Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل البريطانيون مستعدون لخوض حرب كبرى في أوروبا؟

ما جرى أخيراً في بولندا يذكرنا بأن أوروبا ليست بمنأى عن الحرب، أما في بريطانيا فالسؤال هو: هل شعبها مستعد للحرب، وإن لم يكن، فكم من الوقت يلزم لتدريبه؟ نستعرض في الآتي تجربة وزارة الدفاع البريطانية في تأهيل المدنيين الأوكرانيين وإمكان استنساخ التجربة

طلائع المجندين يصطفون لتسجيل أسمائهم في الجيش في محطة كينغز كروس، لندن عند بداية الحرب العالمية الثانية. لو اندلعت الحرب في أوروبا الآن، سيكون السيناريو مختلفاً للغاية (غيتي)

ملخص

أحداث اختراق الطائرات المسيرة للأجواء البولندية أعادت طرح سؤال جاهزية أوروبا وبريطانيا لِحرب أوروبية كبرى وهل لدى بريطانيا الأفراد الكافيين أو القدرة على تحويل المدنيين بسرعة إلى مقاتلين؟ تدريب «إنترفليكس» يظهر أن التأهيل السريع ممكن لكنه مكلف اجتماعياً ونفسياً، ما يفتح نقاشاً عملياً وأخلاقياً حول التجنيد الإجباري أو نماذج الخدمة الوطنية المختلطة كوسيلة لبناء احتياطي بشري فعال.

عندما تردد هذا الأسبوع خبر اختراق الطائرات المسيرة الروسية للأجواء البولندية، لم يكن وقعه على وارسو وبروكسل وحدهما، بل أيقظ القلق في أنحاء أوروبا، وهنا في المملكة المتحدة أيضاً. عاد السؤال المروع للواجهة: إلى أي حد نحن مستعدون فعلاً لمواجهة حرب كبرى غير متوقعة على قارتنا؟ قادة "الناتو" لم يجاملوا، إذ دعوا المدنيين صراحة إلى أن يكونوا جاهزين لأداء دورهم إذا اندلعت الحرب. وهذا التحذير يفرض سؤالاً ثقيلاً: لو وقعت المواجهة، هل نملك ما يكفي من الجنود؟ ومن سيحمل السلاح، وبأية سرعة يمكن تحويل المدنيين إلى مقاتلين؟

قد يبدو هذا السؤال بعيداً عن الواقع في بريطانيا عام 2025، فنحن اعتدنا النظر إلى قواتنا المسلحة كقوة صغيرة محترفة قائمة على متطوعين، بعيدة كل البعد من زمن التعبئة الشاملة، لكن ما حدث في بولندا وتحذيرات "الناتو" أعادت التذكير بأن الصراعات في أوروبا قد تتصاعد بوتيرة مرعبة. وإذا فشلت سياسة الردع، ستجد بريطانيا نفسها أمام واقع الحاجة إلى قوات أكبر بكثير من جيشنا النظامي الحالي، الذي لا يتجاوز عدده 70 ألف عنصر عامل بدوام كامل.

لقد شاهدت بنفسي كيف يمكن للتدريب المكثف أن يحول المدنيين إلى مقاتلين قادرين، فوزارة الدفاع البريطانية تقود منذ عام 2022 عملية "إنترفليكس"، وهو برنامج تدريب متعدد الجنسيات للمجندين الأوكرانيين. بدأ البرنامج بدورة قتال أساسية، ثم تطور ليصبح مساراً مدته سبعة أسابيع يضم تدريبات متقدمة في القيادة وإعداد المدربين، مصمم خصيصاً لتلبية احتياجات الجيش الأوكراني.

في العام الماضي، على أرض تدريب مقفرة في جنوب إنجلترا، شاهدت فرقة من ستة شبان أوكرانيين يقتربون من منزل وهمي. تحركوا في صمت، كأنهم يؤدون رقصة مدروسة بعناية. خلال دقيقة واحدة كان "المنزل" قد تم تطهيره. لم يكن استعراضاً سينمائياً، بل تدريباً حقيقياً على حرب المدن: بارد، محسوب، وذو هدف واضح.

