ملخص
بينما تتداخل في فيلم درويش الأحداث والحبكات والجمل والمعارك والمشاهد ما قد يجعل المشاهد في حال ارتباك، لدرجة الرغبة في مشاهدة العمل مرة أخرى، فإنّ قطاعاً من الجمهور استمتع بالملابس والديكورات القديمة ومشاهدة نجوم السينما في قالب زمني مغاير ومفاجئ
تعد صناعة أفلام سينمائية تحاكي فترات زمنية بعيدة مغامرة، وطرح فيلم "درويش" الذي يدور خلال فترة الأربعينيات حول مقاومة الاحتلال الإنجليزي في مصر بموسم الصيف مخاطرة، لكنها تجربة فتحت باب الأمل أمام التغيير والمجازفة بأعمال خارج التوقعات وبعيدة من الكوميديا المعهودة.
فيلم "درويش" بطولة عمرو يوسف ودينا الشربيني وتارا عماد ومصطفى غريب وأحمد عبدالوهاب ومحمد شاهين، والفنانة يسرا التي فاجأت الجميع بنهاية العمل. وأخرج الفيلم وليد الحلفاوي، وكتبه وسام صبري، وهما شريكان في معظم أعمال عمرو يوسف الأخيرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لعل أكبر مفاجآت الفيلم هي اختيار توقيت عرضه في ذروة موسم الصيف السينمائي، الذي لا تعرض فيه سوى أفلام في الغالب ذات طابع كوميدي خفيف، إضافة إلى الأكشن والتشويق في بعض الأحيان. نافس العمل أفلام "الشاطر" لأمير كرارة ومصطفى غريب وهنا الزاهد، و"روكي الغلابة" لدنيا سمير غانم ومحمد ممدوح ومحمد ثروت، و"أحمد وأحمد" لأحمد السقا وأحمد فهمي، والأفلام الثلاثة تندرج تحت قائمة الكوميديا والأكشن.
زمن الأربعينيات
المجازفة الحقيقية في "درويش" تبلورت في إصرار أسرة الفيلم على طرح عمل يدور في حقبة زمنية بعيدة من واقعنا بما يتجاوز 80 عاماً، حيث عصر الاستعمار الإنجليزي لمصر، والمقاومة الشعبية الباسلة ومحاولات إقصاء المحتل. وكمنت صعوبة الطرح في الفكرة والموضوع والملابس والديكورات واللغة التي دار بها حوار الفيلم، إذ إنها بعيدة كل البعد من الأجيال الجديدة التي قد لا يملك معظمهم معلومات كافية عن هذه الفترة، ولا يهتم كثيراً بمتابعة التاريخ وتفاصيله، لا سيما في عمل ترفيهي سينمائي يذهب إليه ليدفع ثمن تذكرة باهظة الثمن ويقضي وقتاً ممتعاً مع عائلته أو أقرانه.
يبدو أن حلم تقديم فيلم من حقبة الأربعينيات كان هدفاً لبطل العمل عمرو يوسف، الذي نجح من قبل في تجسيد شخصية تاريخية تنتمي إلى حقبة زمنية بعيدة في مسلسل "جراند أوتيل"، الذي حقق نجاحاً كسر المقاييس، ولم يتكرر بنفس النسبة إلى أعمال أخرى تلته، وحاولت الاقتراب من هذا الوقت المميز بمساحة تاريخية غنية بالأحداث والتفاصيل. وقدمت دينا الشربيني نفس المرحلة في مسلسل "جراند أوتيل" مع عمرو يوسف، وفي العمل التلفزيوني "قصر النيل".
يبدو أن مشروع "درويش" كان المشجع الأول لتنفيذه هو الخبرة السابقة لبطليه يوسف والشربيني في تقديم هذه المرحلة التاريخية من دون الحاجة إلى تدريب مكثف، أو تعلم أسلوب محاكاة يجعل الشخصية كارتونية أو بعيدة من الصدقية.
لم يتجرأ صناع العمل على تنفيذ الفيلم وطرحه على جمهور غالبيته لا يقترب إلا من أفلام الكوميديا وكرة القدم والتشويق والحركة وما يشبه الأعمال الأميركية إلا بعدما صنعوا توليفة تضيف للعمل حداثة ومرونة وحميمية، فخلط مؤلف الفيلم وسام صبري بين الكوميدي والرومانسية والحركة، ليصنع إطاراً لامعاً للأحداث التاريخية التي تقوم برمتها على فكرة النضال ضد الإنجليز.
وكانت أحداث الفيلم رغم جديتها لا تخلو من طريقة طرح كوميدية خفيفة وقريبة من القلوب في تقديم الشخصيات والتصاعد الدرامي. مشاركة مصطفى غريب في الفيلم صنعت الجزء الكوميدي الأكثر سطوعاً، ونجح في ذلك برفقة عمرو يوسف وخالد كمال ومحمد شاهين. وواصل الممثل الشاب أحمد عبدالوهاب تألقه بتقديم الشخصية الكوميدية الشريرة المتغطرسة بنجاح كبير أضاف إلى العمل كثيراً من المعالم المميزة.
الشخصية الرئيسة بالعمل حاولت تقديم تيمة البطل الشعبي الوسيم خفيف الظل، لكن بطريقة العد التنازلي، فشخصية درويش التي لعبها عمرو يوسف كانت بلا دوافع أخلاقية في البداية، لكنه وقت الاختيار الإنساني في مفترق الطرق اكتشف أن بداخله بطلاً مصرياً حقيقياً وليس شخصاً انتهازياً بلا أخلاق كما كان يظن.
تدور الأحداث حول درويش الذي تربطه قصة حب مع فتاة شعبية متسلطة وجشعة تدعى زبيدة (دينا الشربيني)، ويشارك العشيقان في جماعة إجرامية فيسرقا معاً جوهرة يمتلكها مهراجا، ويخططان بعدها للهرب خارج مصر. لكن الأمور تنقلب عندما تظن زبيدة أن درويش يخدعها وسيهرب من دونها فتقرر أن تلقنه درساً لا ينساه فتسرق الجوهرة وتهرب بصحبة رفيقها رشدي الشرير (أحمد عبدالوهاب)، وهو شخص يكره درويش ويريد إلحاق الأذى به بأي طريقة حيث يعده غريماً له بسبب حب زبيدة المفرط.
يخبر رشدي وزبيدة الشرطة عن درويش بتهمة السرقة، حتى لا يلاحقهما عندما يفران بالجوهرة خارج البلاد. يدرك درويش الخدعة الكبرى التي تعرض لها فيحاول الهرب من الشرطة التي تطارده ويختبئ في تظاهرة ثورية ضد الاحتلال الإنجليزي، وتتصاعد الأحداث عندما يتهم بقتل كولونيل بريطاني كان قتله بالفعل أحد أفراد المقاومة المصرية ولاذ بالفرار.
تأخذ الحكاية مساراً غير متوقع عندما يعد الرأي العام درويش بطلاً شعبياً وقاتلاً لضابط إنجليزي شرير، وتتأزم عقدة الفيلم عندما يحكم على درويش بالإعدام في تلك الجريمة التي لا يعرف عنها شيئاً، وخلال اقتياده لتنفيذ الحكم يهربه تنظيم للمقاومة المصرية، وهم خالد كمال وتارا عماد وأحمد محارب وإسلام حافظ وهشام الشاذلي.
يتشكك أفراد التنظيم في البداية في درويش ومدى صدقيته وولائه الوطني، لكن مع الوقت يحاولون الوثوق به من طريق تكليفه عمليات وطنية، ويطلبون منه مهمة حاسمة وشبه انتحارية، وهي سرقة أوراق مهمة ضد الإنجليز والمتواطئين معهم من منزل النبيل عماد (محمد شاهين)، وهو من أبرز المتعاونين مع الاحتلال ضد الشعب. وهناك يقابل درويش زبيدة مرة أخرى التي ترتبط بالنبيل عماد وتخدعه بنسب نفسها إلى إحدى العائلات الراقية.
