ملخص
دخلت الأرض مرحلة حرجة من التغير المناخي مع تجاوز الشعاب المرجانية وغابات الأمازون والصفائح الجليدية والتيارات البحرية نقاط تحول خطرة، مما ينذر بانهيار أنظمة بيئية يعتمد عليها مليارات البشر، ويؤكد الحاجة إلى تحرك عالمي عاجل لتفادي كوارث لا رجعة فيها.
دخل كوكب الأرض مرحلة جديدة وخطرة من التغير المناخي، بعدما بلغ أول نقطة تحول مناخي، في إشارة إلى واقع بيئي قاتم كان العلماء يعتقدون أنه بعيد الحدوث، ففي تقرير دولي جديد صدر الإثنين الماضي، حذر 160 باحثاً من أن ارتفاع حرارة المحيطات إلى مستويات غير مسبوقة أدى إلى تجاوز الشعاب المرجانية في المياه الدافئة، مثل الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا، نقطة اللاعودة [لحظة أو مرحلة يصبح بعدها الضرر أو التغير غير قابل للعكس]، مما يعني أن معظمها بات مهدداً بالزوال.
تقرير "نقاط التحوّل العالمية" الأخير، الصادر عن "جامعة إكستر" قبيل انعقاد قمة المناخ العالمية "كوب-30" في البرازيل، يؤكد أن النظم البيئية المرجانية التي يعتمد عليها نحو مليار إنسان في غذائهم وسبل عيشهم، قد بدأت بالفعل بالانحدار نحو تدهور لا رجعة فيه، مما يعني أن الأرض دخلت مرحلة واقع جديد.
ومعلوم أن نحو مليار إنسان وربع الأنواع البحرية الحية يعتمدون على هذه الكائنات التي تشكل جزءاً من أكثر النظم البيئية تنوعاً في العالم، وتوافر درعاً طبيعية تحمي السواحل من العواصف العاتية.
وتعد الشعاب المرجانية أيضاً مقصداً سياحياً رئيساً للغواصين ومحبي السباحة السطحية، لكنها تعاني حالياً مستويات غير مسبوقة من الإجهاد البيئي، وقد تختفي إلى الأبد ما لم يكبح جماح الاحترار العالمي، بحسب ما قاله المستشار العلمي الرئيس في "منظمة الصندوق العالمي للطبيعة" في المملكة المتحدة، مؤلف التقرير الدكتور مايك باريت.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح الدكتور باريت أن "هذا الوضع المأسوي لا بد من أن يمثل ناقوس خطر يوقظ ضميرنا، وإلا سنفقد أيضاً غابات الأمازون المطيرة والصفائح الجليدية والتيارات البحرية البالغة الأهمية [التي تسهم في تنظم المناخ وتغذية الحياة البحرية]، وفي مثل هذا السيناريو سنكون إزاء عواقب كارثية حقيقية تهدد البشرية جمعاء".
وأضاف الدكتور باريت أن الأرض تقترب من نقاط تحول مناخية أخرى قد تصبح واقعاً ملموساً خلال الأعوام المقبلة، حاملة معها تأثيرات مدمرة على مناخ الكوكب.
كذلك أوضح الدكتور باريت أن نقاط التحول المناخي تمثل عتبات حرجة في النظام المناخي حددها علماء المناخ، وعندما تتجاوزها الأرض يتوقع أن تؤدي إلى تأثيرات لا رجعة فيها وخطرة على مناخ الكوكب، وعواقب كارثية على البشرية.
وتشمل هذه الأخطار ذوبان طبقة التربة الصقيعية الدائمة في القطب الشمالي، وتباطؤ التيارات المحيطية البالغة الأهمية [لاستقرار نظام المناخ العالمي] في المحيط الأطلسي، وذوبان الصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية، وفقدان غابات الأمازون المطيرة، إضافة إلى تغيرات في الغابات الشمالية وأنماط الأمطار الموسمية في غرب أفريقيا والهند.
ويعتمد أكثر من 100 مليون شخص على غابة الأمازون في أميركا الجنوبية للحصول على الغذاء والمياه، إضافة إلى أنها موطن لآلاف الأنواع الحية من الحيوانات والنباتات.
