ملخص
أضحت سطوة مواقع التواصل الاجتماعي وتحولها لجلاد ومشانق ظاهرة تجبر النجوم والمشاهير على الاعتذار أحياناً، أو التراجع عن مواقف بطريقة قد لا تفلح النقابات والتحقيقات في تنفيذها بالقوة والسرعة نفسهما.
لم يعد النجوم أو الشخصيات الشهيرة يملكون حرية الاختيار إذا وقعوا تحت مقصلة ومشانق مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب موقف أو تصريح أو حتى تصرف في مناسبة شخصية، إذ تجبرهم سطوة وقسوة وصرامة تلك المنصات على التراجع والاستسلام بإرادتهم أو رغماً عنهم.
الجريئة تتراجع
آخر ما جرى مع المشاهير هو تراجع المخرجة الشهيرة إيناس الدغيدي عن إقامة زفافها منذ أيام، بعد أن وقعت ضحية بين مخالب منصات التواصل الاجتماعي وشراسة تنمره، والسخرية من فكرة زواجها بسن الـ70 وإقامة عرس احتفالاً بتتويجها زوجة بعد قصة حب من رجل أعمال مصري.
ولم يكن متخيلاً أن تتأثر المخرجة الجريئة التي كثيراً ما نشرت أفكارها التي تناهض الرجعية والتعنت وتطالب بالحرية، ولكنها للأسف هزمت بعد تعرضها لحملة شرسة من خلال تعليقات على خبر زواجها، وتأثرت بشدة بسبب انتقاد عرسها وما حدث من تطاول، وفوتت الدغيدي الفرصة على منتظري صور زفافها ليتصيدوا مادة دسمة للتنمر، وجعلت الزفاف حفلة صغيرة من دون فستان العرس وسط سهرة مع أصدقائها المقربين فقط.
ما حدث للدغيدي نال من حريتها الشخصية وفرحتها في إقامة حفلة زفاف، لكن بالنسبة إلى بعضهم الآخر قامت وسائل التواصل الاجتماعي بتنفيذ أحكام رادعة، واللافت للنظر أن تلك السطوة حلت محل النقابات والتحقيقات والمتشددين والمتربصين، فصارت تشكل القوة الحقيقية التي تتغير أمامها القرارات وتقدم بسببها الاعتذارات.
أزمة مشيرة إسماعيل
ومن الحالات التي تربصت بها مشانق منصات التواصل الاجتماعي قصة الممثلة الشابة آية سماحة مع الفنانة المعتزلة مشيرة إسماعيل، التي بدأت عندما انتقدت مشيرة وجود مستشفى للكلاب بالبناية التي تقطن بها بسبب ما يترتب عليها من مشكلات وضجيج. ورأت إسماعيل أن هذا النوع من التخصصات يجب ألا يقام في بنايات سكنية، فصدر قرار من الجهات المعنية بنقل مكان المستشفى من البناية إلى مكان آخر، ولم يرق الأمر للممثلة الشابة آية سماحة، ورأت أن تدخل إسماعيل في نقل المستشفى نوع من التعسف غير الإنساني، لأنها تسببت في أذى الكلاب والمستشفى.
وكتبت سماحة منشوراً على صفحاتها الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي تتهكم فيه على الممثلة، وتتساءل من هي؟ وما تاريخها أو رصيدها الفني وأهميتها؟ وعبرت أنها لا تستحق كل هذا الاهتمام أو تلبية طلبها لدرجة نقل المستشفى، وتسبب المنشور في حالة من غضب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروا تطاول ممثلة ناشئة على فنانة محبوبة وفي عمر والدتها أمراً غير لائق أخلاقياً، وتصاعدت الأمور لتشكل أزمة كبيرة لم يفلح معها تراجع الممثلة الشابة بمنشور تكرر أكثر من مرة تبرز فيها اعتذارها.
وطالب رواد التواصل الاجتماعي بموقف صارم مع الممثلة الصغيرة السن وهاجموها في مئات المنشورات، ولم تنته الأزمة إلا بتدخل مباشر من نقيب الممثلين السابق أشرف زكي بصفته الشخصية والرسمية، إذ اعتذر بالنيابة عن سماحة وعن النقابة للفنانة مشيرة إسماعيل، واصطحب سماحة لمنزل إسماعيل لتطلب منها العفو في منزلها حتى صفحت السيدة عنها ونشروا صوراً من جلسة الصلح والاعتذار.
