ملخص
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في العراق، يخشى من استخدام الأحزاب السياسية الخطاب الطائفي لبث الفرقة والانقسام بين مختلف مكونات الشعب العراقي، لتحقيق أهداف سياسية بحتة.
"أي مشروع أقوم به لعله يكون حجراً في دولة الحجة، أخدم أقصى ما يمكن، وأستثمر كل ما منحتني الحياة من خبرات ومؤهلات لمصلحة العراق والمسلمين، وبيني وبين الله أي عمل أؤديه في قطاع الاتصالات أتمنى أن يقبلني الله من الممهدين لدولة الحجة"، هذا بالنص ما ذكرته وزيرة الاتصالات هيام الياسري، المرشحة عن قائمة "اليد البيضاء" ضمن فيديو اختارت أن تخاطب جمهورها عبره في دعاية انتخابية غاب عنها الوطن والمشاريع المستقبلية لمصلحة المذهب.
الياسري لم تكن الوحيدة التي تخاطب جمهور الناخبين بلغة تغلب عليها الطائفية، فالنائب في البرلمان المرشح عن "دولة القانون" يوسف الكلابي ظهر في فيديو يرفع سيفاً أهداه له ناخبوه، مهدداً رئيس "تحالف السيادة" خميس الخنجر وحكومة محمد شياع السوداني التي سمحت بعودة رافع طه الرفاعي، مفتي الديار العراقية الذي تتهمه الجماعات الموالية لإيران بالتحريض على "الحشد الشعبي"، قائلاً إن "هذا السيف من الشباب الذين قاتلوا 'داعش'، 'داعش' الخنجر ورافع الرفاعي، نقول لكل من يستغل قانون العفو أن سيف القانون والحق سيتحرك غداً عليه وعلى من سهّل له العودة، نقول له ولد الحشد موجودين بسيف القانون سنعيدك غداً للسجن، ونريك ولد المهندس كيف يأخذون بثأر المهندس، سيكون أولاد علي يداً واحدة ومذهباً واحداً وسيفاً واحداً".
وعلى رغم وجود الوطن في مسميات وعناوين الكتل السياسية المرشحة للانتخابات، فإنها في الغالب لا تترجم لمصلحة الوطن، فخطاب التهديد من عودة تنظيم "داعش" والبعثيين والدعوة إلى انتخاب قوائم ستحافظ على وجود المكون الأكبر واستحقاقاته هي الأبرز.
والدعاية الانتخابية لتحالف "قوى الدولة الوطنية" برئاسة عمار الحكيم التي رفعت شعار "لا تضيعوها"، ركزت على حق المكون الأكبر، "كي لا تضيع استحقاقات المكون الشيعي والحفاظ على الهوية الإسلامية الشيعية الجعفرية والحفاظ على الشعائر الحسينية".
الخطاب الطائفي لا يزال مؤثراً
يرى أستاذ الفكر السياسي في كلية العلوم السياسية جامعة بغداد إياد العنبر أن "الخطاب الطائفي لا يزال حاضراً، وله جمهور لأن مغذياته السياسية لا تزال حاضرة وبقوة في الخصام السياسي. ويستثمر في أكثر من مناسبة من خلال السلطة وحاشيتها. وما دام هناك من يتأثر بالمخاوف من الآخر يبقى الخطاب الطائفي، ولا سيما خلال موسم الانتخابات حاضراً على نحو قوي".
وفي السياق يوضح رئيس مشروع المواطنة العراقية غيث التميمي أن "معظم القوى السياسية في العراق تعتمد على خطاب الكراهية والخوف من الآخر سواء كان سنياً أو شيعياً، عربياً أو كردياً، ولا سيما خلال فترات الانتخابات"، ويرجع التميمي ذلك إلى "غياب مؤسسات اتحادية مستقرة في الدولة، ويضاف إلى ذلك أن غالبية هذه الجماعات تستند في مرجعيتها إلى أيديولوجيات عابرة لحدود الوطن وبعيدة من مفهوم المواطنة". وعليه يرى التميمي أن "الخطاب الطائفي التحريضي لا يزال الأكثر تأثيراً في صناديق الاقتراع".
حاضراً في مناطق دون غيرها
في المقابل، يقول المحلل السياسي زيدون السلماني إن "مدى تأثير الخطاب الطائفي في الجمهور يختلف من مكان إلى آخر ومجتمع إلى آخر"، مردفاً أن "هذا الخطاب يلقى صدىً واسعاً وتقبلاً ضمن المناطق المختلطة التي يكون فيها صراع على النفوذ. وكثير من الأحزاب، ولا سيما التقليدية منها التي أخفقت في تقديم برامج سياسية حقيقية تتعكز على الخطاب الطائفي من أجل تحشيد الناس وبث شعور الخوف من الآخر، وعادة يحصل ذلك عن طريق نخب دينية أو اجتماعية، فيثقفون الناس بضرورة انتخاب المرشح الذي ينتمي إليهم بغض النظر عن الكفاءة".
أما رئيس "حركة وعي الوطنية" صلاح العرباوي، فيرى أن "القوى السياسية بتوجهاتها السنية والشيعية، تعتمد إثارة هذه النعرات لتعزيز رصيدها الانتخابي. ولا يزال الراديكاليون يعيشون في عام 2005 ولم يغادروا منابر النشاز. وإضافة إلى هذا الخطاب المشحون يعتمد المرشحون بصورة رئيسة على الأموال خلال حملاتهم، حتى وصل سعر البطاقة في بعض المناطق إلى 300 دولار".
الورقة الأخيرة
تطرح المخاوف من عودة "البعث" في شعارات الأحزاب الشيعية التقليدية كوسيلة لحث الجمهور على انتخاب قوائمها، ولكن مع استبعاد مفوضية الانتخابات أكثر من 143 مرشحاً عن "الإطار التنسيقي" بسبب إجراءات المساءلة والعدالة، بدأت الانتقادات تطاول هذه الأحزاب التي تحذر من عودة حزب البعث، لكنها في الوقت ذاته تضم عناصر "البعث" بين مرشحيها، فخطاب الترهيب لا يستند إلى مبدأ ثابت لهذه الأحزاب بقدر ما يتعلق بأسباب سياسية تهدف إلى إقصاء الخصوم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويوضح الكاتب والصحافي رسلي المالكي أن "خطاب الترهيب والطائفية دليل على إفلاس الكتل السياسية المتطرفة التي تحاول البقاء في البرلمان والسيطرة على مقدرات الدولة. في البدء كانت الدعاية الانتخابية تتمحور حول الخدمات وتوفير فرص العمل، وعندما تعرضت هذه الشعارات للنقد من قبل الشعب بوصفها وعوداً كاذبة، لجأت الأحزاب مرة أخرى إلى التحشيد الطائفي لأنها الورقة الأخيرة التي لم يبقَ غيرها". ويعتقد المالكي بأن "اللعب على الوتر الطائفي بدأ ينكشف، ويعيه معظم الناس، ولن يكون له صدى، ولا سيما مع مقاطعة التيار الصدري للانتخابات".
الخطاب الطائفي هدفه سياسي
"الخطاب الطائفي انحسر وتلاشى بعد عام 2018، إلا أن سوء أداء القوى السياسية التقليدية أعاد إنتاج وطرح الخطاب الطائفي مجدداً"، هذا ما يقوله رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، ويرى أن "حال الإفلاس لدى هذه القوى وفشلها في تنفيذ برامجها الانتخابية أو حتى التنفيذية والتشريعية ما بعد معادلة عام 2021 مع عزوف الشارع العراقي عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، كلها عوامل دفعت الأحزاب إلى إعادة إنتاج وطرح الخطاب الطائفي لأنه من الممكن أن يكون مؤثراً ويمكن استغلاله إلى حد بعيد لكسب الأصوات ومن ثم دفع الناس إلى المشاركة في الانتخابات".
ويشير الشمري إلى أن "العراق غادر الطائفية، فعلى رغم التسويق والترويج والحملات الممنهجة المدفوعة لإحياء الخطاب الطائفي، فإن مكونات الشعب العراقي تدرك أن استخدام هذا الخطاب في هذا التوقيت تحديداً هدفه سياسي، ولا ينطلق من إيمان هذه الأحزاب. والتأثر بهذا الخطاب سيكون فقط لدى جمهور الأحزاب الطائفية وهم ليسوا الغالبية ومن ثم لن يتأثر المجتمع العراقي بهذا الخطاب".
العراق غادر تأثير الخطاب الطائفي
ولفت الباحث السياسي نظير الكندوري إلى أن "الخطابات الطائفية هي مادة الدعاية الانتخابية للأحزاب السياسية الشيعية، إذ إن مثل هذه الخطابات لا تجد لها آذاناً مصغية في المجتمع العربي السني". ويرى أن "الخطاب الطائفي كان له تأثير ملحوظ خلال السنوات الأولى من العملية السياسية بعد عام 2003، لكن تأثيره تلاشى بعد فشل الأحزاب الشيعية طوال خمس دورات انتخابية في تقديم أية منجزات أو خدمات أو استتباب الأمن أو رفع مستوى المعيشة للمواطنين، مما جعل العراقيين ولا سيما الشيعة منهم، يفقدون ثقتهم بالطبقة السياسية الحاكمة وبالعملية السياسية برمتها، ويحكمون على كل خطاب صادر عنهم بأنه خطاب غايته الحفاظ على مكاسبهم والاستمرار بمناصبهم في الحكم".
ويكمل الكندوري أن "هذه الخطابات لم تعد تؤثر في الجمهور. كل الخطابات الطائفية التي تطرح على لسان قادة كتل سياسية، أو على لسان رجال دين يدورون في فلك أولئك السياسيين، تحولت إلى مادة للتندر والضحك من قبل العراقيين ولم تعد تؤثر فيهم". وعليه يرى أن "العراقيين وبعد السنين التي عاشوها تحت الحكم الذي تقوده أحزاب السلطة، غادروا موضوع الطائفية وينظرون إليها على أنها من الماضي الذي لا يريدون العودة له". وختم الكندوري حديثه بالقول إن "العراقيين اليوم يعتقدون بأن كل سياسي يروج لنفسه ولحزبه بخطاب طائفي، هو سياسي مفلس ليس لديه برنامج سياسي أو حجة سياسية يستطيع أن يقنع بها الجماهير بالتصويت له".
وتبقى مسميات الكتل المرشحة للانتخابات التي تضم اسم العراق ومن بينها "عراق قوي" و"عراق مقتدر" والمسميات التي تروج لمفهوم الدولة والقانون بعيدة من مفهوم المواطنة، ولا تقدم برامج انتخابية تهتم بالتنمية، بل تنشغل بالترويج لخطابها الطائفي والحفاظ على المكاسب الانتخابية للمكون الطائفي.