ومع ذلك وجد معدو التقرير أن الغابة ربما تبدأ بالتدهور عند ارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية (2.7 فهرنهايت) فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، وهو تقدير أدنى من التقديرات السابقة.
وعلاوة على ذلك فقد حذر الباحثون من أن انهيار "الدورة الانقلابية المحيطية الأطلسية" (اختصاراً "آموك" AMOC)، علماً أن هذا النظام عبارة عن شبكة من التيارات البحرية العميقة تعمل بمثابة نظام التدفئة المركزي للأرض، بات خطراً قائماً حتى مع ارتفاع في درجة حرارة الكوكب أدنى من درجتين مئويتين.
ويتوقع أن يؤدي هذا الانهيار المحتمل إلى شتاءات شديدة القسوة في غرب أوروبا، أشبه بعصر جليدي مصغر، كذلك سيشكل تهديداً خطراً للأمن الغذائي العالمي.
وكانت التقديرات الزمنية السابقة تشير إلى أن بلوغ نقاط [درجات] التحول المناخية هذه لن يحدث إلا مع ارتفاع أكبر في درجات الحرارة، وفي فترة أقرب إلى نهاية القرن.
البروفيسور تيم لينتون من "جامعة إكستر"، وهو أحد المشاركين في إعداد التقرير، أخبر "اندبندنت" أنه "قبل 20 عاماً كان يعتقد أن بلوغ نقاط الانعطاف المناخي الحرجة يتطلب ارتفاعاً عالمياً في درجة الحرارة يتراوح ما بين أربع وخمس درجات مئوية، أما الآن فنعتقد أن ذلك ربما يحدث عند ارتفاع لا يتجاوز درجة مئوية إلى درجتين مئويتين فقط".
وفي الواقع ارتفعت حرارة الكوكب بالفعل بمقدار 1.2 درجة مئوية منذ الثورة الصناعية، فيما أفاد تقرير صادر عن "الأمم المتحدة" في أكتوبر (تشرين الأول) 2024 بأن العالم يمضي نحو ارتفاع بنحو 3.1 درجات مئوية (5.6 فهرنهايت) في الاحترار العالمي بحلول عام 2100.
ويتوقع أن يؤدي كل جزء صغير من درجة الاحترار العالمي إلى تفاقم آثار أزمة المناخ، ولكن مع ذلك يعتقد لينتون أن الأرض لا تزال قادرة على "تجنب الأسوأ" في حال اتخاذ إجراءات شاملة للحد من آثار الاحترار العالمي.
وحث كل من لينتون وباريت وشركاؤهما الدول على إحداث ما سموه "نقاط تحول إيجابية" لمواجهة هذه التأثيرات، وذلك من طريق تبني التكنولوجيا الجديدة والتحول إلى الطاقة النظيفة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، إضافة إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة الملوثة بصورة جذرية.
ومن المقرر أن يلتقي زعماء العالم الشهر المقبل، باستثناء الولايات المتحدة على الأرجح، في البرازيل خلال المؤتمر السنوي للأمم المتحدة المعني بمواجهة تغير المناخ.
صحيح أن بعض التداعيات أصبحت حتمية الآن ولا يمكن دحرها، ولكن معدي التقرير أعربوا عن أملهم في أن تظهر الدول المشاركة في المؤتمر "الشجاعة السياسية" اللازمة للتوصل إلى حلول لهذه الأزمات المناخية وتفادي الكارثة المحتملة.
وأشار الباحثون إلى أن السياسات الحالية غير كافية لمواجهة حجم هذه النتائج الخطرة، موضحين أنها في الغالب تتجاهل حتى مراحل [نقاط] التحول المناخي الحرجة.
في العام الماضي وافقت الدول الغنية على جمع ما لا يقل عن 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035، وهو مبلغ يقل كثيراً عن 1.3 تريليون دولار، قالت الدول النامية إنه ضروري لمواجهة آثار تغير المناخ في الدول والمجتمعات الأكثر تضرراً.
وقال لينتون في بيان "لن يتمكن العالم من تحويل مساره من مواجهة أخطار نقاط الانعطاف الوجودية في نظام الأرض إلى اغتنام فرص نقاط الانعطاف الإيجابية، إلا من خلال مزيج من السياسات الحاسمة والعمل المجتمعي الفعال".
© The Independent