Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شهرة ترمب في التنمر لا تمنعه من إتقان فن عقد صفقات السلام

حان الوقت للاعتراف بأن أساليب الرئيس الأميركي غير التقليدية تبرهن أنها أكثر فاعلية من غيره من الرؤساء الأميركيين، فكيف ينجح في ذلك؟

يطمح ترمب للفوز بجائزة نوبل للسلام (غيتي)

ملخص

على رغم أسلوبه غير التقليدي، يثبت دونالد ترمب أن دبلوماسيته القائمة على الصفقات والعلاقات الشخصية قد تحقق نتائج ملموسة في ملفات السلام، كما في غزة، لكنها تواجه تحديات في نزاعات أكثر تعقيداً مثل الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

لم يخف دونالد ترمب يوماً طموحه في أن يسجل في التاريخ بصفته صانع سلام. فالاتفاق الدراماتيكي في شأن غزة، الذي رعاه ترمب وتم إنجاز تفاصيله في منتجع شرم الشيخ المصري، ينظر إليه باعتباره المرحلة الأولى ضمن مسار أوسع لتحقيق تسويات سلمية في الشرق الأوسط.

لقد تحدت المنطقة معظم مبادرات السلام السابقة، غير أن جرأة ترمب في طموحاته، ومنها سعيه إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام، لا تعني بالضرورة انعدام فرص نجاحه. فهناك طموح آخر يشترك فيه تقريباً جميع الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، وهو محاكاة لحظة البيت الأبيض الشهيرة في حديقة الورد، حين أشرف الرئيس بيل كلينتون، في سبتمبر (أيلول) 1993، أي بعد أقل من عام على توليه الرئاسة، على المصافحة التاريخية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين، وزعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، خلال مراسم توقيع اتفاق أوسلو.

ذلك الاتفاق شكل الإطار لما يعرف اليوم بـ"حل الدولتين" – أي قيام دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنباً إلى جنب في سلام. وربما كانت تلك اللحظة الأقرب التي بلغت فيها المنطقة احتمال تحقيق سلام مستقر، قبلها أو بعدها.

وربما فشل اتفاق أوسلو لأن الخطة كانت ببساطة غير قابلة للتطبيق، لكن السبب الرئيس لفشله كان اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين على يد متطرف إسرائيلي بعد عامين من توقيعه. وقد واصل كلينتون محاولاته حتى الأشهر الأخيرة من ولايته الثانية للتوصل إلى اتفاق سلام جديد في الشرق الأوسط، لكنه فشل، كما فشل كل من خلفه – إلى أن جاء، ربما، دونالد ترمب الآن. ولهذا، من المفيد النظر عن قرب إلى أسلوب ترمب في السعي إلى التسوية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من السهل جداً وصف نهج ترمب بأنه غير تقليدي ومحفوف بالأخطار، من دون التوقف عند ما إذا كانت هذه السمات سلبية بالضرورة. فالنزاع بين الهند وباكستان حول كشمير، مثلاً، كان يمكن أن يتطور بسهولة إلى حرب إقليمية مروعة، وربما نووية. ولا يعرف ما إذا كان المنطق قد غلب بين البلدين، أم أن تدخل ترمب هو ما أوقف التصعيد، لكن النزاع انتهى على أي حال.

كذلك فإن دبلوماسية ترمب ليست متقلبة أو فوضوية كما يدعي منتقدوه. فبإمكاننا تتبع مجموعة من المبادئ الثابتة التي اتبعها منذ ولايته الأولى. أولاً، يبدأ بتركيز اهتمامه على بؤر التوتر العالمية التي تحدث قدراً غير متناسب من عدم الاستقرار. ومن هنا جاء تركيزه في ولايته الأولى على إعادة فتح قنوات التواصل مع روسيا بقيادة فلاديمير بوتين، وكوريا الشمالية بقيادة كيم جونغ أون.

ثانياً، يفضل ترمب العلاقات الشخصية على العلاقات المؤسساتية – وهو نهج حاول قادة آخرون الاستفادة منه، بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ورئيس الوزراء الكندي السابق مارك كارني، وبرز فيه بشكل خاص الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب، الذي استثمر صداقته الشخصية مع ترمب. وقد يكون لتعيين ترمب مبعوثين شخصيين، بدلاً من دبلوماسيين محترفين، ميزات خاصة. فالمبعوث ستيف ويتكوف، مثلاً، يعوض أي نقص في معرفته بالتفاصيل الدقيقة في شرق أوكرانيا بحسه الواقعي والإنساني الجدير بالتقدير.

ثالثاً، لا يتردد ترمب في التحدث مع الخصوم، مهما بلغوا عداءً أو غرابة. فهل كانت الولايات المتحدة لتغادر أفغانستان لو لم تفتح إدارة ترمب قناة تفاوض مع حركة "طالبان"؟ مهما كانت نتائج ما جرى لاحقاً في أفغانستان، فإن واشنطن وحلفاءها بلا شك في وضع أفضل بعد انسحابهم منها. والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون مثال آخر. فلقاءات ترمب الغريبة معه لم تثمر نتائج ملموسة، لكنها لم تكن عديمة الجدوى. إذ حول كيم جزءاً من اهتمامه من الحرب إلى الاقتصاد، وبدأ يحضر لقاءات إقليمية، مما جعل كوريا الشمالية أقل تهديداً لجيرانها وللعالم أجمع.

وفي بداية ولايته الثانية، أعاد ترمب فتح قنوات التواصل المباشر مع بوتين. صحيح أن ذلك لم ينه حرب أوكرانيا، لكن مجرد استمرار الحوار بين زعيمي البلدين اللذين يمتلكان أكبر ترسانة نووية في العالم يمنح "العالم الحر" وسيلة ضغط إضافية – أو هاتفاً يمكن رفع سماعته – إذا وجد نفسه على حافة الهاوية.

والآن... "حماس". جادل البعض بأن ترمب أساء فهم رد حركة "حماس" على خطته للسلام، معتقداً أنه قبول كامل لا مشروط. لكن يبدو لي أن ترمب رأى الرد "جيداً بما فيه الكفاية" (وربما أفضل مما توقع) وقرر المضي قدماً باعتبار القبول الجزئي موافقة عملية. أي دبلوماسي محترف كان ليتحفظ في مثل هذا الموقف، تاركاً الطريق إلى وقف إطلاق النار مغلقاً بإحكام.

وهناك جانبان آخران يميزان دبلوماسية ترمب. الأول هو نهجه "الصفقاتي" القائم على مبدأ المعاملة بالمثل، أي إدراكه أن أي اتفاق يجب أن يتضمن مكسباً للطرف الآخر. أما الثاني – الذي ظهر في اتفاقات أبراهام عام 2020، التي طبعت العلاقات بين إسرائيل وبعض دول الخليج، ويتكرر الآن في اتفاق غزة – فهو قناعته بأن إشراك عدد أكبر من الأطراف في التسوية يجعل فرص نجاحها أعظم. لذلك، لم تقتصر محادثات شرم الشيخ على إسرائيل و"حماس" فحسب، بل شاركت فيها أيضاً تركيا وقطر ومصر والسلطة الفلسطينية ومجموعات فلسطينية أخرى، مما جعل الصوت الإسرائيلي أقل هيمنة، على رغم وجود مدافع خاص عن إسرائيل، هو صهر ترمب ومستشاره جاريد كوشنر.

ومع ذلك فإن النجاح المحتمل لترمب يثير سؤالاً جوهرياً: إذا كان قد أحرز تقدماً في ملف معقد كقضية الشرق الأوسط، فلماذا لم ينجح حتى الآن في حل النزاع الذي وعد بإنهائه خلال أيام من توليه الرئاسة، أي الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

يمكن رصد بعض عناصر منهجيته المألوفة هناك أيضاً: تجديد العلاقة الشخصية مع بوتين، والصفقة التجارية الخاصة بالمعادن مع أوكرانيا. وربما يعكس الانفتاح الأميركي الأخير على بيلاروس محاولة لزيادة عدد الدول المعنية بالسلام. لكن ما دامت روسيا وأوكرانيا وحلفاؤهما الأوروبيون مصرين على القتال، فلا يوجد بعد إجماع دولي كافٍ لإنهاء الحرب، كما استطاع ترمب تحقيقه في ملف غزة. في الوقت الحالي، يبدو أن دبلوماسية ترمب غير التقليدية قد بلغت حدودها.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء