Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من الجائحة إلى الذكاء الاصطناعي... 5 أعوام قلبت موازين الاقتصاد العالمي

محللون يرون أن هذه الفترة بداية عصر التحولات الكبرى وتصدع التكتلات الاقتصادية الدولية

انخفض النمو العالمي بنسبة 3.4 في المئة في 2020 بسبب الجائحة وارتفعت معدلات البطالة والتضخم (اندبندنت عربية)

ملخص

مع نهاية 2019، بدأت سلسلة من الصدمات غيرت وجه الاقتصاد العالمي بصورة جذرية من جائحة "كوفيد-19" إلى تصاعد الحروب، ومن موجات التضخم العالمية إلى صعود الذكاء الاصطناعي، وجد العالم نفسه أمام واقع اقتصادي جديد لا يشبه أي شيء سابق.

 

قبل خمسة أعوام، كان الاقتصاد العالمي يسير في اتجاهه المألوف، نمو متدرج وعولمة متسارعة وثقة شبه مطلقة في سلاسل التوريد، وتحكم مركزي واضح من القوى الاقتصادية الكبرى.

لكن مع نهاية 2019، بدأت سلسلة من الصدمات غيرت وجه الاقتصاد العالمي بصورة جذرية من جائحة "كوفيد-19" إلى تصاعد الحروب، ومن موجات التضخم العالمية إلى صعود الذكاء الاصطناعي، وجد العالم نفسه أمام واقع اقتصادي جديد لا يشبه أي شيء سابق.

فهل نشهد بالفعل نهاية نظام اقتصادي وبداية آخر، أم إن هذه التغيرات مجرد "دورة اضطراب موقتة" سرعان ما تنقضي؟

الجائحة: صدمة البداية التي قلبت الحسابات

لم تكن جائحة كورونا مجرد أزمة صحية، بل كانت لحظة فارقة في تاريخ الاقتصاد العالمي، ففي غضون أسابيع، توقفت عجلة الإنتاج في كبرى الاقتصادات، وانهارت سلاسل التوريد الدولية، ووجدت الحكومات نفسها مجبرة على التدخل السريع من خلال طباعة النقود ودعم الشركات وتمويل العاطلين من العمل.

تأثير الجائحة في الاقتصاد العالمي كان واضحاً، إذ انخفض النمو العالمي بنسبة 3.4 في المئة في 2020 (وفقاً لصندوق النقد الدولي).

خسائر قطاع الطيران: أزمة غير مسبوقة

وتسببت جائحة "كوفيد-19" في تدمير شبه كامل لـ قطاع الطيران العالمي، إذ توقفت الرحلات الدولية والمحلية بصورة كاملة أو جزئية لفترات طويلة.

ووفقاً لرابطة النقل الجوي الدولي "IATA"، بلغت خسائر القطاع نحو 200 مليار دولار خلال عامي 2020 و2021، مما أدى إلى تسريح ملايين العاملين وتجميد الاستثمارات وتراجع كبير في أنشطة السياحة والتجارة العالمية.

كانت هذه الخسائر سبباً رئيساً في تأجيل كثير من المشاريع الاقتصادية، وأثرت في اقتصادات كثيرة تعتمد بصورة كبيرة على السياحة والطيران كمصدر دخل رئيس، خصوصاً في دول الخليج وجنوب شرقي آسيا.

وارتفعت نسب البطالة إلى أرقام قياسية في الولايات المتحدة وأوروبا، أيضاً شهد العالم تحولاً جذرياً في أولويات الإنفاق الحكومي نحو الصحة والرعاية.

لكن الأخطر كان بداية فقدان الثقة في النموذج العالمي لـ"العولمة" التي تتيح الاعتماد المتبادل الكامل بين الدول.

ومع إعادة فتح الاقتصادات، لم تعد الأمور إلى طبيعتها إذ سادت فوضى في سلاسل الإمداد، وارتفعت أسعار المواد الخام، وبدأت البنوك المركزية تطارد التضخم بلا هوادة.

فقفزت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة من 0.25 في المئة إلى أكثر من خمسة في المئة خلال 18 شهراً، وارتفعت أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، خصوصاً في الأسواق الناشئة، وبدأت الشركات بنقل مصانعها من الصين إلى دول أقرب مثل المكسيك وفيتنام.

تلك الأحداث دفعت كثيرين للحديث عن بداية "نهاية العولمة" بالصورة التي عرفناها منذ تسعينيات القرن الماضي.

فقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا إن "الاقتصاد العالمي أظهر مرونة ملحوظة في مواجهة كوفيد‑19، الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الفائدة"، مستدركة "لكنه لا يزال يحمل ندوباً عميقة من تلك الصدمات".

وأضافت أن الناتج العالمي "لا يزال أقل من المستوى الذي كان من المتوقع لو استمر النمو كما قبل الجائحة وأن الدول الفقيرة هي الأكثر تأثراً".

بينما قال المحلل الاقتصادي بجامعة ستانفورد جون أتش كوكرين "التضخم الذي ظهر في 2022‑2023 كان إلى حد بعيد نتيجة الإنفاق الحكومي الهائل خلال الجائحة"، مضيفاً "إدارة السياسة النقدية وحدها ليست كافية، فالدولة تحتاج أن تعيد النظر في الإنفاق والضرائب أيضاً".

حرب أوكرانيا: الاقتصاد سلاح استراتيجي

في فبراير (شباط) 2022، بدأت روسيا غزوها لأوكرانيا، وامتد تأثير هذه الحرب إلى الاقتصاد العالمي بسرعة غير مسبوقة، ودفع أسعار الغاز في أوروبا إلى الارتفاع بنسبة تجاوزت 400 في المئة في بعض الأشهر، وامتد التأثير إلى حدوث أزمة غذاء عالمية بسبب توقف صادرات القمح الأوكراني.

وحدث انقسام اقتصادي عالمي بين محور غربي وآخر تقوده الصين وروسيا، بدأت تظهر تحالفات اقتصادية جديدة، أبرزها تحالف "BRICS+"، الذي يسعى لفك الارتباط بالدولار وتأسيس نظام تجاري مواز.

الذكاء الاصطناعي: الثورة التي لم تكن في الحسبان

إذا كانت الجائحة قد غيرت سلوك المستهلكين، والحروب غيرت مسارات التجارة، فإن الذكاء الاصطناعي بدأ يعيد تعريف الإنتاج نفسه.

فمنذ إطلاق نماذج مثل "ChatGPT" و"Claude"، أدركت الحكومات والشركات أن هناك قوة جديدة في السوق، بعدما أصبح الذكاء الاصطناعي عنصراً أساساً في قطاعات التعليم والطب والبرمجة.

وتفجرت مخاوف واسعة من فقدان ملايين الوظائف التقليدية، لكن في المقابل، ظهرت وظائف جديدة ومجالات استثمار ضخمة في أدوات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الرئيس التنفيذي لـ"أوبن أي آي" سام ألتمان "الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة، بل مرحلة جديدة من الإنتاج البشري".

منظمة التجارة العالمية (WTO) حذرت من أن الذكاء الاصطناعي قد يزيد من الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة إذا لم توفر البنى التحتية الأساسية بصورة شاملة فوائده في النمو قد تتنوع بدرجات كبيرة بين الدول بحسب إمكاناتها.

خريطة جديدة للاقتصاد العالمي

بعد تلك الأحدث ظهرت مؤشرات لتشكل أنظمة جديدة وإعادة خريطة الاقتصاد العالمي، فالدول الصناعية الكبرى تعاني شيخوخة سكانية، وضغطاً تضخمياً، وتحديات هيكلية.

بينما، الأسواق الناشئة بعضها استفاد من نقل الاستثمارات (مثل الهند وفيتنام)، بينما عانت أخرى من ديون ضخمة وتضخم خانق.

وشركات التكنولوجيا أيضاً استفادت بصورة كبيرة، لكنها تواجه ضغطاً تنظيمياً وتشريعياً متزايداً، أما الطبقة المتوسطة عالمياً فقدت كثيراً من قدرتها الشرائية، خصوصاً في أوروبا والولايات المتحدة.

إلى أين يتجه العالم؟

تشير المؤشرات إلى أننا نعيش انتقالاً بطيئاً نحو نظام اقتصادي متعدد الأقطاب، فالولايات المتحدة لم تعد القوة الاقتصادية الوحيدة المهيمنة خصوصاً في ظل تراجع هيمنة الدولار عالمياً وتسعى الصين والهند وروسيا لبناء تكتلات بديلة.

وفي قلب كل ذلك، يبقى السؤال الأكبر، هل نحن أمام "عصر ما بعد العولمة" فعلاً، أم إن العالم سيعود إلى الاندماج بعد تجاوز الصدمات؟

بين عدم اليقين والفرص

في خمسة أعوام فحسب، تغير الاقتصاد العالمي أكثر مما تغير في عقدين، وما بين الجائحة، التضخم والحروب والذكاء الاصطناعي، وجد العالم نفسه يعيد ترتيب أوراقه، لكن كما هي الحال دائماً في الاقتصاد، فإن كل أزمة تحمل في طياتها فرصاً، والأذكى ليس من ينجو من التغيير، بل من يتعلم كيف يستفيد منه.

اقرأ المزيد