ملخص
يحذر المتخصصون من استمرار الاعتماد على الأموال الساخنة والرسائل السلبية من دعوات إيقاف التعامل مع صندوق النقد الدولي في الوقت الراهن.
ضجت وسائل الإعلام في مصر بأنباء تراجع الدولار أمام الجنيه إلى أدنى مستوى منذ التعويم في مارس (آذار) 2024 حتى صار العنوان الأبرز لتغطيات برامج الـ"توك شو" في تحسن لافت لأداء الاقتصاد في وقت ينظر رجل الشارع صوب عملة بلاده باعتبارها مرآة للتعافي ومقياساً للتقدم المحرز في إدارة الملف الاقتصادي.
أمام ماراثون رهانات التنبؤ بـ"انهيار الدولار" وجرعات التفاؤل المفرطة، تغيب الموضوعية عن معالجات إعلامية كهذه، وتحل مكانها أشكال من التمني أو حتى التقديرات المتعجلة من دون روية، فثمة من راهن على تراجع الدولار إلى مستوى 30 جنيهاً بحلول النصف الأول من عام 2026، وهو ما يجعل من محاولة استقراء المشهد الحالي بموضوعية وصدق أمراً ملحاً وضرورياً.
بالنسبة إلى كثر لم يكن تراجع الدولار قبل أيام للمرة الأولى منذ تعويم الجنيه المصري إلى ما دون الـ48 جنيهاً مجرد رقم في شاشات الصرافة، بل انعكاس مباشر لتعافٍ طال انتظاره، ومقياس لتقدم الحكومة في إدارة واحد من أعقد الملفات الاقتصادية في البلاد.
انتعاش عابر أم استقرار دائم للجنيه؟
ارتفع الجنيه المصري إلى ما دون الـ48 جنيهاً قبل أن تتقلص مكاسبه قليلاً إلى مستوى 48.30 جنيه للبيع و48.20 للشراء في معظم البنوك العاملة في البلاد، وهي أرقام متدنية إذا ما قارنها المصريون بما كانت عليه قبل أشهر حين صعد الدولار إلى مستوى 80 جنيهاً في السوق السوداء.
في المقابل، كان هناك من لا يكتفي بالنظر إلى المؤشرات الظاهرة، فالشغف دافع لاستكشاف ما تخفيه الأرقام، وتفكيك تفاصيل هذا التحسن، وسبر أغواره، والبحث عن أسبابه العميقة وعوامله الخفية، ومن هنا يتبدى السؤال الجوهري: هل ما نشهده اليوم مجرد انتعاش عابر، أم أنه بداية لمسار طويل من الاستقرار الدائم للجنيه المصري؟
وتباينت القراءات حول الصعود الأخير للجنيه المصري، فهناك من اعتبره مجرد صعود وهمي، مدعوم بأدوات نقدية ومالية موقتة لا تصمد طويلاً أمام ضغوط السوق، بينما رأى آخرون أنه تعاف شرعي ومبرر، يعكس جملة من التطورات الإيجابية التي حققتها الحكومة في الأشهر الأخيرة: من إبرام صفقات استثمارية كبرى مع شركاء إقليميين ودوليين، إلى تدفق مليارات من الأموال الساخنة، مروراً بارتفاع تحويلات العاملين بالخارج، وصولاً إلى النمو الملحوظ في عوائد السياحة والصادرات، وبين هذا وذاك، يبقى السؤال مطروحاً: أي من الروايتين أقرب إلى الحقيقة؟
الطريق مفتوح إلى 45 و40 جنيهاً للدولار
في حديثهم لـ"اندبندنت عربية" ثمة من يعتقد من الاقتصاديين أن الطريق مفتوح إلى مستويات 45 و40 جنيهاً للدولار من دون أن يروا في ذلك إفراطاً في التفاؤل في ظل معطيات وشواهد حقيقية تنبئ بذلك، لكن هناك من يرقب بحذر تام وسط مشهد ملبد بمتغيرات محلية ودولية، من أزمة الديون العالمية إلى تذبذب أسعار الطاقة، أملاً في الأقل في استقرار يقيه خطر الدخول في موجات صعود أو هبوط حادة قد تفتح الباب لمزيد من الاضطراب.
على الأرض، تكشف الأرقام الصادرة عن البنك المركزي جانباً مهماً من المشهد، إذ تلقت مصر نحو 25 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي في أذون وسندات الخزانة المحلية خلال العام الأول بعد تحرير سعر الصرف، ليرتفع بذلك إجمال رصيد هذه المحافظ إلى نحو 38 مليار دولار بنهاية مارس الماضي.
وهي أرقام تعكس جاذبية أدوات الدين المصرية في أعين المستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة، لكنها في الوقت نفسه تطرح تساؤلاً عن مدى استدامة الاعتماد على تلك التدفقات (الأموال الساخنة) التي يمكن أن تنسحب بالسرعة ذاتها التي دخلت بها.
الجنيه المصري ماض في نطاق عرضي
ويكشف البنك المركزي المصري عن ارتفاع صافي الاحتياطات الدولية إلى 49.25 مليار دولار بنهاية أغسطس (آب) الماضي، بزيادة قدرها نحو 214 مليون دولار خلال الشهر الماضي، ويقرأ هذا التطور باعتباره تعزيزاً لخط الدفاع الأول عن الجنيه أمام أي تقلبات مفاجئة، ورسالة ثقة إلى الأسواق بأن قدرة البلاد على الوفاء بالتزاماتها الخارجية لا تزال قائمة، غير أن هذه الزيادة، على أهميتها الرمزية، تظل محدودة إذا ما قورنت بضغوط خدمة الدين الخارجي وحاجات الاستيراد المتنامية، وهو ما يضع ملف الاحتياط تحت عين المستثمرين وصندوق النقد على حد سواء.
في البداية يقول المتخصص الاقتصادي وائل النحاس إن الجنيه المصري ماض حالياً في نطاق عرضي وهو نطاق سعري يتوقع أن يستمر حتى فبراير (شباط) 2026، لكن هناك مؤثرات في هذا الأداء، على رأسها الموقف من صندوق النقد الدولي في ضوء المراجعتين المنتظرتين المقررتين خلال أسابيع لالتزام القاهرة الاتفاق مع المؤسسة الدولية.
إيقاف التعامل مع صندوق النقد الدولي
في حديثه إلينا ينظر النحاس بقلق إلى التصريحات السلبية الأخيرة التي طالبت بإنهاء التعاون مع صندوق النقد الدولي وتبني "برنامج وطني للإصلاحات الاقتصادية"، ويرى في دعوات كهذه رسائل سلبية يتلقاها الصندوق بمزيد من القلق حيال الموقف المصري وعدم جاهزية القاهرة لاستكمال البرنامج مع تلك المؤسسة.
في أغسطس الماضي قرر صندوق النقد الدولي دمج المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج دعم مصر المالي بقيمة 8 مليارات دولار، للخريف المقبل، وسط تقارير عن عدم وفاء القاهرة بالتزاماتها ضمن البرنامج المتفق عليه من إصلاحات اقتصادية.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري أعلنت متحدثة صندوق النقد الدولي، جولي كوزاك، أن بعثة الصندوق ستتوجه إلى القاهرة في خريف هذا العام لإتمام المراجعتين الخامسة والسادسة من برنامج "تسهيل الصندوق الممدد".
3 اختبارات صعبة للجنيه قبل نهاية 2025
وأوضحت المتحدثة أن المراجعة الأولى لبرنامج "الصمود والاستدامة" ستجرى تزامناً مع المراجعة السادسة بعد دمجهما، مؤكدة أن صرف أي دفعات جديدة سيبقى مشروطاً بتنفيذ كامل للإجراءات الإصلاحية المتفق عليها، وهو ما يعني أن الأسواق، ومعها الجنيه، ستترقب من كثب ما إذا كانت القاهرة قادرة على اجتياز هذا الاختبار بنجاح، إذ قد يفتح الباب أمام تدفقات جديدة تخفف الضغوط، أو تعيد العملة إلى دائرة القلق إذا ما تأخر الصرف أو تعثر التنفيذ.
وبحسب النحاس، سيترتب على المراجعتين المقبلتين مع صندوق النقد الدولي موقف المستثمرين الأجانب من ضخ الاستثمارات في أدوات الدين الحكومية بدءاً من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، لكن هناك عاملاً آخر محدداً لسلوك الجنيه المصري أمام الدولار بحسب ما يشير.
يضيف النحاس "في نهاية نوفمبر ومطلع ديسمبر (كانون الأول) المقبلين سيرتفع طلب المستوردين على الدولار لاستيراد مستلزمات شهر رمضان المبارك، وهو ما سيمثل أول اختبار حقيقي للطلب على الدولار في السوق المصرية"، مشيراً إلى أن هذا التوقيت موعد لخروج أرباح الشركات الأجنبية، وفاتورة الغاز المتوقعة شتاءً، وكلها اختبارات لقوة أو ضعف الجنيه، خصوصاً أن الفترة الماضية لم تشهد طلباً حقيقياً على الدولار الأميركي.
سيناريو تبخر الأموال الساخنة
ويرى المتخصص الاقتصادي وائل النحاس أن مصر بما لديها من وفرة دولارية حالياً نتيجة بعض الاستثمارات غير المباشرة والأموال الساخنة قد تكون أمام اختبار صعب، إذ إن هذا الصنف من الاستثمارات يأتي في لحظة وقد يتبخر أيضاً في لحظة، ومن ثم في حال تبخره قد يخلف أثراً فورياً في الجنيه مشابهاً للتعويم من جهة قوته.
وعومت القاهرة الجنيه المصري خمس مرات منذ عام 2016 باتفاقات مع صندوق النقد الدولي، ارتفع على أثرها الدولار الأميركي من مستوى ثمانية جنيهات وصولاً إلى 48 جنيهاً حالياً، وعرفت البلاد خلال تلك الفترة كثيراً من القرارات الإصلاحية الصعبة، كتحريك أسعار الوقود والكهرباء والخدمات.
وفي الوجه الآخر من الصورة رفع البنك المركزي المصري تقديراته لسداد خدمة الدين الخارجي عام 2026 إلى نحو 27.87 مليار دولار، بزيادة تقارب 1.9 مليار دولار عن توقعاته السابقة التي كانت عند مستوى 25.97 مليار دولار.
ويعزى هذا الارتفاع أساساً إلى زيادة أقساط القروض المستحقة في ذلك العام، والتي قفزت إلى 22.72 مليار دولار مقارنة بـ21.1 مليار دولار في التقديرات السابقة.
مسار الدين لا يزال صاعداً
هذه الأرقام تعكس الثقل الكبير الذي يشكله الدين الخارجي على موازين الاقتصاد الكلي، لتصبح أي مكاسب يحققها الجنيه مرهونة بقدرة الدولة على إدارة التزاماتها المالية المعقدة في الأعوام المقبلة.
وتكشف بيانات وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي عن ارتفاع الدين الخارجي لمصر بنحو 1.6 مليار دولار خلال الربع الأول من عام 2025، ليصل إلى 156.689 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، مقارنة بـ155.1 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2024.
هذا الارتفاع، وإن بدا محدوداً في حجمه، إلا أنه يؤكد أن مسار الدين لا يزال صاعداً، مما يضيف طبقة جديدة من التعقيد أمام محاولات ترسيخ استقرار الجنيه، خصوصاً أن كل زيادة في الدين تعني التزامات أكبر بخدمة أقساط وفوائد مستقبلية، ومن ثم ضغوطاً محتملة على الاحتياطات وسعر الصرف.
من الزوايا المثيرة للجدل في ملف العملة مسألة الأموال الساخنة التي تضخمت داخل السوق المصرية، وعن تلك الزاوية تقول الاقتصادية نيرمين طاحون، إن حجم هذه التدفقات يراوح حالياً ما بين 38 و46 مليار دولار، لكنها لا تعد مؤشر قوة بقدر ما تمثل عبئاً ثقيلاً على الاقتصاد الوطني.