لم يكن هؤلاء الشبان جنوداً محترفين من قبل، فمنذ أسابيع قليلة فقط، كانوا يعملون في تكنولوجيا المعلومات، أو كسائقي حفارات، أو سعاة بريد، أو طلاباً على وشك دخول برنامج سيحولهم من مدنيين إلى مقاتلين. فور وصولهم، تسلموا 65 قطعة من التجهيزات العسكرية، وأرشدوا إلى أماكن نومهم، ثم ألقي بهم في 35 يوماً من التدريب القاسي المتواصل على استخدام السلاح، وحرب الخنادق، والإسعافات الأولية في ساحة المعركة، وإزالة الألغام، والقتال الحضري. أي ما يتعلمه المجند البريطاني عادة في 12 إلى 18 أسبوعاً، اختزل هنا في نحو شهر واحد فقط أو أكثر بقليل.

 

وأثر هذا التدريب لا يقتصر على المهارة القتالية، فالمقدم ويلسون، قائد وحدة تدريب "إنترفليكس"، قال لي "يخرجون أكثر ثقة وفخراً. نحن نجيد تدريب الأساسيات، ونفعل ذلك منذ زمن طويل"، أما ضابط أوكراني كبير فلخص الأمر بوضوح أكبر: "أفضل مجندينا يأتون من ’إنترفليكس’".

التقيت بفلاد، خبير تكنولوجيا المعلومات البالغ من العمر 23 سنة، وكان مقرراً أن يلتحق بالجبهة بعد فترة قصيرة. كان طويل القامة، رشيقاً، وسيماً، وفي عينيه تلك النظرة العميقة التي يكتسبها الجنود غالباً بعد القتال. قال بهدوء إنه فقد أصدقاءه في الحرب، لكنه تطوع بدافع الواجب في الدفاع عن وطنه. كما التقيت فيتالي، سائق حفارة قوي البنية يبلغ 25 سنة. اعترف بأن التدريب شاق، لكنه أدرك أنه سيجعله أكثر استعداداً للقتال. كلاهما كان يدرك أن بضع أسابيع فقط قد تفصل بينهما وبين القتال - وربما الموت - في خنادق أوكرانيا، ولا أعرف اليوم إن كانا لا يزالان على قيد الحياة.

هذه العملية لتحويل المدنيين إلى جنود لم تعد حالة استثنائية، بل نهجاً مؤسسياً في دول أوروبية عدة، في فنلندا يلزم معظم الشبان بالخدمة العسكرية مع بدائل للمستنكفين بدافع أسباب أخلاقية أو دينية. وفي السويد، التي هزها العدوان الروسي، أعيد العمل بالتجنيد الإجباري عام 2017. أما بولندا، المهددة بصورة مباشرة، فاستثمرت بكثافة في قوات الدفاع الإقليمية وتدريب المدنيين، ونشرت 40 ألف جندي على حدودها الشرقية استعداداً لمناورات «زاباد 2025» الضخمة التي تجريها روسيا وبيلاروسيا.

لا تعد هذه البرامج العسكرية الأوروبية حنيناً إلى الماضي، بل أشبه بتدبير وقائي عملي تهدف إلى ضمان أن يعرف آلاف الأشخاص كيف يقاتلون في حال اندلاع الحرب.

في المقابل، ألغت بريطانيا الخدمة الإلزامية في 1960. كان الشباب يستدعون للخدمة حينها لمدة سنتين، فيما منح العاملون في بعض المهن إعفاء من الخدمة وسمح للطلاب بتأجيلها. صحيح أن النظام كان ظالماً في غالب الأحيان، إذ أتاح لمن لديهم علاقات معينة أن يتهربوا من الخدمة بصورة أسهل، لكنه أدى إلى تكوين مجموعة كبيرة من الرجال الذين تلقوا تدريباً عسكرياً أساسياً. إذا فكرنا في تطبيق نظام مشابه اليوم، فإن النقاش لن يقتصر على الجوانب اللوجستية، بل سيشمل قضايا العدالة والموافقة أيضاً.

 

خلال الحرب العالمية الثانية، كان الرجال غير المتزوجين الذي تتراوح أعمارهم بين 18 و41 سنة أول من شملهم قرار التجنيد الإلزامي، فيما أعفي أصحاب بعض المهن الأساسية - مثل عمال المناجم والأطباء ورجال الدين - من التجنيد [باعتبارها مهن ضرورية للجبهة الداخلية]. كما جندت النساء أيضاً، لكن في أدوار داعمة للمجهود الحربي أكثر من المشاركة المباشرة في القتال.

اليوم، لا بد أن يتخذ أي نظام تجنيد بريطاني مساراً مختلفاً تماماً، فالمساواة بين الجنسين ستكون شرطاً أساسياً، كما هو الحال في النرويج. وقد يستثنى من القتال الأطباء والمسعفون وخبراء الأمن السيبراني والعاملون في قطاعات الطاقة، لكن مع إلزامهم بخدمة وطنية. ويبقى العدل الركيزة الأهم: فليس هناك ما يفتك بالمعنويات أسرع من شعور الناس بأن أصحاب الامتيازات قادرون على شراء إعفائهم من الخدمة.

يعتبر المشككون أن المسيرات والذكاء الاصطناعي والصواريخ بعيدة المدى قد جعلت الجيوش الجرارة شيئاً من الماضي، لكن أوكرانيا تثبت لنا العكس. يمكن للمسيرات أن تكشف عن مكان وجود العدو، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يعالج بيانات الأهداف- لكن البشر وحدهم قادرون على تطهير خندق وإحكام السيطرة على شارع أو تطهير منزل. لهذا السبب، تواصل أوكرانيا تدريب المدنيين بالآلاف. ولهذا السبب تتمسك فنلندا والسويد بالتجنيد العسكري، ولهذا السبب وضعت بولندا نفسها في حالة استعداد دائم. فالأعداد حاسمة، ومن دون قوة بشرية كافية تصبح حتى أكثر الأسلحة تطوراً مجرد أدوات بلا جدوى.

 

فإذا ما انزلقت بريطانيا، لا قدر الله، إلى حرب أوروبية كبرى، كيف ستستعد؟ أحد الخيارات الواقعية هو فرض صورة انتقائية من الخدمة الوطنية: دورات قصيرة ومكثفة - ربما بين ستة وتسعة أشهر، أو حتى برنامج من خمسة أسابيع على غرار "إنترفليكس" - تنشئ رصيداً من جنود الاحتياط يمكن استدعاؤهم عند الحاجة. كما يمكن اعتماد مسار مواز يوسع نطاق الخدمة ليشمل التدريب على العمل في المستشفيات، والخدمات اللوجستية، والدفاع السيبراني، والاستجابة للطوارئ، إلى جانب القتال.

وكان رئيس الأركان السابق، الجنرال السير باتريك ساندرز، صريحاً في هذا الشأن. فقد حذر من أن على بريطانيا أن تستعد لـ"مهمة وطنية شاملة"، مؤكداً أن "تجربة أوكرانيا تظهر بوضوح أن الجيوش النظامية تبدأ الحروب، لكن الجيوش الشعبية هي التي تنتصر فيها". لم يدع ساندرز إلى تجنيد إجباري شامل، بل شدد على ضرورة وضع أسس للتجنيد الطوعي عند الحاجة. قد تبدو الفكرة غير محببة، لكن تجاهلها يغدو أصعب فأصعب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يجب ألا نكون سذجاً، فـتدريب المدنيين ليصبحوا جنوداً ممكن - لقد شاهدت ذلك يحدث في خمسة أسابيع - غير أنه يرافقه أثمان باهظة. إنه يعرقل الحياة اليومية، ويؤجل الدراسة، ويعطل المسار المهني. وبعض الناس ببساطة غير مؤهلين للقتال، ودفعهم إليه قسرياً قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية. ومن الناحية السياسية، على الحكومات أن تكون صريحة: هذا ليس اختبار نضج أو تجربة عابرة، إنه استعداد للرعب، ولا يبرره سوى أخطر التهديدات - وفقط إذا نفذ بعدل.

عندما راقبت أولئك الشبان الأوكرانيين وهم يتحركون بهدوء داخل منزل مزيف في جنوب إنجلترا، أدركت مدى ضيق الفارق بين السلام والتعبئة. في شهر معين، أنت فني يعمل في تكنولوجيا المعلومات أو في موقع بناء، وفي الشهر التالي، تطهر مباني وتستعد لاحتمال الموت.

ذكرتنا أحداث بولندا هذا الأسبوع أن أوروبا غير محصنة ضد الحروب، وبالنسبة إلى بريطانيا، لا يطرح السؤال حول قدرة طائراتنا على الطيران أو غواصاتنا على الإبحار، بل السؤال هو إن كان لدينا الأشخاص المستعدون للقتال، وفي حال العكس، بأية سرعة يمكننا تأهيلهم له.  تثبت تدريبات "إنترفليكس" أن ذلك التأهيل ممكن، والأوكرانيون خير مثال عليه، لكن السؤال المزعج هو إن كنا مستعدين لأن نفعل المثل في حال اندلعت الحرب فعلاً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل