Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"ريفييرا غزة" بين روتشيلد وخطط ترمب: أسرار التمويل والتهجير

بين الخطط الاقتصادية والاستثمارات الدولية لإعادة إعمار غزة بعد الحرب… ماذا وراء الصندوق المالي ومصادر التمويل الحقيقية؟

من روتشيلد إلى شراء الأراضي.. أسرار التمويل والأساطير وراء "ريفييرا غزة" (صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي)

ملخص

تشير الوثائق وخطط إعادة إعمار غزة إلى نموذج استثماري طويل الأمد يركز على إعادة بناء البنية التحتية والإسكان والتعليم والصناعة عبر تمويل دولي وعربي وغربي، وشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتثير هذه الخطط تساؤلات حول إدارة الأراضي العامة لفترات طويلة، واستخدامها كأصول استثمارية، وحوافز نقل السكان من القطاع مقابل دعم مالي وإسكان موقت، مما أثار جدلاً واسعاً حول احتمال تهجير جزء من السكان. 

 في النصف الثاني من القرن الـ18، بدأ تاجر العملات والمصرفي اليهودي- الألماني ماير أمشيل روتشيلد بوضع الأساس لأقوى عائلة مالية في أوروبا، وسرعان ما انتشر أبناؤه الخمسة بين لندن وباريس وفيينا ونابولي وفرانكفورت، ليؤسسوا إمبراطورية مصرفية عابرة لأوروبا. 

وبخطى ثابتة وهادئة، عمل مؤسسو تلك الإمبراطورية المصرفية على وضع الأسس الاقتصادية والسياسية والمادية لقيام دولة إسرائيل. فمن شراء الأراضي في فلسطين العثمانية إلى بناء المحكمة العليا الإسرائيلية، أسهمت عائلة روتشيلد في تشكيل أمة قبل أن تحمل اسماً. فمنذ ثمانينيات القرن الـ19 وحتى عشرينيات القرن الـ20، وجّه البارون إدموند جيمس دي روتشيلد أمواله إلى الأراضي التي كانت آنذاك تحت سيطرة الدولة العثمانية، فاستثمر في الأراضي الزراعية ودعم المدارس العبرية وأنشأ مصانع النبيذ. كما أن الابن البريطاني الأرستقراطي ليونيل والتر روتشيلد الذي ترأس الاتحاد الصيهوني الإنجليزي كان المتلقي الرسمي لإعلان بلفور عام 1917. وتولى جيمس أرماند دي روتشيلد وزوجته دوروثي المهمة بعد ذلك، فقد تبرع بمبلغ 1.25 مليون جنيه لبناء الكنيست، مبنى البرلمان الإسرائيلي، وبعد وفاته قامت دوروثي بتمويل المحكمة العليا.

وترأس اللورد يعقوب روتشيلد الذي توفي العام الماضي، وهو البارون الرابع وابن فيكتور، مؤسسة "ياد هاناديف" التي لا تزال تدعم مشاريع كبرى في إسرائيل. وتحت قيادته، ساعدت المؤسسة في تمويل المكتبة الوطنية الجديدة في القدس.

الحكام السريون للعالم

بالنظر إلى هذا التاريخ الطويل باعتبارهم الآباء المؤسسين للدولة اليهودية، فعندما طرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب خطته المثيرة للجدل لإعادة بناء قطاع غزة تحت اسم "ريفييرا غزة"، فبطبيعة الحال برز اسم "عائلة روتشيلد" بقوة باعتبارهم الممولين الرئيسين للمشروع ضمن توسع الدولة التي سعوا إلى تأسيسها كوطن قومي لليهود.  ومع ذلك، فإن الأمر ربما يكون أحد الأساطير الكثيرة التي لاحقت عائلة روتشيلد على مدى تاريخها، فواحدة من أكثر هذه الأساطير شيوعاً أن العائلة جمعت ثروتها بسبب أن ناثان روتشيلد كان أول من تلقى أخبار هزيمة نابليون في واترلو في لندن، إذ يقال إنه تظاهر بأن نابليون قد انتصر، مما تسبب في انهيار سوق الأسهم وشراء الأسهم الخاسرة التي تعافت بمجرد وصول أخبار الانتصار البريطاني. وفي حين أن لا أساس لهذه القصة، لكنها لا تزال تشكل جزءاً رئيساً من مجموعة قصص مثيرة حول روتشيلد مثل أنهم "الحكام السريون للعالم". 

