ملخص
رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل يجري "مفاوضات أخيرة" بتكليف من ماكرون.
إذا ما أقدم ماكرون على تكليف رئيس جديد للحكومة، فسيكون الثامن في عهده منذ دخوله الإليزيه عام 2017، والثالث هذه السنة، مما سيضر بصورة فرنسا.
بعيد استقالة رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو غداة إعلان تشكيلة حكومته، ظهر الرئيس إيمانويل ماكرون في مقطع مصور وهو يسير على ضفاف نهر السين في باريس، منشغلاً بمكالمة هاتفية مطولة، في لقطة باتت تجسد عزلته السياسية المتزايدة.
لا تزال هوية الشخص الذي كان ماكرون يتحدث إليه وموضوع المكالمة غير معروفين. فما الخطوة التالية للرئيس الذي سيغادر الإليزيه عام 2027 بعد استكمال ولايتيه الدستوريتين؟
في ما يلي أربعة سيناريوهات يطرحها محللون، لا يقدم أي منها حلاً سريعاً.
إعادة تعيين لوكورنو
يبدو أن ماكرون أبقى هذا الخيار مفتوحاً بعد إعلان برونو لومير، وزير الاقتصاد والمالية السابق والمقرب منه، انسحابه من الحكومة إثر تعيينه وزيراً للدفاع، وهو ما فجر الأزمة.
وأمهل ماكرون لوكورنو يومين حتى مساء الأربعاء، يقوم فيها بمساعٍ لإنقاذ حكومته وإجراء "مفاوضات أخيرة" لجمع تأييد كاف لتشكيل ائتلاف حكومي.
لكن من غير الواضح ما إذا كان لوكورنو سيتمكن من تشكيل حكومة، فضلاً عن نيله الثقة في البرلمان حيث يفتقر معسكره إلى الغالبية.
وقال مسؤول في الإليزيه، إن إعادة تعيينه في المنصب لن تكون تلقائية حتى لو نجحت مهمته. من جهته، رأى بول تايلور، الباحث في مركز السياسات الأوروبية، أن "جوهر المشكلة لم يتغير: فبوجود لومير أو من دونه، لا اتفاق على الموازنة ولا على إصلاح التقاعد ولا على الهجرة وغيرها".
رئيس وزراء جديد
إذا ما أقدم ماكرون على تكليف رئيس جديد للحكومة، فسيكون الثامن في عهده منذ دخوله الإليزيه عام 2017، والثالث هذه السنة، مما سيضر بصورة فرنسا.
تطالب قوى اليسار بتعيين شخصية تعتمد موازنة أكثر توسعاً، لكن من غير المؤكد أن ماكرون سيقبل بذلك، وحتى إن فعل، فالدعم اليساري الكامل لهذا الخيار ليس مضموناً.
وقالت مجموعة "يوراسيا" التحليلية، إن "رئيس وزراء آخر قد يسقط خلال أسابيع، مما يجعل الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة أمراً شبه حتمي".
انتخابات مبكرة
كثيراً ما قاوم ماكرون فكرة حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة، بعدما ارتد عليه قراره في صيف 2024 بالدعوة إلى انتخابات تشريعية، أدت إلى برلمان منقسم وشلل سياسي في البلاد.
لكن مصدراً في الرئاسة قال إن ماكرون "سيتحمل مسؤولياته" إذا فشل لوكورنو خلال اليومين المقبلين، في إشارة إلى احتمال اللجوء لانتخابات جديدة.
وقد تؤدي هذه الانتخابات إلى تعزيز موقع اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن، ومنح حليفها جوردان بارديلا فرصة لتولي رئاسة الحكومة.
لكن نتائج انتخابات مماثلة تظل غير مضمونة، على رغم أن لوبن اعتبرتها "ضرورة مطلقة".
وقالت مديرة مكتب المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في باريس سيليا بيلان، إنه "من غير المؤكد أن تفضي الانتخابات الجديدة إلى نتيجة مختلفة عن تلك التي أفرزها اقتراع يوليو (تموز) الماضي".
استبعد ماكرون دوماً احتمال استقالته قبل انتهاء ولايته، إذ سيعني ذلك الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة. لكن الضغوط عليه تتزايد بوتيرة غير مسبوقة.
وقالت بيلان، إن "فشل الانتخابات المبكرة في إنتاج غالبية حاكمة قد يحول الأزمة السياسية إلى أزمة نظام، وعندها قد يصبح بقاء الرئيس ماكرون في الحكم موضع تساؤل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"مفاوضات أخيرة" بتكليف من ماكرون
يبدأ رئيس الوزراء الفرنسي المستقيل سيباستيان لوكورنو الثلاثاء محاولة أخيرة لجمع تأييد عابر للأحزاب لتشكيل حكومة تخرج البلاد من الجمود السياسي.
وكان ماكرون كلف لوكورنو (39 سنة) لتشكيل حكومة جديدة في سبتمبر (أيلول)، بعدما أسقط البرلمان حكومة فرنسوا بايرو بسبب مشروع موازنة تقشفية.
وأعلن قصر الإليزيه تشكيلة حكومة لوكورنو مساء الأحد، لكنه سرعان ما واجه انتقادات لتضمن حكومته وزراء من الحكومة السابقة. وقدم رئيس الوزراء استقالته إلى ماكرون صباح الإثنين.
لكنه عاد ووافق، الثلاثاء، على اقتراح من الرئيس يقضي بإمهاله يومين حتى مساء الأربعاء، يقوم فيها بمساع لإنقاذ حكومته.
وقالت الرئاسة الفرنسية، إن ماكرون "كلف رئيس الوزراء المستقيل المسؤول عن تصريف الأعمال إجراء مفاوضات أخيرة بحلول الأربعاء" بغية "تحديد إطار للتحرك والاستقرار في البلاد".
وفي أي حال، فإن ماكرون "سيتحمل مسؤولياته" في حال فشل المحادثات مجدداً في التوصل إلى النتيجة المرجوة، بحسب أوساط مقربة منه.
ويبدو أن رئيس الجمهورية الذي كثيراً ما استبعد احتمال استقالته من منصبه، يلوح بحل الجمعية الوطنية مجدداً بعدما أقدم على ذلك في 2024.
واعتباراً من صباح الثلاثاء، سيعكف لوكورنو على إجراء محادثات جديدة مع رؤساء الأحزاب السياسية في محاولة للخروج من هذا الطريق المسدود.
"علينا أن نجرب شيئاً آخر"
في عام 2024 دخلت فرنسا في أزمة سياسية بعدما حل ماكرون الجمعية الوطنية ودعا إلى انتخابات مبكرة، في مسعى لتعزيز سلطته عقب تحقيق اليمين المتطرف فوزاً كبيراً في الانتخابات الأوروبية، إلا أن هذه الخطوة أدت إلى برلمان مشرذم بين ثلاث كتل متخاصمة لا يملك أي منها غالبية مطلقة.
وتأتي الأزمة الجديدة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2027، والتي يتوقع أن تشكل مفصلاً في الحياة السياسية في فرنسا، مع شعور اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبن بأنه أمام فرصة تاريخية للوصول إلى الحكم.
ووصف رئيس الوزراء السابق إدوار فيليب (يمين وسط) والمرشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ما يجري بأنه "لعبة سياسية مقلقة".
وطلب من ماكرون الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة فور الموافقة على موازنة عام 2026.
وفي معسكر ماكرون نفسه، قال غابريل أتال الذي سبق أن تولى رئاسة الوزراء حتى العام الماضي، إنه لم يعد يفهم قرارات الرئيس.
وأضاف أتال الذي يتولى حالياً رئاسة حزب ماكرون "لقد حان الوقت لتجربة شيء آخر".
وعقب استقالة لوكورنو، طالب حزب "التجمع الوطني" اليمني المتطرف ماكرون بالدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة. واعتبرت أبرز شخصياته لوبن أن حل البرلمان "ضرورة مطلقة" وأن استقالة الرئيس هي "القرار الحكيم الوحيد".
وقال رئيسه جوردان بارديلا، إن التجمع الوطني "جاهز لتولي السلطة".
تغيير في المسار
وفيما يواجه لوكورنو مهمة صعبة، دعا رئيس الحزب الاشتراكي أوليفييه فور، الإثنين، إلى "تغيير المسار" وتشكيل حكومة يسارية.
أما رئيس الحزب الجمهوري (يمين) برونو روتايو الذي شغل منصب وزير الداخلية، فقد أعرب عن استعداده للبقاء في حكومة مع ماكرون شرط عدم تقليص عدد وزراء حزبه.
وأسقط البرلمان الحكومتين السابقتين قبل تولي لوكورنو، بسبب السياسة المالية التقشفية.
وعلى ذلك، فإن أي رئيس حكومة جديد سيواجه تحدياً في تأمين الدعم الكافي لأي مشروع إنفاق، في برلمان لا يتمتع فيه التكتل الموالي لماكرون بغالبية.
من جهة أخرى دعا زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون الجمعية الوطنية إلى النظر "فوراً" في مذكرة لإقالة ماكرون وقعها نواب حزبه "فرنسا الأبية" فضلاً عن نواب من كتل الخضر والشيوعيين.
وهو غالباً ما يتهم ماكرون الذي تشوب الفوضى أداءه الداخلي، بأنه المسؤول عن عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده فرنسا منذ يونيو (حزيران) 2024.
وتترافق الأزمة السياسية مع ظروف مالية كارثية إذ تبلغ ديون فرنسا 3400 مليار يورو وتشكل 115.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي الفرنسي.