Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البحر المتوسط يغلي والكائنات البحرية أمام مصير قاتم

يسخن بنسبة 20 في المئة أسرع من المعدل العالمي مما يؤدي إلى خلل في حركة الكتل المائية والتيارات والأمواج

التغيرات المناخية أثرت بصورة مباشرة في سلوك البحر والتيارات المائية (اندبندنت عربية)

ملخص

لم يعد البحر الأبيض المتوسط كما عهدناه سابقاً بعدما تمكنت منه التغيرات المناخية وبات يهدد سكان المنطقة المتوسطية بظواهر مناخية متطرفة كالأعاصير والفيضانات علاوة على نفوق أنواع عدة من الكائنات البحرية.

عُرف على مر العصور كونه بحراً دافئاً وهادئاً مقارنة ببقية البحار والمحيطات، إلا أن تأثيرات الانحباس الحراري والتلوث وارتفاع درجات حرارته خلال العقود الأخيرة، غيرت من واقعه، ولم يعد البحر الأبيض المتوسط، بحراً هادئاً بل أصبح متقلباً بعدما ارتفعت درجات حرارته بصورة لافتة، بأكثر من أربع درجات خلال الأعوام الأخيرة. وبات يولّد تيارات بحرية جارفة، ولم يعد يأمن إليه المصطافون، إذ يبتلع سنوياً العشرات منهم، في مختلف سواحل البلاد التونسية وغيرها من الدول المحيطة. ولم يسلم المتوسط من تأثيرات التلوث البيئي، مما أثّر في التوازن الأيكولوجي في منظومته، فاكتسحت موجات هائلة من قناديل البحر عدداً من الشواطئ، بعدما تناقصت أعداد السلاحف البحرية بسبب التلوث البلاستيكي مما أسهم في انخرام التوازن البيئي في المتوسط وسواحله.

فما أخطار هذه التأثيرات المناخية في المتوسط على قطاع الصيد البحري وعلى سكان السواحل؟  وكيف يمكن الحد منها؟

تيارات بحرية جارفة

شهدت سواحل الدول المطلة على المتوسط خلال الفترة الأخيرة عدداً من حوادث الغرق، أثارت تساؤلات حول الأسباب غير الظاهرة التي قد تكون وراء ارتفاع عدد ضحايا البحر، بخاصة مع اشتداد موجات الحر وتنامي الإقبال على الشواطئ.

وفي السياق، يؤكد المهندس البيئي والمتخصص في الشأن المناخي، حمدي حشاد، في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن البحر الأبيض المتوسط لم يعد كما عرفناه سابقاً، مشيراً إلى أن "التغيرات المناخية العميقة أثرت بصورة مباشرة في سلوك البحر والتيارات المائية، مما أسهم في ارتفاع غير مسبوق في حالات الغرق، خصوصاً في الشواطئ المفتوحة وغير الخاضعة للمراقبة".

ويضيف المهندس البيئي أن "الارتفاع المستمر في درجات حرارة البحر خلال فصل الصيف أسهم في تغيّر ديناميكية التيارات البحرية، وخصوصاً على السواحل الرملية، مما يؤدي إلى ظهور تيارات خفية تعرف باسم "التيارات العائدة"، وهي التي تسحب محبي السباحة والبحر إلى الأعماق حتى ولو بدا البحر هادئاً"، واصفاً تلك التيارات بـ"الضيقة والسريعة" وتتمثل خطورتها في عدم قدرة السباحين على مقاومتها وموصياً بالسباحة بمحاذاة الشاطئ لتجاوز تأثيرها.

المتوسط نقطة ساخنة

ويرى حمدي حشاد أن "البحر الأبيض المتوسط هو اليوم من أبرز المناطق المتأثرة بالمناخ في العالم، ويُصنَّف كنقطة ساخنة (hotspot) للتغير المناخي البحري"، لافتاً إلى أن "المتوسط يسخن بنسبة 20 في المئة أسرع من المعدل العالمي، مما يؤدي إلى خلل في حركة الكتل المائية والتيارات والأمواج".

ويشير إلى أن التسخين السطحي لمياه المتوسط يؤدي إلى ما يُعرف بـ"الطبقات الحرارية" (thermal stratification)، حيث تبقى المياه السطحية ساخنة، بينما تظل الأعماق باردة، وهو ما يمنع اختلاط المياه، ويزيد من طاقة التيارات القريبة من السواحل.