ربما غموض الجانب المادي لمشروع ترمب "ريفييرا غزة" الذي يقتصر على الإشارة إلى تأسيس صندوق تمويل تحت اسم "صندوق إعادة إعمار غزة وتعزيز النمو الاقتصادي والتحول"، جنباً إلى جنب مع ما كان ينطوي عليه من خطة لنقل سكان غزة خارج القطاع أو بمعنى أصح "تهجير السكان" في مقابل مالي 5 آلاف دولار ودعم مالي لمدة أربعة أعوام للسكن وعام للطعام، وفق ما نصت عليه الوثيقة، أعاد للذاكرة ما حدث تاريخياً من شراء أراضٍ فلسطينية من قبل اليهود. 

شراء الأراضي الفلسطينية

واحدة من الإشاعات التي انتشرت نتيجة لذلك هي تخصيص رجال الأعمال الإسرائيليين 300 مليار دولار لشراء أراضي القطاع وتمويل التوسع الإسرائيلي. واتخذت هذه الإشاعة بعداً أكثر موثوقية من خلال خطة ترمب التي جرى تداولها مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي والتي تقترح أن يستأجر صندوق التمويل نحو 30  في المئة من أراضي غزة لفترات تصل إلى 99 عاماً، وتفيد بأن تلك الأراضي المستأجرة تعتبر جزءاً من رأس المال أو الأصول الابتدائية للمشروع. 

وباستعراض الوثائق التي تداولتها وسائل الإعلام الأميركية، فإن الخطة تذكر أن استخدام هذه الأراضي "العامة" كأصول مولدة للإيرادات يشكل جزءاً من تقدير القيمة التي تتجاوز الـ300 مليار دولار بعد إعمار القطاع. ومن ثم فإن الرقم الذي جرى تداوله يتعلق بتقدير قيمة الأراضي العامة الــ30 في المئة التي ستستأجر وتستخدم كأصول للصندوق. 

خطة التريليون دولار

وفي شأن خطة إعادة إعمار غزة أو ما سماه الرئيس الأميركي مشروع "ريفييرا غزة"، فإن ثمة وثيقة يجب العودة لها وهي من مصدر موثوق باعتبارها ورقة بحثية صادرة عن جامعة جورج واشنطن الأميركية وأعدها أستاذ الاقتصاد جوزيف بيزمان في يوليو (تموز) عام 2024، وتطرح تصوراً اقتصادياً لإعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب عبر نموذج استثماري طويل الأجل يقوم على البناء والتشغيل والنقل. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق الدراسة المكونة من 49 صفحة، تقدر كلفة الإعمار الكلية بـ 1 إلى 2 تريليون دولار خلال خمسة إلى 10 أعوام. ويقترح بيزمان إعادة إعمار غزة عبر استثمارات أجنبية من دول عدة، تحصل بموجبها على حق إدارة وتشغيل القطاع لمدة 50 عاماً بعقد إيجار طويل الأجل، وتبني خلاله مؤسسات مدنية وقانونية حديثة، على أن ينقل الحكم إلى السكان بعد اكتمال الفترة وبناء مؤسسات حكم رشيد تعتمد على سيادة القانون والنظام الاقتصادي الحر. 