حملة مضادة
وتصدرت سماحة أزمة أخرى حسمتها أحكام مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً وأجبرتها على الاعتذار هي وزوجها المنتج محمد السباعي، بعد أن قاما بسب بعض الصحافيين الذين قاموا بتغطية جنازة وعزاء الفنان سليمان عيد، وهو ما أدى إلى شن حملة مضادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من الصحافيين الذين طالبوا بضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة ضدهما، مما اضطر الزوجين إلى تقديم اعتذار عبر حساباتهما على مواقع التواصل.
وكانت أزمة الفنان أحمد السقا مع طليقته الإعلامية مها الصغير من أبرز المشكلات التي قست عليها أسواط ومشانق رواد التواصل الاجتماعي، فقد نشر السقا خبر طلاقه من الصغير عبر صفحته الخاصة بموقع "فيسبوك"، وكان نص الخبر مزعجاً لبعضهم، إذ تطرق فيه السقا لبعض التلميحات التي تنال من الصغير. وهاجمت منشورات كثيرة أحمد السقا لدرجة دفعته لتعديل المنشور أكثر من مرة ثم حذفه، ولم تنته حملات الهجوم عليه حتى تراجع وأنكر وأعلن في برنامج تلفزيوني أنه لم يكتب المنشور بل شقيقته من فعلت ذلك.
اعتذار عن السرقة
وكانت الإعلامية مها الصغير بطلة واقعة أخرى سيطرت عليها مواقع التواصل الاجتماعي وأصدرت فيها حكماً رادعاً أجبر الصغير على الاعتذار الفوري، وهي قصة سرقة اللوحات الشهيرة التي نسبتها الصغير لنفسها في برنامج الإعلامية منى الشاذلي وشددت على أنها من رسمتها، وعن طريق انتشار الخبر عبر موقع "فيسبوك" علمت الرسامة الأصلية بما حدث ونشرت توضيحاً وضع الصغير وأسرة البرنامج في موقف شديد الحرج، وأمام موجات متوالية من الهجوم عبر مواقع التواصل الاجتماعي اعتذرت مقدمة البرنامج للفنانين التي سرقت الصغير لوحاتهم ونسبتها لنفسها، وبررت الشاذلي ما حدث بأنه من دون علم البرنامج، وحملت الصغير أمام الرأي العام كامل المسؤولية.
ولم تهدأ الأمور عبر وسائل التواصل الاجتماعي فخرجت مها الصغير تعتذر وتعترف بخطئها في منشور وتطلب السماح من صاحبة اللوحة الأصلية وغيرها من الفنانين التي سطت على أعمالهم، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي هي الحاكم الآمر في تصاعد تلك القضية حتى تسامحت إحدى الفنانات مع الصغير، ونشرت أيضاً ذلك عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك".
موقف غير إنساني
وبعد موقف غير إنساني قام به الممثل المصري أحمد عبدالعزيز مع معجب شاب حاول مصافحته ومد يده إليه فتجاهلها الممثل غير مكترث بما سببه من حرج وإهانة للمعجب الصغير، قامت الدنيا واشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بهجوم حاد على عبدالعزيز، ولم يصمت الناس وقصفته منشورات متوالية وصفته بالغرور والقسوة، ونالت منه منشورات أخرى عمدت لانتقاد وضعه الفني ووصفته بأنه لا يليق به الغرور، بخاصة أنه لم يعد نجماً ولا يبرر له أي شيء قسوة القلب والمعاملة.
وأمام الهجوم المتواصل لم يستطع عبدالعزيز الصمود واضطر إلى الاعتذار للشاب ضحية واقعة المصافحة، وبرر الممثل ما حدث بأنه لم يكن متعمداً، بل حدث نتيجة سوء فهم وعدم ملاحظة للشاب وهو يهم بالسلام عليه.
موهبة شكري سرحان
وبعد حملات مكثفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي من محبي الفنان الراحل شكري سرحان اضطر الممثل الشاب عمر متولي إلى الاعتذار الرسمي بعد انتقاده لسرحان في أحد البرامج، ووصفه بأنه محدود الموهبة وحصل على نجومية أكبر من قدراته، وهذا التصريح أثار غضب الجمهور وعبروا بمنشورات قاسية عن حزنهم ورغبتهم في معاقبة متولي على إساءته في حق النجم الراحل الكبير، وبالفعل استسلم متولي واعتذر لجمهور وأسرة شكري سرحان أكثر من مرة، وتدخلت نقابة الممثلين المصريين ووجها إنذاراً رسمياً لمتولي.
سلوم حداد واللغة العربية
أما الفنان السوري سلوم حداد فأثار جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعد انتشار مقطع فيديو له وهو يصف بعض الممثلين المصريين بضعف أدائهم عندما يجسدون أدواراً باللغة العربية، باستثناء قلة منهم مثل الراحلين عبدالله غيث ونور الشريف. وأشار حداد خلال الفيديو إلى أن كثيراً من الممثلين المصريين يعانون مشكلة في نطق الحروف بصورة صحيحة، بخاصة حرف الجيم، ثم قلد ساخراً إحدى الجمل الفصحى.
وهبت عاصفة من الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعي ضد حداد من ممثلين ومثقفين وجماهير مصرية، وأمام تصاعد الأزمة تراجع حداد، وأعلن أشرف زكي نقيب المهن التمثيلية السابق تلقيه اعتذاراً رسمياً من الممثل السوري الشهير لينهي الفصل الأخير من توابع تلك التصريحات. وشدد زكي على عمق الروابط التاريخية والفنية التي تجمع مصر وسوريا، التي لا يمكن أن تتأثر بأي مواقف عابرة.
وكانت الممثلة المصرية بدرية طلبة، إحدى بطلات أزمات مواقع التواصل الاجتماعي، وأجبرت على تنفيذ أحكامها عندما اضطرت إلى الاعتذار المباشر عقب هجومها على متابعيها ووصفها المنتقدين بطريقة غير لائقة، إذ قالت إن الفنانين أسياد الجميع والناس تتمنى التقرب منهم، وأي هجوم يكون بدافع الغيرة والحقد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتعرضت طلبة لحملة شرسة من رواد التواصل الاجتماعي، لدرجة أن نقابة الممثلين قررت فتح تحقيق معها انتهى بإحالتها إلى مجلس التأديب، وسارعت الفنانة بعد ذلك بتقديم اعتذار إلى جمهورها، مؤكدة أنها انساقت وراء استفزازات إلكترونية.
مشانق النجوم
سطوة مواقع التواصل الاجتماعي وتحولها لجلاد ومشانق تجبر النجوم والمشاهير على الاعتذار أحياناً، أو التراجع عن مواقف بطريقة قد لا تفلح النقابات والتحقيقات في تنفيذها بالقوة والسرعة نفسهما، ظاهرة شديدة الخطورة ولها أبعاد كثيرة وسلبيات وأحياناً إيجابيات.
يقول الناقد الفني جمال عبدالقادر "لم يعد من المنطقي أن نخفي وجوهنا في الرمال أمام التوغل والتوحش الذي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي في إصدار الأحكام وتغيير وجهة نظر النجوم والمشاهير برغبة منهم أو من دون، هناك سيطرة تتمتع بها منصات التواصل الاجتماعي وتحاكم بها الفنان بصورة أقسى من أية نقابة أو جهة معنية".
وتابع عبدالقادر "أحياناً يخطئ فنان أو شخصية شهيرة في موقف أو تصريح، وقبل أن تتحرك الجهات الرسمية تنصب له مشانق مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات شرسة وأحكام قاسية لا يستطيع الصمود أمامها فيضطر إلى التراجع والاستسلام قبل فوات الأوان".
وذكر عبدالقادر أن بعض هذه الأحكام التي تجعل النجم يغير مساره قد تكون في محلها وتصحح خطأ، بينما في أحيان أخرى قد تكون ظالمة وتجبر النجم على التراجع عن شيء شخصي مثل حذف صور مع عائلته بعد تنمر أو سخرية، أو إلغاء حفلة معينة خوفاً من التعرض لشيء مسيء، وهذا بالتأكيد هو الوجه القبيح من سيطرة أحكام وتعليقات مواقع التواصل الاجتماعي على حياة الناس، خصوصاً النجوم والمشاهير والتحكم في مصير بعضهم أحياناً".
فئات مندسة
وترى الناقدة مريم عاطف أن أحكام مواقع التواصل الاجتماعي يجب وضعها في الاعتبار، لأنها تمثل آراء نسبة كبيرة من المجتمع والناس والجمهور البسيط، بينما هناك فئات بالتأكيد تندس لتحدث عاصفة وحملات مغرضة ضد نجوم ومشاهير، ويجب التمييز الدقيق بين النوعين حتى لا تختلط الأحكام.
وشددت عاطف أن يكون هناك ميزان يحكم الأمور ويضعها في نصابها الصحيح فعلى رغم انحياز أحكام مواقع التواصل الاجتماعي لبعض القضايا الإنسانية والأخلاقية مثل إهانة ممثل لمعجب، أو تطاول شخصية شهيرة على شخص آخر، لكن يجب التوقف عند هذا الحد وعدم السماح بتوغل مشانق "السوشيال ميديا" لتغتال حرية الحياة الخاصة، مثلما حدث وأجبرت المخرجة إيناس الدغيدي على إلغاء زفافها خوفاً من التنمر، وهذه الأمور يجب الانتباه لها والحد منها ما دام رأيناها تقترب من حياتنا الخاصة وقدسية الحرية.