وتتكون التيارات العائدة عند تكسر الأمواج بصورة غير منتظمة، فتخلق ممرات مائية ضيقة وسريعة تعيد الماء من الشاطئ إلى البحر، بسرعة قد تصل إلى 2.5 متر في الثانية، وهو ما يفوق قدرات أمهر السباحين.

أعاصير قوية

وبحسب المتخصص في المناخ يؤدي ارتفاع درجة حرارة البحر إلى "ضخ كميات كبيرة من بخار الماء في الجو، مما يوفر الطاقة اللازمة لتطور العواصف بصورة متسارعة، وهو ما يزيد من شدتها وخطورتها، وبالتالي أصبح المتوسط مكاناً خصباً لتكوّن عواصف قوية وعنيفة شبيهة بالأعاصير المدارية من جهة البنية والتأثير".

ويذكر أن منطقة المتوسط شهدت خلال العامين الماضيين عاصفتين مدمرتين من هذا النوع، أبرزها العاصفة "دانيال" التي اجتاحت شرق ليبيا في سبتمبر (أيلول) 2023، وأدت إلى كارثة بعد انهيار سدّين في درنة في ليبيا وتدمير أجزاء واسعة من المدينة بسبب الفيضانات، مما خلف آلاف القتلى والمشردين من السكان.

ويحذر المتخصصون من تكرار مثل هذه العواصف وهطول كميات غير متوقعة من الأمطار، مما يؤثر في البنية التحتية التي عادة ما تكون غير مؤهّلة لاستيعاب كميات كبيرة من مياه الأمطار في ظرف زمني وجيز.

تهديد الكائنات البحرية

في المقابل، يقلّل المتخصص الدولي في البيئة والمناخ والتنمية المستدامة، نائب رئيس فريق عمل المتخصصين الدوليين في مجال التغيرات المناخية، محمد عادل الهنتاتي، في تصريح خاص، من خطورة التغيرات المناخية على المتوسط، مشيراً إلى أن "البحر الأبيض المتوسط وعكس ما يُروّج، لا يمكن أن ينتج أعاصير قوية أو زلازل بحرية (تسونامي)، بينما تبقى تأثيرات التغيرات المناخية قائمة بخاصة في الكائنات البحرية وفي المناخ في المنطقة".

ويضيف الهنتاتي أن "المتوسط أظهر في الأعوام الأخيرة احتراراً أكثر وأسرع من بقية البحار (بين أربع وخمس درجات)، والمتوسط هو البحر الوحيد في العالم الذي يمتد شرقاً وغرباً، وأهّـله موقعه الجغرافي أن يكون عرضة لتأثيرات عدة من المناطق الساخنة والمناطق الباردة، كما وفّرت له أصنافاً مختلفة من الكائنات البحرية المتنوعة والثرية التي استهلكها الإنسان منذ قديم الزمان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويعتبر المتخصص في التغيرات المناخية أن "ارتفاع المدى الحراري بين سطح البحر وقاعه ينتج تيارات عمودية تمس بخاصة بعض الخلجان، مما أدى إلى غرق كثير من المصطافين"، محذراً من "حدوث بعض الأعاصير المتوسطة إلا أنها أقلّ خطورة ويمكن السيطرة عليها"، داعياً حكومات الدول المتوسطية إلى ضرورة الاستعداد الجيد لهذه الأعاصير"، ولم يستبعد أن "يفقد المتوسط كائنات بحرية كثيرة، التي غادرت إلى مناطق أقل حرارة، وهو ما سيؤثر في موارد الرزق لملايين الأشخاص في المنطقة".

وتهدد هذه التغيرات المناخية الشعاب المرجانية والأسماك المحلية، وقد سجلت مناطق ساحلية عدة على المتوسط في الأسابيع الماضية ظواهر غير معتادة مثل نفوق أعداد كبيرة من الأسماك على سواحل تونس وفرنسا وإيطاليا، علاوة على تراجع المخزون البحري بسبب تغير توزيع الكائنات البحرية نتيجة لاختلال درجات الحرارة.

بينما يحذر متخصصو البيئة والمناخ من تأثيرات التغيرات المناخية، وعلى حكومات الدول المطلة على المتوسط تعزيز منظومات الرصد والإنذار المبكر تحسّباً لأية تطورات مناخية محتملة، علاوة على تعزيز قدراتها في البنية التحتية لاستيعاب تأثيرات الفيضانات المدمرة والرياح القوية في شكل أعاصير.   

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة