Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تذبذب قيمة "الاسترليني" يعكس ضعف الاقتصاد البريطاني

كثيراً ما ارتبط تدهور الجنيه بأزمات تردي الوضع الاقتصادي في البلاد

في الأيام الأخيرة، تراجع سعر صرف الاسترليني دون حاجز 1.35 للدولار (اندبندنت عربية)

ملخص

في محاولة لدعم الجنيه الاسترليني، رفعت الحكومة أسعار الفائدة إلى 15 في المئة، وباع بنك إنجلترا ما قيمته 40 مليار دولار من الاحتياطات في الأشهر التي سبقت الأربعاء الأسود.

منذ إطلاق العملة البريطانية الحالية، الجنيه الاسترليني، بنهاية القرن الـ18، وهي من بين أكبر العملات العالمية، وفي وقت من الأوقات قبل الحربين العالميتين كان الاسترليني ملك العملات في العالم، استناداً إلى قوة الاقتصاد البريطاني والهيمنة السياسية للإمبراطورية التي "لا تغيب الشمس عن مستعمراتها" كما كان يقول المثل.

إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال غالب المستعمرات البريطانية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، احتلت العملة الأميركية، الدولار، مكانة الاسترليني بين العملات العالمية، بخاصة بعدما فك الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون ارتباط العملة بالدولار مطلع سبعينيات القرن الماضي.

وعلى مدى نحو نصف القرن الأخير، من الربع الأخير للقرن الماضي إلى نهاية الربع الأول من القرن الحالي، تذبذبت قيمة الجنيه الاسترليني مقابل الدولار والعملات الكبرى الأخرى. وبعدما كان سعر صرف الاسترليني وصل إلى أكثر من ضعف قيمة الدولار، اقترب في بعض الأحيان من أن يساوي الاسترليني دولاراً واحداً.

في كل المرات التي شهدت فيها قيمة الاسترليني تدهوراً كان الاقتصاد البريطاني يمر بأزمة، إما نتيجة عوامل خارجية أو لتضافرها مع سياسات مالية واقتصادية بريطانية أضرت بوضع الاقتصاد. ذلك لأن قيمة أي عملة في ظل السوق الحرة الحالية تتحدد على أساس العرض والطلب في سوق العملات، ووضع اقتصاد البلد الذي يصدرها وتوقعاته المستقبلية.

الاسترليني والاقتصاد

على رغم التراجع المستمر في قيمة الدولار الأميركي منذ تولي إدارة الرئيس دونالد ترمب السلطة مطلع عام 2025، الذي أدى إلى تحسن طفيف في سعر صرف العملات الكبرى الأخرى مقابل الدولار، إلا أن الجنيه الاسترليني لم يستفد من ذلك تماماً. ومع أن الدولار خسر أكثر من 10 في المئة من قيمته هذا العام حتى الآن، إلا أن الاسترليني ظل يدور في نطاق سعر صرف حول 1.3 دولار للجنيه.

بمعنى آخر، وبحساب تعسفي، يمكن القول إن الجنيه الاسترليني يشهد أيضاً تراجعاً في قيمته مثل الدولار، طالما ظل سعر الصرف في هذا النطاق ولم ترتفع قيمة الاسترليني مقابل انخفاض قيمة الدولار. لكن تدهور قيمة الاسترليني مرتبط أساساً بوضع الاقتصاد البريطاني الذي شهد شبه انهيار في الفترة الأخيرة من حكم حزب المحافظين، ولم يتحسن مع فوز حزب العمال بالانتخابات العام الماضي وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة كير ستارمر.

في الأيام الأخيرة، تراجع سعر صرف الاسترليني دون حاجز 1.35 للدولار مع صدور بيانات وأرقام رسمية تشير إلى تردي وضع الاقتصاد البريطاني قبل إعلان موازنة الخريف في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وعلى عكس تعهدات وزيرة الخزانة راشيل ريفز وحكومة رئيس الوزراء كير ستارمر بأن إنعاش الاقتصاد وزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي هو هدف الحكومة الأول، لا يكاد الاقتصاد البريطاني يحقق نمواً يذكر.

تبدو صورة السياسة المالية قاتمة، فأسواق السندات ترفع العائد على الدين السيادي البريطاني، وخدمة الدين العام في ارتفاع يزيد عجز الموازنة باطراد، وصل اقتراض الحكومة في أغسطس (آب) الماضي إلى 18 مليار جنيه استرليني (24 مليار دولار)، وهو المعدل الأعلى للاقتراض منذ خمسة أعوام، وزاد ذلك من الضغط على الاسترليني لتتراجع قيمته أمام الدولار.

ونتيجة عدم الثقة في مستقبل الاقتصاد وانضباط السياسة المالية للحكومة البريطانية، وصل العائد على سندات الخزانة البريطانية متوسطة الأجل لمدة 10 أعوام إلى نسبة 4.7 في المئة، بينما ارتفع العائد على سندات الدين طويلة الأجل لمدة 30 عاماً إلى نسبة 5.55 في المئة.

يزيد ذلك من أعباء خدمة الدين العام، بالتالي تتسع فجوة العجز في الموازنة. كل ذلك يضغط أكثر على قيمة الاسترليني نزولاً.

أزمات سابقة لـ"الاسترليني"

صحيح أن العملة البريطانية لم تصل للتساوي مع الدولار كما حدث بعد موازنة ليز تراس الكارثية في مثل هذا الشهر، سبتمبر (أيلول) قبل ثلاثة أعوام، لكن الأمر ليس مستبعداً تماماً رغم استمرار هبوط الدولار. حينها، ردت الأسواق بانفعال شديد على موازنة حكومة تراس، التي لم تكمل سوى ستة أسابيع في السلطة، بفقدان ثقة كامل تقريباً في الاقتصاد البريطاني. وهوى سعر صرف الجنيه الاسترليني إلى 1.03 دولار، فاقداً ما يصل إلى ربع قيمته منذ مطلع عام 2022.

يمكن لاستمرار الوضع المتدهور للاقتصاد البريطاني وفقدان الأسواق الثقة تدريجاً في السياسات المالية لحكومة حزب العمال أن يهوي بالعملة إلى هذا المستوى، أي قرب التساوي مع الدولار مجدداً كما حدث من قبل. خصوصاً إذا لم تتمكن وزيرة الخزانة راشيل ريفز من ضبط العجز ومستويات الدين وتقليل معدلات الاقتراض لتمويل الإنفاق العام.

من الأمثلة على أزمات اقتصادية أدت إلى انخفاض قيمة العملة البريطانية على مدى نصف القرن الماضي أنه في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي سعت حكومات متعاقبة من حزبي المحافظين والعمال جاهدة لاحتواء الإنفاق، مما زاد الضغط على الجنيه الاسترليني الذي تم تثبيته عند سعر صرف 2.80 دولار للجنيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبحلول عام 1967، أصبح الضغط لا يقاوم، لكن الخلاف داخل الحكومة ومع بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) الذي كان يعارض خفض قيمة الاسترليني كوسيلة سهلة للخروج من مشكلات بريطانيا، تسبب في إدارة سيئة لعملية خفض قيمة العملة. وأعلن رئيس الوزراء العمالي وقتها هارولد ويلسون رسمياً خفض قيمة العملة إلى 2.40 دولار للجنيه.

واستمر وضع الاقتصاد البريطاني متراجعاً حتى وصل إلى ما عرف بأزمة صندوق النقد الدولي منتصف سبعينيات القرن الماضي، وفاقم من مشكلات الاقتصاد أيضاً أزمة النفط بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 بين العرب وإسرائيل.

وبحلول عام 1975 تجاوز معدل التضخم في بريطانيا 25 في المئة، وشهد الجنيه الاسترليني حديث التعويم حال من السقوط الحر، ووصل في النهاية إلى أدنى مستوى قياسي له في ذلك الوقت عند 1.58 دولار للجنيه في أكتوبر عام 1976.

سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار

بعد ذلك تحسنت قيمة الجنيه الاسترليني مطلع الثمانينيات حتى وصل سعر صرفه إلى 2.30 دولار للجنيه مطلع ذلك العقد، إلا أن الدولار شهد ارتفاعاً هائلاً في قيمته بسبب اختلالات تجارية عالمية، وفي أوائل عام 1985 هوى سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار إلى مستوى قياسي عند 1.05 دولار للجنيه. ووقتها أيضاً لم يكن اقتراب الاسترليني من التساوي مع الدولار نتيجة ارتفاع قيمة الدولار فحسب، بل لأسباب تتعلق بالعملة البريطانية ذاتها والاقتصاد البريطاني عموماً في وقت حكومة مارغريت تاتشر.

بعد ذلك ارتفع الجنيه الاسترليني مقابل الدولار بعدما أبرمت الدول الصناعية الخمس الرائدة في العالم في ذلك الوقت "اتفاق بلازا"، الذي اتفقوا فيه على أن قيمة الدولار الأميركي مبالغ فيها وعلى اتخاذ إجراءات لتقليلها.

وشهد الاسترليني أزمة تردي قيمته مرة أخرى في مطلع العقد الأخير من القرن الماضي، وفي سبتمبر 1992 خرجت بريطانيا من آلية سعر الصرف الأوروبية، وهو النظام الذي كان يهدف لتقليل تقلبات العملة قبل إطلاق العملة الأوروبية الموحدة (اليورو). وحدث ما عرف باسم "الأربعاء الأسود" مع انهيار قيمة الاسترليني. وفي النهاية استقر الهبوط من قرب 1.8 دولار للجنيه إلى 1.4 دولار للجنيه.

وفي محاولة لدعم الجنيه الاسترليني، رفعت الحكومة أسعار الفائدة إلى 15 في المئة، وباع بنك إنجلترا ما قيمته 40 مليار دولار من الاحتياطات في الأشهر التي سبقت الأربعاء الأسود. لكن ذلك لم يحل من دون خروج حكومة جون ميجور من السلطة في 1997.

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة