائر، فلم تعد الكلمة تقتصر على الخارج فقط بل أصبح الداخل يزرع المخاوف أيضاً، مما حرك نواب البرلمان الذين عادوا لفتح ملف "الجنسية الجزائرية" واقترحوا توسيع حالات التجريد.
والمبادرة الني أودعها البرلماني هشام صفر عن حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" والمحسوب على الموالاة، جاء فيها أنه "يجرد من الجنسية الجزائرية الأصلية كل جزائري يقيم خارج البلاد ويقوم بأفعال تضر بمصالح الدولة أو تهدد وحدتها الوطنية، أو يظهر الولاء لدولة أخرى مع الإصرار على نبذ ولائه للجزائر، أو يقدم خدمات أو دعماً لدولة أجنبية بقصد الإضرار بالمصالح الوطنية على رغم إنذاره من قبل السلطات الجزائرية، إضافة إلى كل من يواصل التعامل مع قوات عسكرية أو أمنية أجنبية أو يقدم لها مساعدات على رغم الإنذار، وكل من يتعامل مع دولة أو كيان معاد للجزائر، أو ينضم في الخارج إلى جماعة إرهابية أو تخريبية أو يمولها أو يروج لها بما يمس أمن الدولة، كما يمكن تطبيق الإجراء نفسه على من اكتسب الجنسية الجزائرية إذا ارتكب الأفعال نفسها داخل التراب الوطني".
تطمينات سياسية وحقوقية
المقترح المقدم اعتبر أن الجنسية ليست مجرد رابطة قانونية أو سياسية بل هي قبل كل شيء شعور بالانتماء والاعتزاز بالوطن، ومن ثم فإن من يتنكر لهذه الرابطة أو يسعى إلى الإضرار ببلده لا يستحق الاحتفاظ بها، مشدداً على أن إدراج أحكام صريحة للتجريد من الجنسية يأتي انسجاماً مع الممارسات الدولية المعترف بها، ومع أحكام الدستور التي تخول للدولة حماية نفسها من كل تهديد داخلي أو خارجي.
وأشار أصحاب المبادرة إلى عدد من المراجع القانونية الدولية ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نص في مادته الـ 15 على حق الأفراد في التمتع بجنسية ما، وعلى منع الحرمان التعسفي منها، مما يعني أن التجريد من الجنسية جائز قانوناً إذا لم يكن تعسفياً، إضافة إلى "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب" الذي يكرس المبدأ نفسه في مادته الثالثة، وإلى ما أقرته "لجنة القانون الدولي عام 1985 من إمكان اللجوء إلى التجريد من الجنسية كإجراء استثنائي في حالات تمس أمن الدولة وسلامتها.
أسباب الخطوة
النص المقترح أكد أيضاً أن هذا النظام الجديد لا يهدف إلى العقاب بمعناه الجزائي بل إلى حماية الكيان الوطني من تصرفات تعد خيانة للولاء للدولة، مع ضمان كل الشروط القانونية والإجرائية للمعنيين، بما في ذلك الحق في الدفاع واسترجاع الجنسية في حال تراجع الأسباب التي أدت إلى سحبها، موضحاً أن الهدف هو مواجهة ظواهر غريبة عن المجتمع الجزائري تمس رموز الدولة ومقوماتها، ومضيفاً أن هذا التعديل يندرج ضمن جهود تحديث التشريع الوطني لمواكبة التطورات الدستورية والدولية، ولتكييف قانون الجنسية مع المادة الـ 36 من الدستور التي تؤكد واجب الولاء للوطن وحماية مصالحه.
وواصل معدو المقترح أنه يجري التجريد من الجنسية الجزائرية بموجب مرسوم رئاسي يصدر بعد إنذار المعني بالتوقف عن الأفعال المنسوبة إليه في أجل لا يتعدى 60 يوماً مع تبليغه بالقرار بكل الوسائل القانونية الممكنة، بما في ذلك النشر في الصحافة أو الإخطار الإلكتروني، وتمكينه من تقديم ملاحظاته ودفاعه، مؤكداً أنه يمكن استرداد الجنسية بعد مرور 24 شهراً في الأقل من تاريخ التجريد منها في حال زوال الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هذا الإجراء.
نقاشات بين رافض ومرحب
وأثار المقترح نقاشاً حاداً بين مرحب ورافض في مشهد أعاد لأذهان الجزائريين الجدل الذي رافق مقترحاً مماثلاً تقدمت به الحكومة قبل ثلاثة أعوام، حين أعلن وزير العدل السابق بلقاسم زغماتي نية السلطات إعداد قانون يجيز سحب الجنسية من كل جزائري مقيم في الخارج يقوم بأفعال تمس بالوحدة الوطنية أو تلحق ضرراً جسيماً بمصالح الدولة، ولكن جرى تجميد الخطوة بعد الانتقادات السياسية والحقوقية على رغم تبريرات الحكومة بأن هذه الإجراءات تستند إلى ما تسمح به الاتفاقات الدولية وتستهدف حماية أمن الدولة، فتدخل الرئيس عبدالمجيد تبون ليعلن سحب المشروع "نظراً إلى سوء الفهم الذي أحدثه"، موضحاً أن القانون "قد يؤدي إلى تأويلات أخرى"، وأبرز أن الهدف من النص كان فقط "التصدي للأفعال التي تمس أمن الدولة".
استهداف "خاين الدار"
وفي السياق ترى الحقوقية سامية هميسي خلال حديث إلى "اندبندنت عربية" أن خروج ملف سحب الجنسية من الأدراج وعودته للواجهة من جديد ليس بمحض الصدفة وإنما يأتي تماشياً مع التصريح الإعلامي الدوري للرئيس تبون الذي أشار إلى مجموعة من الأشخاص باتوا يمثلون خطراً محدقاً بأمن وسلامة الدولة، ووصفهم بعبارة "خاين الدار"، موضحة أن المقترح بديهي وردعي في آن واحد ضد المواطنين الذين فقدوا ولاءهم للوطن تحت ذرائع اجتماعية أو سياسية واهية يريدون بها التشويش والتضليل، مشيرة إلى أنه إجراء من شأنه حماية المعنى القانوني والأخلاقي للانتماء الوطني وقمع الممارسات التي تمس السيادة والأمن والاستقرار والمصلحة العليا للدولة.
ولفتت هميسي إلى أن تجريم تصرفات بعضهم أصبح غير مجد وغير مثلج لصدور ملايين المواطنين، ولا سيما أنهم يقيمون في بلدان تحميهم تحت غطاء الديمقراطية حيث لا يجري تسليمهم إلى الجزائر في معظم الأحيان بذريعة حماية حقوق اللجوء السياسي وحقوق الإنسان وغيرها، مشددة على أن سحب الجنسية الجزائرية من ذمة هؤلاء الذين يعملون لحساب أجندات تحاول ضرب أمن واستقرار البلاد باتت ضرورة، بخاصة أنهم يعتمدون في مخططهم على استهداف الشباب من خلال الإعلام الموازي.
تداخل الهويات الثنائية أو المتعددة
من جانبه أوضح أستاذ الحقوق والعلاقات الدولية آدم المقراني في تصريح خاص أن المقترح يعكس مخاوف السلطات الجزائرية من تهديدات الولاء والاستقرار، خصوصاً في سياق تشابك علاقات الجالية بالخارج وتداخل الهويات الثنائية أو المتعددة، مما دفع إلى إعادة فتح ملف سحب الجنسية الذي سبق وأن جُمد في وقت سابق، مبرزاً أنه من الناحية القانونية يستند المقترح إلى نصوص موجودة في قانون الجنسية الجزائرية والنصوص المكملة لها والتي تبين أن الشخص الذي يكتسب الجنسية الجزائرية يمكن أن تسحب منه في حال ارتكاب أفعال تعد "مساساً بالمصالح الأساسية للدولة"، لكن قد يستخدم لتقييد حرية التعبير أو استهداف أفراد الجالية في الخارج، كما يُخشى أن يترك العشوائية في تحديد الأفعال الضارة من دون معايير واضحة أو ضمانات كافية لحق الدفاع.
ونبه المقراني إلى أن الدافع الرسمي يؤكد أن الهدف من المشروع هو حماية وحدة الوطن والمصلحة العليا للدولة في بيئة تشهد تحولات جيوسياسية وتنامياً لتأثير الخارج عبر الجاليات، وأن الدولة تريد تأمين ولاء حاملي الجنسية الجزائرية بما لا يتعارض مع مصالح الوطن، موضحاً أن ما وراء المشروع ليس مجرد تعديل تشريعي محض بل يعكس معركة الدولة الجزائرية مع تحديات الهوية والولاء والمغتربين ودورهم في السياسات الداخلية والخارجية، ومع الحاجة إلى تأمين سياق دستوري وقانوني يمكنه التعامل مع ظاهرة تعدد الجنسيات أو الأفعال التي تعد تهديدا للأمن القومي، ليختم أن أي تشريع من هذا النوع ينبغي أن يصاغ بشفافية وضمانات حقوقية واضحة كي لا يتحول إلى وسيلة للتمييز أو القمع، بل أن يكون حقاً مشروعاً وضرورياً في إطار دولة القانون.
قوانين حقوق الإنسان
في المقابل أشار الناشط السياسي الحبيب لعليلي إلى أن تجريد المواطن من جنسيته الأصلية يتعارض مع معظم قوانين حقوق الإنسان المعاصرة قائلاً "نحن لا نتحدث عن جنسية مكتسبة بل حق طبيعي للإنسان الذي يكتسب الجنسية الأصلية من والديه أو من الأرض التي ولد عليها في بعض التشريعات"، مضيفاً أن "هذا القانون قد يضع الجزائر في القائمة السوداء لحقوق الإنسان"، ومتابعاً "لست واثقاً من جدية هذا المشروع طالما لم تصل إلينا أية مسودة قرار لإثرائه كحزب سياسي، وطالما لم يجر تقديمه من السلطة التنفيذية فهو لا يرقى لمشروع قانون".
وأوضح لعليلي أن البرلمان يحاول جس نبض الشارع واحتواء حال الجدل التي انتقلت من مواقع التواصل الاجتماعي إلى مؤسسات الدولة، مضيفاً أن قانون العقوبات الجزائري يعاقب على كل الجرائم التي يقوم بها المواطن في الخارج، ويجعل القضاء مختصاً بالتحقيق والفصل في هذه الوقائع من طريق الإنابة القضائية الدولية والتعاون القضائي في مجال تسليم المطلوبين للعدالة الجزائرية، مستبعداً تبني السلطة هذا القانون كونها عدلت عنه سابقاً.
الخيانة لن يوقفها إسقاط الجنسية
إلى ذلك يعتقد الباحث في الشؤون الدولية محمد دلومي أن اعتماد القانون لا يوقف الحملات الشرسة ضد الجزائر ولا يوقف عمالة بعض الجزائريين الذين يحملون جنسيات أجنبية ويقدمون أنفسهم كمعارضة، لأن الخيانة لن يوقفها إسقاط الجنسية، مضيفاً أنه قبل اعتماد المشروع فلا بد من التفصيل الدقيق في الأفعال التي تمس الوحدة الوطنية أو تلحق ضرراً جسيما بمصالح الدولة، وإن كانت بعض الأفعال واضحة فإن أخرى ستكون مبهمة، وربما ما تراه السلطة إضراراً بالوحدة الوطنية تراه أطراف كشفاً عن ممارسات خاطئة من قبل السلطة، مما يجعل المعارضة الحقيقية تتخوف من الخطوة على اعتبار أن ما جاء في ديباجة المشروع قد يكون مفهوماً مطاطياً تفسره السلطة بحسب أهدافها السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولفت دلومي إلى أنه إذا جرى اعتماد مقترح التجريد من الجنسية فسيكون تطبيقه أولاً على كل جزائري يحمل جنسية أصلية أو مكتسبة يدعو بصورة صريحة إلى انفصال أي جزء من الوطن، أو يعلن أو يلمح أن الجزائر لا سيادة لها على جزء من التراب الوطني، مع التركيز على من يحملون الجنسية الفرنسية سواء كانوا داخل البلاد أو خارجها، موضحاً أنه "إذا أردنا فعلاً بناء مجتمع متماسك وقوي، وجب أولا تأطير القوانين وتكييفها مع الجرائم التي تحدث بخاصة ما تعلق بمحاربة الفساد، فلا يمكن مثلاً الحكم بالأحكام نفسها على مواطن سارق هواتف النقالة مع وزير ثبت عليه التورط بالفساد"، وقال إن إعادة بناء الثقة بين الشعب وسلطته يحتاج إلى مصارحة بالواقع وبناء اقتصاد قوي بعيداً من الشعارات وتوزيع الثروة بالتساوي بين مناطق البلاد، وفي هذه الحال فقط سيلتف الشعب حول سلطته.
وختم دلومي أن التجريد من الجنسية ليس كافياً وليس رادعاً، و"إذا أردنا ردع ممارسات العمالة وجب أولاً بناء اقتصاد قوي بعيداً من الشعارات، وتوزيع الثروة بالعدل وتفعيل أحكام الإعدام وتنفيذها في عملاء الداخل قبل الخارج".
ضبط الإطار القانوني للتعامل مع فئة
ولفت الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية عبدالقادر بوماتع إلى أن المقترح لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق السياسي الراهن، ويبدو أنه في جوهره محاولة لإعادة طرح ملف قديم بحلة تشريعية جديدة، ولكن هذه المرة عبر مبادرة برلمانية بدلاً من حكومية، مما يمنحه طابعاً سياسياً أقل حساسية، معتقداً أن وراء المشروع رغبة في ضبط الإطار القانوني للتعامل مع فئة من الجزائريين المقيمين بالخارج الذين ينظر إلى مواقفهم أو نشاطاتهم على أنها تمس بصورة الدولة أو رموزها، بخاصة في فضاءات التواصل والإعلام، مشيراً إلى أن هناك رغبة واضحة في حماية الدولة من محاولات الاستهداف الخارجي.
وأكد أن المقترح يستند إلى إحدى مواد قانون الجنسية وبالتالي فإن النقاش الحقيقي يتجاوز الإطار القانوني إلى البعد السياسي والحقوقي، مشدداً على أن ما وراء المشروع هو صراع بين منطق الدولة الذي يسعى إلى حماية السيادة، ومنطق الحقوق التي قد يثار بمبرر شمولية الانتماء الوطني وعدم ربطه بالمواقف السياسية أو التعبير عن الرأي.