Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تتحول شبكات النقل إلى محرك للنمو والاستدامة؟

سوق الحافلات في السعودية تنمو بسرعة لكنها تواجه تحديات مرتبطة بتقلبات أسعار النفط وتأثيرها في استثمارات البنية التحتية

تكمن أهمية المشروع في أثره الأوسع في الاقتصاد المحلي، من خلال تقليل الازدحام وخفض تكاليف التنقل (واس)

ملخص

تشير تقديرات وزارة النقل البريطانية إلى أنه إذا زادت جميع محركات النمو الأخرى بنسبة 10 في المئة بينما ظلت البنية التحتية للنقل ثابتة، فإن النمو المحقق في الدخل لن يتجاوز تسعة في المئة فقط، أي أقل بنقطة مئوية كاملة عما كان يمكن أن يكون عليه.

يمكن للنقل العام أن يؤثر بصورة مباشرة في اقتصاد الدولة، فالاستثمار في شبكات النقل ينعكس على أداء أسواق العمل وإنتاجية الأعمال وزيادة القدرة التنافسية. هذه التأثيرات تتراكم مع مرور الوقت لتقود إلى تحسينات في الناتج الاقتصادي وإعادة توزيع النشاط الجغرافي، كما أن للنقل العام دوراً في حماية البيئة وتحسين جودة الحياة وزيادة جاذبية المدن والقرى.

فعند الانتقال للعيش في بلد جديد، أو حتى عند زيارة بلد للسياحة، فإن أول ما يقيمه الفرد هو كفاءة النقل العام: هل توجد سيارات أجرة؟ هل هناك شبكة مترو؟ هل يسهل التنقل بين المحطات؟ إذ إن سهولة التنقل وتوزيع المحطات أهم غالباً من سعر التذكرة نفسه.

ونظراً إلى أهمية هذا القطاع، تشير تقديرات وزارة النقل البريطانية إلى أنه إذا زادت جميع محركات النمو الأخرى بنسبة 10 في المئة بينما ظلت البنية التحتية للنقل ثابتة، فإن النمو المحقق في الدخل لن يتجاوز تسعة في المئة فقط، أي أقل بنقطة مئوية كاملة عما كان يمكن أن يكون عليه.

سعر التذكرة ليس المعيار الوحيد

وفقاً للمعايير العالمية لتصنيف وسائل النقل العام، أشار مؤشر ويليام راسل للنقل العام إلى أن التقييم يستند بالدرجة الأولى إلى كلفة النقل، يليه عدد مسارات المترو، وعدد المحطات والمواقف، إضافة إلى أنظمة مشاركة الدراجات والسكوتر والسيارات الكهربائية لكل 100 ألف شخص.

وبحسب المؤشر لعام 2023، تصدرت باريس قائمة أفضل مدن العالم في وسائل النقل العام. ويعود ذلك لشبكة متكاملة تتميز بأسعار معقولة، إذ يبلغ متوسط سعر التذكرة 2.29 دولار فقط، فضلاً عن تنوع خيارات النقل، كما أشار التقرير إلى وجود 10 برامج لتأجير الدراجات في المدينة.

وجاءت معظم المدن ذات أعلى تصنيفات في أوروبا، إذ تلت باريس مدينة ستوكهولم السويدية، بينما كانت نيويورك المدينة الأميركية الوحيدة المدرجة في القائمة، وحققت نتائج مميزة بفضل خطوط المترو المتعددة وتوفر عدد كبير من الدراجات.

أما من الناحية الاقتصادية، فيشير موقع "Statista" للبيانات إلى أن إيرادات النقل العام العالمية شهدت تراجعاً حاداً في عام 2020 نتيجة جائحة كورونا، إذ انخفضت إلى 209 مليارات دولار بعد أن بلغت 283 مليار دولار في عام 2019. غير أنها عادت للارتفاع في عام 2025 لتصل إلى 295 مليار دولار، مع توقعات باستمرار النمو بوتيرة بطيئة تتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة سنوياً حتى عام 2029.

تحديات النقل العام في السعودية

كشف تقرير بحثي صادر عن موقع "غلوب نيوز واير" أن سوق الحافلات العامة في السعودية تشهد نمواً متسارعاً في السنوات الأخيرة، إلا أنه ما زال يواجه تحديات مرتبطة بالاعتماد الكبير على عائدات النفط. وأوضح التقرير أن تقلبات أسعار النفط العالمية تنعكس بصورة مباشرة على حجم الإنفاق الحكومي المخصص لمشاريع البنية التحتية، بما في ذلك تطوير أنظمة الحافلات.

وبحسب التقرير، فإن رؤية السعودية 2030 تسعى إلى تقليص الاعتماد على النفط بوصفه المحرك الرئيس للاقتصاد، غير أنه لا يزال يشكل ركيزة أساسية. وفي حال انخفاض الأسعار، قد تتعرض استثمارات القطاع العام، ومن ضمنها مشاريع النقل، إلى التأجيل أو خفض الموازنات المخصصة لها. ويرى التقرير أن هذا الارتباط بأسواق النفط العالمية يجعل قطاع الحافلات عرضة للتقلبات الاقتصادية الكلية، ويضع عراقيل أمام تحقيق نمو مستدام، خصوصاً في ما يتعلق بتنفيذ مشاريع واسعة النطاق مثل الحافلات الكهربائية أو المبادرات الأخرى ذات الكلفة المرتفعة في البنية التحتية.

علق المستشار الإعلامي الدولي حسين الشمري بأن التقرير لا يعتمد على حقائق ثابتة، إذ إن السعودية لا تعتمد على الإيرادات في الإنفاق الحكومي على المشاريع، وبالتحديد مشاريع البنية التحتية.

لذا يرى أن الاعتماد على النفط في الماضي كان حقيقة، أما اليوم فقد تم تقليل الاعتماد عليه. وأشار إلى حوار وزير الاقتصاد والتخطيط فيصل الإبراهيم، خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن أعمال منتدى صندوق الاستثمارات العامة والقطاع الخاص في فبراير (شباط)، أكد فيها أن القطاع غير النفطي في المملكة من المتوقع أن يحقق نمواً كبيراً بحلول عام 2026، مدفوعاً بازدهار عدد من القطاعات، مشيراً إلى أن إجمالي حجم الاستثمارات في البنية التحتية متوقع أن يصل إلى نحو تريليون دولار بحلول 2030.

ويتابع الشمري أن مثل هذه المشاريع، كالبنية التحتية، لها إنفاق خاص بعيداً من الإيرادات وتقلبات أسعار الطاقة العالمية، لذلك نجد أن مشروع قطار الرياض واصل العمل على رغم التحديات، ومشروع حافلات الرياض أيضاً في طريقه إلى الانتهاء من بعض النقاط. صحيح أن هناك بعض المواقع لم ينته العمل فيها بعد، ولكن لا يعتقد أن لذلك ارتباطاً بأسعار النفط وتقلباتها. ومن الطبيعي أن يكون هناك إعادة مراجعة للمشاريع، فربما يرجأ هذا المشروع أو يؤخر لسبب أو لآخر، لكنها ليست مرتبطة بإيرادات الدولة.

ويعتقد المستشار أن السعودية تضخ إنفاقاً أكبر من الإيرادات، وهذا دليل على العجز الواضح في الموازنة السعودية، إذ إن حجم الإنفاق الحكومي أكبر من حجم الإيرادات، وهذا أمر طبيعي في ظل هذه المشاريع الضخمة التي تتولاها الدولة.

البعد البيئي ومبادرة السعودية الخضراء

أصبح النقل العام من أهم الأدوات لتحقيق أهداف الاستدامة وخفض الانبعاثات الكربونية، فبحسب دراسة للبنك الدولي عام 2022 "التحول إلى أنظمة النقل العام الحديثة مثل الحافلات الكهربائية والقطارات السريعة يمكن أن يقلل انبعاثات قطاع النقل بنسبة تصل إلى 25 في المئة في المدن الكبرى"، هذا الرقم يعكس الدور المباشر لشبكات النقل في الحد من التلوث وتحسين جودة الهواء.

 

في السعودية، ينظر إلى مشاريع النقل العام كجزء أساس من مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، اللتين تستهدفان الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2060. إدخال تقنيات صديقة للبيئة مثل الحافلات الكهربائية أو الاعتماد على الطاقة المتجددة في تشغيل المحطات لا يحمي البيئة فقط، بل يخلق فرصاً اقتصادية جديدة في سوق الاقتصاد الأخضر ويحفز تنويع مصادر الدخل بعيداً من النفط.

الأثر الاجتماعي والتحول الحضري

الأثر لا يتوقف عند البيئة، بل يمتد إلى الجوانب الاجتماعية والحضرية. تقرير برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN-Habitat) لعام 2023 يؤكد أن "توسيع شبكات النقل العام يحسن الوصول إلى الخدمات التعليمية والصحية، ويعزز المساواة الاجتماعية من خلال تمكين الفئات الأقل دخلاً من التنقل بكلفة منخفضة".

في هذا السياق، يمثل مترو الرياض نموذجاً عملياً لكيفية ربط الاقتصاد بالتحول الحضري. فإلى جانب دوره في تخفيف الازدحام وخفض تكاليف التنقل، أسهم المشروع في إنعاش النشاط التجاري حول المحطات عبر المقاهي والمتاجر والخدمات المساندة. ومع دخول مشاريع الحافلات الكهربائية، يتعزز هذا الأثر من خلال توفير خيارات نقل منخفضة الكلفة وصديقة للبيئة، مما يرفع من جودة الحياة في المدن السعودية ويجعلها أكثر جاذبية للسكان والزوار، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية 2030 في بناء مدن ذكية ومستدامة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إيرادات مترو الرياض

أكد وزير النقل والخدمات اللوجستية خلال ملتقى موازنة 2025 أن مساهمة قطاع النقل والخدمات اللوجستية في الناتج المحلي لعام 2023 بلغت نحو 26 مليار دولار، في حين تجاوز إجمالي الاستثمارات في القطاع مساحة 6.6 مليون متر مربع بقيمة قاربت 3 مليارات دولار، كما حققت المملكة قفزة نوعية بواقع 17 مرتبة في مؤشر جودة الخدمات اللوجستية الصادر عن البنك الدولي.

وفي ما يتعلق بمصادر إيرادات قطار الرياض، أوضح المحلل المالي حسين العطاس أن العوائد تحققت بصورة رئيسة من مبيعات التذاكر، سواء عبر الاشتراكات الشهرية واليومية أم من خلال الرحلات الفردية، إلى جانب الإيرادات غير المباشرة الناتجة من الإعلانات التجارية داخل المحطات والقطارات. كما انعكس تشغيل المشروع على المحيط العمراني عبر تنشيط المنشآت الخدمية المحيطة بالمسارات مثل المقاهي والمتاجر وخدمات النقل المساندة، مستفيدة من الارتفاع الملاحظ في حركة الركاب.

وأشار العطاس إلى أن تشغيل القطار أسهم في تحقيق زيادة ملاحظة في العوائد التجارية والخدمية في محيط المحطات، فيما تكمن أهمية المشروع في أثره الأوسع في الاقتصاد المحلي، من خلال تقليل الازدحام وخفض تكاليف التنقل ورفع كفاءة الإنتاجية، فضلاً عن دوره في تنشيط الاقتصاد الحضري وتعزيز جودة الحياة بما ينسجم مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.

اقرأ المزيد