وثمة أربعة مصادر للتمويل تقترحها الدراسة لإعادة إعمار غزة، وهي دول عربية وإقليمية "معتدلة" وقوى اقتصادية دولية عبر نظام الامتياز الذي يتيح للمستثمرين حصصاً ملكية موقتة لمدة 50 عاماً. وتشير تحديداً إلى دول الخليج العربي كنماذج تعليمية واقتصادية يحتذى بها وممولين محتملين، كما يذكر الولايات المتحدة ودول "اتفاقات أبراهام" كشركاء محتملين في التمويل والإشراف، إضافة إلى شركات القطاع الخاص العالمية التي يمكنها الاستثمار في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا والسياحة، وأخيراً مؤسسات التمويل الدولية كالبنك الدولي وصناديق الثروة السيادية الخليجية لتوفير رأس مال مبدئي وضمانات الأخطار. 

الدراسة تشكل أساس مقترح ترمب الأول حول "ريفييرا غزة"، وما تلاه من مقترحات وآخرها خطة إنهاء حرب غزة التي تنطوي على إعادة بناء القطاع مع بقاء سكانه، في حين أنها لا تتضمن صراحة ما يشير إلى نقل سكان غزة أو تهجيرهم. 

خطة صندوق غزة

وتبدو الوثيقة الأولى التي نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية مقتطفات منها في يوليو الماضي، ونشرت وسائل الإعلام الأميركية نسخة تفصيلية منها، أكثر وضوحاً في شأن ممولي عملية الإعمار، إذ يتحدث مقترح "صندوق إعادة إعمار غزة وتعزيز النمو الاقتصادي والتحول – أوTrust GREAT" الذي يهدف إلى تحويل قطاع غزة إلى مشروع اقتصادي ضخم، تدمج من خلاله غزة اقتصادياً مع إسرائيل ضمن منظومة إقليمية قائمة على "معاهدات أبراهام" التي تضم إسرائيل ودولاً عربية، ويفترض أن السلطة الفلسطينية نفسها ستنضم إلى هذه المنظومة لاحقاً. 

التمويل يتعدد على مراحل، من خلال استثمار عام أولي يراوح ما بين 70 و100 مليار دولار من القطاع العام، مع استقطاب نحو 35 إلى 65 مليار دولار من الاستثمارات الخاصة التي تتمثل في مشاريع شراكة بين القطاع العام والخاص، بكلفة إجمالية متوقعة للمشروع أول 10 أعوام نحو 133.4 مليار دولار من استثمارات الأمانة والشراكات والقطاع الخاص. ويفترض أن هذه الاستثمارات تغطي 10 "مشاريع ضخمة"، تتضمن مشاريع بنية تحتية وإعادة إعمار وإسكان دائم ومرافق طبية وتعليمية وبناء الأمن.

مشروعا ماسك وترمب

ويحمل أحد المشاريع اسم الملياردير الأميركي إيلون ماسك باسم "منطقة إيلون ماسك للتصنيع الذكي"، مما يشير إلي ضخ مالك شركة "تيسلا" استثمارات في القطاع. ومن بين المشاريع الكبرى المقترحة مشروع "غزة ريفييرا وجزر ترمب" وهو مجموعة من المنتجعات السياحية وجزر صناعية التي يبدو أن الرئيس الأميركي سيضخ فيه أموالاً من خلال شركاته كمطور عقاري بالأساس، و"بوابة إبراهيم" اللوجستية في رفح التي تربط المرافق في غزة بالموانئ في مصر وإسرائيل ودول الخليج، ومنطقة اقتصادية خاصة تربط غزة بالعريش وإسرائيل مع نظام تجارة حرة مع أوروبا ودول الخليج ومراكز بيانات لخدمة دول الخليج وإسرائيل، فضلاً عن قطاعات التصنيع المتقدم مثل السيارات الكهربائية. 

لكن هذا المخطط يفترض أن 75 في المئة فقط من سكان غزة سيبقون في القطاع خلال عملية إعادة الإعمار، مع حوافز مالية لمن يرغب في إعادة التوطين في بلد آخر تبلغ 5 آلاف دولار، وحوافز أخرى تتعلق بإيجار منزل لمدة أربعة أعوام ودعم الطعام. ويفترض المخطط أن ثلثي أولئك الذين أعيد توطينهم لن يعودوا لغزة. 

المزيد من تقارير