وتبدأ المواجهات بين درويش وزبيدة فتكشف له عن حبها بعدما تكتشف أنه لم يخنها فتثير غيرة كاريمان (تارا عماد) أحد أعضاء التنظيم الوطني الذي انضم إليه درويش في أثناء هربه. وتتوالى المغامرات التي تجمع بين الكوميديا والرومانسية والأكشن والتشويق بصورة لا تنتهي إلا مع نهاية المشهد الأخير.
محاكاة ناجحة
قد تكون فكرة الفيلم غير جديدة، فموضوع البطل الشعبي الذي كان في الأصل لصاً استخدمت في عشرات الأعمال الفنية، آخرها مسلسل "النص" لأحمد أمين عرض رمضان الماضي، وكذلك عملية السطو على قصر أحد المتعاملين مع الإنجليز ليست بالأمر الجديد، لكن حاول الفيلم وصناعه اكتساب الإعجاب بطرق أخرى كانت شديدة التميز، أبرزها المفاجأة التي انتهى بها الفيلم، وغيرت سياق الأحداث، كذلك كان ظهور الفنانة يسرا بشخصية إحدى بطلات الفيلم مع الإعلامي محمود سعد من أبرز المشاهد التي كسرت توقعات العمل.
واهتم المخرج وليد الحلفاوي كثيراً بديكورات الفيلم الفارهة في قصر النبيل عماد، فبدا كأنه قصر ملكي حقيقي يمتلكه أبرز الأغنياء في حقبة الأربعينيات، كذلك ركزت الملابس على التفاصيل الدقيقة فكانت مناسبة جداً للحقبة التي تناولها الفيلم.
ولم تفلت الكلمات في الحوار من تفاصيل وتعبيرات متطابقة مع الزمن الذي عاش فيه أبطال القصة في درويش. واستطاعت مشاهد الحركة رغم كثرتها أن تكسر أي جمود أو رتابة قد يشعر بها المشاهد بسبب بعده عن هذا الزمن. كما كانت الكوميديا التي تحمل مسؤوليتها كل أبطال العمل بلا استثناء عفوية وتتسلل داخل الجمل الحوارية من دون محاولات للاقتحام المباشر، وغلبت كوميديا الموقف على معظم المشاهد.
والجديد أن مصطفى غريب جسد الكوميديا المباشرة بطريقة مختلفة لا علاقة لها بـ"إفيهات" ومفردات الكوميديا الحديثة التي قدمها في كل أعماله. دينا الشربيني بحكم خبرتها السابقة في أدوار لا تمت بصلة لعصرنا الحالي كانت تتحرك برشاقة شديدة في الأداء، فأجادت تجسيد الفتاة المبتذلة والعاشقة لدرويش في الوقت نفسه بخفة ظل. أما تارا عماد فيبدو أنها في مرحلة نضج فني لا يستهان بها، حيث كان دور "كاريمان" نقطة تحول كبيرة بالنسبة إليها فأجادت أداء الشخصية الثورية البطولية القوية، وفي الوقت نفسه تسللت برفق في منتصف أحداث الفيلم لشخصية المرأة الرومانسية عندما تقع في عشق رجل شديد الغموض ولا ينتمي إلى عالمها الراقي.
أما عمرو يوسف بطل العمل أو "درويش" فيبدو أنه يراهن على التجديد مهما كان حجم الخطر، ويحاول أن يكون سبباً في كسر النمطية بالسينما من حيث الأدوار وتوقيت العرض الصيفي الذي ارتبط فقط بالأعمال الكوميدية والاجتماعية.
وبالنظر إلى إيرادات درويش التي اقتربت من 60 مليون جنيه مصري (1.250 مليون دولار تقريباً) فقد نجح في تغيير المعادلة السينمائية في نحو ستة أسابيع. وقد يتفق أو يختلف معه، حيث يراه البعض مليئاً بالأحداث والحبكات والجمل والمعارك والمشاهد التي قد تجعل المشاهد في حال ارتباك، لدرجة الرغبة في مشاهدة العمل مرة أخرى، لكن قطاعاً من الجمهور استمتع بالملابس والديكورات القديمة ومشاهدة نجوم السينما في قالب زمني مغاير ومفاجئ.