ملخص
في مقالة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، يدافع الدبلوماسي الأميركي السابق مايكل راتني الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في آخر سنتين من عهد بايدن لدى الرياض عن هذا الحدث كتعبير أصيل عن رغبة السعوديين في الاستمتاع بحياة أكثر انفتاحاً، بعيداً من اتهامات "غسل السمعة" التي توجه إلى المملكة.
في وقت تتسارع التحولات الاجتماعية في السعودية، يأتي موسم الرياض الترفيهي ليثير جدلاً عالمياً يتجاوز حدود الترفيه إلى أعماق السياسة الدولية، بما يشير إليه من ثقل المملكة التي أصبحت محط الأنظار في مناسبات سياسية واقتصادية ورياضية عدة.
وفي مقالة نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، يدافع الدبلوماسي الأميركي السابق مايكل راتني الذي شغل منصب سفير الولايات المتحدة في آخر سنتين من عهد بايدن لدى الرياض عن هذا الحدث كتعبير أصيل عن رغبة السعوديين في الاستمتاع بحياة أكثر انفتاحاً، بعيداً من اتهامات "غسل السمعة" التي توجه إلى المملكة.
يأتي ذلك على خلفية تزايد الانتقادات في الصحف الأميركية والإسرائيلية، التي تربط مناسبات الترفيه بقضايا مغايرة، مع تلميحات مبطنة إلى أهداف سياسية أوسع، تستهدف الضغط على الرياض للتنازل عن دفاعها عن حقوق الفلسطينيين وتسريع التطبيع مع إسرائيل من دون شروط فلسطينية.
راتني، الذي يعتمد على تجربته الشخصية في السعودية يصف المهرجان، الذي شهد مشاركة كوميديين أميركيين مثل ديفيد شابل بأنه "إنجاز اجتماعي" يعكس تغييرات عميقة في المجتمع السعودي، مؤكداً "السعوديون يريدون فقط أن يستمتعوا"، معتبراً أن هذه الأحداث ليست محاولة لـ"تبييض" سجل المملكة في مجالات مثل حقوق الإنسان التي ينتقدها البعض، بل هي استجابة لعقود من الحرمان الثقافي والترفيهي، الذي جعل البلاد في وقت مضى "أرضاً خصبة للتطرف"، بحسب وصفه.
يروي راتني مشاهد من حضوره حدث "جوهرة التاج" لمصارعة "WWE"، حيث هتف آلاف الشباب السعوديين رجالاً ونساء لنجوم أميركيين، معتبراً أن مثل هذه اللحظات تعزز "سعادة وصحة" المجتمع أكثر مما تفعل أحكام الغربيين. ويضيف، "حتى لو لم تغير هذه الدعوات آراء الأجانب، فإنها إثبات لجاذبية الثقافة الأميركية، التي تقوي الروابط بين البلدين".
الأرقام ترد على "غسل الضحك"؟
لكن هذا الدفاع يصطدم بموجة من الانتقادات في الإعلام الأميركي، الذي يصور اليساري منه الموسم جزءاً من استراتيجية "غسل الضحك"، امتداداً لـ"غسل الرياضة"، الذي اشتهرت موجة اتهام السعودية به بعد عقد صفقات مثل استقطاب كريستيانو رونالدو أو استضافة سباق الـ"فورمولا1"، قبل أن يصبح ذلك الاصطياد في الماء العكر، هو المثير للسخرية، بعدما حقق مشروع البلاد الرياض أرقاماً لافتة في المتابعة والاهتمام الدولي والمحلي.
في مقال رأي نشرته "واشنطن بوست" هذا الشهر تهاجم الصحيفة المهرجان بوصفه "محاولة ساخرة لإعادة بناء صورة المملكة" مضيفة عبر أحد كتابها أن "الكوميديين الذين يصعدون إلى المنصة في الرياض يسهمون، سواء عن قصد أو غير قصد" في تعزيز صورة الرياض الإيجابية التي تزعجهم.
وكان رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه تركي آل الشيخ كشف عن أن عدد زوار موسم الرياض 2025 في نسخته السادسة بلغ مليون زائر خلال 13 يوماً فقط منذ انطلاقه في الـ10 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، ليواصل الموسم ترسيخ مكانته كأضخم وجهة ترفيهية في المنطقة والعالم.
أما في الصحف الإسرائيلية، فإن الانتقادات تأخذ طابعاً أكثر سياسية مباشرة، مرتبطاً بموقف السعودية الثابت من رفض التطبيع مع إسرائيل من دون إقامة دولة فلسطينية. ففي سبتمبر (أيلول) 2024، أكد الأمير تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق، في تصريحات لـ"جيروزاليم بوست" أن "التطبيع مع إسرائيل لن يحدث إلا بعد إقامة دولة فلسطينية"، مشدداً على أن هذا الشرط غير قابل للتفاوض. هذا الموقف أثار غضباً إسرائيلياً، إذ دعت نائبة وزيرة الخارجية شارين هاسكل في يوليو (تموز) 2025 إلى أن "التطبيع ممكن حتى من دون دولة فلسطينية"، معتبرة أن السعودية "يجب أن تختار" بين التقارب مع إسرائيل أو التمسك بحقوق الفلسطينيين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعمقت هذه الضغوط مع تصاعد التوترات حول الضفة الغربية. ففي سبتمبر الماضي، نقلت "تايمز أوف إسرائيل" تحذيراً سعودياً لإسرائيل بأن "أي ضم لأجزاء من الضفة الغربية خط أحمر"، مع "تداعيات كبيرة في جميع المجالات"، بما في ذلك إغلاق المجال الجوي أمام الرحلات الإسرائيلية وإنهاء التعاون الأمني غير الرسمي. هذا التحذير جاء في سياق حملة سعودية للاعتراف بدولة فلسطينية، إذ نجحت الرياض في إقناع دول مثل كندا وبريطانيا وإسبانيا بذلك، لكنها واجهت معارضة أميركية- إسرائيلية متزايدة.
لا يحبون السعر المرتفع
في تحليل نشرته "هآرتس" في سبتمبر الماضي، يصف الكاتب أن "رافعات القوة السعودية تفشل أمام جدار ترمب ونتنياهو"، مشيراً إلى أن الحرب في غزة أضعفت "البطاقة الترمبية" التي كانت تمتلكها الرياض، أي التطبيع مع إسرائيل مقابل ضمانات أمنية أميركية.
وعدّ أن "السعر السعودي للتطبيع أصبح أعلى الآن، مع مطالبات بتنازلات إسرائيلية وأميركية حول حل الدولتين"، مضيفاً أن الضغوط الدولية على السعودية بما في ذلك من فرنسا تزداد بسبب غياب التقدم في غزة. هذه الانتقادات، التي تركز على مزاعم "التناقضات" بين الإصلاحات الداخلية والقيود السياسية، تبدو مبطنة بأهداف دبلوماسية، تحاول دفع الرياض نحو التنازل عن شروطها الفلسطينية لإنعاش اتفاقات "أبراهام"، الذي كان آخر تجلياته تعليق الوزير المتطرف في الحكومة الإسرائيلية سموتريتش بعبارات نابية ضد السعودية، أحوجته إلى الاعتذار وأعضاء في الحكومة والمعارضة.
ونبه كاتب إسرائيلي إلى أن الوزير الإسرائيلي المتطرف حتى لو اعتقد أن غمز السعوديين بـ"ركوب الجِمال" ذكية، فإنها "تكشف جهلك بالثقافة العربية. الجمل رمز للفخر والصمود في الصحراء، وهو جزء لا يتجزأ من التراث السعودي. السخرية منه لا تقلل من شأن السعودية، بل تظهرك كشخص غير متعلم يعتمد على صور نمطية بالية"، مؤكداً أن تصريحات سموتريتش ليست مجرد زلة لسان، فهي "تعكس موقفًا متعجرفًا يقوض الجهود الدبلوماسية التي بذلتها إسرائيل لسنوات لكسب أصدقاء في المنطقة".
اللافت أن كاتباً سعودياً رد بعمق أبعد، حين سخر من جهل الوزير الإسرائيلي الذي نسي أن "الجمال" بين مشتركات عدة تجمع بين العرق السامي في المنطقة اليهودي منه والعربي، إلا أن محدودية فهم المسؤول العبري جعلته يعتقد أن تلك الأصالة خالصة للعرب من دون الناس، على رغم تقديم الوزير المتطرف نفسه بأنه "توراتي ملتزم"، فيما أظهر قلة علم بتلك المرحلة وأدبياتها الراسخة!
زيارة سفير الولايات المتحدة الأمريكية السيد مايكل راتني إلى المملكة العربية السعودية لحضور أضخم معرض للسيارات "SEVEN Concours" ومشاهدة استعراض سيارات نادي اللامبورجيني
— موسم الرياض | Riyadh Season (@RiyadhSeason) March 3, 2024
The anticipation builds as the United States Ambassador, Mr. Michael Rattney, visit the Kingdom of Saudi… pic.twitter.com/VP0QARrJht
من منظور سعودي، يبدو الأمر مختلفاً. كما يؤكد راتني، فإن التحولات الداخلية مثل زيادة سيطرة النساء على حياتهن وانفجار التعبير الإبداعي تفوق في أهميتها أحكام الخارج.
ويقول، "السعوديون العاديون يهتمون أكثر بتحول بلادهم الحالي في داخلها"، مشيراً إلى أن الزوار الأجانب يلاحظون "سعادة وطاقة" أكبر في المملكة مقارنة بعقد مضى. ومع ذلك في ظل التوترات الإقليمية، يظل السؤال مفتوحاً: هل هذه الأحداث الترفيهية خطوة نحو انفتاح حقيقي، أم أداة في لعبة ضغوط دولية تهدف إلى إجبار السعودية على التخلي عن بعض مواقفها السياسية؟
فرص إعادة صياغة العلاقة
تأتي تلك الضغوط تزامناً مع تردد الأنباء في شأن زيارة تاريخية يرجح أن يقوم بها ولي العهد السعودي إلى واشنطن خلال الأسابيع الثلاثة المقبلة، قد تشهد توقيع اتفاقية دفاعية، ظل الطرفان يمهدان لها لأعوام عدة.
ويرى الباحث السياسي السعودي علي الشهابي أن تلك مناسبة "ستتيح لكلا البلدين فرصة لإعادة صياغة علاقة رسخت بهدوء استقرار المنطقة على مدى ثلاثة أرباع قرن"، في سياق تحليل نشره "هوفر انستوت" التابع لجامعة ستانفورد العريقة في العاصمة الأميركية.
وذلك في ظل التساؤل عما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إضفاء الطابع الرسمي على شراكتهما الأمنية الراسخة؟ ليجيب "إذا نظرنا إلى الأمر من منظور المصالح المادية لا الخطابية، فإن الإجابة هي نعم لا لبس فيها".
ومن بين الخلفيات التي ظلت تحرك اليسار الغربي والعربي والإسلاموي والصهيوني ضد السعودية، استثمارها في العلاقة مع واشنطن، على نحو جعلها تثير حنق وغيرة كثيرين، على رغم أنها كثيراً ما وظفت تلك العلاقة في سبيل تحسين ظروف السلم العربي والدولي، كما حدث في أوكرانيا وغزة، والآن يتردد أنه طور النقاش نحو النزاع الميؤوس منه بين الجزائر والمغرب.
يعود ذلك في مقاربة الباحث الشهابي إلى أن "توافق المصالح الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وثيق على نحو غير معتاد".
فعد أن كلا البلدين يرغب في احتواء إيران ومنعها من تجاوز العتبة النووية. وكلاهما يعتمد على استقرار أسواق الطاقة العالمية. وقد عملت السعودية، بصفتها البنك المركزي الفعلي للنفط، مراراً وتكراراً على تعديل الأسعار بطرق تخدم الاقتصاد العالمي. ويظل النفط شريان النمو العالمي، ورعاية الرياض لهذا النظام حيوية لازدهار الولايات المتحدة بقدر ما هي حيوية لازدهارها.
وحتى في الجانب العسكري، يرجح أن الرياض بإمكاناتها اللوجيستية وبثقلها الإقليمي، تبقى الأقدر على تغطية حاجات الولايات المتحدة في الإقليم، بصورة عقلانية غير تلك التي تقدم بها إسرائيل نفسها، في البطش والعدوان.
وقال، "على مدى عقود، أنشأت المملكة بنية تحتية لوجيستية ضخمة تضم مطارات وموانئ ومستودعات وقود ومراكز قيادة، مكنت الولايات المتحدة من توسيع قوتها شرقاً عند الحاجة، كما حدث في حرب الخليج الأولى".
وأضاف، "لا توجد دولة أخرى في المنطقة تضاهي هذا المستوى من الجاهزية، فحين تعرضت قطر لتهديد إيراني أخيراً، نقلت واشنطن قواتها ومعداتها بالكامل إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية، مما يؤكد موقعها المحوري في منظومة الدفاع الأميركية".