ملخص
من خلال تتبع التطورات الأخيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أن اقتراح بوتين يشي ضمناً بأن تمديد "ستارت 3" قوبل برد فعل إيجابي من ترمب، مما يعني أن السيناريو الحالي هو "قبول الاقتراح" وليس رفضه. ومع ذلك، يمكن استشراف ملامح العلاقة في حال الرفض من خلال ما صدر عن الجانبين من تصريحات.
ثمة من يقول إن الرئيس فلاديمير بوتين يطرح مبادرته حول تمديد معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية "ستارت 3" سعياً وراء مصلحة روسيا في المقام الأول، وإن كان هناك آخرون يقولون إن مد فترة المعاهدة التي تنتهي خلال فبراير (شباط) من العام الجديد يصب في مصلحة كلا الجانبين. على رغم ما قاله بوتين في اجتماعه مع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن القومي الروسي حول أن "رفض إرث هذه المعاهدة بالكامل سيكون، من وجهات نظر عديدة، خطوة خاطئة وقصيرة النظر"، وهي المعاهدة التي وقعها الرئيسان الأميركي السابق باراك أوباما ونظيره الروسي السابق دميتري ميدفيديف في براغ عام 2011، وأسهمت على مدى 15 عاماً بدور إيجابي كبير في الحفاظ على توازن القوى واليقين في مجال الأسلحة الهجومية الاستراتيجية"، على حد قول الرئيس بوتين.
ومن خلال تتبع التطورات الأخيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، يبدو أن اقتراح بوتين يشي ضمناً بأن تمديد "ستارت 3" قوبل برد فعل إيجابي من ترمب، مما يعني أن السيناريو الحالي هو "قبول الاقتراح" وليس رفضه. ومع ذلك، يمكن استشراف ملامح العلاقة في حال الرفض من خلال ما صدر عن الجانبين من تصريحات.
تبدو فكرة جيدة
بعد فترة من الصمت دامت قرابة الأسبوعين، أعرب الرئيس دونالد ترمب عن موافقته على اقتراح نظيره الروسي حول تمديد فترة معاهدة "ستارت 3" بقوله إنها "تبدو فكرة جيدة". وفيما احتدم الجدل بين ممثلي الأوساط الأميركية حول هذا الاقتراح، سارع الناطق الرسمي باسم الكرملين دميتري بيسكوف إلى الترحيب بمثل هذا التصريح، مؤكداً أنه "يبعث على التفاؤل". وأضاف بيسكوف "بالتأكيد، نحن نرحب بهذا التصريح، ونعتقد أنه يوفر بالفعل أسباباً للتفاؤل بأن الولايات المتحدة ستدعم هذه المبادرة التي أطلقها الرئيس بوتين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونقلت وكالة أنباء "تاس" الرسمية عن داريل كيمبال رئيس رابطة الحد من الأسلحة، وهي منظمة غير حكومية مقرها واشنطن تدعو إلى تعزيز أنظمة منع الانتشار ونزع السلاح الدولية، ما قاله حول أن رد فعل ترمب "إيجابي"، إلى جانب اعتقاده أن الرئيس الأميركي "وافق بصورة أساس" على فكرة بوتين. وفي حديثه إلى وكالة "تاس"، أشار كيمبال إلى أن "زيادة الأسلحة النووية لن تجعل الولايات المتحدة أو روسيا أو العالم بأسره، أكثر أماناً". وأضاف أن "الحفاظ على الحدود الأساس لمدة عام في الأقل بعد انتهاء المعاهدة سيساعد في تخفيف التوترات، ومنع سباق تسلح مكلف لا يمكن الفوز فيه، إلى جانب بناء نفوذ دبلوماسي للحد من تزايد الترسانة العسكرية للصين، وكسب الوقت للمفاوضات في شأن اتفاق أوسع وأكثر استدامة". ودعا كيمبال الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة إلى "دعم قرار الرئيس ترمب". وأعرب عن رأي مفاده أنه يجب على البيت الأبيض والكرملين الآن "إضفاء الطابع الرسمي على هذا الاتفاق، وبدء المفاوضات في شأن معاهدة جديدة للأسلحة الاستراتيجية".
على أن ذلك لم يمنع آخرين داخل الولايات المتحدة من مناشدة الرئيس الأميركي بضرورة الحرص والاهتمام بمثل هذا الموضوع من جميع جوانبه. ومن هؤلاء على سبيل المثال خبير الأسلحة النووية في معهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" الأميركي براناي فادي، الذي ناشد الرئيس ترمب "توخي الحذر من هدايا روسيا في مجال ضبط الأسلحة". وطالب المتخصص الأميركي المسؤولين داخل الولايات المتحدة بـ"ضرورة دراسة اقتراح فلاديمير بوتين بعناية، إلى جانب أهمية تبنيه نهجاً نقدياً"، على حد ما كتبه على الموقع الإلكتروني للمعهد الملكي البريطاني للقوات المسلحة (RUSI).
أسانيد بوتين
وكما هي الحال مع المتخصص الأميركي فادي، يتساءل محللون آخرون عن السبب الذي دفع بوتين إلى تقديم هذا العرض في مثل هذا التوقيت. وثمة من يقول في هذا الصدد إن اقتراح تمديد معاهدة "ستارت 3" يأتي خلال وقت عادت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى "التوتر النسبي" مرة أخرى، بعد ما ظهر من بوادر تحسن في علاقات البلدين في أعقاب عودة الرئيس الأميركي إلى تولي مهام منصبه داخل البيت الأبيض، وعلى رغم ما أطلقه دونالد ترمب حول نياته في شأن تشديد العقوبات ضد روسيا، وما قاله حول أن روسيا "نمر من ورق"، وسخريته من قدرات القوات المسلحة الروسية، فضلاً عما أدلى به من تصريحات حول احتمالات إمداد أوكرانيا بصواريخ "توماجافك"، وأنه يمكنها بمساعدة الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، استعادة جميع أراضيها التي فقدتها، وإن عاد خلال اليوم التالي لينفي بعض هذه التصريحات التي تتعلق بوصفه لروسيا بأنها "نمر من ورق".
ويرى بعض الخبراء أن اقتراح موسكو بتمديد المعاهدة، ربما يكون محاولة لإعادة العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا وتعزيز موقفها في المفاوضات الرامية إلى إنهاء الصراع المسلح في أوكرانيا. لكن هناك آخرين ومنهم خبير الأسلحة النووية والعلاقات الدولية فلاستيسلاف برزيزا، يرون أن السبب الرئيس يتلخص في قرب انتهاء فترة المعاهدة، وأنه لم يتبق لروسيا والولايات المتحدة سوى وقت قصير قبل فبراير 2026 للاتفاق حول تسوية جديدة. علاوة على ذلك ومع أن هذا ليس السبب الرئيس، فإن الكرملين ربما يسعى إلى استمالة إدارة ترمب إلى صفه. وكان برزيزا سبق وقال "شهدنا أخيراً تأرجحاً "إيجابياً" في موقف دونالد ترمب تجاه الضغط على روسيا، وهذا بالطبع لا يعجب بوتين. ولقد رأينا سابقاً محاولاته المتكررة للتخفيف من ضغط واشنطن، لكن في هذه الحال، فإن هدفه النهائي هو تمديد معاهدة "ستارت 3"، وتأكيد أن "الحد من الأسلحة النووية يصب في مصلحة الأمن القومي للطرفين، وتفادي سباق تسلح جديد مكلف في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، إلى جانب الحفاظ على نظام الرقابة والشفافية المتبادلة، فضلاً عن المصلحة المشتركة في منع انتشار الأسلحة النووية عالمياً، واعتبار تمديد المعاهدة "جسراً" للتفاوض على اتفاق أكثر شمولاً لاحقاً، نظراً إلى صعوبة التفاوض على معاهدة جديدة خلال الوقت الحالي.
لو رفضت واشنطن
ثمة تساؤلات حول ماذا يمكن أن يكون عليه موقف روسيا في حال جاء الرد الأميركي برفض الاقتراح وتناسي ما قاله الرئيس ترمب حول أن "تمديد المعاهدة فكرة جيدة". وذلك ما علق عليه الرئيس بوتين بقوله "إن روسيا لا تخشى رفض الولايات المتحدة تمديد معاهدة (ستارت 3)، فضلاً عما أضافه حول أنه في هذه الحال سيكون من الممكن الإعلان عن أسلحة جديدة سبقت الإشارة إليها".
ومن المعروف، وكما سبق وأعلن الرئيس بوتين، أن روسيا بصدد إجراء التجارب على أسلحة جديدة ستميط اللثام عنها قريباً. لذا فإنها لا تخشى رفض الولايات المتحدة مد فترة معاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية "ستارت 3" التي تنتهي خلال فبراير 2026. وذلك ما أكده الرئيس الروسي في معرض رده على سؤال حول مصير المعاهدة، وما إذا كانت روسيا تتلقى "إشارات عبر قنوات مغلقة" من الولايات المتحدة في شأن مستقبلها. وقال بوتين أيضاً حول معاهدة "ستارت 3"، وما إذا كانت هناك أية إشارات من واشنطن "نحن على اتصال عبر وزارتي الخارجية والخارجية. وهل تكفي بضعة أشهر لتمديدها؟ نعم تكفي. إننا نحتاج فقط إلى حسن النيات". وأضاف الرئيس الروسي كذلك "أنه إذا تخلت الولايات المتحدة عن هذه المعاهدة فإن روسيا سيصبح لديها أسلحة جديدة. إنها ليست مشكلة كبيرة، فلدينا المجال للمضي قدماً بما نملكه من أحدث الأسلحة نعمل على تطويرها. وأعتقد أننا سنحظى قريباً بفرصة الإعلان عن الأسلحة الجديدة التي أشرنا إليها خلال وقت سابق عنه. وإن لم يحدث ذلك فسيكون الأمر مؤسفاً لأنه لن يتبقى شيء منها".
مع ذلك، فإنه إذا افترضنا أن واشنطن قد ترفض في المستقبل مقترحات موسكو المشابهة، فإن طبيعة العلاقات ستتجه على الأرجح نحو مزيد من التصعيد، استناداً إلى نمط التفاعل بين البلدين بحسب بعض التوقعات التي قالت "إن العلاقات قد تشهد انهياراً للمنظومة الأمنية المتبقية. فقد أعلنت روسيا انسحابها الرسمي من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى لعام 1987، وعلقت مشاركتها في معاهدة "ستارت 3" الجديدة عام 2023". لذلك، كما أشرنا أعلاه، فإن رفض تمديد "ستارت 3" سيدفع نحو سباق تسلح غير معلن.
ونعيد إلى الأذهان في هذا الصدد ما سبق وصدر من تصريحات استفزازية وتهديدات مباشرة بعقوبات شاملة إذا لم تنه روسيا حربها في أوكرانيا، فضلاً عما أصدره ترمب من أوامر بنشر غواصات نووية رداً على ما وصفه بتصريحات استفزازية روسية، وهو ما ردت عليه موسكو بتحذيرها من أن أي إنذار من جانب ترمب يمثل "خطوة نحو الحرب". كما أن أهداف روسيا تبقى كما كانت من قبل، وتتلخص في ما أوجزه بوتين من ثوابت تتمثل في "منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وعدم السماح بدخول قوات حفظ سلام أجنبية إليها، والاحتفاظ بالأراضي التي سيطرت عليها روسيا، إلى آخر تلك البنود التي سبق وأعلنها بوتين ضمن لقائه مع قيادات وزارة الخارجية الروسية خلال يونيو (حزيران) 2024.
معاهدة "ستارت 3"
و"ستارت 3" هي معاهدة بين روسيا والولايات المتحدة في شأن تدابير لخفض الأسلحة الهجومية الاستراتيجية والحد منها، وُقعت خلال الثامن من أبريل (نيسان) 2010 في براغ، ودخلت حيز التنفيذ خلال فبراير 2011. وفي فبراير 2023، أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في هذه المعاهدة. وينتهي العمل بها خلال فبراير 2026.
وفي الـ22 من سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيس بوتين استعداد روسيا للالتزام بهذه المعاهدة لمدة عام آخر في الأقل بعد انتهاء صلاحيتها، وهو ما لقي قبولاً من نظيره الأميركي دونالد ترمب، خلال وقت احتدم الجدل بين مؤيد ومعارض كما أشرنا أعلاه، وإن توقفت موسكو بكثير من الاهتمام أمام ما قاله ترمب حول أن "اقتراح بوتين يبدو فكرة جيدة". ونشير إلى ما صدر من تصريحات خلال الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري عن الممثل الخاص للرئيس الروسي للاستثمار والتعاون الاقتصادي مع الدول الأجنبية ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي كيريل دميترييف، حول أن "احتمالات تمديد معاهدة (ستارت 3) مرتفعة للغاية، فضلاً عما قاله خلال الثامن من أكتوبر الجاري نائب وزير الخارجية الروسية سيرغي ريابكوف المسؤول عن ملف العلاقات مع الولايات المتحدة، حول أن روسيا لم تتلق أي رد رسمي من الولايات المتحدة على مبادرة معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية، وأنه لا يوجد أي حديث عن مد فترة سريانها.