مسكن قصير المدى
وتشير طاحون إلى أن الفوائد السنوية المستحقة عن تلك المبالغ تراوح ما بين 9 و14 مليار دولار، أي ما يعادل 442 إلى 664 مليار جنيه سنوياً، مما يضع الدولة أمام معضلة مزدوجة: فدفع الفوائد بالعملة المحلية عبر التوسع النقدي يهدد بزيادة التضخم وتآكل قيمة الجنيه، بينما سدادها بالدولار يستنزف جزءاً كبيراً من الاحتياط الأجنبي ويضغط على قدرة الدولة في تلبية التزاماتها وسداد فاتورة الواردات.
وترى المتحدثة التي كانت في السابق مدير الشؤون القانونية لوحدة المشاركة بين القطاعين العام والخاص بوزارة المالية المصرية، أن خطورة هذه التدفقات تتضاعف في ظل تجاوز السيولة المتداولة داخل مصر حاجز 12 تريليون جنيه (0.25 تريليون دولار)، مما يجعل أي زيادة إضافية في الكتلة النقدية سبباً مباشراً في تفاقم التضخم وفقدان الثقة بالعملة.
وتصف طاحون الأموال الساخنة بأنها مجرد "مسكن قصير المدى"، يترك الاقتصاد في حال هشاشة مستمرة، مؤكدة أن الحل الحقيقي يكمن في تشجيع الاستثمار المباشر، وتعزيز الصناعة الوطنية، وزيادة الصادرات باعتبارها مصادر أكثر استدامة للنقد الأجنبي.
قوة الاحتياط المصري
وأشادت طاحون بتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، التي أوضح فيها أن الأموال الساخنة لا تدخل ضمن احتياط النقد الأجنبي، معتبرة أن هذا الموقف يعكس شفافية الحكومة في إدارة الملف النقدي، ويؤكد أن قوة الاحتياط المصري تستند إلى موارد حقيقية مثل السياحة وقناة السويس وتحويلات العاملين بالخارج والصادرات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المتحدثة رحبت أيضاً بتوجه الحكومة نحو خطة مستقبلية لا تعتمد على هذه التدفقات القصيرة الأجل، مشددة على أن الأولوية في المرحلة المقبلة يجب أن تكون لتعزيز الاستثمار المباشر ودعم القطاعات الإنتاجية لبناء اقتصاد أكثر صلابة واستقراراً.
وحملت تقارير مؤسسات دولية إشارات داعمة للجنيه، إذ أشادت "فيتش سوليوشنز" بتحسن أدائه أمام الدولار خلال الفترة الأخيرة، معتبرة أن هذا التحسن يستند إلى جملة من العوامل، من بينها استقرار الأوضاع الاقتصادية وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر وارتفاع احتياطات النقد الأجنبي، إضافة إلى نمو الاستثمارات في محفظة الأوراق المالية.
وأكدت "فيتش" أن استقرار الجنيه على المدى القريب من شأنه تقليل أخطار تقلبات سعر الصرف على المستوردين والشركات الدولية، وهو ما يمنح بيئة الأعمال قدراً من الطمأنينة وسط مشهد عالمي شديد الاضطراب.
كم سيكون سعر الجنيه أمام الدولار؟
ويتقاطع هذا الانتعاش مع توقعات حديثة لبنك الاستثمار العالمي "غولدمان ساكس"، الذي أشار إلى أن سعر الصرف الفوري للجنيه سيحظى بدعم قوي من تدفقات المحافظ الاستثمارية المتوقعة خلال المرحلة المقبلة، مدعوماً كذلك بزيادة الاحتياطات الدولية التي توفر طبقة إضافية من الحماية لاستقرار العملة.
ويرى البنك أن الجنيه لا يزال مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية بصورة كبيرة، إذ يعد ثاني أكثر عملات الأسواق الناشئة المقومة بأقل من قيمتها بين مجموعة العملات التي يغطيها "غولدمان ساكس"، بنحو 30 في المئة.
ويتوقع أن يظل الجنيه مقوماً بأقل من قيمته بنسبة تقارب 25 في المئة خلال الـ12 شهراً المقبلة، إذا استقر سعر الصرف عند مستوياته الحالية، وهو ما يعكس وجود هامش محتمل لارتفاع العملة في حال تواصلت التدفقات والاستقرار.
صفقة مراسي البحر الأحمر
أما المتخصص المصرفي وليد عادل فيأتي من بين المتفائلين بأداء الجنيه المصري بدعم من صفقات الاستثمار الكبرى وآخرها صفقة مراسي البحر الأحمر، وخفض "الاحتياطي الفيدرالي" أسعار الفائدة الأميركية 0.25 في المئة، مما يجعل من أدوات الدين الحكومية المصرية ذات جاذبية في ظل ما توفره من عائد مرتفع.
في حديثه لنا، يلفت عادل إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي جاءت مع التحالفات الاستثمارية إلى منطقة شرق بورسعيد والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إلى جانب الاستثمارات السياحية والعقارية في منطقة الساحل الشمال الغربي للبلاد.
وعلى رغم أن عائدات قناة السويس من النقد الأجنبي لا تزال متراجعة بفعل التوترات في البحر الأحمر، فإن عادل ينظر إلى تلك العائدات بخصوصية عن بقية الموارد الدولارية الأخرى كونها معطلة بفعل الاضطرابات الجيوسياسية، ويتوقع أن يستمر هذا التعطل وقتاً أطول، لارتباطه بأفق التسوية في غزة.
الجنيه إلى مستويات 45 و40 للدولار
ومع ذلك يرى المتخصص المصرفي أن تحويلات العاملين بالخارج عوضت عوائد قناة السويس المتراجعة بمستويات غير مسبوقة، مرجحاً استمرار تلك التحويلات بالنمو الفترة المقبلة، ومتوقعاً أن يواصل الجنيه الصعود إلى مستويات 45 وربما 40 جنيهاً للدولار.
وتظهر بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 66.2 في المئة خلال السنة المالية 2024/2025، لتسجل 36.5 مليار دولار مقابل نحو 21.9 مليار دولار في العام السابق.
ولم يقتصر الأمر على التحسن السنوي، بل ارتفعت التحويلات خلال الربع الأخير وحده بمعدل 34.2 في المئة على أساس سنوي، لتصل إلى نحو 10 مليارات دولار مقارنة بـ7.5 مليار دولار في الفترة نفسها من 2024.
الجنيه المصري عند مفترق طرق معقد
في المقابل، تتلقى العملة ضغوطاً من جبهة أخرى شديدة الحساسية، إذ سبق أن أعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، أن إيرادات القناة تراجعت بنسبة 66 في المئة خلال عام 2024 بفعل هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، متوقعاً تكرار التراجع بالنسبة ذاتها خلال العام الحالي أيضاً.
وتتوقع هيئة قناة السويس تحقيق نحو ملياري دولار فقط في النصف الثاني من 2025، ليصل إجمال الإيرادات السنوية إلى نحو 4 مليارات دولار، وهو المستوى نفسه المسجل في العام السابق، بعدما كانت قناة السويس تحقق إيرادات قياسية تجاوزت عام 2023 نحو 9.4 مليار دولار، وفي وقت يتوقع صندوق النقد الدولي ألا تبدأ الإيرادات في التعافي تدريجاً قبل عامين وصولاً إلى 2030 بإجمال 11.9 مليار دولار.
وهكذا، يقف الجنيه المصري عند مفترق طرق معقد، فبين احتياطات دولارية، وتحويلات خارجية قفزت بقوة، واستثمارات تدفقت على أدوات الدين، يجد نفسه محاصراً بأعباء دين خارجي آخذة في التضخم، وتراجع حاد في إيرادات قناة السويس، فضلاً عن تقلبات الاقتصاد العالمي.
وفي خضم هذه التناقضات تكتسب زيارة بعثة صندوق النقد المرتقبة ثقلاً مضاعفاً، إذ قد تحدد مسار التزامات جديدة أو إصلاحات إضافية من شأنها رسم ملامح مستقبل العملة، وبين من يراهن على استمرار التحسن ومن يرقب بحذر، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ما يشهده الجنيه اليوم هو بداية تعاف دائم، أم مجرد استراحة قصيرة قبل اختبار أصعب؟