Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"طالبان" في الاختبار... إما قاعدة "بغرام" أو صفقة مع ترمب

إمكان تسليمها من جديد لواشنطن يحمل تداعيات سياسية وأيديولوجية خطرة للحركة إذ ستقوض السردية التي بنتها حول نهاية الاحتلال

احتفالا بالذكرى الثالثة لسيطرة "طالبان" على أفغانستان، في قاعدة "باغرام" الجوية، 14 أغسطس 2024 (أ ف ب)

ملخص

كتب مساعد وزير خارجية في حكومة "طالبان" ذاكر جلالي في منشور عبر منصة "إكس" أن الوجود العسكري الأميركي على الأراضي الأفغانية غير مقبول بالنسبة إلى "طالبان"، ولا يجوز أن تكون أية منطقة من أفغانستان تحت سيطرة الولايات المتحدة. وأضاف جلالي أن "ترمب، إلى جانب كونه سياسياً، فهو رجل أعمال ومفاوض ناجح، وقد طرح مسألة استعادة القاعدة على شكل صفقة".

أكد الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجمعة الـ19 من سبتمبر (أيلول) الجاري مجدداً الأهمية الاستراتيجية لقاعدة "بغرام" الجوية في أفغانستان، مشدداً على أن الولايات المتحدة لم يكن ينبغي أن تتخلى عنها.

وقال ترمب في حديثه للصحافيين إنه خلال ولايته الأولى كان دائماً يؤكد ضرورة الحفاظ على قاعدة "بغرام"، معارضاً الانسحاب الكامل للقوات الأميركية منها. وأضاف "سنرى ما سيحدث في (بغرام). كنا على تواصل مع أفغانستان، البلد الذي لم يكن ينبغي التخلي عنه أبداً. ذلك اليوم (في إشارة إلى إنهاء المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان) كان الأكثر خزياً في تاريخ بلادنا، ولم يكن هناك أي مبرر للانسحاب. كنت أسحب القوات من أفغانستان، وكنت من خفض عددها إلى 5 آلاف، لكننا كنا نريد الحفاظ على قاعدة (بغرام) الجوية".

تصريحات ترمب جاءت بعدما قال الخميس الـ18 من سبتمبر الجاري خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إن الولايات المتحدة تطلب من حركة "طالبان" تسليم قاعدة "بغرام" لها، مقابل مطالب الحركة من واشنطن. وأشار ترمب إلى الأهمية الاستراتيجية للقاعدة، موضحاً أن "بغرام" تبعد ساعة واحدة فقط عن منشأة نووية صينية، مما يجعلها ذات أهمية كبيرة للولايات المتحدة.

ورداً على هذه التصريحات كتب مساعد وزير خارجية في حكومة "طالبان" ذاكر جلالي في منشور عبر منصة "إكس" أن الوجود العسكري الأميركي على الأراضي الأفغانية غير مقبول بالنسبة إلى "طالبان"، ولا يجوز أن تكون أية منطقة من أفغانستان تحت سيطرة الولايات المتحدة. وأضاف جلالي أن "ترمب، إلى جانب كونه سياسياً، فهو رجل أعمال ومفاوض ناجح، وقد طرح مسألة استعادة القاعدة على شكل صفقة".

إعادة القاعدة "مستحيل"

وقال مسؤول في حكومة "طالبان" الأفغانية الأحد، إن التوصل إلى اتفاق في شأن قاعدة "باغرام" الجوية "مستحيل" بعدما توعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب البلاد بعقوبات لم يحددها في حال لم تجرِ إعادتها إلى الولايات المتحدة.

وذكر قائد الجيش الأفغاني فصيح الدين فطرت "أخيراً، قال البعض إنهم دخلوا في مفاوضات مع أفغانستان لاستعادة قاعدة (باغرام) الجوية"، بحسب تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية. وأضاف، "إن الاتفاق حتى على شبر من أراضي أفغانستان مستحيل. لسنا في حاجة إليه".

وتوعد الرئيس الأميركي دونالد ترمب السبت، أفغانستان بعقوبات لم يحددها في حال لم تُعد حركة "طالبان" قاعدة "باغرام" الجوية إلى الولايات المتحدة.

وكتب ترمب على منصته "تروث سوشيال" "إذا لم تُعد أفغانستان القاعدة الجوية إلى من بناها، أي الولايات المتحدة الأميركية، فستحدث أمور سيئة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويأتي هذا التهديد المبهم بعد أيام قليلة من طرحه خلال زيارة رسمية إلى بريطانيا، فكرة استعادة الولايات المتحدة سيطرتها على القاعدة.

وكانت "باغرام"، أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، ركيزة أساسية في الحرب التي قادتها واشنطن ضد حركة "طالبان" في أعقاب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وقد أثارت منظمات بينها العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش" مزاعم بحصول انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان من قبل القوات الأميركية في هذه القاعدة، خصوصاً في ما يتعلق بمعتقلي "الحرب على الإرهاب".

وطالما تحسر ترمب على فقدان "باغرام" بسبب موقعها الاستراتيجي القريب من الصين، لكن الخميس الماضي كانت المرة الأولى التي يعلن فيها أنه ينكب للعمل على هذه المسألة.

وقال ترمب في مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر "نحاول استعادتها، وبالمناسبة قد يكون هذا خبراً عاجلاً، نحاول استعادتها لأنهم بحاجة إلى أشياء منا".

وانسحبت القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي من "باغرام" بشكل فوضوي في يوليو (تموز) 2021، حيث سيطرت "طالبان" على مساحات شاسعة من أفغانستان قبل أن تحكم قبضتها على البلاد بأكملها.

ومنذ عودته إلى السلطة ينتقد ترمب التخلي عن القاعدة ويحمّل سلفه جو بايدن المسؤولية بسبب طريقة إدارته للانسحاب الأميركي من أفغانستان.

السردية والصفقة

في الوقت نفسه كتب المبعوث الأميركي الخاص السابق لشؤون السلام في أفغانستان زلماي خليل ‌زاد الذي زار كابول الأسبوع الماضي برفقة المبعوث الخاص لترمب لشؤون الرهائن آدام بولر منشوراً على "إكس" أكد فيه ضرورة تعزيز العلاقات بين كابول وواشنطن، مشدداً على أن الجانبين يمكن أن "يستفيدا" من هذه العلاقات.

وكتب خليل ‌زاد في رسالته قائلاً إن "أحد المجالات المهمة للولايات المتحدة هو مكافحة الإرهاب. لدى الأفغان دوافعهم الخاصة للسعي نحو علاقات أفضل، بما في ذلك التهديدات والتحديات القادمة من محيطهم. العقبة الفورية حالياً هي قضية السجناء والرهائن، ومن المهم للغاية إزالة هذه العقبة في أقرب وقت ممكن".

يذكر أن زلماي خليل ‌زاد كان وقَّع "اتفاق الدوحة" مع "طالبان" نيابة عن الولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2020، ولعب دوراً محورياً في مسار مفاوضات السلام. وقد مهد هذا الاتفاق الطريق لتقليص الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي الأميركي للنظام الجمهوري في أفغانستان، مما أدى في النهاية إلى سقوطه وعودة "طالبان" إلى السلطة.

وكما هو معلوم فإن حركة "طالبان" خاضت على مدى عقدين من الزمن حرباً ضد النظام الجمهوري في أفغانستان والقوات الأجنبية بذريعة وجود القوات الأميركية وقوات "الناتو" في البلاد واعتبرت القواعد العسكرية لهذه القوات تجسيداً لاحتلال أفغانستان. وبهذا الشعار إلى جانب الدعوة لتطبيق الشريعة الإسلامية قامت بتجنيد مقاتلين، خصوصاً من المناطق الريفية، وشنت هجمات مسلحة وتفجيرية وانتحارية، أودت بحياة عدد كبير من المدنيين الأفغان.

لكن "طالبان" بعد عودتها إلى السلطة تسعى اليوم إلى توسيع تعاملها مع واشنطن، وقد طالبت مراراً بإعادة فتح السفارة الأميركية لدى كابول. وعلى رغم أن الحركة كانت أعلنت بعد سقوط النظام الجمهوري أنها هزمت الولايات المتحدة وحلف "الناتو" في أفغانستان، فإنها الآن تطلب من تلك الدول العودة وتفعيل سفاراتها والإسهام في إعادة إعمار البلاد.

إمكان تسليم قاعدة عسكرية أميركية من جديد يحمل تداعيات سياسية وأيديولوجية خطرة لـ"طالبان"، إذ ستقوض السردية التي بنتها حول نهاية الاحتلال، وقد تؤدي إلى انقسامات داخلية. فالمعارضون لأي تقارب مع واشنطن والغرب قد ينشقون عن الحركة ويلتحقون بتنظيمات منافسة، مثل فرع "داعش خراسان"، مما قد يعزز صفوف تلك الجماعات. كما أن إعادة قاعدة "بغرام" إلى الولايات المتحدة قد تمنح الجماعات المعارضة لـ"طالبان" فرصة لاتهامها بالعمالة للغرب، تماماً كما كانت "طالبان" تتهم النظام الجمهوري السابق. هذا التخوف دفع سلطات "طالبان" إلى تجنب الاستجابة الإيجابية للمطالب الأميركية في هذا الشأن.

في الوقت ذاته تسعى "طالبان" إلى الحصول على مكاسب من واشنطن أبرزها الاعتراف الرسمي بحكومتها والإفراج عن الأصول المجمدة للبنك المركزي الأفغاني، لكن الولايات المتحدة رفضت هذه المطالب حتى الآن.

إرث الحرب الباردة

في يوليو (تموز) 2021 غادرت القوات الأميركية قاعدة "بغرام" بصورة مفاجئة، حيث قامت بقطع التيار الكهربائي عن القاعدة خلال ساعات الليل، وانسحبت من دون تنسيق مسبق مع القادة الأفغان.

عقب الانسحاب الكامل للولايات المتحدة وسقوط الحكومة الجمهورية في أفغانستان سيطرت حركة "طالبان" على هذه القاعدة الاستراتيجية، لكن تعقيد الأنظمة الفنية والتجهيزات المتطورة داخل القاعدة حال دون تمكن الحركة من الاستفادة الكاملة من إمكاناتها، حيث يشكل نقص الكوادر المتخصصة والمعدات الحديثة والقوى البشرية الماهرة تحدياً كبيراً أمام استغلالها الفعال للقاعدة.

مع فقدان "بغرام" أصبحت الولايات المتحدة تعتمد على قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط مثل قاعدة "العديد" في قطر وبعض القواعد في دولة الإمارات لتنفيذ عملياتها العسكرية والاستخباراتية في أفغانستان، لكن بعد المسافة عن الأراضي الأفغانية زاد من صعوبة العمليات، ورفع من كلفتها الزمنية واللوجيستية، وأبطأ من قدرة القوات الأميركية على الاستجابة السريعة.

تقع قاعدة "بغرام" شمال العاصمة كابول ضمن منطقة بغرام في ولاية بروان. وقد أنشأها الاتحاد السوفياتي في خمسينيات القرن الماضي لتتحول خلال الغزو السوفياتي لأفغانستان (1979–1989) إلى مركز رئيسي للعمليات العسكرية. وبعد انسحاب السوفيات، تناوبت فصائل المجاهدين وحركة "طالبان" على السيطرة عليها، إلى أن دخلت القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي إلى أفغانستان عام 2001، لتصبح "بغرام" مركز القيادة والعمليات العسكرية الأميركية هناك.

تضم القاعدة مدرجاً واسعاً يسمح بهبوط الطائرات العسكرية الثقيلة، بما في ذلك القاذفات وطائرات الشحن العملاق. كما تحوي منشآت عسكرية متطورة، منها ملاجئ محصنة وأبراج مراقبة ومستودعات ذخيرة ومرافق لصيانة الطائرات. إلى جانب ذلك، وفرت فيها خدمات ترفيهية متعددة مثل صالات رياضية ومطاعم ومراكز ترفيهية، مما حولها فعلياً إلى مدينة عسكرية صغيرة مخصصة للقوات الأميركية وحلفائها في أفغانستان.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير