ملخص
استهداف المستشفيات يهدد حياة المدنيين والكوادر الصحية ويقوض فرص توفير الخدمات الطبية المنقذة للحياة، بخاصة أن مدينة الفاشر تعتمد على مرافق طبية قليلة لا تزال تعمل في وقت تتفشى فيه الأوبئة الفتاكة ويتزايد أعداد الجرحى نتيجة القصف اليومي.
تصاعدت في الآونة الأخيرة الهجمات على المستشفيات والمرافق الصحية ومراكز إيواء النازحين في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، نتيجة تعرضها للقصف العشوائي المدفعي والجوي من قبل قوات "الدعم السريع"، مما أدى إلى سقوط مئات الضحايا من المدنيين، وفرار الآلاف نحو المجهول عقب استهداف الأحياء السكنية ودور الإيواء.
في تصعيد جديد لانتهاكات الحرب، طاولت نيران القصف المسير لقوات "الدعم السريع" دور العبادة التي كانت ملاذاً آمناً للمصلين والنازحين، فتحولت جدرانها إلى أطلال يكسوها الرماد والدخان، في مشهد يعكس حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها المدنيون بعد أن باتت أماكن العبادة هدفاً في ميادين الصراع.
قتلى مدنيون
شهدت الفترة الأخيرة هجمات عنيفة من قبل قوات "الدعم السريع" على المستشفيات والمرافق الصحية القليلة التي لا تزال تعمل، وكذلك مراكز إيواء النازحين والمساجد، مما أسفر عن مئات القتلى وعشرات المصابين والجرحى.
وقُتل 20 مدنياً بقصف لقوات "الدعم السريع" على مستشفى هو من بين آخر المنشآت الصحية قيد الخدمة بمدينة الفاشر في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
وهذا الهجوم هو الثاني على المستشفى في أقل من 24 ساعة، إذ أدى قصف على قسم الولادة في السابع من أكتوبر إلى مقتل ثمانية أشخاص في الأقل.
وفي حي درجة بمدينة الفاشر استهدفت "الدعم السريع" مركز إيواء للنازحين بطائرات مسيرة السبت الماضي، وأسفر الهجوم عن مقتل 60 شخصاً، بحسب تنسيقية لجان مقاومة الفاشر.
ولقي 13 شخصاً حتفهم وأصيب 20 آخرون، في الثامن من أكتوبر الجاري جراء قصف مدفعي شنته "الدعم السريع" على مركز إيواء للنازحين داخل مسجد في حي أبو شوك الحلة، مما أدى إلى إخلاء أعداد كبيرة من النازحين في المركز خوفاً من تكرار عملية الاستهداف، وكذلك شمل القصف المدفعي لـ"الدعم السريع" مستشفى الفاشر السعودي ما تسبب بمقتل وإصابة عشرات المدنيين. ووفقاً لـ "شبكة أطباء السودان" فقد قُتل 12 شخصاً، وأُصيب 17 آخرون بينهم طبيبة وكادر تمريض كانوا يؤدون واجبهم الإنساني في إنقاذ الأرواح داخل المستشفى.
أوضاع مأسوية
في السياق، يقول المواطن السوداني عامر مبارك الذي يسكن منطقة أولاد الريف في الفاشر إن "المدينة باتت مشرحة مفتوحة تنزف من كل الجهات نتيجة الهجمات العنيفة والقصف المدفعي والجوي بالطيران المسير من قبل قوات الدعم السريع التي تستهدف بصورة مباشرة الأحياء السكنية ودور الإيواء وتجمعات النازحين وكذلك دور العبادة".
وأضاف أن "الانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات ضد السكان تصاعدت في الأيام الماضية، وتكررت حالات قتل عدد من المدنيين داخل المساجد ومراكز الإيواء والمستشفيات بالقصف المتعمد في تحد صارخ للنداءات الدولية وقرار مجلس الأمن رقم 2736".
وأوضح مبارك أن "استهداف مركز إيواء دار الأرقم الذي يضم عشرات الأسر النازحة أجبر المئات على حفر مخابئ تحت الأرض عبارة عن جحور للعيش فيها هرباً من الموت الذي يلاحقهم إلى هناك أيضاً، في ظل معاناة لا تنقطع تحت القصف العشوائي ما اضطرهم للقضاء معظم أوقاتهم داخل تلك المخابئ".
تهجير قسري
من جانبه، أشار جمعة الغالي أحد الموجودين في مخيم أبو شوك، إلى أن "الدعم السريع ظلت وعلى مدى أسبوع تستهدف مراكز إيواء النازحين والأحياء السكنية بقصف عنيف بالمدفعية الثقيلة، إلى جانب إطلاق سرب من الطائرات المسيرة الانتحارية والقتالية في محاولة للتوغل إلى داخل مدينة الفاشر".
ولفت إلى أن "القصف العنيف تسبب في مقتل عشرات المدنيين داخل المخيمات، وكذلك تعرض الأطفال والنساء الحوامل لإصابات خطرة، وما زالت هناك جثث داخل خنادق حفرت للحماية".
ونوه الغالي بأن "تصاعد الهجمات على دور الإيواء أجبر أعداداً كبيرة من النازحين على إخلاء المركز والفرار نحو المجهول خوفاً من تكرار عملية الاستهداف وسقوط مزيد من الضحايا المدنيين".
انتهاكات واسعة
على الصعيد ذاته، أوضح الناشط في مجال العمل الطوعي الإنساني بمخيم "دار الأرقم" لإيواء النازحين أحمد الشيخ، أن "هجوم المسيرات الانتحارية والاستراتيجية استهدف ملاجئ الفارين من جحيم القتال وتسبب في سقوط قتلى وجرحى من بينهم أطفال ومسنون ونساء حوامل".
وتابع "سقطت قذائف على مسجد حي أبو شوك، أخرجنا 13 جثة من تحت الدمار، وهناك 70 أسرة على الأقل تحتمي داخل سور إحدى المساجد التي لم تسلم من القصف العشوائي والمتعمد أحياناً، في انتهاك صارخ لحرمة دور العبادة وللقيم الإنسانية والدينية".
وأردف الشيخ "استهداف المستشفيات يهدد حياة المدنيين والكوادر الصحية ويقوض فرص توفير الخدمات الطبية المنقذة للحياة، بخاصة أن مدينة الفاشر تعتمد على مرافق طبية قليلة لا تزال تعمل في وقت تتفشى الأوبئة الفتاكة ويتزايد أعداد الجرحى نتيجة القصف اليومي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كارثة إنسانية
وسط هذه الأجواء، قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر إن "الوضع الإنساني داخل المدينة فاق حد الكارثة والإبادة الجماعية، بينما الجميع يموت ونفقد يومياً عشرات الأرواح البريئة"، مرجحة وجود "جثث مزيد من الضحايا تحت أنقاض المباني التي هدمها القصف، بعدما احترق بعضها داخل (كرفانات) المركز".
وأضاف بيان للتنسيقية أن مسيرة استراتيجية ألقت ليومين متتاليين أكثر من ثمانية صواريخ حارقة على مركز الإيواء أدت إلى تناثر جثث الضحايا المدنيين الذين جاؤوا يبحثون عن الأمان فوجدوا الموت حرقاً، في مشهد مأسوي يفوق كل وصف".
وأشار البيان إلى أن المدينة باتت تفقد يومياً عشرات الضحايا بسبب القصف المتواصل بالمدفعية والمسيرات فضلاً عن الموت جوعاً أو مرضاً، في ظل صمت المجتمع الدولي وتدهور الأوضاع الصحية والإنسانية".
مصير مجهول
على نحو متصل، كشف المتحدث باسم نازحي معسكر زمزم، محمد خميس دودة، أن "الدعم السريع" أجبرت أكثر من 100 أسرة على "إخلاء مركز إيواء مدرسة أبو طالب في محيط منطقة معسكر أبو شوك".
وأشار دودة إلى أن عناصر "الدعم السريع" تسللوا إلى مركز الإيواء وقتلوا ثلاثة أشخاص، من بينهم نساء مسنات ورجال مصابون ومعاقون حركياً، لافتاً إلى "المصير المجهول الذي يواجه عشرات المختطفين والمخفيين".
وأوضح أن "النيران اشتعلت في مركز دار الأرقم بالفاشر الذي كان يؤوي عشرات المدنيين الفارين من هجمات الدعم السريع على معسكر أبو شوك ولم ينجُ منهم أحد".
جريمة حرب
على صعيد آخر، عدت "شبكة أطباء السودان" في بيان استهداف المستشفيات بمدينة الفاشر "جريمة حرب مكتملة الأركان، تكشف بوضوح عن الاستهتار التام بأرواح المدنيين وبالقوانين الدولية التي تحمي المرافق الصحية والعاملين فيها".
وحمّل البيان "الدعم السريع" المسؤولية الكاملة عن عملية القصف المتعمد، وطالب "المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتحرك الفوري والعاجل لوقف هذه الانتهاكات ووقف قصف المرافق الخدماتية والمستشفيات ومنازل المواطنين، وحماية ما تبقى من النظام الصحي المنهار في الفاشر".
واستغرب البيان "الصمت الدولي أمام هذا النزيف المستمر واستمرار الدعم السريع في ممارسة قتل المدنيين في منازلهم والأطباء والمرضى داخل المستشفيات".
من جانبه، دان المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك بأشد العبارات استمرار عمليات القتل وإصابة المدنيين في الفاشر، في ضوء تقارير تفيد بمقتل 53 مدنياً في الأقل وإصابة أكثر من 60 آخرين على يد "الدعم السريع" في الفترة بين الخامس والثامن من أكتوبر.
وقال تورك في بيان "أشعر بالخوف لتجاهل الدعم السريع المتعمد وغير المحدود لحياة المدنيين على رغم الدعوات المتكررة، بما في ذلك دعوتي إلى إيلاء عناية خاصة لحماية المدنيين، لكنهم واصلوا القتل والتهجير ومهاجمة الأهداف المدنية، بما في ذلك ملاجئ النازحين والمستشفيات والمساجد، في تجاهل تام للقانون الدولي".
وحث "الدعم السريع" وأطراف النزاع على استخلاص العبر من إدانة المحكمة الجنائية الدولية لعلي كوشيب لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
ودعا المفوض السامي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ذات النفوذ المباشر إلى اتخاذ تدابير عاجلة لحماية المدنيين ومنع وقوع مزيد من الفظائع في الفاشر وفي مختلف أنحاء دارفور.