Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

البحر يختنق بالديناميت: الصيد العشوائي يدمر الثروة السمكية في لبنان

ازدياد أعداد ممارسي هذه المهنة من دون وعي ومعرفة بأصولها

ينتشر الصيد البحري الجائر وبخاصة عبر تفجير الديناميت في مناطق مختلفة من لبنان (ا ف ب)

ملخص

تتنوع أشكال الانتهاكات التي تهدد البيئة البحرية في لبنان، إذ ينتشر استخدام الديناميت المتفجر، وبعض الكيماويات السامة، وأصناف من الشباك ذات الثقوب الضيقة، والبنادق في صيد الأسماك الصغيرة. ولاحظ الصيادون تراجعاً في كمية الأسماك وانقراض بعض الأنواع، مما يشكل تحذيراً جدياً من أخطار الفوضى على استدامة الحياة البحرية اللبنانية.

"في البداية، كنا نظنها هزات أرضية قبل أن نكتشف استخدام الديناميت في صيد الأسماك، ولكن للأسف لم يتغير شيء، وانتقلنا إلى مرحلة التعايش مع هذا السلوك"، بهذه الكلمات وصف عياش بيئته عندما انتقل، بسبب حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، بين إسرائيل و"حماس" ولاحقاً بين إسرائيل و"حزب الله"، للسكن في مخيم نهر البارد شمال لبنان، باعتبارها منطقة أكثر أماناً. وتتقاطع الشهادات لسكان مناطق ساحلية وصيادين على طول الشواطئ اللبنانية من العريضة والعبدة في عكار شمالاً، وصولاً إلى الناقورة والبياضة بجنوب لبنان، والشكوى من استخدام الديناميت وغيرها من وسائل الصيد التي تنتهك حرمة البيئة البحرية.

انقطاع المورد الأخير

يشكل البحر متنفساً أخيراً لشريحة كبيرة من اللبنانيين، فهو مصدر للراحة النفسية وفرصة دخل إضافي. ويشكو الصيادون من تراجع كمية الصيد البحري بشتى أنواعه. ويقول الشاب فواز المولع بالصيد، "منذ سنوات بدأ انقراض أنواع مختلفة من الأسماك، ولكن حالياً باتت الصورة أوضح والمشهد أشد خطورة مع اتساع استخدام الديناميت، وهي وسيلة خطرة جداً على الصيادين والكائنات المختلفة"، مضيفاً "لا تميز هذه الوسيلة بين ما يمكن أكله والأسماك الملونة التي لا تستهلك في العادة، كما أنه يقتل الأسماك الصغيرة"، ويأسف لحال الفوضى في ظل غياب الإجراءات الرسمية الحازمة في معالجة هذه التعديات الخطرة.

 

الصيادون المحترفون

ازداد منسوب الانتهاكات في السنوات الأخيرة، وعزا الصيادون المحترفون السبب إلى "دخول أعداد كبيرة من العناصر غير المنضبطة إلى عالم صيد السمك"، بحسب قول فيصل بدور الذي ينبه إلى "تراجع أعداد الصيادين المحترفين المرخصين والملتزمين بالقوانين لمصلحة فئات أخرى"، مضيفاً "أصبحت مهنة الصيد مقصداً للموظفين العموميين، ممن ضاقت أمامهم سبل العيش، بتنا نجد العسكري والمعلم والموظف، وغيرهم من الذين أصبحوا يمتهنون الصيد كمورد دخل إضافي". واعتبر أن "الصيد هواية مفتوحة للجميع إلا أن ثمة مخالفين كثراً باتوا يهددون الحياة البحرية"، متحدثاً عن أدوات مختلفة لانتهاك حرمة الثروة السمكية واستدامتها، التي يدخل من بينها الديناميت، "إذ يستخدمه البعض من دون حسيب أو رقيب"، وتحدث بدور عن بعض أنواع "الجاروفات" التي تؤذي الأسماك الصغيرة "إضافة إلى الديناميت المتفجر، ومواد كيماوية، إضافة إلى الصيد بالبندقية، وملاحقة الأسماك إلى أوكارها وقتلها، بالتالي لم يعد هناك أي كائن قادر على الاختباء من الصيد".

ثروة ضئيلة

لاحظ الصيادون تراجعاً كبيراً في أنواع وأعداد بعض الأسماك، وانقراض أخرى، ولفت بدور إلى التأثير السيئ على الثروة السمكية بسبب الصيد الجائر، وتركزه في مناطق محددة حيث تتقلص الرقابة الأمنية، "ويتجاوز الصياد حدود الترخيص الممنوح له، ويستخدم الجاروفة والشباك الضيقة في ظل فوضى عارمة، ويتزايد استعمال البنادق"، ما قد يؤذي الثرة السمكية ويهدد حياة الصيادين ومن حولهم.

وتتسبب الأدوات غير الآمنة للصيد البحري في أضرار كبيرة على البيئة البحرية، وبتهديد استدامة الثروة السمكية. في المقابل يضطر محترف الصيد البحري إلى تكبد كلف كبيرة في شراء الشباك الصديقة للبيئة البحرية. ويلتزم فيصل وفريقه بالتعليمات الرسمية والبيئية، إذ يستخدم هؤلاء شباكاً يزيد قطر ثقوبها على أربع سنتمترات، وتمتد على مسافة عشرات الأمتار، وبعمق يزيد على 20 متراً، وتحتاج إلى أكثر من 10 أشخاص لسحبها من عمق الماء، "لا تعلق فيها إلا الأسماك الكبيرة والبالغة".

الوضع إلى تحسن

يرى وزير الزراعة اللبنانية نزار هاني عبر "اندبندنت عربية" أن "وضع الصيد البحري إلى تحسن حالياً مقارنة بالفترة السابقة وقبل أربعة أشهر"، مشيراً إلى تعاون وزارة الزراعة والنيابات العامة لملاحقة المخالفين من مستخدمي الديناميت والشباك البرية العميقة والثابتة في مواقع قريبة من الشاطئ.

كما يكشف عن "بدء سفينة تركية عملية الكشف والمسح الميداني على بحر لبنان من أجل التحقق من وضع الثروة السمكية، وهي ستنهي عملها خلال أسبوع"، معبراً عن أمله في تحسن الكميات وأعداد الأنواع المهددة.

يتطرق الهاني إلى عملية الملاحقة، حيث بدأت مراكز الزراعة بالتعاون مع الجيش والقوى الأمنية اللبنانية في استخدام الطائرات المسيرة "الدرون" من أجل الإطلاع على أوضاع البحر والمخالفين في مناطق مختلفة مثل شاطىء العبدة في عكار شمالاً، وإعداد لوائح وتعميمها على الجهات القضائية لبدء الملاحقات. كما يشدد على أن "وزارة الزراعة مسؤولة عن مورد رزق وعيش 8000 صياد لبناني من خلال الحفاظ على الصيد المستدام"، معتبراً أن "حماية البحر واجب وطني ودولي، ولا بد أن يلعب لبنان دوره في الحفاظ على الثروة البحرية والسمكية في البحر المتوسط".

خطر مستدام

شهدت العقود الأخيرة ارتفاعاً في منسوب الوعي البيئي وضرورة مواجهة الأخطار التي تتهدد الحياة البحرية في لبنان.

ووصف المهندس مالك غندور رئيس التجمع اللبناني للبيئة الانتهاكات التي تتعرض لها البيئة البحرية بـ"العمل الوحشي والعنيف، على خلاف الطبيعة القائمة على التوازن"، منبهاً من طغيان كائنات وأنواع على أخرى، و"هنا تكمن أهمية التوعية بكبح الجشع لدى الأفراد سواء على الصعيد البري أو البحري"، واستهجن غندور "استخدام المواد المتفجرة والديناميت في الصيد البحري المتفجر"، منوهاً بوجود مواد محظورة عالمياً بسبب استخدامها لإبادة الكائنات البحرية، "من ضمنها (تي أن تي) وهي مادة كيماوية تتحول إلى متفجرة، وممنوعة عالمياً مثلها مثل اللانيت المادة السامة والفتاكة". ولا ينفي غندور "حق الصياد في الحصول على حصته من الأسماك، ولكن من دون ممارسة القتل الجماعي والإبادة بحق فصيلة كاملة من الكائنات الحية، إذ ينسحب ضررها على مختلف مكونات الحياة البحرية، وتؤدي إلى الإضرار بالمراعي البحرية والأعشاب والطحالب التي تتغذى منها الأسماك والسلاحف البحرية المهددة بالانقراض بسبب عملية التكاثر الخاصة بها، والتي توصف بالدقيقة، إضافة إلى الأخطبوط وغيرها من الكائنات الداخلة ضمن السلسلة"، واصفاً من يستخدم تلك الأدوات بـ"المجرم الذي يتسلح بالجهل عوضاً عن سلوك طريق الوعي، علماً أن عدداً كبيراً من الصيادين بدأ بمراجعة خطواته واتباع طرق آمنة بعدما أدرك خطورة الصيد الجائر، وبات على قناعة بأهمية حماية السلسلة البيئية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل تحدث غندور عن جهود المجتمع المدني البيئي والسعي لنشر الوعي في أوساط الصيادين في لبنان، إذ ينضوي حالياً في اتحاد الجمعيات البيئية اللبنانية أكثر من 120 جمعية بيئية من مختلف المناطق اللبنانية، التي تزور المرافئ وتشارك في رحلات الصيد بهدف تطوير المفاهيم ونشر الوعي، وطالب غندور الحكومة اللبنانية ببذل جهود إضافية لـ"كبح الطرق الملتوية وغير المشروعة لوصول الأدوات الخطرة إلى الصيادين المخالفين"، "لا يمكن لوم الدولة حالياً في ظل تضاؤل القدرات التي تمتلكها وعدم توفر الموازنات والأدوات الكافية لملاحقة المجرمين".

وتطرق غندور إلى اتساع نطاق المساحة المحمية في لبنان، حيث "بدأ المسار بثلاث محميات، ومن ثم أصبحت خمساً، أما الآن فيوجد في لبنان 18 محمية، ودخول 22 موقعاً بحرياً في دائرة الدراسة لحمايتها في سبيل إدارة بيئية متكاملة وسليمة، وإنشاء لجان إدارية للتخطيط ووضع البرامج، والبحث عن تمويل للمشاريع وتطوير المحميات البرية والبحرية"، وتسهم هذه الجهود بحماية سلالات بحرية نادرة على غرار السلاحف والفقمة، مشدداً على ضرورة تطبيق خطة 30/30 "أي حماية 30 في المئة من مساحة لبنان البرية والبحرية بحلول عام 2030، إذ بتنا في حاجة إلى حماية ثمانية في المئة من مساحة إضافية من لبنان بعدما بلغنا قرابة 22 في المئة حسب آخر الدراسات التي قامت بها الجمعيات".

مخاطر طويلة الأجل على صحة الإنسان

تتجاوز آثار الصيد البحري الجائر الإضرار بالثروة السمكية، إلى النتائج الخطرة على صحة الإنسان ومستهلكي الأسماك. ويصر المهندس البحري والباحث في علوم البحار سامر فتفت على أن الأضرار قد تكون بعيدة الأمد، ولا تقتصر على الأجل الزمني القريب، موضحاً تنتشر في لبنان أساليب مختلفة من الصيد الجائر وجميعها خطرة، سواء أكانت من خلال استخدام القتل العشوائي بواسطة الديناميت أو السموم القاتلة التي يدخل في تركيبها سم الفئران السوداء.

ويشخص فتفت المشهد حيث تؤدي الأساليب المنتشرة في لبنان إلى تسميم الأسماك بأنواع شتى من المواد الكيميائية كالنيترات والأمونيوم وغيرها من السموم بمعدلات تركيز مرتفعة جداً، وعليه لا يعود مستغرباً إصابة اللبناني بأمراض خطرة والتسمم بعد استهلاك السمك "حيث نرصد تزايد حالات تسمم الأفراد ودخول المستشفيات للعلاج بعد تناول السمك"، أو حتى الانتشار المتزايد لمرض السرطان، ناهيك عن تسميم أعماق البحر لأنه "عندما يستخدم الصيادون السم، تستقر مجموعات من بذور السمك المسممة في أعماق البحار، وبالتالي سيستمر أثرها على الإنسان والبيئة البحرية لفترات طويلة"، من هنا يدعو فتفت إلى تحرك سريع لإنقاذ ما تبقى من بيئة بحرية في لبنان، وعدم تركها فريسة للأساليب الضارة والسامة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير