Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اختراق مسيرات روسية لأجواء بولندا تمهيد لما هو أعظم

يجب أن يتخطى رد فعل حلف "الناتو" الرفض الدبلوماسي وأن يسفر عن تحرك حقيقي لكيلا يتجرأ بوتين على امتحان الغرب في دول أخرى

جنود بولنديون ينصبون حاجزاً من الأسلاك الشائكة على الحدود البولندية - الروسية عام 2022 (أ ف ب/غيتي)

ملخص

اختراق المسيرات الروسية لأجواء بولندا يشكل اختباراً حاسماً لعزيمة "الناتو"، ويكشف عن تصعيد محتمل في استراتيجية روسيا تجاه أوروبا، وسط تردد غربي في الرد الحازم الذي قد يردع موسكو ويمنع تكرار الانتهاكات في دول أخرى.

بولندا في حالة أزمة قائمة بعد انتهاك عدد كبير من المسيرات الروسية مجالها الجوي، وكيفية استجابة أوروبا وحلف "الناتو" ستكون حاسمة، ليس فقط من أجل بولندا وحدها، بل من أجل أية دولة أخرى من الضروري بالنسبة إليها أن ترتدع روسيا لا أن تزداد جرأة.

هذه ليست المرة الأولى التي تخترق فيها المسيرات الروسية المجال الجوي البولندي، لكن الإجراءات التي اتخذتها وارسو رداً على الانتهاك هذه المرة تبرهن بما لا شك فيه أن الوضع الحالي يختلف تماماً عن أية حوادث سابقة ربما كانت لتعتبر غير مقصودة. وبعدما وصفت بولندا هذه الحادثة بصورة لا لبس فيها بأنها عمل عدواني، لم تترك أي مجال لإساءة تفسير ما حصل.

وهذا ما يعني أيضاً أن الحادثة اختبار لـ"الناتو"، من المعروف أن المادة الخامسة من معاهدة حلف الشمال الأطلسي غير واضحة في تعريف ما يشكل "اعتداء مسلحاً" وتحديد الخطوات التي يفترض بالدول الأعضاء في الحلف أن تتخذها رداً على هذا الاعتداء. لكن النقطة الوحيدة الواضحة هي أنه يجب اعتبار الاعتداء على بولندا اعتداء على كل دولة من الدول الأعضاء في "الناتو"، أي أن المعاهدة تلزم دولاً مثل المملكة المتحدة وفرنسا وحتى الولايات المتحدة بالاستجابة لهذا الاعتداء، في حال طلب منها ذلك، كما لو أنها كانت هي ضحيته إلى جانب بولندا.

في الوقت الراهن، لم تطرح بولندا مسألة رد "الناتو" بموجب المادة الخامسة، بل طلبت تفعيل المادة الرابعة التي تنص على إجراء مشاورات بين الدول الأعضاء في الحلف في مواجهة أزمة تتعرض إليها، وهي مادة تمنح خياراً أقل حدة لبولندا و"الناتو" وحلفاء "الناتو"، الذين ربما يترددون حتى الآن في شأن فتح مواجهة مع روسيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

استناداً إلى النمط الثابت حتى الآن، يمكن لروسيا أن تتأكد إلى حد بعيد أن الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترمب لن ترد عليها بأية صورة جادة. لكن مخططات روسيا بالنسبة إلى أوروبا تعتمد على بقاء ترمب طيعاً وسلبياً في ما يتعلق بالقارة بأكملها كما كان في موضوع أوكرانيا، وتحتاج روسيا إلى تطمينات بأن الولايات المتحدة لن ترد، وتشكل الحوادث المماثلة، إضافة إلى الهجوم الأخير على مصنع أميركي في غرب أوكرانيا سبيلاً لتوفير هذه التطمينات.

وهذه نقطة بالغة الأهمية لجيران بولندا، وليس فقط أعضاء "الناتو"، الذين لا بد سيخشون أن يكون ما حدث ليلاً بداية لمزيد من الاختبارات الروسية في دول أخرى، وقد يساور لاتفيا وليتوانيا تحديداً القلق في شأن المرحلة المقبلة.

حالياً، تتجه الأنظار إلى دور بيلاروس. "فجزء كبير" من المسيرات التي انتهكت أجواء بولندا، وعددها 19 مسيرة، جاء من أراضي بيلاروس. قال المسؤولون في ذلك البلد إن ما وقع كان حادثة ناجمة عن التشويش على الملاحة الجوية، كما أضافوا أن بيلاروس كانت على تواصل مع بولندا أثناء وقوع الحادثة.

غالباً ما توصف بيلاروس بتهكم على أنها أداة لا حول لها ولا قوة بيد موسكو، غير قادرة على التصرف بصورة مستقلة. اقترب موعد بدء مناورات "زاباد" [الغرب] العسكرية الدورية والمشتركة بين روسيا وبيلاروس، ودائماً ما تمثل هذه المناورات فترة يزيد فيها التركيز على ما يمكن لروسيا أن تفعله بجيرانها الأوروبيين انطلاقاً من أراضي بيلاروس، ومن هؤلاء الجيران بولندا ولاتفيا وليتوانيا، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن بيلاروس على وشك المشاركة في هجوم بري على "الناتو". فليس من مصلحة بيلاروس أن تتورط في الصراع الأوكراني أكثر بعد، ولا سيما إن كان جيرانها الأوروبيون طرفاً في ذلك.

تشير بعض الأدلة الظرفية أن روسيا أسندت إلى بيلاروس دوراً فاعلاً أكبر في مخططاتها الأصلية المتعلقة باجتياح أوكرانيا، لكن القوات المسلحة البيلاروسية رفضت الاضطلاع بهذا الدور. ليس من المرجح أن تتأكد هذه المعلومات، أو تنفى بصورة قاطعة، في المستقبل المنظور.

في هذه الأثناء، تمنح رواية "الحادثة" التي طرحتها مينسك فرصة لروسيا. فإن اعتبرت موسكو أن الوقت غير موات الآن لتصعيد الموقف مع "الناتو"، أو إن ردت أوروباً بصورة حاسمة، يمكنها استخدام هذه الذريعة لمنع تأجيج الوضع. وفي أية حال، تمنح هذه الضربة على بولندا فرصة مفيدة لروسيا كي تختبر عزيمة "الناتو" والولايات المتحدة.

أغلقت المطارات البولندية خلال الحادثة، كما يحدث مع المطارات الأوكرانية كافة منذ فبراير (شباط) 2022. هذا مثال بسيط على شكل العرقلة والاضطراب الذي يمكن أن تتسبب به روسيا حتى في دول من المفترض أنها في حالة سلام معها، وإن لم تردع روسيا بالصورة المناسبة، لا شك في أنها قادرة على فعل المزيد، وهذا ما ستفعله.

تمثل الحادثة استمراراً للنهج الروسي باختبار الحدود واستطلاع مدى المسموح، قبل أن ترد عليها الدولة أو الدول الضحايا. يسمى هذا الأسلوب عادة "استراتيجية تقطيع السلامي" التي تهدف إلى تطبيع حالة الحرب رويداً رويداً. ويبقى السؤال الأهم هو متى يقرر الهدف أن يعترف بما يحصل، وقد قررت بولندا بما لا يدع مجالاً للشك أن الوقت قد حان.

ومن ناحية أخرى، يزود هذا الاختراق روسيا بمعلومات حول قدرات الرد في بولندا، وقواعد الاشتباك التي تعمل بموجبها الطائرات البولندية وطائرات "الناتو"، أي بعبارات أخرى، متى يسمح لها بإطلاق النار على تهديد قادم من روسيا.

تقول بولندا إنها أسقطت ما مجموعه أربع مسيرات من أصل 19 مسيرة يعتقد أنها دخلت مجالها الجوي، هذه ليست نسبة كبيرة حتى في ظل اعتبار أن بعض المسيرات لا تستحق الاعتراض.

كان أمام أوكرانيا سنوات طويلة لوضع نظام يكشف عن التهديدات الموجهة نحوها ويعترضها ويحمي سكان البلاد منها، وفي ما تعمل البلدان الأوروبية الأخرى على الاستعداد بصورة عاجلة، فهي ما زالت متأخرة كثيراً. ويفترض أن المملكة المتحدة قد أطلقت عملية إعادة بناء الدفاعات الداخلية وتوفير ما يلزم السكان المدنيين، ولكن لا تظهر أي آثار لهذه التحركات في العلن.

بأفضل الأحوال، قد تدفع الحادثة "تحالف الراغبين"، الذي يفترض أنه تأسس لتعزيز السلام في أوكرانيا، إلى الاعتراف بأن المهمة المطروحة هي الدفاع عن أوروبا برمتها، ويستحسن أن يحصل ذلك بدعم أميركي.

إن القوات البريطانية موجودة أساساً في بولندا، ويشكل بعضها جزءاً من كتيبة تابعة لـ"الناتو" منتشرة في البلاد منذ وقت بعيد. كما أن هناك حضوراً كبيراً للقوات الأميركية، على رغم محاولات مسؤولين وضعهم ترمب في "البنتاغون" تقليص الدعم الأميركي لأوروبا.

إن الرد التلقائي، الذي لن يحدث على الأرجح، هو تنفيذ استراتيجية دفاع أمامية استباقية تسمح للدول المجاورة باعتراض المسيرات وغيرها من التهديدات قبل أن تصل إلى مجالها الجوي، وليس بعد أن تخترقه. وهذا هو محور مخطط "درع السماء الأوروبية" الطويل الأمد، أن يحمي داعمو أوكرانيا المجال الجوي غرب البلاد في موقع أبعد بكثير من الخطوط الأمامية، تحديداً للحؤول ضد وقوع الحادثة التي وقعت في بولندا الآن.

إن تطبيق خطة "درع السماء الأوروبية" يبرهن لروسيا أن أي هجوم تشنه لن يمر من دون عواقب، ويمنح حماية خاصة لجيران روسيا وبيلاروسا الآخرين من أي تهديدات مماثلة في المستقبل.

لكنه من المرجح كذلك أن يكتفي القادة في الاتحاد الأوروبي وسائر الدول الأوروبية بالتعبير عن "قلقهم" وربما حتى عن "قلقهم العميق"، وهذا رد يثير سخرية منذ فترة طويلة بسبب عقمه وتفاهته. فإن لم يكن الرد على روسيا حازماً - بصورة يمكن أن تعتبرها روسيا مكلفة لها، وليس من خلال المجاملات الدبلوماسية - ستكون أوروبا رسبت في اختبارها الأخير كما فشلت في اختبارات كثيرة قبله.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل